اعتبارات لعودة آمنة

بغض النظر عن اختلاف الآراء بما يخص حق الاختيار لعودة الطلاب للمدارس لا بد لنا أن نبدأ برسم سياسات العودة التي تأخذ بعين الاعتبار الجوانب المختلفة التي أثرت بها الجائحة على طلابنا للتحضير لهبوط تدريجي بأقل الأضرار التي لا مفر منها. ندرك أن عدم المساواة في التعليم لطالما كان موجودا قبل الجائحة والذي كان ينعكس بشكل مباشر في الغرف الصفية وبالبنية التحتية للمدارس وتدريب المعلمين وتوفر وسائل التعليم والمختبرات وغيرها، ويجب علينا اليوم أن نكون على يقين أن عدم المساواة هذه استمرت وربما بآثار أكثر ضررا خلال الجائحة ليس فقط على مستوى القدرات المعرفية بل لتمس الجانب العاطفي والاجتماعي والسلوكي والنفسي والجسدي للعديد من الطلاب ولربما تركت النظام التعليمي العالمي بقناعة أن السعي وراء تحقيق «المساواة في التعليم» حتى في زمن التعلم عن بعد هو كالسعي وراء سراب!

قيام الوزارة بالعمل على تأسيس منصة موحدة لعرض المنهج عن بعد بفاعلية وكفاءة -حسب تقييمها- لا يعني وصوله بنفس الفاعلية المتوقعة للطلاب، فاختلاف الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنفسية والصحية لعائلات الطلاب كلها متغيرات تؤثر بشكل مباشر على تفاقم فجوة عدم المساواة في التعليم عن بعد. فكيف لنا أن نتوقع بعد انقطاع عام من التعليم الوجاهي أن يعود الطالب الذي لم يتمكن من الوصول إلى موارد التعليم الرقمية بسلاسة أو الطالبة التي لم تتوفر لها بيئة تعلم منزلية مناسبة أو الذي لم يتلق قدرا من الدعم المطلوب من ذويه ليواكبوا تعليمهم كزملائهم الذين حصلوا على قدر كاف من كل ما ذكر؟ ما الذي علينا أخذه بعين الاعتبار عند العودة؟ أهو المنهج والمحتوى الاكاديمي؟ أم علينا أن نوجه جهودنا لتحضير برامج لإعادة دمج طلابنا وبناء مهاراتهم الاجتماعية واستقرارهم النفسي واعادة إحياء شعورهم بالأمان بعد هذا الظرف الطارئ الذي مَس كل عائلة من عائلاتهم بطريقة أو بأخرى بضرر من نوع معين. وماذا عن الصحة البدنية والعقلية التي نعرف أهميتها في عملية التعلم السليم والكفء سنواجه حال عودتنا تفاوتا غير مسبوق في القدرات المعرفية وغير المعرفية التي تشير العديد من الدراسات عن آثارها السلبية القصيرة المدى والبعيدة المدى على كل من الانتاجية والابتكار والتوظيف وسوق العمل فبناء على تقرير مركز البحوث المشتركة (JRC) للمفوضية الأوروبية القائم على دراسة الأدبيات والأدلة الموجودة من البيانات الدولية الحديثة -Eurostat و PISA و ICILS و PIRLS و TALIS- لمحاولة اكتساب فهم أفضل لكيفية تأثير أزمة COVID-19 على تعلم الطلاب وجدت أن لإغلاق التعليم الوجاهي واعتماد التعليم عن بعد -لضمان استمرارية التعلم خلال الجائحة- تأثيرا سلبيا على تعلم الطلاب من خلال أربع قنوات رئيسة: قضاء وقت أقل في التعلم، وأعراض التوتر، وتغيير في طريقة تفاعل الطلاب، وفقدان الحافز للتعلم.

ضمن هذه المعطيات ماذا نحضر للعودة؟ ضغط آخر نضع الطلاب تحته يتمحور حول إنهاء المنهج وتحقيق النتاجات المعرفية أم مساحة آمنة لأول ثلاثة أشهر ببرامج مدروسة لتفريغ ضغط سنة كاملة خلف الشاشات، كيف نرسم سياسات عودتنا الآمنة وأولوياتنا لتقليل الضرر قدر المستطاع على مستقبل طلابنا؟ كيف نوازن بين كل ما ذكر مع اتخاذ التدابير اللازمة لضمان تعويض خسارة التعلم التي عانى منها طلابنا خلال فترة الإغلاق؟ والتي تشير دراسات مختلفة تمت في فرنسا وإيطاليا وألمانيا حسب تقرير مركز البحوث المشتركة (JRC) للمفوضية الأوروبية أن الطلاب سيعانون من خسارة أسبوعية في التعلم تتراوح بين 0.82 و 2.3 ٪ من الانحراف المعياري والتي ستنعكس مباشرة في الانخفاض في درجات الاختبارات بسبب تقليل الوقت الذي يقضونه في التعلم عن بعد مقارنةً بمقدار الوقت الذي يقضونه عادةً في تواجدهم في المدرسة. 

المصدر
الغد
زر الذهاب إلى الأعلى