الأحزاب والانتخابات النيابية 2020

ملامح أولية

رؤوس أقلام

  • المشهد الحزبي شهد تغيرات وتحولات جزئية وشكلية عشية الانتخابات النيابية
  • تتميز المشاركة الحزبية تكتيكياً في الانتخابات القادمة عن الانتخابات السابقة
  • نظام المساهمة المالية في دعم الأحزاب ساعد على تغيير تكتيكات الأحزاب وتشكيل ائتلافات
  • تتسم مشاركة جبهة العمل الإسلامي بالتشابه مع الانتخابات السابقة من حيث التكتيكات وحتى المرشحين
  • لا يتوقع أن تكون هنالك تغييرات نوعية وجوهرية على طبيعة مجلس النواب السابق من حيث المشاركة الحزبية
نجح وزير الشؤون السياسية والبرلمانية موسى المعايطة بدفع الأحزاب السياسية إلى المشاركة بصورة أكبر في الانتخابات النيابية 2020، وتغيير تكتيكاتها الانتخابية، وذلك من خلال هندسته لنظام المساهمة المالية في دعم الأحزاب السياسية (رقم 155) الذي تمّ إقراره وصدوره في الجريدة الرسمية في العام الماضي.

ما قام به هذا النظام أنّه ربط المساهمة المالية من الحكومة في دعم الأحزاب السياسية بمجموعة من المعايير، من بينها حجم المشاركة في الانتخابات النيابية، سواء من حيث عدد المرشّحين وعدد الدوائر الانتخابية، وكذلك نوعية المشاركة بخاصة ما يتعلق بالمرأة وبالمرشحين ما دون الـ 35 عاماً أي سنّ الشباب.

هذه الإجراءات أجبرت الأحزاب على الإعلان عن مرشّحيها بصورة واضحة في القوائم الانتخابية أولاً، بخلاف الأعوام السابقة التي كانت الأحزاب فيها تتوارى عن الأنظار في الانتخابات، وتعطي الأولوية للاعتبارات الاجتماعية والعشائرية، وثانياً على الاشتراك في ائتلافات حزبية (كأحد بنود الدعم)، وثالثاً على تعزيز مشاركة النساء في الانتخابات والبحث عن شباب (دون الـ35 عاماً)، وهي ظاهرة جديدة في المشهد الانتخابي.

لكن في المقابل، يبدو التساؤل إلى أي مدى يمكن أن يؤدي هذا التغيير إلى تطوير وتطوّر في الحياة الحزبية فعلاً؟ وينتقل من الجانب الشكلي إلى العملي، فتصبح هنالك أحزاب فعلاً منافسة وقوية لديها برامج مدروسة للسياسات المطلوبة؟ وليس فقط تغيير شكلياً أو تكتيكياً مرتبطاً بالحصول على الدعم المالي؟!

ثمة فرضيتان هنا، الأولى تقول أنّ هذه التغيرات ستؤدي مع مرور الوقت إلى تغيرات أخرى متراكمة تصل بالنتيجة إلى تطوير الأحزاب السياسية لتشكل ائتلافات أو حتى تصل إلى مرحلة الاندماج كما حصل مع بعضها، ثم تصبح لدينا ائتلافات حزبية كبرى متنافسة.

في المقابل ترى الفرضية الثانية أنّ هذه التغيرات والتغييرات ما تزال شكلية وتكتيكية، ولم تحدث حتى في الانتخابات الحالية فرقاً حقيقياً، سوى بمشاركة في الترشّح لكن تركيبة مجلس النواب القادم وحالة الأحزاب فيه لن تشهد تغيراً نوعياً، طالما أن الأحزاب نفسها لم تطور رؤيتها وقدرتها على الاتصال السياسي من جهة، وطالما أنّ النظام الانتخابي لا يساعد على تطوير جوهري في دور الأحزاب وقدرتها على تحقيق نتائج أفضل في الانتخابات القادمة.

العامل المؤثر والمفصلي في تقييم هاتين الفرضيتين يكمن في نتائج الانتخابات وحجم المقاعد التي ستحصل عليها أولاً، وثانياً مدى تماسك أعضائها في مجلس النواب وقدرتهم على تشكيل كتل نيابية متماسكة، بعكس المجلس السابق، الذي شهد تفككاً وتشتتاً في حالة نواب الأحزاب، باستثناء وحيد معتاد وهم أعضاء كتلة الإصلاح النيابية (جبهة العمل الإسلامي)، الذين حافظوا على الوحدة في الموقف والتصويت.

المشهد الحزبي عشية الانتخابات.. ظاهرة الائتلافات الحزبية

توزّع المشهد الحزبي قبل الانتخابات النيابية القادمة من خلال مجموعة من الائتلافات، فعلى صعيد الأحزاب هنالك 48 حزباً مسجلاً، جميعهم انضوى في ائتلافات حزبية، باستثناء 14 حزباً.  شكلت 6 من الأحزاب القومية واليسارية التقليدية ائتلافاً فيما بينها (حزب الوحدة الشعبية، حزب الشعب الديمقراطي حشد، حزب البعث التقدمي، حزب البعث الاشتراكي، الحزب الشيوعي، الحركة القومية)، وتحالف الأحزاب الإصلاحية وهما اثنان الأنصار والمستقبل، وتيار التجديد من ثلاثة أحزاب (الحياة والإصلاح والتجديد والتيار الوطني)، وائتلاف الأحزاب الوطنية من ستة أحزاب (حزب المؤتمر الوطني- زمزم، الوسط الإسلامي، جبهة النهضة الوطنية، الشورى، الراية الأردنية وشهامة)، وتيار الأحزاب الوسطية من 12 حزباً (العدالة والإصلاح، الوحدة الوطنية، الحرية والمساومة، النداء، أحرار الأردن، الاتجاه الوطني، العون، التجمع الوطني- تواد، الفرسان، العدالة والتنمية، الشعلة، الشباب الوطني)، وائتلاف أحزاب الإصلاح الوطني من 5 أحزاب (الأردن بيتنا، المحافظين الأردني، الاتحاد الوطني، البلد الأمين، العدالة الاجتماعية).

أما الأحزاب التي بقيت وحيدة من دون الدخول في ائتلافات فهي: حزب جبهة العمل الإسلامي، التحالف المدني، الحزب الديمقراطي الاجتماعي، حزب الرسالة، حزب الأردن أقوى، الشراكة والإنقاذ، الحزب الوطني الدستوري، الحداثة والتغيير، الوفاء الوطني، مساواة، الطبيعة.

المشهد الحزبي في انتخابات 2020

أعلنت الأحزاب جميعاً المشاركة، إما من خلال الائتلافات أو بصورة فردية، باستثناء حزب الشراكة والإنقاذ وأمينه العام د. محمد الحموري، إذ أعلن المقاطعة، ويمكن رصد مجموعة من الملاحظات حول التحول في التكتيكات الحزبية في الترشح للانتخابات على النحو التالي

كالعادة يشارك التحالف المدني بالشراكة مع التيار القومي التقدمي، ومنسقه خالد رمضان، في الدائرة الثالثة، ويتميز الاسمان البارزان فيه؛ قيس زيادين وخالد رمضان، وهما نائبان سابقان.

يشارك تحالف الأحزاب القومية واليسارية بقائمة في الدائرة الثالثة؛ من ستة أشخاص، بينما يشارك كل حزب من الأحزاب السابقة بقوائم أخرى في دوائر مختلفة. فحزب الشعب الديمقراطي حزب لديه 11 مرشح في 5 دوائر، وحزب الوحدة الشعبية الديمقراطي لديه 7 مرشحين في 5 دوائر، والحزب الشيوعي لديه 7 مرشحين في 6 دوائر.

ائتلاف الأحزاب الوطنية لم يوحّد قوائمه، فحزب المؤتمر الوطني زمزم بشارك من خلال 16 مرشح موزعين على العديد من الدوائر، ولديه قائمة العودة في محافظة البلقاء. أما حزب الوسط الإسلامي فيشارك في قرابة 12 دائرة بـ20 مرشح.

الحزب الديمقراطي الاجتماعي يشارك من خلال 8 مرشحين موزعين على دوائر مختلفة في عمان واربد والزرقاء ومادبا والكرك.

الأحزاب الوسطية تشارك من خلال مرشحين موزعين على القوائم المختلفة في العديد من المحافظات.

المشاركة الفاعلة والقوية هي كالعادة لحزب جبهة العمل الإسلامي، من خلال تحالف الإصلاح الوطني، إذ لديه قرابة 88 مرشحاً، وينزل بقوائم في 7 محافظات، سواء باسم الإصلاح أو أسماء أخرى، لكن ضمن التحالف، (في محافظات العاصمة، الزرقاء، اربد، البلقاء، الكرك، مادبا، جرش)، ومرشحين فرديين (في عجلون والعقبة)، وهنالك أيضاً شخصيات وقوائم مدعومة من الجبهة.

تشير الأرقام إلى أنّ عدد الحزبيين المشاركين يصل إلى قرابة 332 حزبياً، ويمكن ملاحظة أنّ الكثافة الكبرى لأحزاب المعارضة التقليدية (جبهة العمل الإسلامي والقوميين واليساريين) هي في محافظات عمان وإربد والزرقاء، والمفارقة أنّ هذه المحافظات تقليدياً هي التي تشهد أقل نسبة اقتراع. يأتي في الدرجة التالية مادبا والبلقاء والكرك، بينما يتراجع بصورة ملحوظة النشاط الحزبي الانتخابي في كل من المفرق والعقبة ومعان والطفيلة وجرش وعجلون.

ملاحظات على تكتيكات جبهة العمل الإسلامي

يلاحظ من قوائم حزب جبهة العمل الإسلامي حفاظها بدرجة كبيرة على تكتيك الانتخابات السابقة، من خلال؛ الانضواء تحت التحالف الوطني للإصلاح، والقوائم الرديفة للقوائم الرئيسية، بخاصة في دوائر عمان الأولى والثانية، التخلي عن شعار الإسلام هو الحل، تواري جماعة الإخوان المسلمين الأمّ عن المشهد وعدم ذكرها في الحملات الانتخابية.

ويلاحظ أيضاً الاحتفاظ بأسماء أغلب النواب السابقين في المحافظات نفسها، ما يعني عدم التجديد والتطوير في تصعيد جيل من المرشحين الشباب، بالرغم من أنّ أداء الكتلة النيابية شهد تفاوتاً ملحوظاً بين النواب، فالمعيار هو الحسابات الانتخابية والقواعد الاجتماعية في المحافظات أكثر من المعايير الأخرى، كإفراز قيادات سياسية قادرة على تقديم خطاب مختلف.

الخلاصة

بالرغم من الاختلاف الواضح في مشهد العمل الحزبي في الانتخابات القادمة 2020، إلاّ أنّ النتائج المتوقعة هي تركيبة لمجلس النواب لا تختلف نوعياً وجوهرياً عن المجلس السابق، سواء من حيث قدرة الأحزاب السياسية على الوصول إلى القبة، وهي محدودة جداً، أو من حيث حجم تمثيل جبهة العمل الإسلامي، الذي من المتوقع أن يكون قريباً من المرة السابقة، أو من حيث هشاشة الكتل النيابية القائمة على أسس حزبية، كما هي الحال سابقاً، أو من حيث عدم وجود قفزة حقيقية نوعية في العمل الحزبي تؤدي إلى إنتاج قيادات تمتلك المهارات اللازمة للعمل الشعبي والبرلماني.


ان جميع الاراء والمقالات الواردة في موقعنا الألكتروني لاتعبر عن رأي معهد السياسة والمجتمع وانما تعبر عن رأي مؤلفيها.
محمد أبو رمان

أستاذ مشارك، في قسم العلوم السياسية - كلية الأمير الحسين للدراسات الدولية، في الجامعة الأردنية، وهو مؤسس معهد السياسة والمجتمع، والمستشار الأكاديمي له. عمل سابقًا باحثًا في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية (2010-2022)، وشغل منصب وزير للثقافة، ووزير للشباب (2018-2019)، كما عمل مديرًا للدراسات والمقالات في صحيفة الغد اليومية الأردنية (2004-2010)، وعمل كاتبًا يوميًّا في الصحيفة لمدة 14 عامًا (2004-2018)، يكتب حاليًّا في صحف ومجلات عربية، منها مقالان أسبوعيًّا في صحيفة العربي الجديد. وشغل منصب رئيس لجنة الشباب في لجنة تحديث المنظومة السياسية، التي عيّنها الملك عبدالله الثاني للقيام باقتراحات تعديلات على قوانين الأحزاب السياسية والانتخاب (2021)، كما كان عضوًا في لجنة الحوار الوطني (2011) التي كلّفت من قبل الملك بتقديم مقترحات لإصلاحات سياسية في البلاد. كما عمل في لجان متعددة، منها لجنة إعداد كتاب الثقافة الديمقراطية والعامة لطلاب الصفوف العليا في التربية والتعليم (2022)، ثم رئيسًا للجنة وضع كتاب التربية الوطنية في الجامعات (2023)، وعضوًا في المجلس الأعلى للمناهج (2017-2019).

زر الذهاب إلى الأعلى