الأبعاد الاستراتيجية والإقليمية لعملية “طوفان الأقصى” والحرب الإسرائيلية على غزة

تقدير موقف (رقم 1)


اضغط هنا لتحميل الورقة بصيغة PDF


  • مقدمة

لم يكن الحدث متوقعًا على مستوى التوقيت والتخطيط لكنه كان منسجمًا مع مستوى الظروف والسياقات المحلية والإقليمية والدولية التي قادت إليه، فلم تدخر الحكومة الأشد يمينية في إسرائيل جهدًا في تحييد قطاع غزة والاستمرار بمحاصرته وقضم المزيد من أراضي الضفة الغربية والاقتحام المستمر للمسجد الأقصى، حتى باتت الأطراف الفلسطينية قاب قوسين او أدنى شاهدة على تصفية قضيتها، بالتزامن مع موجة تطبيع عربي – إسرائيلي غير مسبوقة تشي بالقفز على الحقوق الفلسطينية وتجاوزها، وبعض التصريحات والنقاشات التي تتحدث عن تراجع أهمية القضية وانتهاء فكرة مركزيتها في النظام الإقليمي.

في الأثناء لم تقدّم الإدارة الأميركية الجديدة أي تصوّر أو مشروع جديد للتسوية السلمية، بل على النقيض من ذلك بدا واضحًا أنّها تسير في ركاب ما قدمته إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، على صعيد صفقة القرن وعلى صعيد استبدال مشروع السلام الإقليمي بالحل النهائي للقضية، واختزال الموضوع الفلسطيني فقط في مسألة “تحسين حياة الفلسطينيين”، وكأنّهم بلا حقوق سياسية وإنسانية.

في ضوء هذه السياقات والمحطات المترابطة يمكن قراءة هجوم حماس غير المسبوق على المستوطنات وما أحدثته من زلزال كبير، ستكون له ارتدادات كبيرة على صعيد السياسات الفلسطينية والسياسات الإسرائيلية والإقليمية وأولويات الأجندة الدولية للقوى العظمى، وليس بعيدًا عن ذلك إعلان الحرب من قبل إسرائيل على غزة، وتصريح رئيس وزراء إسرائيل بأنّ الحرب ستغيّر وجه الشرق الأوسط.

في اقترابٍ أوليّ لقراءة هذه الأحداث – وما تبعها من توسع لعمل الفصائل الفلسطينية وإعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية حالة حرب، وما شهده قطاع غزة من غارات إسرائيلية كثيفة وقابله ردة فعل عسكرية من حماس وذراعها المسلح وتصريحات لأبي عبيدة تتحدث عن حرب إقليمية قادمة على غرار ما صرح به نتنياهو، واستدعاء إحدى أكبر حاملات الطائرات في العالم إلى سواحل البحر المتوسط لدعم إسرائيل، وإعلان كل من بريطانيا وألمانيا وإيطاليا دعمهم الكامل لإسرئيل- فإنّ معهد السياسة والمجتمع يصدر هذا التقدير الأولي للموقف على أن تتبعه قراءات وتقديرات لاحقة.

  • ما وراء الهجوم؛ الأهداف الاستراتيجية والاستثمار السياسي

مثّل الهجوم المفاجئ والاختراق المباغت لكتائب القسام (الذراع العسكري لحركة حماس) على مناطق غلاف غزة وأسر وقتل إسرائيليين ورشق مناطق أخرى واقعة تحت سيطرة إسرائيل (على رأسها تل أبيب) بوابل من الصواريخ مفاجأة استراتيجية وتحولًّا جوهريًّا على صعيد العمل العسكري لفصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة التي لربما كشفت عن عجز استخباري إسرائيلي واضح.

بدا واضحًا أن الحكومة الأخيرة بقيادة نتنياهو صبت جام تركيزها على توسيع العملية الاستيطانية في الضفة الغربية خاصة مع وجود “سموتريش” و “بن غفير”، الذي يتزامن معه فراغ سياسي هائل لغياب السلطة الفلسطينية عن المشهد، واستمرار لأزمة قطاع غزة المحاصر، وتكرار عمليات الاقتحام من المسؤولين الإسرائيليين للمسجد الأقصى ومضايقة المصلين هناك، وهو ما خلق فجوات عديدة تحديدًا ما بين القيادة الفلسطينية السياسية التي بدت عاجزة عن التعامل مع هذه السياسات من جهة والفلسطينيين الذين يشعرون بأن شرعية السلطة التي يقودها محمود عباس هشة وبدأت تتآكل، من جهةٍ أخرى، وهي الأمور  التي حاولت إسرائيل البناء عليها واستثمارها دون مراعاة وجود مجموعات مسلحة بلا قيادة واضحة أو أن حماس قد تنفجر في أي لحظة وإن اعتمدت حالة من الصمت على إثر الغارات الإسرائيلية على قادة ومقاتلي حركة الجهاد الإسلامي في العامين الأخيرين التي وضعت شكوكًا آنذاك حول حقيقة وحدة الساحة الفصائلية الفلسطينية، أو التوتر في المشهد الأمني في مناطق فلسطينية عديدة كما شهدته جنين هذا العام.

ثمة سياقات موضوعية أدت إلى هذا الهجوم سعت من خلاله حركة حماس إلى تحقيق أهداف استراتيجية بدرجة أولى، وبدعم إيراني بدرجة رئيسية، وتقاطع بين أجندات كل من الطرفين، وأيًّا كان التحليل الاستراتيجي لما حدث، فإنّه -أي الهجوم- أعاد ترصيص حلف الممانعة في المنطقة، بعدما شهد انقسامات وخلافات بين حماس والبقيّة، على إثر الأحداث في سورية، منذ العام 2011.

أحد أبرز الأسئلة المهمة في بناء تصور لما يحدث يتمثل بالأهداف الاستراتيجية والسياسية التي تقف وراء قيام حماس بهذا الهجوم غير المسبوق؟

تمثل القضية الفلسطينية قضية سياسية ومركزية ومؤثرة على الأمن الدولي والإقليمي، في مواجهة الأجندات الدولية والإقليمية التي بدأت تمارس ضغوطًا ملحوظة على السلطة للقبول بتحويل القضية إلى ملف إداري وأمني واقتصادي، ومن هذه الأهداف ما يتعلق بحالة قطاع غزة الكارثية، على الصعيد الإنساني والاقتصادي، ومنها ما يتعلق بالمسألة الرمزية المتعلقة بالأقصى وأهميته والانتهاكات الإسرائيلية، وتجاوز ما اعتبرته حماس سابقًا خطوطًا حمراء تتعلق بالأقصى، ومن هذه الأهداف بالتأكيد ما يتعلّق بالأسرى الفلسطينيين، من أجل الوصول إلى صفقة تبادل كبيرة وضخمة، ومنها ما يتعلّق بشعبية حماس في مواجهة الشعبية المتراجعة بل المتهاوية للسلطة الفلسطينية.

 في المحصلة تتجمع الأهداف السابقة في محصلة استراتيجية سعت إليها حركة حماس تتمثل في “تغيير قواعد الصراع”، وبناء قواعد جديدة تتناسب مع المفهوم الجديد الذي قدمته الحرب الأخيرة، مع تطور قدرات كتائب القسام بصورة ملحوظة، وبالتالي الإفادة من ذلك في تعزيز مكانة حماس في الحسابات الداخلية والإقليمية والدولية من جهة، بوصفها الرقم الأصعب الذي لا يمكن تجاوزه، وفي إيجاد معادلة أفضل لقطاع غزة من جهةٍ ثانية.

بعض الأهداف الاستراتيجية تحقق، بدايةً، لكن المهم في المحصلة الاستراتيجية هو تطور الأوضاع الميدانية ومديات الحرب ومستوياتها ونتائجها الفعلية، فهذه هي التي ستقرر من سينجح، والأهم من هذا وذاك ليس فقط في الأهداف الاستراتيجية من وراء هجوم حماس بل من سيستثمر سياسيًّا فيما يحدث؛ هل هي حركة حماس بأهدافها الاستراتيجية المشار إليها، أم السلطة الفلسطينية التي يمكن أن تعيد اهتمام العالم للقضية ومركزيتها أم بنيامين نتنياهو الذي كان يواجه أزمة كبيرة في الداخل واليوم يحاول الركوب على موجة الحرب لإعادة تقديم نفسه بوصفه القادرة على هزيمة حماس، والأسئلة نفسها بطبيعة الحال تطرح على من هو الخاسر من هذه الحرب؛ فلسطينيًّا وإسرائيليًّا واستراتيجيًّا وإقليميًّا. 

  • المعطيات والتداعيات الأولية والنتائج الاستراتيجية

 ما هي النتائج والتداعيات المتوقعة للحدث؟ سؤالٌ لا يستطيع أحد الإجابة عليه، لأنّه يرتبط بدرجة كبيرة بالتطورات الميدانية على أرض الواقع، وما تزال هنالك أسئلة عديدة متعلقة بمديات الحرب؛ هل ستقتصر على غزة، وهل ستتموضع في القصف الجوي العنيف وتحقيق نتائج رمزية في مواجهة الانهيار في سمعة إسرائيل أم ستؤدي إلى حرب برية واسعة وكبيرة واجتياح غزة؟ وإذا تم اجتياح غزة، ماذا ستفعل إسرائيل بعد ذلك؟ في ضوء عدم وجود أي مصلحة استراتيجية إسرائيلية بإعادة احتلال القطاع؟ وهل ستتمكن من تحقيق نصر رمزي واختطاف صورة في مواجهة “الصورة” التي قدمتها كتائب القسام؟ وهذا وذاك يطرح سؤال عن الأوضاع في الضفة الغربية والـ48، هل نحن أمام سيناريو انفجار مفاجئ أم ستبقى المسألة في حدود التوتر والمناوشات بين الفلسطينيين في هذه المناطق والإسرائيليين؟

الملاحظ هو التركيز على العامل الإيراني في حديث المسؤولين الغربيين والأميركيين ووسائل الإعلام هناك، وهو ما يرفع من منسوب القلق من أن تؤدي الأحداث إلى حرب إقليمية، ووفقًا لتسريبات ديبلوماسية فإنّ الجهود الدولية حرصت في الأيام الأولى من المعارك إلى أخذ ضمانات من حزب الله وإيران من عدم الدخول في الحرب، وكان الجواب الإيراني بعدم وجود نية، أما بالنسبة لحزب الله، وفقًا للتسريبات ذاتها، فقد ربط دخوله بالحرب باجتياح كبير للقطاع وارتكاب مجازر ضد المدنيين.

 هذا على صعيد النتائج النهائية، فهي ترتبط بالتطورات الميدانية التي بالضرورة ستستمر لفترة من الزمن، ولن تكون النتائج ذات طابع فوري وقصير المدى، بل ستكون استراتيجية مرتبطة بمعادلات المنطقة والأجندات الدولية والقناعات، فنحن أمام تغيير كبير في قواعد اللعبة الإقليمية بأسره Game Changer، لكن هذا لا ينفي وجود تداعيات ونتائج أولية يمكن تلخيصها على النحو التالي:

على صعيد السياسات الفلسطينية؛ أكدت العملية أنّ السلطة الفلسطينية عاجزة ضعيفة، وعززت قناعات الدول الكبرى بأنّها لا تملك حلولًا ولا مفاتيح فاعلة في مجريات الأحداث، وأنّها تحولت إلى سلطة أمنية وإدارية محدودة، وأنّ الاكتفاء بأجندة تقويتها أمنيًّا (ما يصطلح عليه دايتون 2) مشروع فاشل ولن يكون فاعلًا، وأنّ حماس رقم صعب، أيًّا كانت نتائج المعركة العسكرية.

على صعيد السياسات الإسرائيلية، بالتأكيد ستكون هنالك محاسبة، بعد انتهاء غبار المعركة، على أكثر من صعيد، أمني وعسكري وسياسي، وسيدفع مسؤولون عديدون الثمن، لكن ليس واضحًا فيما إذا كانت هذه الأحداث ستضعف توجهات اليمين الإسرائيلي المتطرف أم تقويها، وفيما إذا كانت ستؤدي إلى تعديل السياسات الإسرائيلية المتطرفة بخاصة في القدس والمستوطنات والسياسات الداخلية في إسرائيل، مع ذلك لا يتوقع أبدًا أن يعود اليسار الإسرائيلي إلى مرحلة القوة والصعود، لأسباب متعلقة بالبنية الديمغرافية نفسها في إسرائيل وما حدث فيها من تحولات في العقود الأخيرة.

على صعيد السياسات الدولية، فمن الواضح أنّه ايا كانت النتائج فإنّ الأحداث الحالية أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة وإلى أولويات الأجندة الدولية، وأنهت أحلام كبيرة على مشروع التطبيع الإقليمي بوصفه بديلًا عن الحل النهائي، مع أنّ هذه النتيجة لا تعني بالضرورة إنعاش حل الدولتين، فهو في عداد الموتى، قبل وقوع الحرب، لكن للتفكير في حلول أخرى ومحاولة إنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

على صعيد السياسات الإقليمية؛ فمن الواضح أنّ المعركة أثبتت قوة إيران في المنطقة، وتصاعد دور الفاعلين من دون الدول، الميليشيات والمقاومة المسلحة وغيرها، مع التحول في أنماط الحروب ومفاهيم المواجهات المسلحة، ليس فقط في فلسطين بل في لبنان وسورية والعراق، مع ما يحدث في سورية والعراق واليمن وليبيا وغيرها، فإنّ التنظيمات المسلحة تثبت فعاليتها على الأرض وقدرتها على تجاوز قدرات الجيوش النظامية بصورة كبيرة.

ثمة نتائج أولية ومباشرة، وأخرى بعد انتهاء المعركة مباشرة وأخرى استراتيجية على المديات المتوسطة وبعيدة المدى..  

  • انعكاسات الأحداث على السياسات الأردنية

من الواضح أنّ هنالك العديد من المحددات الاستراتيجية في الموقف الأردني، بعضها متضارب مع الآخر، بخاصة في ظل المواقف الغربية التي تبنت الرواية الإعلامية الإسرائيلية، وأعلنت دعمًا مطلقًا لسياسات نتنياهو العسكرية في الرد على طوفان القدس، بخاصة موقف إدارة الرئيس الأميركي بايدين، التي أعطت شيكًا مفتوحًا لنتياهو للانتقام من حركة حماس، من دون أن تضع حدودًا أو قيودًا على حجم الكلفة البشرية هناك، فيما يقع على الطرف الآخر من المعادلة الموقف الإيراني الذي يمثل داعمًا كبيرًا لحماس وحزب الله، فيما لو تطورت الحرب إلى أن تأخذ أبعادًا إقليمية، وفي موازاة ذلك تقع حسابات المعادلة الداخلية التي تأخذ بُعدين متناقضين أيضًا؛ الأول المرتبط بحسابات العلاقة السياسية الغائبة مع حركة حماس ودعم الأردن للسلطة الفلسطينية، وارتباط ذلك بالعلاقة العضوية أيديولوجيًّا وسياسيًّا بين حماس والإخوان المسلمين في الأردن التي دخلت في حالة “أزمة مستدامة” مع السلطة التنفيذية في الأردن، وتنامت عقيدة في أوساط الحكم ترى في الجماعة خصمًا داخليًّا، وتمّ إلغاء ترخيصها قبل أعوام، مع الخشية أن تحاول الجماعة الاستثمار في ذلك سياسيًّا – داخلياً. لكن في المقابل هنالك رأي عام أردني غاضب وساخط على المذابح الإسرائيلية في غزة ويدعم ما تقوم به حماس في مواجهة إسرائيل من عمليات عسكرية، وقد انعكس هذا الدعم في المسيرة الشعبية الحاشدة التاريخية التي شهدها وسط البلد في يوم الثلاثاء (10-10-2023) دعمًا لحماس، ما يجعل أي موقف رسمي بعيدًا عن هذه الحالة الشعبية في صدام مع المزاج الشعبي.

ضمن هذه الحسابات المعقدة سياسيًّا واستراتيجيًّا يرسم صانع القرار الرسمي مواقفه ويبني تصريحاته وخطابه السياسي، وفي التعامل مع الضغوط الكبيرة من قبل الإدارة الأميركية على مطبخ القرار لإصدار تصريحات تدين قتل المدنيين من قبل حركة حماس، وهو الأمر الذي رفضه المسؤولون الأردنيون وقالوا بإدانة قتل المدنيين والاعتداء عليهم، من أي طرف كان، والتأكيد على ضرورة وقف التصعيد ضد المدنيين في غزة وفتح باب المساعدات الإنسانية ورفض سياسات قطع الكهرباء والماء عن المدنيين المحاصرين.

أما على صعيد التأثيرات الاستراتيجية والتداعيات التي تفرضها عملية “طوفان الأقصى” فمن الواضح أن هنالك هدوءًا وتريثًا وحذرًا من قبل المسؤولين الأردنيين بخاصة في متابعة تطور مسار المعارك والأحداث، وبدرجة كبيرة يهتم المسؤولون الأردنيون بتأثير ذلك على الاستقرار السياسي في الضفة الغربية المتاخمة للحدود الأردنية وبالتالي قد تؤدي لتأزيم الموقف سواء على الصعيد الفلسطيني – الفلسطيني أو الفلسطيني – الإسرائيلي، وهو ما سيشكل خطرًا محدقًا على الأمن الوطني الأردني الذي يخشى خطر انهيار السلطة في رام الله وخطر الفوضى مع وجود أجندة أميركية ومرتبطة باليمين الإسرائيلي المتطرف، ترى أنّ الأردن هو الحل للمشكلة الديمغرافية الإسرائيلية وهو البديل عن السلطة المنهارة في رام الله، وقد انتقلت مقاربات جديدة في هذه الأوساط (اليمينية الإسرائيلية) للحديث عن النظام البديل وليس الوطن البديل. وبالتالي يرى هذا الاتجاه أن الفرصة التي قد تكون متاحة اليوم هي إعادة التنسيق العربي وتحديدًا (الأردن – السعودية – مصر) فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية أو حتى إعادة إحياء عملية السلام من منطلق أن العمل الجماعي هو أكثر فائدة وإنتاجية لجميع الأطراف.

    في المقابل ترى نخبة سياسية أردنية أنّ ما يحدث يؤكد على الرواية الأردنية، التي طالما حذرت من هذا السيناريو، منذ أربعة أعوام، والأردن يتحدث عن خطورة نقل السفارة الأميركية ومن تجاوز القضية في عمليات التطبيع الإقليمي ومن نتائج الانتهاكات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ومن تجاهل أهمية القضية الفلسطينية في الأمن الإقليمي والاستقرار في المنطقة، وبالتالي تمثل الأحداث الحالية، وفقًا لهذا الاتجاه السياسي، أفقًا استراتيجيًّا أوسع يعزز الرواية الأردنية ويمكن استثماره ليلعب دورًا أكثر مركزية، بقدر كبيرة من العقلانية والواقعية في مخاطبة العالم والتنبيه إلى أهمية القضية الفلسطينية ولمركزيتها وللدور الإقليمي الأردني الكبير المتعلق بالاستقرار في المنطقة.

  • خلاصات وتوصيات

لا يمكن الحكم حاليًّا على النتائج، لكن مبدئيًّا تمّ خلط الأوراق في المستويات الثلاثة (الفلسطينية، والإسرائيلية والإقليمية)،، وبالرغم من النصر الرمزي الكبير الذي تحقق في البداية إلاّ أن هنالك مراحل أخرى ما تزال قائمة والفصول القادمة ستكون خطيرة،  والسؤال المهم يرتبط من هم الرابحون والخاسرون سياسيًّا؟ والجواب عليه يرتبط بكفاءة وقدرات الدول ديبلوماسيًّا وسياسيًّا في قراءة الأحداث ومحاولة توظيفها، وهذا يدفع بـ”مطبخ القرار” في عمان إلى تعزيز وتأكيد الرواية الأردنية التي تؤكد وتقول باستمرار أنّ القضية الفلسطينية مركزية ومهمة ومحورية وأن ما تقوم به حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل سيؤدي إلى نتائج خطيرة وسيفجر المنطقة، وأنّ التطبيع الإقليمي ليس بديلًا عن الحقوق السياسية والإنسانية والأساسية للفلسطينية.

 الرواية.. قضية مهمة في هذه المعركة، ومن الواضح أنّ هنالك انتصارًا مبدئيًّا في الولايات المتحدة والغرب للرواية الإسرائيلية، وتعاطف من أوساط سياسية وإعلامية معهم، لكن المطلوب أردنيًّا أن يكون هنالك تقديم وتأطير لما يحاول الإعلام الغربي تجاهله وتغييبه وهو المعاناة الفلسطينية والحق الفلسطيني الإنساني الكبير، وضرورة الانتقال من ذلك إلى محاولة تقويض مشروع تصفية القضية الفلسطينية الذي بدأ مع إدارة ترامب واستمر مع الإدارة الحالية.

زر الذهاب إلى الأعلى