المشهد الاستراتيجي في الشرق الأوسط اليوم

المقدمة:

في السابع من تشرين أول/أكتوبر الجاري، شهدت الأراضي المحتلة جنوبي فلسطين هجمة عسكرية نفذتها كتائب القسام، رُدت عليها بضربة مضادة إسرائيلية بعد إعلان حالة الطوارئ. مع استمرار الضربات الجوية لمدة 3 أسابيع، توجد تقارير عن هجوم بري متوقع وتغييرات كبيرة في الديناميات الداخلية والخارجية كنقطة تحول في شكل الحرب. لتحليل وفهم أبعاد المشهد على مختلف الصعد، عقد معهد السياسة والمجتمع ندوة عبر الإنترنت يوم الأربعاء 25 أكتوبر لمناقشة المشهد الاستراتيجي في الشرق الأوسط اليوم في ضوء التطورات في قطاع غزة بحضور خبراء بارزين، بما في ذلك البروفيسور ناثان ج. براون، الدكتور عمرو حمزاوي والدكتور أندريه بانك. كما قام الدكتور بدر ماضي بتقديم هذه الجلسة.

حيث نظم معهد السياسة والمجتمع هذه الندوة لفتح الباب أمام النقاش والبحث في السيناريوهات الممكنة وما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، ممهدًا الطريق للعديد من النقاشات والجلسات القادمة التي سيُعقدها المعهد.

متحدثو الجلسة:

  • ناثان ج. براون: أستاذ علم السياسة والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن ومؤلف ستة كتب ذات صيت واسع عن السياسة العربية.
  • عمرو حمزاوي: مدير برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي. بحوثه وكتاباته تركز على الحوكمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والضعف الاجتماعي، والأدوار المختلفة للحكومات والمجتمعات المدنية في المنطقة.
  • أندريه بانك: زميل باحث كبير في معهد جيجا الألماني للدراسات العالمية والإقليمية. تتركز اهتماماته الرئيسية على إصلاح السياسة، والديمقراطية، وحوكمة الأمن.
  • بدر ماضي: عضو هيئة باحثي معهد السياسة والمجتمع وأستاذ علم الاجتماع السياسية.

تضمنت الندوة جولتي نقاش، الأولى منهما كانت حول “خمسة تغييرات استراتيجية حدثت في الشرق الأوسط فيما يتعلق بالحرب في غزة مصحوبة بتأثيرها على الصعيدين الإقليمي والعالمي”. أما الجولة الثانية فقد كانت حول “أقرب السيناريوهات المحتملة بعد انتهاء الحرب”.

وبعد اجابة المتحدثين على جولتين من الأسئلة، تمت مناقشة العديد من الأسئلة المهمة من الجمهور مع المتحدثين، وكان أحد المشاركين في النقاشات الدكتور عمر الرزاز رئيس الوزراء الأردني السابق.

خمسة تغييرات استراتيجية في الشرق الأوسط:

بدأ البروفيسور ناثان بالإشارة إلى أنه لا يعرف نتيجة الأمور بسبب اتخاذ قرارات متهورة من قبل أطراف متعددة، بما في ذلك القادة الأمريكيين والإسرائيليين والفلسطينيين. هناك عودة للولايات المتحدة على الصعيدين الإقليمي والدولي، حيث أصبحت متصلة بشكل جذري بإسرائيل ومشاركة نشطة في صنع القرار الإسرائيلي، على عكس النزاعات السابقة. تبقى تداعيات مشاركة الولايات المتحدة هذه غير معروفة.

على الصعيدين الإقليمي والدولي، عادت الولايات المتحدة لتصبح ليس فقط جهة دبلوماسية مركزية وإنما اتحدت بقوة مع الموقف الإسرائيلي، الى حد المشاركة النشطة في صنع قراراتها، وهو أمر لم يحدث من قبل. على عكس الحرب في عام 1973، حيث ابتعدت الولايات المتحدة عن قرارات إسرائيل اليومية، فإن مشاركتها الحالية في المنطقة غير مسبوقة، وتبقى عواقبها غير واضحة.

الاتجاه الإقليمي الثاني يتمثل أساسا في تفاقم التحام الجمهور في المنطقة بطريقة تجعل الدبلوماسية متعددة الأطراف أمرًا صعبًا للغاية.

أما على الصعيد الفلسطيني، وإذا تمكنت إسرائيل من تنفيذ حملات عسكرية بنجاح في غزة، فقد يؤدي ذلك إلى أزمة إنسانية وانهيار الحكومة في غزة، خاصة إذا كانت تستهدف تفكيك حماس. هناك عدم يقين حول كيفية إدارة غزة بدون خطة واضحة، وقد تكون هنالك حاجة إلى وجود دولي أو عربي، خاصة إذا استطاعت حماس النجاة بأي شكل من الأشكال، مما قد يؤثر بشكل محتمل على استراتيجيات الحكم الدولية.

على الصعيد الإسرائيلي؛ يتأثر العامل الأمني بانقسامات في المجتمع الإسرائيلي التي شهدناها في العام الماضي، فالاحتجاجات ضد حكومة نتنياهو كانت بقيادة كبار ضباط متقاعدين، وليس طلابًا، مما يظهر ضرورة الاعتماد على هؤلاء كقادة احتجاج. كما أن تحول إسرائيل إلى زعامة مركزية-يمينية على الصعيد الوطني يثير مخاوفًا كثيرة على صعيد محلي ودولي. بينما يتم التركيز على غزة، فإن القلق الأكبر على مستقبل الضفة الغربية، حيث قد تؤدي الأجندة الواضحة للمعسكر الصهيوني-الديني إلى شيء يشبه التطهير العرقي.

ويشير براون إن الهدف ليس فقط ترحيلًا قسريًا بل أيضًا ضم الضفة الغربية، وفرض شروط صارمة وحرمان السكان من حق المواطنة والتنقل. وستؤدي هذه العملية إلى تعميق حالة الاستباحة التي تعيشها الضفة الغربية.

 من جانبه بيّن أندريه بانك إن قضية فلسطين لها أهمية رمزية وذات بعد محرك عالمياً. حيث أشعلت التظاهرات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في ألمانيا، التي شهدت تصاعد الانقسامات في السياسات الداخلية. فقد حظيت باهتمام واسع يتعدى اهتمام الفلسطينيين والإسرائيليين والعرب.

كما لم تكن للحرب في غزة تأثير كبير على العلاقات الإقليمية، بما في ذلك الأردن وسوريا. حيث تجنبت سوريا المشاركة على الرغم من الهجمات الإسرائيلية المستمرة على أراضيها. في حين أن التطبيع بين الدول العربية ونظام الأسد السوري لم يتأثر، ولم تشهد الديناميات الإقليمية تغييرًا كبيرًا.

بينما شهدت المنطقة عملية دبلوماسية ملحوظة بين خصوم سابقين، ولا سيما التقارب السعودي الإيراني، وذلك بفضل تسهيل الصين الأمر الذي جمع بين خصمين إقليميين مهمين، بمشاركة جهة ليست تقليدية متواجدة في المنطقة.

هجوم حماس الأخير وحرب غزة والخوف من توسع الحرب الى مناطق مختلفة أوقفا، فيما يتعلق بالعلاقات السعودية الإيرانية، أي تقدم على ما يبدو. ومع ذلك، يجدر بالذكر أن كل من المسؤولين السعوديين والإيرانيين أعربا عن رغبتهم المستمرة في الحفاظ على الحوار.

ومن غير المرجح أن يؤثر الصراع في غزة بشكل كبير على تطبيع العلاقات بين الدول العربية ونظام بشار الأسد، حيث تتجاوز دوافعها النزاع الفلسطيني. فيما زادت الأزمة من أهمية التحالف الأردني المصري، على الرغم من أنها تشكل تحديات لقادة مثل السيسي والملك عبد الله الثاني على حد تعبير بانك.

من جانبه، اعتبر عمرو حمزاوي؛ أن تأثيرات حرب غزة ستمتد الى كافة المنطقة وتشكل ما هو أبعد من الأزمة الإنسانية، مما يؤدي إلى أزمة حكم في فلسطين والضفة الغربية وقطاع غزة. من المتوقع أن تستمر هذه الأزمة المزدوجة ويمكن أن تؤدي إلى فراغ في الحكم إذا تم استئصال حماس، مما قد يجعل الجهات الإقليمية والدولية تسعى لتعويضه، مما سيؤثر بشكل دائم وجذري على المنطقة.

إلى ذلك، تواجه مصر والأردن أزمة متعلقة بمخاوف من نجاحهما الإقليمي، وهذا يختلف عن التحديات السابقة، مما يؤدي إلى تعزيز التعاون في التحالف المصري الأردني. إن كل من الدولتين قلقتين بشدة من المشكلات المحتملة الناجمة عن الأزمة الإنسانية والحكم في الأراضي الفلسطينية، والتي تتجاوز تقارير إسرائيل حول النزوح ومقترحات تمويل إدارة بايدن، مما يمثل تحديًا جديدًا ومهمًا يتطلب اهتماماً خاصاً.

3. تمثل حرب غزة تحديًا سياسيًا طويل الأمد لمصر والأردن بسبب مخاوفهما من تكامل أراضيهما وتهجير الفلسطينيين تجاههما. بالإضافة إلى ذلك، فيعيد هذه النزاع تشكيل المشهد الإقليمي، محولًا التركيز بعيدًا عن التكامل الاقتصادي نحو قضايا الأمان والسلام والحرب. فمن المرجح أن يشجع على التحول في دبلوماسية المنطقة، مع إعطاء الترتيبات الأمنية الأولوية وإعادة تفعيل النقاش حول مبادرة السلام العربية والحل الدولتين ومعالجة الأزمة الإنسانية في الأراضي الفلسطينية.

وعلى صعيد متصل فإن الانقسام واضح في العالم العربي على طبقتين. أولاً، تعيش بعض الدول العربية تقسيمًا متزايدًا بين الرأي الشعبي وسياسات الحكومة، وهذا يظهر بشكل خاص في المغرب والإمارات، اللتان وقعتا اتفاقات تطبيع مع إسرائيل. ثانيًا، هناك تقسيم أوسع بين الجمهور العربي والسياسات الغربية. هناك انطباع بوجود معايير مزدوجة، وتشويه للفلسطينيين، وانحياز نحو إسرائيل في السياسات الغربية. على الرغم من أن ذلك لا يؤدي إلى التطرف بصورة مباشرة شعبياً، إلا أنه أدى إلى عدم الرضا الشديد في الفضاء العام العربي.

كما قدمت الجلسة توقعاً لمجموعة من السيناريوهات، حيث استعرض ناثان ج. براون الآتي؛

السيناريو التشاؤمي :

• في هذا السيناريو، يُتوقع أنه لن يكون هناك سيناريو ما بعد الحرب، حيث أن هذه ليست حربًا نموذجية بأهداف محددة بوضوح ومفاوضات بين الأطراف لوقف إطلاق النار أو الترتيبات.

• كانت أهداف الحرب التي صرحت بها حكومة إسرائيل في البداية متطرفة إلى حد ما، ولكن حتى أهدافهم المعدلة بعد حين تبدو غير قابلة للتحقيق من حيث تفكيك جميع جوانب حكومة حماس ومنظمتها العسكرية.

• هناك إصرار قوي على مواصلة الحرب ضد حماس، مما قد يؤدي بالتالي إلى تدهور أكبر لمؤسسات الفلسطينيين وللحركة الوطنية الفلسطينية.

• تشهد الضفة الغربية تدهورًا للمؤسسات الفلسطينية المركزية، مما يؤدي إلى وضع يشبه الوضع في لبنان بعد الغزو الإسرائيلي عام 1982.

السيناريو المتفائل:

في هذا السيناريو، هناك أمل في نتائج إيجابية.

• يُتوقع أن هناك حاجة إلى التركيز على الحكم والأمان ومعالجة القضايا الأساسية في المنطقة.

• سيتضمن ذلك عملية دبلوماسية وسياسية واقعية، مما قد يساهم في إعادة إحياء مناقشات حول حلاً بدولتين أو رؤية أخرى.

• ستتطلب أيضًا من القيادة الإسرائيلية أن ترى مصالحها مرتبطة بمعالجة حقوق الإنسان الفلسطينية والحقوق الوطنية.

• ستكون هناك حاجة إلى قيادة وطنية فلسطينية متجددة ومتماسكة.

يُقدر أن احتمالية السيناريو التشاؤمي تبلغ حوالي 90٪، في حين أن السيناريو المتفائل أقل احتمالًا، بنسبة تتراوح بين 10٪ و30٪، اعتمادًا على عوامل متنوعة ومشاركة القادة.

أما أندريه بانك فقد استعرض القراءة التالية؛

سيناريو غزة فقط:

• يركز هذا السيناريو بشكل أساسي على الحرب في غزة، وتعتمد نتيجته على سلوك حكومة إسرائيل والقوات الإسرائيلية، وردود أفعال مجموعات مثل حماس أو الجهاد الإسلامي.

• إذا انتهى هذا السيناريو بالتغلب بشكل كبير على حماس عسكريًا، فإنه قد يستغرق بعض الوقت، ولكن هناك احتمالًا لحدوث تحول إقليمي مع مزيد من الدول في المنطقة، مثل تلك التي وقعت اتفاقات أبراهام، في اتجاه علاقة أوثق مع إسرائيل.

• قد يكون لهذا السيناريو عواقب غير مقصودة على حكومة إسرائيل، مما يمكن أن يؤدي إلى تغيير حكومي في إسرائيل.

تصاعد عنف إقليمي أوسع:

• في هذا السيناريو، يمتد الصراع إلى ما وراء غزة ليشمل بشكل محتمل الضفة الغربية والقدس ومناطق أخرى.

• يمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة التقسيم الإقليمي وانتباه ينحاز بعيدًا عن غزة، مما يمكن أن يعود بالفائدة على حكومة إسرائيل.

• ومع ذلك، قد يؤدي ذلك أيضًا إلى تأخير أي تقدم في قضايا إقليمية وله تأثيرات أوسع على الشرق الأوسط.

بدوره قدّم عمرو حمزاوي مجموعة من السيناريوهات مثل؛

سيناريو مشابه لمدريد:

• في هذا السيناريو، يُفترض أن الصراع سيبقى مركزًا على غزة دون مشاركة إقليمية أوسع.

• بعد الحرب، قد يظهر وضع مشابه لما بعد حرب تحرير الكويت في عام 1990-1991، حيث تشارك حكومات إقليمية بدرجات متفاوتة ويفتقر إلى تمثيل فلسطين موحد.

• نجاح هذا السيناريو يعتمد بشكل كبير على موقف الولايات المتحدة واستعدادها لدعم ترتيب أمني يتضمن حلاً للقضية الفلسطينة.

• القضايا الداخلية، مثل انتخابات الولايات المتحدة، ستؤثر أيضًا على الجهود الدبلوماسية. القوى الكبرى مثل روسيا والصين هي عوامل يجب مراعاتها وأخذها بالحسبان.

العودة إلى الشلل المحلي والإقليمي:

• في هذا السيناريو، ليس هناك عودة إلى الوضع السابق في تاريخ 7 أكتوبر 2023، ولكن هناك عودة إلى الشلل المحلي والإقليمي فيما يتعلق بالوصول الى حل شامل فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

• العنف اليومي والأعمال العسكرية المستمرة من الجانب الإسرائيلي، إلى جانب مواجهات بين الفصائل الفلسطينية.

• قد لا تعد مشاريع الازدهار الاقتصادي والتعاون الكبيرة جزءًا من مقاربة إقليمية مستقبلية.

وجاء تعليق الدكتور عمر الرزاز كما يلي:

فيما يتعلق بأكثر النتائج إيجابيةً، هناك مخاوف من أن الولايات المتحدة والغرب يقومون بإخفاء إمكانية تطهير عرقي من خلال العناية مؤقتًا باللاجئين على الجانبين المصري والأردني. يُعد الكشف عن ذلك أمرًا حاسمًا، حيث يوجد احتمال حقيقي أن حكومة إسرائيل اليمينية قد تنظر جديًا في نقل الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة، مما قد يؤدي إلى وضع إبادة جماعية.

فيما يتعلق بمنع أسوأ السيناريو، يجب أن يتعاون الخبراء المختصون والنشطاء والأكاديميون من أجل توضيح للغرب أن مشاركتهم تعني في الأساس إعطاء الضوء الأخضر للتطهير العرقي وتهجير الفلسطينيين، مما يترتب عليه تأثيرات كبيرة على مستقبل فلسطين والمنطقة.

*باحث مساعد في معهد السياسة والمجتمع

زر الذهاب إلى الأعلى