مقال في صحيفة القدس العربي يتناول كتاب “سياسات الشباب في الدول العربية” الصادر عن معهد السياسة والمجتمع وطمي

سلاطين وسراويل علمانية… ما الذي حل بالشباب العربي؟

محمد تركي ربيعو

مع انطلاق الانتفاضات العربية عام 2010، بدا وكأن الشباب العربي أصبحوا أصحاب التأثير الأوسع. ليس على صعيد الإطاحة بالدولة السلطانية العربية، وفق تعبير عبد الله العروي فحسب، وإنما أيضا على صعيد مستقبل المنطقة. فالكثير من الأحزاب والتجمعات التي ظهرت لاحقا، يبدو أن للشباب دورا واضحا فيها. وفي ظل هذا الواقع، كان من الطبيعي مثلا صدور كم كبير من الدراسات والترجمات، التي تحاول فهم الشباب والاستراتيجيات التي يتبعونها في حياتهم اليومية، ومصادر خطاباتهم. كما اهتمت بعض هذه الترجمات بالأخص بتتبع خطوط سير هؤلاء الشبان على صعيد سياسات الفرح، وفق تعبير آصف بيات، أو على صعيد التدين الفرداني، ودراسة أجسادهم، وأشكال سراويلهم العلمانية. لكن هذا المشهد لن يستمر، فمع تغير الظروف كان هناك رأي آخر يقول إن الشباب هم المشكلة وليسوا الحل، ولذلك أخذت مقولة الشباب كمفهوم تحليلي تتراجع، وربما الذي حل هي صورة الشاب الجهادي، الذي يرفع سيوف القرون الأولى.
ويشكل كتاب الباحثين محمد أبو رمان وكامل النابلسي (سياسات الشباب في الدول العربية) معهد السياسة والمجتمع، محاولة من جديد لإعادة الاعتبار لدراسات الشباب العربي بعد مرور أكثر من عشر سنوات على اندلاع الانتفاضات العربية. ينطلق الباحثان من سؤال مختلف هذه المرة. فعوضا عن البحث في واقع ومسارات الشباب العربي اليوم، وهو ما يحتاج إلى مزيد من البحث الميداني، يحاولان النظر في سياسات الدول العربية بعد الربيع العربي حيال هؤلاء الشباب. فبعد الانتفاضات لم يعد هناك خطاب لحاكم سلطوي عربي إلا وفيه إشارة واضحة للشباب ولضرورة دعمهم. اختار المؤلفان دراسة ثماني حالات هي: مصر، تونس (بلدا الانتفاضات الأولى)، البحرين، الكويت (بلدان الخليج)، الأردن، المغرب (بلدا الأنظمة الملكية المحافظة)، لبنان، السودان (الموجة الثانية من الانتفاضات).

من هم الشباب

قبل الخوض في سياسات البلدان العربية حيال الشباب بعد الربيع العربي، حاول المؤلفان الإجابة عن سؤال من هم الشباب. في هذا السياق نعثر على تعريفات عديدة، منها من يربط هذه الفئة بالعمر، وهناك من يربط الشباب بفترة ما بين الطفولة وما قبل الزواج. في حين يرفض بيير بورديو مثلا هذه التعريف، ويرى عوضا عن ذلك أن «الشباب مجرد كلمة» وأن الحدود بين الأعمار هي حدود اعتباطية. لكن السؤال الأهم بالنسبة للباحثين لا يكمن في إيجاد تعريف دقيق، بقدر النظر في سياسات الدول حيال شرائح شبابية واسعة في السنوات الأخيرة. ولعل ما يميز إجابتهم في هذا السياق، اعتمادها على المقاربة التاريخية من ناحية، وعلى دراسة تفصيلية للقوانين التي صيغت حيال الشباب بعد 2010.
في حالة مصر مثلا، نلاحظ أن وجود الشباب كان ظاهرا مع التحولات التي عرفتها هذه الدولة بعيد الخمسينيات، فمع انطلاق ثورة يوليو/تموز 1952، بدا أن مجلس قيادة الثورة يضم في أغلبه شبانا صغارا، وقد ساهم التوجه العروبي والسوفييتي في دعم المؤتمرات، التي كانت في الغالب تسعى إلى دمج فئات الشباب في الحراك السياسي الأيديولوجي والعالمي. لكن يبدو أنّ هذا الواقع لم يحل في المقابل من أن تشهد فترة السبعينيات حالة من الصراع، أو التجاذب بين الشباب (طلاب الجامعات بالأخص) والسلطات، ما أدى في مرات عديدة إلى اقتحام الجامعات، وأيضا إلى انتهاج سياسة تقوم على فكرة خلق تيارين في أوساط الشباب (شباب محافظ) مقابل (شباب ليبرالي). ويبدو أن هذه المعادلة بقيت تحكم رؤية صانع القرار المصري في فترة السادات ومبارك، مع استحداث أشكال جديدة من المؤسسات مثل، مؤسسة جيل، التي تأسست مع جمال مبارك لتكون رافدا لمشروع توريثه السلطة. ومع سقوط مبارك وعزل مرسي، حاول الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي تشكيل مجلس الشباب، بيد إن ما يلاحظه المؤلفان أنه في الجانب الواقعي ظلت السياسات الرسمية عموما تنظر للشباب بوصفهم تهديدا للوضع السياسي القائم. وعلى العموم قامت بتصنيفهم إلى نوعين: الأول يتماهى ويطيع النظام والسلطة، ويرغب في العمل ضمن هيكل السلطة، وهؤلاء يمكن تجنيدهم وإدماجهم داخل النظام. والقسم الثاني هم الشباب المتطرفون في تصور النظام، الذين لا بد من إزاحتهم بالعنف والسجن.

الأردن… طقوس إصلاحية

قد يختلف المشهد قليلا في الأردن مقارنة بالقاهرة، لكن السياسات الشبابية أيضا يبدو أنها بقيت في الأدراج، ومقتصرة على الدعوات لدعم أوسع للشباب. وربما ما يحسب لهذا الفصل، أن أحد كاتبيه (أبو رمان) قد تسلم في وقت سابق منصب وزير الثقافة والشباب الأردني، ولذلك هناك تفاصيل وإلمام دقيق لطرق تعامل الدولة مع الشباب منذ أيام الملك الراحل الحسين بن طلال. كان الأخير يرى أنّ السياسات الشبابية تنطلق من اعتبارات تربطهم بأوقات الفراغ والأنشطة الرياضية والكشافة وغيرها بعيدا عن الجانب السياسي. ومع قدوم الابن الشاب (عند تسلمه السلطة) بدا أنّ الأمر يتغير، من خلال تركيزه على فكرة البيوت والمجالس الشبابية، مع ذلك يبدو أن هذه التغيرات بقيت تغييرات طقسية، في حين يعتقد المؤلفان أن الإشكالية في صياغة الدولة لملف الشباب أنها عادة ما تنطلق من مقاربة اقتصادية. إذ تظن الدولة أن توفير فرص العمل أمر كاف لحل أو التخفيف من مطالب هؤلاء الشباب، بينما المطلوب في رأيهما هو إعادة النظر في علاقة ودور الشباب بالسياسي وصناعة القرار اليومي، ما يعني أن أي سياسات صحية لا بد أن تنطلق من فكرة إتاحة الفرصة للشباب للمشاركة في اللعبة السياسية، وتصعيد قيادات شبابية إلى مواقع القرار. هنا لا يوضح لنا المؤلفان كيف سيتم دمج هؤلاء الشبان في مراكز القرار، وهل وصول شباب إلى مواقع وزارية كاف؟ وربما يكون موضوع البلديات في هذا السياق هو أحد الحلول الواقعية مقارنة بمراكز قيادية أخرى في الدولة. فالبلديات عادة تكون فرصة للقيادات الشابة للاختبار والنجاح في إدارة الشأن العام، ولذلك ما تزال إلى يومنا هذا تعد مؤشرا على الشخصية القادمة لحكم البلاد في المستقبل. ففي تركيا مثلا، شكلت بلدية إسطنبول في العقدين الأخيرين مختبرا مهما لفحص كيف لعبت هذه الأماكن دورا في دمج القيادات الشابة، وكيف تحولت هذه القيادات الخدمية إلى شخصيات مؤثرة في الحياة السياسية. وفي حالة الأردن، يمكن القول إن فسح موضوع البلديات أمام القيادات الشابة، قد يكون بمثابة فرصة للانفتاح، وأيضا تأهيل قيادات جديدة تخدم مؤسسات الدولة في المستقبل، لكن ذلك يحتاج إلى إعادة التفكير في بعض تفاصيل النظام السياسي على صعيد الإدارة والعلاقة بين البلديات والمؤسسات الحكومية الأخرى.

ليس بالفلوس وحدها يعيش الشباب؟

يدرس الكتاب واقع السياسات الشبابية الحكومية في الكويت والبحرين، ولعل أهم نقطة يقف عندها، وتتعلق بكل دول الخليج، أن هناك قناعة لدى صانع القرار الخليجي بأن وجود «بحبوحة» مالية، ووظائف وقروض وسياسات فخمة ونجوم كرة قدم في ملاعب المدن كاف لإشباع شهوات الشباب العولمية. وهذا ما يحول دون أن يتحولوا إلى أشخاص خطيرين على السلطة، لكن تبدو هذه النقطة غير دقيقة لمن يقرأ فصول الكتاب المتعلقة بالكويت والبحرين. إذ سرعان ما نكتشف أن الربيع العربي كان سببا في ظهور عشرات الحركات الشبابية. وأن معادلة ترف وسراويل علمانية مقابل عدم التدخل بالشأن السياسي، ليست دقيقة بالضرورة، بل على العكس يبدو أن مشهد انفتاح الشارع الخليجي عموما على فضاءات جديدة، سيكون له تأثير لاحق على مزيد من حراك الشباب والمطالبة بالتغيير. والكفيل بالحد من هذا الحراك أو تلافيه هو المزيد من المشاركة السياسية، وإتاحة الفرص للشباب للمشاركة في صناعة الخدمات اليومية، وفسح المجال لهم أيضا للتفكير في شكل وطريقة عمران المدن التي يعيشون فيها.

زر الذهاب إلى الأعلى