انتصار السلاح وأزمة الديمقراطية

في نظر زيد عيادات (مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، في ندوة عقدها المركز “عودة طالبان… السياقات والدلالات”) أنّه لا توجد روابط استراتيجية أو سياقاتية بين ما حدث في أفغانستان من عودة حركة طالبان إلى الحكم بقوة السلاح، من جهة، وهزيمة الإسلاميين المدوية في المغرب عبر صناديق الاقتراع وإزاحتهم عن الحكم في تونس بقرار الرئيس التونسي قيس بن سعيّد.

يبدو ذلك صحيحاً من زاوية التحليل السياسي، بل ضروري أن يكون هنالك فصل حقيقي بين السياقات المنتجة لانتصار حركة مسلّحة في أفغانستان، وسط منطقة نزاعات قبلية وطائفية وتاريخية ودولية وإقليمية، والسياقات التي أدّت إلى خروج الإسلاميين وإخراجهم من السلطة في دول المغرب العربي التي لها سياقاتها المغايرة بالضرورة.

مع الأخذ بالملاحظة الأولى كمنظور مهم في تحليل الأحداث، نتفق معه بالتأكيد. ولكن في المقابل، لا ينفي ذلك أنّ هنالك رسائل ودلالات خطيرة لانتصار “طالبان” العسكري الساحق، وقبلهم اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) السريع بقوة السلاح مناطق شاسعة في العراق وسورية، وهي الرسائل ذاتها التي كان يرددها الناطق السابق باسم التنظيم بعد إزاحة الإخوان المسلمين وإخراجهم من السلطة في مصر (2013) “السلمية دين من؟!” و”صنم العجوة الديمقراطي”، فتلك هي النتائج التي يحاول ترويجها وتسويقها قادة “داعش” و”القاعدة” في أوساط الشباب الإسلاميين بصورة خاصة، والشباب العربي المحبط وفاقد الأمل بصورة عامة.

حاولت حلقة من الخبراء والباحثين مناقشة تلك الرسائل في معهد السياسة والمجتمع، في عمّان، في الأسبوع الماضي أيضاً، في ورشة بعنوان “انتصار السلاح ومأزق الديمقراطية.. تداعيات ما حدث في أفغانستان وتونس على المسرح السياسي العربي”. وربما كان هنالك ما يشبه الاتفاق والتوافق بين الباحثين على أنّه بينما تحقّق الحركات المسلّحة انتصاراتٍ عسكريةً واضحة، فإنّ الإسلاميين الديمقراطيين يواجهون أزماتٍ ومآزق كبيرة وخانقة، في ظل ظروفٍ وسياقاتٍ سياسية واقتصادية ومجتمعية قاسية، تشجّع الغاضبين والمحبطين من الشباب العربي على الطريق الراديكالية، لا المعتدلة!

إذا كانت عودة “طالبان” تُفهَم في السياقات الأفغانية والآسيوية والإقليمية، فكيف نقرأ إذاً أزمة الإسلام السياسي في المغرب العربي اليوم، وسابقاً في المشرق العربي؟ ثمّة أكثر من اتجاه في تفسير ذلك، مع توافق الباحثين (في الورشة المذكورة) على أنّ الإسلاميين أثبتوا جدارتهم في المعارضة، وفشلوا إلى الآن في السلطة، لكن بعض الباحثين يؤيد الاتجاه الذي يقول إنّ ما حدث في المغرب لمصلحة المسار الديمقراطي! فهو يبدّد الأوهام من انفراد الإسلاميين بالسلطة، ويجعل منهم حزباً عادياً مثل غيرهم، وينهي فزّاعة الإسلاميين التي طالما رفعتها الأنظمة العربية للتخويف من وصولهم إلى السلطة.

هذه النتيجة صحيحة، لكنّها لا تخفي أيضاً ملاحظتين جوهريتين: الأولى، أنّ الإسلام السياسي، بصورته المعهودة وهويته الأيديولوجية التقليدية، وصل إلى طريق مسدود، كما يلاحظ الباحث والكاتب حسين الرواشدة، فهو قدّم وعوداً كبيرة في العقود الماضية مرتبطة بالهوية الإسلامية وبحل المشكلات والأزمات، إلّا أنّه من خلال الخبرة الأخيرة (في مرحلة الربيع العربي) لم يقدّم شيئاً، وتبين للشعوب أنّ الرهان عليه في السلطة غير مجدٍ، وبالتالي قد يعني ذلك نهاية موجة القوة الإسلامية الشعبية التي اجتاحت العالم العربي منذ سبعينيات القرن الماضي. الثانية، أنّ الشعوب كانت تراهن على وجود بديل للحكومات التي وُسمت بالفساد والاستبداد وهدر الحقوق والفشل، وكان الإسلاميون يمثلون ملامح هذا البديل المنشود، لكنّهم لم يقدّموا شيئاً في السلطة، بخاصة في التجربتين، التونسية والمغربية، وفقدوا بريقهم سريعاً، بل وقعوا في تناقضات وأزماتٍ كثيرة، مع تعثرات هنا وهناك في المسارات الديمقراطية لعجز القوى السياسية أو تدخل القوى الصلبة (الدولة العميقة مثلاً)، ما يعني أنّ اتجاهاً من الشباب المحبط العاطل من العمل، وفي ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتردّية، قد يرى أنّ الخيار الديمقراطي ليس هو الأنسب، وقد يقودهم ذلك إلى الفوضى والعدمية، الأمر الذي تستثمره الجماعات الراديكالية..

في الخلاصة، ثمّة مخاض في العالم العربي والإسلامي اليوم مرتبطٌ بتداعيات ما يحدث في دولٍ عديدة، ونتائجه ودلالاته وسياقاته، ما يعزّز النتيجة أنّ المنطقة ما زالت منذ الربيع العربي (قبل عشرة أعوام) تمرّ بمرحلة انتقالية قد لا تكون نهايتها قريبة.

زر الذهاب إلى الأعلى