القرار 2803: إعادة هندسة غزة… ومسارات ما بعد “الحرب”

يمثّل القرار 2803 لحظة حاسمة في مسار الحرب على غزة، ليس فقط بوصفه إطارا لوقف إطلاق النار، بل باعتباره آلية دولية لإعادة هندسة القطاع سياسيا وأمنيا، عبر إنشاء مجلس السلام كهيئة انتقالية وتفويض قوة استقرار دولية بصلاحيات واسعة تشمل نزع السلاح، ضبط الحدود، وتأمين الممرات الإنسانية، في نموذج يستعيد تجارب الإدارة الدولية في كوسوفو وتيمور الشرقية [1].

تنبع أهمية القرار من أنه يعيد رسم خريطة الأدوار بين القوى الفاعلة، إذ يمنح الولايات المتحدة موقع القيادة المباشرة للمرحلة الانتقالية، ويوفّر لـ”إسرائيل” ترتيبات أمنية معزَّزة مشروطة بنزع السلاح قبل أي انسحاب فعلي من غزة، فيما يضع السلطة الفلسطينية أمام معادلة صعبة قوامها إصلاحات عميقة قد تنتج بنية حوكمة موازية داخل القطاع. وبذلك، يظهر القرار كآلية لتجميد الحرب دون بناء استقرار فعلي، ويفتح الباب أمام مرحلة انتقالية طويلة محكومة بشرعية هشّة، نتيجة غياب توافق فلسطيني–إسرائيلي، وتغلّب الهيمنة الأميركية على المسار، وتداخل التنافس الدولي بما يحدّ من قابلية تطبيق الترتيبات على الأرض.

ويأتي القرار في لحظة تشهد تنافسا دوليا حادا بين الولايات المتحدة وروسيا والصين حول صياغة “اليوم التالي” في غزة، ما يجعله جزءا من إعادة رسم النفوذ الدولي في الشرق الأوسط، لا مجرد خطوة لوقف الحرب [2].  من الجدير بالذكر أن القرار جاء في لحظة رأت فيها إدارة ترامب أن استمرار الحرب دون إطار سياسي يهدد بتفاقم أربعة مخاطر متزامنة: مأزق عسكري إسرائيلي يطيل أمد المعارك بلا حسم، انهيار إنساني يهدد بصورة الولايات المتحدة ويفتح الباب لتدخلات دولية منافسة، تصاعد توتر إقليمي قد يشعل جبهات جديدة في لبنان والبحر الأحمر، وضرورة أن تُظهر الإدارة الجديدة قدرتها على استعادة القيادة الأميركية في ملفات الشرق الأوسط. لذلك اندفعت واشنطن لطرح قرار واسع التفويض يجمّد الحرب ويمنحها السيطرة على “اليوم التالي”، قبل أن تُفرض ترتيبات لا تتوافق مع رؤيتها أو مصالح حلفائها.

مجلس السلام وقوة الاستقرار الدولية

يمثّل مجلس السلام محور البنية السياسية في القرار 2803، بوصفه هيئة انتقالية واسعة الصلاحيات لإدارة غزة حتى عام 2027، تشمل التنسيق الأمني، الإشراف على المؤسسات المدنية، وإدارة إعادة الإعمار. ويأتي هذا النموذج امتدادا لخبرات دولية سابقة في كوسوفو وتيمور الشرقية، حيث اضطلعت هيئات دولية بإدارة مناطق نزاع بصورة مؤقتة قبل الوصول إلى ترتيبات نهائية [3].

أما قوة الاستقرار الدولية فهي الأداة التنفيذية الأساسية للقرار؛ إذ يمنحها مجلس الأمن تفويضا باستخدام “الوسائل الضرورية” لفرض الأمن، نزع السلاح، حماية الممرات الإنسانية، وتدريب شرطة فلسطينية جديدة، في نموذج أقرب لبعثات حفظ السلام المعزّزة منه إلى قوات مراقبة تقليدية، مع تنسيق مباشر مع مصر و”إسرائيل[4]” .

ويشير البيان السابق للتصويت إلى استعداد دول عربية وإسلامية منها مصر وقطر والسعودية والإمارات والأردن وتركيا وإندونيسيا وباكستان للمشاركة في القوة، شريطة وجود تفويض واضح من مجلس الأمن، وهو ما تحقق في القرار[5]. وتشير تقديرات مختلفة إلى أن الولايات المتحدة ستتولى توفير الدعم اللوجستي والتقني الأساسي [6]

مع ذلك، يواجه هذا النموذج تحديات كبيرة: تعقيد مهمة نزع السلاح، احتمالات الرفض الشعبي والفصائلي لوجود قوة دولية داخل غزة، التباين بين الدول المشاركة حول طبيعة المهمة، وإمكانية تحوّل القوة إلى “سلطة أمر واقع” في حال تعثر مسار الحوكمة. وتظهر تجارب البوسنة وكوسوفو أن نجاح هذا النوع من الترتيبات يعتمد أساسا على ثلاث ركائز: الشرعية المحلية، وضوح التفويض السياسي، وتماسك التحالف الدولي الداعم [7].

الشرعية الفلسطينية بين السلطة وحماس: صراع موقع أم صراع نظام سياسي؟

يكشف القرار 2803 عن أزمة مركّبة في بنية النظام السياسي الفلسطيني، إذ يجد كلٌّ من السلطة الفلسطينية وحركة حماس نفسه أمام تهديد مباشر لموقعه السياسي ومجال نفوذه داخل غزة. فالسلطة تُطرح في القرار باعتبارها “الشريك الإداري الطبيعي” لمرحلة ما بعد الحرب، لكنها تُلزم في الوقت نفسه بحزمة إصلاحات سياسية وإدارية وأمنية صارمة، تعكس شكوكا أميركية وإقليمية في قدرتها على إدارة غزة بصيغتها الحالية. وتشير الإحالات المتكررة في القرار إلى “إعادة الهيكلة” و“تعزيز الشفافية” و“تطوير الأجهزة” إلى احتمال الدفع نحو صياغة نموذج “سلطة معدّلة”، أو حتى خلق جسم إداري موازٍ يرتبط مباشرة بمجلس السلام وقوة الاستقرار الدولية ما يعني عمليا تهديد موقع السلطة التقليدي كالممثل الرسمي الوحيد للفلسطينيين[8]

في المقابل، تنظر حركة حماس إلى القرار بوصفه تهديدا استراتيجيا مباشرا، ليس فقط لأنه يمنح القوة الدولية تفويضا واضحا في نزع السلاح وضبط الأمن، بل لأنه يعيد تعريف بنية الحوكمة في غزة بطريقة قد تقود إلى إقصائها أو تهميش دورها السياسي والعسكري. وترى الحركة أن مجلس السلام يمثل “وصاية دولية” تعيد إنتاج نماذج سياسية مشابهة لتيمور الشرقية والبوسنة، حيث تسبّب تدخل دولي موسّع بتقليص دور الفاعلين المحليين رغم اعتراضاتهم[9].

ويحذّر باحثون فلسطينيون ودوليون من أن هذا التناقض بين السلطة وحماس لا يمثل صراعا على “من يدير غزة” بقدر ما يعكس أزمة شرعية أعمق داخل النظام السياسي الفلسطيني: سلطة فاقدة للثقة الشعبية، وفصيل مسلح يرفض الترتيبات الدولية، ومحور خارجي يحاول إعادة تشكيل البيئة الحاكمة من خارج المؤسسات الوطنية.³ وفي حال انتقال مركز القرار فعلا إلى مجلس دولي، فإن الانقسام قد لا يبقى بين “الضفة وغزة”، بل قد يتحول إلى انقسام بين “نظام سياسي محلي” و“نظام دولي بديل”، وهو ما تخشاه قطاعات واسعة من المجتمع الفلسطيني باعتباره خطوة قد تُفضي إلى فصل سياسي طويل الأمد أو إلى هندسة سياسية تتجاوز الإرادة الوطنية[10].

وبذلك، يتضح أن التحدي الأكبر في القرار 2803 لا يكمن فقط في كيفية تنفيذ ترتيبات الأمن والإعمار، بل في كيفية إنتاج شرعية سياسية قادرة على الصمود في ظل صراع داخلي عميق، وتنافس إقليمي ودولي على تحديد من يملك حق إدارة “اليوم التالي” للحرب.

موقف الدول العربية والإسلامية

لعبت الدول العربية والإسلامية دورا رئيسيا في تمرير القرار 2803، إذ أصدر تحالف ضمّ قطر ومصر والسعودية والإمارات والأردن وتركيا وباكستان وإندونيسيا بيانا مشتركا دعا إلى “اعتماد سريع” للقرار دعما لوقف إطلاق النار ومنع الانهيار الإنساني. إلا أن هذا الدعم جاء مشروطا؛ فقد ضغطت هذه الدول لإدراج لغة تشير إلى تقرير المصير وإمكان الوصول إلى دولة فلسطينية، وهو ما دفع واشنطن إلى إدخال صياغات سياسية حذرة دون التزامات نهائية[11].

ويرتبط هذا الموقف برغبة عربية في منع فراغ سياسي قد تستغله “إسرائيل” لفرض ترتيبات أحادية، أو لإعادة فرض السيطرة الأمنية على غزة بصورة دائمة. لذلك يُنظر إلى تأييد القرار باعتباره “الخيار الأقل كلفة” مقارنة بعودة الحرب أو ترك القطاع لحسابات القوى الكبرى وحدها[12]. ومع ذلك، تعرب تحليلات عربية ودولية عن مخاوف من أن يؤدي التفويض الواسع لقوة الاستقرار الدولية ومجلس السلام إلى تقليص الدور العربي في إدارة القطاع، أو إلى هندسة سياسية جديدة قد تُقصي السلطة الفلسطينية وتعمّق الانقسام الداخلي .

وبذلك، يتحرّك الموقف العربي ضمن معادلة دقيقة: دعم ترتيبات توقف القتال وتحمي المدنيين، مع العمل لمنع تحويل غزة إلى ملف دولي خالص خارج الإطار الفلسطيني والعربي، في لحظة تتطلب توازنا حساسا بين الضرورات الإنسانية وحسابات النفوذ الإقليمي.

الأزمة السياسية داخل إسرائيل

أدّى القرار 2803 إلى تفاقم أزمة سياسية داخل “إسرائيل”، إذ رحّب نتنياهو بالشقّ الأمني المتعلق بنزع سلاح غزة ووجود ترتيبات دولية تُخفّف العبء الأمني عن الجيش، لكنه رفض بشكل قاطع أي لغة في القرار قد تُفهم على أنها تقرّب فكرة الدولة الفلسطينية أو تفتح “أفقا سياسيا” جديدا. هذا الموقف جاء استجابة لضغط أحزاب اليمين الديني والقومي التي اعتبرت الصياغات الواردة رغم أنها مبهمة وغير مُلزمة تهديدا مباشرا لمشروعها الأيديولوجي في منع أي تسوية سياسية مستقبلية[13] .

في المقابل، تُظهر تقديرات داخل المؤسسة العسكرية اختلافا واضحا مع المستوى السياسي؛ إذ ترى القيادات العسكرية أن استمرار السيطرة المباشرة على غزة بعد الحرب أمر غير قابل للاستدامة، وأن وجود ترتيبات دولية انتقالية قد يتيح للجيش إعادة الانتشار وتخفيف الكلفة الأمنية، بينما يعتبر اليمين السياسي أن أي وجود دولي وإن كان محدودا يمهّد لضغط دولي لاحق في قضايا الوضع النهائي[14].

كما تعكس النقاشات داخل أجهزة الحكم انقساما حول سؤال “من يدير غزة بعد الحرب؟”؛ فبينما تميل الأجهزة الأمنية إلى قبول إدارة انتقالية دولية لتجنّب فراغ أمني وصعود فصائل جديدة، يصرّ التيار اليميني المتشدد على رفض أي إدارة غير إسرائيلية، ما يكشف عن أزمة داخلية بنيوية تتعلق بعجز النظام السياسي عن صياغة رؤية متماسكة لليوم التالي.

الموقف الروسي الصيني من القرار 2803

كشف امتناع روسيا والصين عن التصويت على القرار 2803 عن تحفظات عميقة على منح الولايات المتحدة تفويضا واسعا لإدارة المرحلة الانتقالية في غزة. فرغم عدم استخدامهما لحق النقض، اعتبرت موسكو أن القرار يمنح واشنطن هيمنة غير مقيّدة على آليات الأمن وإعادة الإعمار، من دون ضمانات سياسية موازنة، وهو ما يتعارض مع رؤيتها لنظام دولي متعدد الأقطاب. أما بكين، فركّزت على غياب التوازن في النص، وانتقدت عدم تضمين القرار مسارا واضحا يقود إلى دولة فلسطينية، مؤكدة أن الحل يجب أن يقوم على معالجة “جذور الصراع” وليس فقط على الترتيبات الأمنية. ويعكس موقف الدولتين رفضا مشتركا لاحتكار واشنطن هندسة النظام السياسي لما بعد الحرب، وتقليص دور القوى الدولية الأخرى، في لحظة يتصاعد فيها التنافس على إعادة تشكيل موقع الشرق الأوسط في الخريطة الجيوسياسية العالمية[15].

مقارنة القرار 2803 مع مسار أوسلو: مرحلة انتقالية طويلة أم إعادة إنتاج الغموض؟

تقدّم اتفاقية أوسلو مثالا واضحا على مخاطر المراحل الانتقالية المفتوحة؛ إذ تحوّل الاتفاق، الذي كان يفترض أن يقود إلى دولة فلسطينية خلال خمس سنوات، إلى نظام إداري أمني بلا سقف زمني، ما جعل “الانتقال” حالة دائمة أنتجت مزيدا من التعقيد بدل الوصول إلى حل سياسي. وتُظهر قراءة القرار 2803 أن عددا من عناصر أوسلو الجوهرية يعاد إنتاجه اليوم: تفويض أمني واسع يتقدّم على أي مسار سياسي، إنشاء هياكل مؤقتة لإدارة غزة، وربط التقدم السياسي بشروط أمنية وإعادة هيكلة مؤسسات السلطة. وهو ما يفتح الباب أمام احتمال نشوء “مرحلة انتقالية طويلة” جديدة، شبيهة بما حدث بعد أوسلو، خصوصا في ظل غياب توافق فلسطيني داخلي، وتشدّد الحكومة الإسرائيلية، وطبيعة التفويض الأميركي الذي يفضّل الاستقرار الأمني على البحث في جذور الصراع[16].

وتكمن أهمية المقارنة في أنها تشير إلى سؤال مركزي: هل يستطيع القرار 2803 أن يكسر نمط الإدارة المؤقتة الذي حكم التجربة الفلسطينية منذ التسعينيات؟ أم أننا أمام صيغة جديدة من “أوسلو مُعزَّزة أمنيا” قد تطيل أمد الصراع بدل حلّه، خصوصا مع غياب آليات إلزام واضحة أو جدول زمني لإنهاء المرحلة الانتقالية؟

اقتصاد غزة بعد الحرب: بين إعادة الإعمار وقيود الهندسة السياسية

يدخل اقتصاد غزة مرحلة ما بعد الحرب وسط انهيار شبه كامل للبنية التحتية وتوقف غالبية القطاعات الإنتاجية، إذ تشير تقديرات البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى خسائر ضخمة قد تتجاوز عشرات المليارات، ما يجعل القطاع معتمدا بالكامل تقريبا على التمويل الدولي خلال السنوات المقبلة. ويفوّض القرار 2803 مجلس السلام وقوة الاستقرار الدولية دورا مركزيا في الإشراف على عملية إعادة الإعمار، من خلال إدارة تدفّق التمويل، وتحديد أولويات المشروعات، ووضع آليات رقابة اقتصادية جديدة، وهو ما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل البنية الاقتصادية وفق منطق “الإدارة الدولية” أكثر من منطق السيادة المحلية.[17]

وتُظهر خبرات دول مثل كوسوفو وتيمور الشرقية أن إعادة الإعمار في ظل إدارة انتقالية دولية تنتج غالبا اقتصادا هشّا يعتمد على المساعدات الخارجية، مع ضعف القدرة الإنتاجية وغياب القرار السيادي. وتشير تحليلات اقتصادية مستقلة إلى أن النجاح في تعافي الاقتصاد الغزّي يتوقف على ثلاثة شروط لا يضمنها القرار 2803 بالكامل: فتح مستدام للمعابر، توحيد السلطة السياسية الفلسطينية، وتحرير حركة العمال والبضائع. وعليه، يصبح ملف الإعمار ساحة صراع سياسي مالي بين الأطراف الدولية والسلطة الفلسطينية والفصائل و”إسرائيل”، بما يجعل اقتصاد غزة جزءا من هندسة سياسية أوسع، لا عملية تعافٍ اقتصادي فحسب.

السيناريوهات: مسار انتقالي أم موجة جديدة من عدم الاستقرار؟

تشير القراءة الموجزة لمسارات ما بعد القرار 2803 إلى ثلاثة سيناريوهات رئيسية تختلف في احتمالات تحققها. السيناريو الأول هو النجاح النسبي، حيث تنجح الإدارة الانتقالية الدولية في فرض حدٍّ أدنى من الأمن يسمح بفتح المعابر واستعادة بعض الخدمات وبدء الإعمار، لكنه يبقى احتمالا ضعيفا بسبب غياب الشرعية الداخلية وتباين مواقف القوى المحلية والإقليمية. أما السيناريو الثاني فهو الفشل، ويتمثل في تعثّر قوة الاستقرار الدولية وانهيار المسار الانتقالي نتيجة رفض الفصائل الفلسطينية للتفويض الدولي، ووقوع احتكاكات مع السكان، وتضارب أجندات الدول المشاركة، بما يعيد إنتاج فراغ سياسي وأمني يشبه تجارب البوسنة والعراق. وفي مقابل ذلك، يبدو السيناريو الثالث، سيناريو “التعقيد البنيوي”، هو الأكثر ترجيحا؛ إذ تستمر غزة في حالة “لا حرب ولا سلام” بفعل انقسام فلسطيني عميق، ومشهد سياسي إسرائيلي غير مستقر يهيمن عليه اليمين، وتنافس أميركي–روسي–صيني على صياغة الترتيبات الانتقالية. ووفق هذا المسار، ينجح القرار في تجميد الحرب لكنه يعجز عن بناء استقرار فعلي، ما يجعل المرحلة المقبلة أقرب إلى إدارة أزمة مزمنة لا تسوية سياسية حقيقية.

الخاتمة

يكشف القرار 2803 أن ما طُرح على غزة ليس مسارا نحو تسوية سياسية، بل إطار إدارة انتقالية دولية يهدف إلى تجميد الحرب دون تأسيس لاستقرار طويل الأمد. فالقرار يعيد تشكيل موازين الأدوار عبر قيادة أميركية واضحة، وترتيبات أمنية تمنح “إسرائيل” مكاسب مباشرة، بينما يضع السلطة الفلسطينية تحت ضغط إصلاحات عميقة قد تنتج بنية حوكمة بديلة، ويُقصي حركة حماس عبر تفويض دولي بنزع السلاح وإعادة هيكلة الحكم. فالقرار يكشف يعد مكسبا مباشرا لإسرائيل، إذ يمنحها ما عجزت عن تحقيقه عبر الحرب. فالقرار ينقل مهمة نزع سلاح غزة من عبء عسكري إسرائيلي إلى تفويض دولي واسع، ويحوّل إدارة الأمن اليومي إلى قوة استقرار متعددة الجنسيات، بما يخفّف الضغط على الجيش ويوفّر له مخرجا من الاستنزاف الميداني. كما يحمّل القرار المجتمع الدولي مسؤولية معالجة الأزمة الإنسانية، فيعفي إسرائيل من تبعاتها السياسية والأخلاقية، ويمنحها في الوقت ذاته ترتيبات أمنية عميقة دون التزام بأي مسار سياسي للفلسطينيين.  والأهم أنه يوفّر لتل أبيب حلا لمأزق من يحكم غزة؟ عبر إدارة انتقالية دولية تبعدها عن كلفة الحكم وتسمح لها بالحفاظ على أولوياتها الأمنية بأقل كلفة ممكنة. وبذلك، يقدّم القرار لإسرائيل نتائج استراتيجية لم تنتجها الحرب، ويعيد تشكيل بيئة غزة من موقع يخدم مصالحها دون أثمان داخلية تذكر. ومع الانقسام الفلسطيني الداخلي، والتصدّع السياسي داخل “إسرائيل”، وتنافس الولايات المتحدة وروسيا والصين على هندسة “اليوم التالي”، تبدو غزة متجهة نحو مرحلة انتقالية طويلة، هشّة، ومفتوحة على تقلبات القوة الإقليمية والدولية. كما أن ربط الإعمار بتفويض دولي واسع يجعل الاقتصاد الغزّي جزءا من هندسة سياسية خارجية، لا مشروع تعافٍ سيادي.


[1] United Nations Security Council, Reports on Kosovo & Timor-Leste (UNMIK / UNTAET).

[2] The US and Gulf should not get distracted by grand visions: peace in Gaza must come first2025

[3] United Nations Security Council, Reports on Kosovo & Timor-Leste (UNMIK / UNTAET).

[4] United Nations Security Council – Official Documents (Resolution 2803)

[5] Joint Statement by the Foreign Ministers of Qatar, Jordan, UAE, Indonesia, Pakistan, Türkiye, Saudi Arabia, and Egypt (Non-UN Document)

[6] Brookings Prevailing in an era of comprehensive conflict

[7] International Crisis Group – Lessons from International Transitional Administrations.

[8] International Crisis Group. The Future of Palestinian Governance.

[9] Reuters – Hamas rejects international force & guardianship.

[10] Chatham House – Fragmentation of Palestinian Governance.

[11] Joint Statement by the Foreign Ministers of Qatar, Jordan, UAE, Indonesia, Pakistan, Türkiye, Saudi Arabia, and Egypt (Non-UN Document)

[12] Carnegie Middle East Center:Governing Gaza After the War: The Regional Perspectives

[13] International Crisis Group, Israel/Palestine: Political Dynamics After the War, 2024.

[14] Carnegie Middle East Center: Israeli Policy Is Divided Into Two Main Camps. Neither One Offers a Realistic Path Forward  2025

[15] Al Jazeera – UN Security Council passes US resolution backing international Gaza force

[16] Carnegie Middle East Center –The Illusion of Oslo 2023

[17] Gaza War: Expected Socio-Economic Impacts on the State of Palestine October 2024

زر الذهاب إلى الأعلى