أزمة اللجوء السوري في الأردن: ما وراء الأرقام
سماح بيبرس*
داخل مخيماتهم يواجه اللاجئون السوريين ظروفًا اقتصاديّة واجتماعيّة صعبة، وهي ظروف ازدادت صعوبة مع تراجع المساعدات والتمويل الموجه لدعم الأردن في استضافة هؤلاء. هذه الظروف الصعبة من شأنها أن تحوّل هذه المخيمات إلى قنابل موقوتة قابلة للانفجار في وجه المجتمع في أي لحظة، فهي مصدر للخطر في حال لم يتم تحسين أوضاع اللاجئين فيها وتقديم الخدمات الأساسيّة لهم.
منذ بداياتها، تسببت الحرب في سوريا بنزوح ما يزيد على 5.6 مليون سوري إلى خارج بلادهم، احتضن الأردن منهم أكثر من 1.3 مليون سوري، بينهم 661854 لاجئًا سوريًّا مسجلًا لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين – مكتب الأردن موزعين على أربعة مخيمات وهي؛ الزعتري (افتتح في تموز/يوليو 2012)، والأزرق (افتتح في نيسان/أبريل 2014)، والمخيّم الإماراتي الأردني (افتتح في نيسان 2013) ومخيم حدائق الملك عبد الله (KAP) في إربد (افتتح عام 2012)؛ يستضيف سوريين وفلسطينيين من سوريا.
وأمام هذه الأعداد المهولة، يواجه اللاجئ والمستضيف ضغوطًا متزايدة في ظل تقلص المساعدات وشح الدعم؛ كان آخرها إعلان منظمة الأغذية العالمية WFP أن اللاجئين السوريين في مخيمي الزعتري والأزرق منذ بداية آب/أغسطس الجاري بدأوا بالحصول على تحويل نقدي منخفض قدره 15 دينارًا أردنيًّا (21 دولارًا أمريكيًّا) للفرد الواحد شهريًّا، بعد أن كان المبلغ السابق يبلغ 23 دينارًا أردنيًّا (32 دولارًا أمريكيًّا)، بسبب قلة التمويل، وهو ما يضع مصير اللاجئين ومستقبلهم على المحك؛ فأسرة من بين كل 4 أسر ترأسها امرأة في مخيم الأزرق، و في مخيم الزعتري هنالك 1 من بين 3 أسر ترأسها امرأة أيضًا، وهي مؤشرات على انتشار الفقر، إلى جانب وجود 5% من الأشخاص من ذوي الاعاقة، و80% من لاجئي المخيم هم من “درعا” في الجنوب السوري والتي تشهد اضطرابات أمنية حادة ومستمرة.
ورغم المساعي التي يبذلها الأردن لاحتواء سوريا، التي يربطه معها حدود ممتدة إلى 370 كيلو متر، لعدة اعتبارات على رأسها اللاجئين، أملًا في تأمين عودة طوعية لهم، كما ظهر في اجتماع عمان التشاوري في أيار/مايو العام الجاري إلا أن هذه المساعي ما تزال تواجه معرقلات سياسية وأمنية عديدة داخلية ودولية ولم تؤت ثمارها بعد، بل رافقها انخفاض الدعم الدولي للاجئين في الأردن إلى 6% بعد أن كان العام الماضي قد بلغ 33%، و 70% عام 2016.
تفتح هذه الظروف المعيشية الصعبة التي تواجهها المخيمات المجال أمام مزيد من التخوفات، فتراجع الخدمات وضعف الدعم قد يخلق أوضاعًا إنسانية واقتصادية واجتماعية سيئة لن تنعكس فقط على مجتمع المخيم فحسب بل قد تتسرب إلى خارجه، فمن منظور اجتماعي فإن الحرمان من الحاجات الأساسيّة يؤدّي إلى اشباعها من خلال طرق غير مشروعة، خصوصًا في ظل عدم توفر العمل اللازم الذي يؤمن المال اللازم لتوفير الحاجات الأساسيّة وفي ظل تراجع المساعدات والمعونات، إلى جانب أنّ الفقر والبطالة من شأنهما خلق بيئة خصبة لانتشار الجريمة بأشكالها المختلفة وهذا ينعكس على المقيمين داخل المخيمات أو خارجها المخيم وسط حالة التسرب التي لا تخضع لضبط كبير والاختلاط الحاصل بين المخيم والمجتمعات المحليّة.
لم يتجاوز الأردن، بحسب مسؤوليه الرسميين، قدراته الاستيعابية في احتواء اللاجئين في المخيمات فقط، بل تعداه إلى خارج تلك المخيمات وهو ما شكّل ضغطًا على العديد من القطاعات؛ فاللاجئون داخل المخيمات بحسب الإحصاءات الرسمية لا يشكلون سوى 10%، بينما هناك أكثر من 150 ألف طالب سوري، مسجلون في النظام التعليمي الرسمي، ونتيجة لذلك، تعمل أكثر من 200 مدرسة حاليًّا وفق نظام الفترتين، إلى جانب القطاع الصحي الذي تمكن أكثر من 320 ألف لاجئ من الوصول إليه، وصولًا إلى منح أكثر من 370 ألف تصريح عمل للسوريين رغم ارتفاع معدلات البطالة بين الأردنيين.
أمام هذه الإحصائيات الخطيرة، يتعامل الأردن اليوم مع إشكالية أخرى كبرى تتمثل في معدل المواليد، إذ بلغ عددهم من اللاجئين منذ بداية الأزمة السورية 200 ألف طفل، ما يعني أن معدل الخصوبة بين السوريين 4.7 %، أي ضعف معدل الخصوبة في الأردن البالغ 2.6 %، إلى جانب أن 50% من اللاجئين هم دون سن 15 عامًا وهو يدلل بشكل واضح إلى أن احتياجات اللاجئين لا تقتصر على الاحتياجات الإغاثية من الطعام والشراب وحسب.
منذ اندلاع الحرب في سورية عام 2011 يعتبر الأردن ملاذًا آمنا للاجئين السوريين، حتى بات يعد ثالث دولة على مستوى العالم من حيث عدد اللاجئين السوريين، والثاني عالميًّا من حيث عدد اللاجئين مقارنة بعدد السكان الكلي. لربما أن الخطر المحدق الذي يواجه الأردن اليوم لا ينحصر فقط في الحدود الشمالية وبالحرب على تجارة المخدرات ولا بضبط حالة التسرب من داخل المخيمات، بل بالخطر الداهم المتمثل بتداعيات وانعكاسات تخفيض الدعم وتقليص المساعدات سواء داخل مجتمعات المخيمات أو داخل المجتمعات المحلية، فتراجع الإمدادات والمعونات يعني ترك اللاجئين بمواجهة المزيد من خطر الجوع والفقر والبطالة، وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى مزيد من التهديدات سواء على الصعيد الأمني أو المجتمعي والاقتصادي.
*كاتبة صحفية متخصصة بالشأن الاقتصادي