الحراك الأميركي والصراع السياسي المجتمعي في أمريكا

 للمرة الأولى منذ الحادي عشر من أيلول 2001، نرى مظاهر التواجد العسكري في العاصمة واشنطن (منذ الهجمات الارهابية على ابراج مركز التجارة العالمية في نيويورك والبنتاجون في واشنطن بواسطة الطائرات المدنية).

إنّ اقتحام الكونجرس كان أكثر من مجرد تظاهرة خرجت عن السيطرة ، حيث تشير التقارير الى نوايا لدى بعض المشاركين الى وقف العملية المؤسسية لانتقال السلطة في أدنى حد في حين علت مطالبات قلة في الحشد على شاشات التصوير بإعدام مسؤولين في الكونجرس منهم نائب الرئيس الذي رفض اعتراض عملية اقرار نتائج فوز بايدن في مرحاتها الاخيرة في الكونجرس الأميركي في السادس من الشهر الحالي).

هل سيكون ترامب رئاسة عابرة غريبة في تاريخ السياسة الأميركية أم ستشكل رئاسته حالة سياسية متجذرة تتعمق. وهل سيتمكن من توجيه هذا الدعم في اطار عقائدي مؤسسي داخل الحزب الجمهوري. فالمهم ليس فيما إذا كان سيتاح له أن يترشح عام 2024 بقدر استطاعته على حشد دعم وتمويل المكون المجتمعي والشعبي الرافض لأسس العمل السياسي الأميركي التقليدي والتعمق في الدوائر السياسية الجمهورية وإنتاج قيادة يمينية متشددة داخل الحزب وعواقب ذلك على الحزب والديمقراطية الأميركية.

فالعديد من السياسيين الجمهوريين مدينون له او بحاجة لقواعده الشعبية في دوائرهم الانتخابية (ما يقارب ثلثي النواب الجمهوريون رفضوا اقرار اصوات بايدن الانتخابية في جلسة مجلس النواب في السادس من يناير) مما سيكون له اثره على سياسات الكونجرس واعضاءه مستقبلا.  ومن الصعب التنبؤ بقدرة ترمب بعد مغادرة البيت الابيض على تجاوز الضرر الذي لحق به نتيجة اقتحام مؤيدوه الكونجرس سياسيا واخلاقيا والمقاطعة الواسعة من مؤسسات الاعلام التقليدية والالكترونية والشركات والبنوك وحتى شركاؤه من الاستمرار في العمل وتنظيم مؤيديه وحشد التمويل والصمود في مواجهة دعاوي قضائية مرتقبة.

نحن اليوم أمام ما يمكن أن يتطور إلى حراك أميركي عنيف ومعطل بغض النظر عن اهدافه الايديولوجية ومنظوره الاخلاقي حيث يمكن ان يشكل حالة من التصادم المجتمعي الخطير. فقد شهدنا حجم الغضب المجتمعي في الشارع من خلال حركة “حياة السود مهمة”، التي صبت جم غضبها الشعبي الواسع على المؤسسات ابالاضافة الى حركة انتيفا اليسارية المناهضة للفاشية وللرأسمالية واليمين المتطرف. ومن ناحية أخرى (وإن لم تكن المقاربة تساوي او تشابه بين الطرفين) فإن المجموعات اليمينية المختلفة التي اقتحمت الكونجرس تمثل حالة من الغضب المناقض تماما.

القاعدة السياسية التي وجدت تمثيلا رسميا لها على أعلى مستوى في تويتات ترامب (88 مليون متابع لحسابه على تويتر قبل اغلاقه) وسياساته، يمكن أن تجد في خسارة رئيسها وقناعتها بسرقة أصوات ترامب من قبل الطرف الاخر عاملا يوحدها كقوة سياسية انتخابية فاعلة في وجه الجسم السياسي الجمهوري والديمقراطي التقليدي والقوى الليبرالية (المتحالفة مع حركة الاقليات المطالبة بالفرص والمعاملة المتساوية). كما قد ينتج عنها قوى يمينية متطرفة تمارس العنف السياسي داخل المجتمع الأميركي وبشكل خارج المعهود مع انتشار الاسلحة والتدريب والتنظيمات التي تدعي لنفسها من دون غيرها الوطنية والولاء للقيم الامريكية “الحقيقية” بنظرها.

إنّ متغيرات اجتماعية هامة في تكوين الجسم الانتخابي الأميركي خلال العقد القادم ستترك أثرا على السياسة الخارجية الأميركية قد يكون بقدر أهمية التطورات على ساحات التماس العالمية والإقليمي سواء من خلال سياسات منفتحة ودور فاعل بناء أو سياسات منغلقة ودور مصالحي في لعبة لا رابح فيها كان يمكن أن تتعمق في إدارة ثانية للرئيس ترامب.

زر الذهاب إلى الأعلى