“إخوان” العراق وطموحات العودة عبر بوابة غزة

بدا من الواضح أن المنطقة على أعتاب موجة جديدة من الإسلام السياسي في ظل المعطيات الحالية، والفجوة التي يشعر بها الشارع العربي مع أنظمته الرسمية إزاء الموقف من الحرب على غزة، وبعد تصدّر حركة المقاومة الإسلامية “حماس” لمواجهة العدوان الإسرائيلي على القطاع. وبعيدًا عن النقاش المتداول عن شكل ولون تلك الموجة، إلا أن العديد من الحركات الإسلامية تسعى اليوم نحو اقتناص الفرصة لإعادة البريق الذي فقدته بعد تجارب الحكم التي كانت قد خاضتها أو تلك التي أُجهضت مبكرًا بعد الربيع العربي.

لم تكن جماعة الإخوان المسلمين في العراق بمعزل عن تلك المساعي، فمنذ السابع من أكتوبر يحاول الحزب الإسلامي العراقي وحركة العدل والإحسان، والشخصيات المحسوبة على الجماعة، قيادة حراكات ومسيرات وجُمع موحّدة ومهرجانات تضامنية تطالب فيها بإيقاف الحرب على غزة وتطالب بفتح الحدود لإدخال المساعدات إلى رفح؛ كما تنتشر غالبية تلك المسيرات تحديدًا في المناطق ذات الأغلبية السنيّة في العاصمة بغداد، مثل الأعظمية واليرموك وغيرهما، إلى جانب الحملات التي يتم تنظيمها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.  

إلا أن المفارقة تكمن في أن البريق الذي تحاول الجماعة استعادته في العراق كانت قد بدأت بفقدانه قبل أن يبدأ الربيع العربي، أي بخلاف الحركات الإسلامية في الدول الأخرى؛ فالجناح السياسي للجماعة آنذاك -الحزب الإسلامي- كان جزءًا من العملية السياسية بعد عام 2003 وتولى مناصب عليا ووزارات بصفته أبرز ممثلي الطائفة السنية في العراق، لكنه لم يستطع تلبية ما كان مأمولًا من الشارع السني؛ فمنذ انتخابات عام 2010، بدت شعبية الحزب آخذةً بالتراجع بشكل واضح وصريح.

رغم أنه ما يزال يحتفظ بالأيديولوجيا إلا أن الحزب الإسلامي، لم يعد ممثلًا لحركة الإخوان المسلمين في العراق، فقد غادر الحزب الجماعة منذ عام 2011، كما يصرح أمينه العام رشيد العزاوي، بل إن الحزب على ما يبدو تخلى كثيرًا عن عمله الإرشادي والدعوي وترك تلك المساحة لصالح “حركة العدل والإحسان” وهي الجسم الذي نشأ منذ قرابة 10 سنوات والممثل لجماعة الإخوان المسلمين في العراق بصورته المنظمة والذي يضم قيادات كانت تتصدر الحزب الإسلامي سابقًا، يُظهر عملها تركيزًا واضحًا وأكبر في الدعوة والإرشاد في مقابل عمل الحركة السياسي الذي لا يحظى بذات الاهتمام.

دون العودة كثيرًا إلى وراء، إلا أن مرحلة سيطرة تنظيم الدولة “داعش” على بعض المحافظات العراقية وما بعدها خفّضت كثيرًا من أسهم الإسلام السياسي في العراق، بشقيه السني والشيعي، فالإخوان وعبر جناحهم السياسي “الحزب الإسلامي” الذي كان قد تصدر واجهة المكون السني في وقت من الأوقات، فشل في تلبية مطالب أبناء المكون سواء على صعيد الخدمات أو توفير الأمن و رضي بمعضلة التمثيل و”سياسات التهميش” التي تصدرت خطاب المكون السني عام 2012، إلى جانب أزمة الانقسام المستمرة والمتكررة بين القوى السنية التي رافقت الحزب منذ لحظة دخوله العملية السياسية، الأمر الذي أدى به إلى أن يخوض الانتخابات عام 2018 بمرشحين مستقلين، أي ليس بصفتهم أعضاء في الحزب، لحقه عدم حيازة الحزب على أي مقعد في الانتخابات المبكرة الأخيرة عام 2021. إلى جانب ذلك، فإن المزاج السني كان قد اتجه في وقت مبكر نحو الهويات العشائرية ونحو القوى السنية غير الإسلامية والتي يتصدرها رجال أعمال يتبنون خطاب البناء والإعمار على حساب الخطاب المؤدلج، وهو ما أظهرته -على سبيل المثال لا الحصر- الانتخابات الأخيرة في لجوء الشارع السني للتصويت لكل من محمد الحلبوسي وخميس الخنجر.

تدرك القوى السياسية الإخوانية وجود فجوة كبيرة بينها وبين الشارع السني وأنها بأمسّ الحاجة اليوم إلى ترميم قواعدها الاجتماعية، إلا أنها ما تزال تحتفظ بالأمل الذي قد يعيدها إلى الشارع السني مرة أخرى، وهذه المرة عبر بوابة غزة لخصوصيتها ورمزيتها وقدرتها مرة أخرى على استقطاب العوائل السنية أو الشباب السني، رغم إصرارها على أن الانتخابات البرلمانية الأخيرة شابها التزوير وتقف خلفها مؤامرة ضد الحركات الإسلامية؛ يتحدث رشيد العزاوي الأمين العام للحزب الإسلامي العراقي عن المؤامرة التي طالت الحركات الإسلامية وأن “الدول العميقة” سعت إلى إجهاض تجربتها، إلا أن هذه الحركات لم ينتهِ دورها بعد -من وجهة نظره-؛ ويستدل بذلك على المسيرات التضامنية مع غزة مدعيًا أن من ينظمها هي الحركات الإسلامية، كدلالة على حضورها في الشارع وقدرتها على التحشيد. ومن خلال متابعة تلك المسيرات، من الممكن الملاحظة بوضوح أنها تحمل بصمات إخوانية، سواء على مستوى الأناشيد والهتافات والشعارات، بل إن بعضها ذهب ليحمّل ويدين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مسؤولية الدماء والجوع، في إشارة إلى “امتناع” مصر إدخال المساعدات إلى رفح.

يبقى السؤال المطروح في المرحلة القادمة، هو مدى قدرة القوى السياسية الإخوانية على العودة مجددًا إلى الشارع السني سواء عبر بوابة الحزب الإسلامي أو من خلال الجسم الجديد، حركة العدل والإحسان؛ ففي السنوات الماضية تمركزت هذه القوى واعتمدت على إرثها داخل العملية السياسية الذي يحفظ مصالحها السياسية، وأهملت كثيرًا قواعدها الاجتماعية، وما إذا كانت قضية الحرب على غزة تمثل إحدى محاولات تلك العودة، خاصة وأن أنشطة الجماعة -عبر أذرعها السياسية- في العراق ركزت في السنوات الأخيرة بشكل كبير على إقامة التجمعات الكبيرة تحت العناوين المتعلقة بالقضية الفلسطينية، والذي من شأنه أن يعزز من التماسك الأيديولوجي للقواعد عبر هذه الفعاليات والمسيرات، خاصة وأن هذه القوى تتماهى مع سياسيات الحكومة العراقية وتحتفظ بعلاقات جيدة مع الجانب الإيراني، وتتجنب انتقاد السياسات الإيرانية، وتتحالف رسميًّا مع القوى الممثلة للحشد الشعبي في الانتخابات البرلمانية ومجالس المحافظات، الأمر الذي كثيرًا ما يثير السخط لدى الشارع السني في العراق بشكل عام.

زر الذهاب إلى الأعلى