سياسيون وباحثون غربيون وفلسطينيون وأردنيون يعاينون مشهد “نهاية حل الدولتين” والخيارات المتاحة أمام الفلسطينيين والأردنيين

اتفق سياسيون وباحثون أردنيون وفلسطينيون وغربيون على أنّ خيار “حل الدولتين” لم يعد مطروحاً على الطاولة السياسية، ولا هو خياراً ممكناً وواقعياً في سياق ما يحدث من تطورات على أرض الواقع وفي سياق السياسات الإسرائيلية الواضحة التي تنزع أي معنى لخيار إقامة دولة فلسطينية مستقلة، على أراضي الـ67، وعاصمتها القدس.
وحذّر السياسيون، في سيمنار علمي عقده معهد السياسة والمجتمع ومؤسسة فريدريش أيبرت الأسبوع الماضي (عبر تقنية الزووم)، بأنّ الاستمرار في الحديث عن حل الدولتين في الخطاب الديبلوماسي العربي أو الدولي لن يغير من الواقع، وأنّ عدم فعل أي شيء أو انتظار تغييرات غير متوقعة ليس خياراً أيضاً.


في المقابل رأى المشاركون أنّ السياسات الإسرائيلية تسير باتجاه واضح نحو إلغاء أي إمكانية لحل الدولتين وإضعاف أي أمل باستعادة الحقوق الفلسطينية، وأشاروا إلى ما يحدث اليوم على أرض الواقع من تغييرات كبير تؤكّد أنّ هذا الخيار لم يعد مطروحاً في القاموس الإسرائيلي، إذ يصل عدد المستوطنين إلى 700 ألف مستوطن يستخدمون الطرق والبنية التحتية الفلسطينية ويوفرون الأمل لإسرائيل.

تأتي هذه الورشة الثالثة ضمن سلسلة من الجلسات الافتراضية التي خطط معهد السياسة والمجتمع وفريدريش أيبرت لإجرائها خلال الأشهر القليلة المقبلة مع التركيز على السياسة الخارجية الأردنية، تحت عنوان “نقطة تحول-كيف يمكن للأردن وشركائه الإبحار بنجاح عبر حالة عدم اليقين؟”

وقد شارك في الورشة مجموعة من السياسيين الأردنيين والغربيين والعرب، وتحدث فيها وزير الخارجية الأسبق مروان المعشّر وأمل جادو، وكيل وزارة الخارجية الفلسطينية، وتابياس وتونكل، مدير المكتب الفدرالي الألماني للشرق الأدنى والأوسط وشمال أفريقيا.

وبناءً على مناقشات الجلسة الخاصة يقدّم معهد السياسة والمجتمع ورقة من أوراق القرار، التي يصدرها المعهد وتساعد صنّاع القرار على قراءة الواقع السياسي والاحتمالات والخيارات والتوصيات..

من سيناريو الأمر الواقع إلى مقاربة الحقوق

من الواضح تماماً أنّ حل اللا دولة هو القائم فعلاً وأنّ السياسات الإسرائيلية أبعد ما تكون عن القبول بإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، وبالتالي يبقى المطروح إما سيناريو الأمر الواقع ومآلاته، التي ستنتهي إلى كيان هشّ لا يملك حدوداً ولا سيادة، ومقطع الأوصال، أو إعلان دولة فلسطينية شكلية، من دون القدس، أو اقتطاع جزء من القدس (كما اقترحت صفقة القرن) واعتبارها العاصمة الفلسطينية، مع السيطرة الإسرائيلية على الاقصى، أو محاولة البحث عن أدوار إقليمية لدول الجوار للتعامل مع الضفة الغربية وغزة.

المهم في الأمر أنّ التمسك والإمساك بفكرة حل الدولتين في الخطاب الديبلوماسي والتباكي على هذا الخيار لن يؤدي إلى شيء، وبالتالي وقوف الأردنيين والفلسطينيين مكتوفي الأيدي ليس حلاّ، فلا بد من الانتقال إلى مقاربة أخرى جديدة، وقد بدأت نخبة من السياسيين الفلسطينيين والعرب يطرحون خيار “الحقوق الفلسطينية”، أي التركيز على الحقوق الفلسطينية، التي يكفلها القانون الدولي في مواجهة السياسات الإسرائيلية التي تهضم هذه الحقوق.

وتقوم مقاربة الحقوق على إحراج إسرائيل أمام المجتمع الدولي بوصفها نظام فصل عنصري (ابارتيد) وأنّها لا تعطي الفلسطينيين حقوقهم السياسية والقانونية والدينية والإنسانية، وهي مقاربة – في رأي أصحاب هذا الاتجاه- واضحة غاية الوضوح وتبتعد عن الجدل الشائك والمماطلات الإسرائيلية والحبال الدولية الطويلة في التعامل مع عملية السلام الميتة أصلاً (التي تنتظر من يعلن وفاتها رسمياً)، وبالتالي هذا يؤمّن للفلسطيينين مساحة واسعة من العمل والنشاط الدولي لمواجهة انتهاكات سافرة للحقوق والحريات سواء للفلسطينيين في أراضي الـ48 أو الـ67 الذين ما يزالون يخضعون لسلطة الاحتلال وسيادته، بالرغم من وجود السلطة الفلسطينية التي لا يعترف بها العالم بعد بوصفها دولة ذات سيادة.
الحل المطروح هو طالما أنّ هذا هو الخيار الإسرائيلي فلتتحمل إسرائيل كلفته سياسياً وقانونياً أمام العالم، وليطالب الفلسطينيون بحقوقهم تحت الاحتلال.


معالم رئيسة في تحوّل الصراع


إنّ حجم الوجود الاستيطاني الإسرائيلي يؤكّد بوضوح أنّه لا توجد نية البتة لدى إسرائيل بحل الدولتين، فهنالك اليوم 700 ألف مستوطن يقيمون في الضفة الغربية، ومشروعات استيطانية متوقعة قريباً، ولم يعد إحد في إسرائيل يتحدث عن حل الدولتين (سوى التصريح اليتيم لرئيس الحكومة الإسرائيلية في الاجتماع الأخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة)، ويقول مشارك “في الماضي لم يكن الإسرائيليون يجرؤون أن يعبروا الطرق في الضفة الغربية، أما الوضع اليوم فهو معكوس تماماً، فالأسرائيليون هم من يسيرون على الطرق والمدن الفلسطينية محاصرة بالأسوار والحواجز والمستوطنات، ويخشى الفلسطينيون أن يسيروا على الطرق”,

كما أنّ أحد عناوين التحول الداخلي موضوع القدس الذي يأخذ بعداً دينياً بصورة مستمرة ومتسارعة، وتتوغل السياسات الإسرائيلية في عملية التهويد والأسرلة للمدينة القديمة، فيما تبدو السلطة الفلسطينية في حالة شديدة من الضعف والمشهد الفلسطيني يعاني من انقسام سياسي- جغرافي، فضلاً عن أزمة الشرعية الفلسطينية نتيجة تعطل الانتخابات التشريعية والرئاسية.

ومن الواضح أنّ التوجهات الإسرائيلية تأخذ مسار استدامة الوضع الحالي وخيار “اللا دولة”، ولعل فتح مطار رامون أمام الفلسطينين نموذج على ذلك، وهنالك أصوات إسرائيلية متزايدة بعد معركة “وحدة الساحات” (في الفترة الأخيرة) بدأت تطرح حلولاً تنموية وسياسية في التعامل مع حماس- غزة بديلاً للحل الأمني، ما يعني أن هنالك مخططات وأفكار إسرائيلية لفصل مستمر ونهائي لقطاع غزة عن الضفة الغربية، وهو السيناريو الذي تساعد عليه حالة الانقسام والتشظي الفلسطيني.

التحول في محددات الصراع يتمثل، أيضاَ، على الصعيد الدولي والإقليمي، يقول أحد المشاركين أنّه كان في الأمم المتحدة قبل أسبوع وأنّه لم يسمع أحداَ يتحدث عن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، فالكل مشغول بأزمة الطاقة والحرب الأوكرانية، ولم تعد القضية الفلسطينية أولوية لدى المجتمع الدولي.

ورأى المشاركون أنّ ما يطلق عليه “الاتفاقيات الإيراهمية” تمثل تحولاً كبيراً في سياقات الصراع، ما يضعف الموقف الفلسطيني وفرص الحل السياسي لصالح ما يطرحه البعض تحت عنوان “الإصلاح الاقتصادي” أو التكامل الإقليمي، الذي يدمج إسرائيل في المنطقة.


الخيارات الأردنية المطروحة: نحو مقاربات جديدة


اختلف المشاركون فيما يتعلق بسيناريو الترانسفير، إذ رأى بعضهم أنّه مطروح في ضوء ما يحدث من موجات لجوء في العديد من المناطق في العالم، كما حدث في العراق وسوريا وحتى أوكرانيا، ما يجعل من هذا السيناريو تحت طائلة الحروب والصراعات أمراً غير مستبعد، فيما تمسك مشاركون آخرون بأنّ هذا مستبعد تماماً وأنّ الفلسطينيين لا يمكن أن يغادروا أراضيهم تحت أي ظرف من الظروف.
انقسم المشاركون بين اتجاهين؛ الأول وهو اتجاه الحدّ الأدنى؛ إذ يرى مشاركون أنّه لا خيارات أمام الأردن سوى دعم الفلسطينيين، والتأكيد على حقوقهم المشروعة والسياسية والتاريخية، والوقوف في مواجهة أي محاولات للترانسفير، وعدم القبول بالقيام بأي دور في الضفة الغربية.
بينما رأى اتجاه الحدّ الأعلى ضرورة انخراط الأردن بصورة أكثر عمقاً وأكبر في الملف الفلسطيني، لما له من تماس مباشر مع الأمن القومي الأردني، وملف الوصاية على المقدسات، وملف اللاجئين، ومن المطلوب أن يطور الأردن علاقاته مع القوى الفلسطينية المختلفة والمتعددة، وأن يعزز من قوة الساحة الداخلية الفلسطينية لمواجهة سيناريو “اللا دولة”، وأن يبتعد الأردن عن خيارات التطبيع الاقتصادي المجّانية المرتبطة بسياقات الاتفاقيات الإبراهيمية، لما لهذه السياسات من تأثير سلبي على حقوق الفلسطينيين وعلى الدور المحوري الأردني في الملف الفلسطيني.
رأى مشاركون أنّ السياسة الخارجية الأردنية مطالبة اليوم بتغيير استراتيجيتها من التفكير والتمسك بشكل جامد للحل نحو التمسك بمبادئ رئيسية تحافظ على حقوق الفلسطينيين ومصالحهم بغض النظر عن شكل الحل سواء أكان حل الدولتين أم غيره. يمكن اختصار هذه المبادئ وإجمالها بستة مبادئ رئيسية:


حقوق الفلسطينيين أولًا، والحل ثانيًا. لقد أدت الاستراتيجيات المطالبة بحل الدولتين ولسنوات طويلة الى اغفال التفاصيل على الأرض بما يمس حياة الفلسطينيين اليومية وينتهك حقوقهم ويعطي المجال لإسرائيل بقتل حل الدولتين على الأرض بشكل تدريجي. إن التركيز اليوم يجب أن يتحول نحو استراتيجيه حقوقية تضمن عدم تدهور الوضع في الأراضي المحتلة وعدم تدهور الأوضاع المعيشية لأهاليها وعدم مصادرة أراضيهم ومنازلهم وتثبيتهم في الأرض.
دعم تثبيت الفلسطينيين في أراضيهم والتحذير من أي محاولة لتغيير الديمغرافيا في الأراضي المحتلة. في حال لم تكن إسرائيل متجهة نحو حل الدولة الواحدة أو حل الدولتين – وهذا ما تتبناه ورقة تقدير الموقف هذه – فإن الاستنتاج المنطقي يكون توفير وطن بديل للشعب الفلسطيني من خلال تهجير الشعب الفلسطيني بحجة الحرب أو حالة من الصراع المسلح. وقد شهد العالم في الأعوام الأخيرة عدة موجات من التهجير للشعبين السوري ومؤخرًا الشعب الأوكراني بهذا الشكل، أعادت للمخيال السياسي الحديث فكرة التهجير وتغيير الديمغرافيا على الأرض. لذلك، يجب أن تتوجه الاستراتيجية الأردنية نحو تثبيت كل فعل يقوم به الفلسطينيون اليوم لتثبيت أنفسهم بأراضيهم.

تشجيع المصالحة وانهاء الانقسام بين حركتي حماس وفتح وعقد انتخابات فلسطينية. إن عدم وجود قيادة فلسطينية موحدة اليوم يؤدي الى ترسيخ اللادولة ويقود نحو مستقبل مظلم للشعب الفلسطيني اليوم في الداخل وفي الشتات ويحيل أي عملية سياسية بغاية الوصول الى حل لسراب في ظل غياب الشرعية السياسية وتراجع ثقة المجتمع الدولي وغياب أي رؤى استراتيجية لشكل الحل النهائي.


العمل نحو انهاء الحصار على قطاع غزة والتوقف عن معاملته عربيًا ودوليًّا كجزء منفصل عن الضفة الغربية.
التأكيد على عدم شرعية المستوطنات وإيقاف التوسع الاستيطاني. والعمل مع المجتمع الدولي على إنهاء أي سياسات تعامل المستوطنات كجزء من إسرائيل، بالإضافة لدعم حركات المقاطعة الدولية لمنتجات المستوطنات.
التوقف دوليا عن النظر للاتفاقيات الابراهيمية كسبيل أو كآلية لتسريع إنهاء الصراع العربي-الإسرائيلي، وتبني استراتيجية النظر اليها كاتفاقات اقتصادية وسياسية ثنائية لا علاقة لها بالسلام (لا يوجد أي ذكر لكلمة سلام في الاتفاقات)

الخلاصة والتوصيات


يتجه الوضع في الأراضي الفلسطينية اليوم يتجه نحو تثبيت الأمر الواقع بكل ما يحمله من عدم استقرار ومعاناة وانتهاكات حقوقية في فلسطين. يمثل استمرار هذا الوضع ما يمكن تسميته ب “حل اللادولة” حيث تتم استدامة الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الأراضي الفلسطينية ومأسسة الفوضى بما يحول دون إعادة استئناف عملية السلام.
تعتمد السياسات الإسرائيلية في تثبيت هذا الوضع على تحويل الأراضي الفلسطينية إلى جيوب معزولة محاصرة بشبكة من المستوطنات والبنى التحتية العسكرية والاقتصادية والتي ترتبط مع بعضها البعض بشبكة من الطرق والحواجز والأسوار. إضافة إلى ذلك، تعمد إسرائيل الى تطوير علاقة اقتصادية واجتماعية بينها وبين سكان الأراضي المحتلة بمعزل عن السلطة الفلسطينية من خلال تصاريح العمل داخل الخط الأخضر والسفر عبر المطارات الإسرائيلية (إيلات-رامون تحديدًا) وتقليص دور السلطة الفلسطينية مقابل رفع الاعتماد على سلطات الاحتلال في تحسين ظروف المعيشة للفلسطينيين بانتظار تحسن الأوضاع للدفع باتجاه حل آخر.
يعمل الخلاف بين حركتي حماس وفتح وتأجيل عقد الانتخابات في الأراضي الفلسطينية على ترسيخ هذه الحالة. حيث أن الانقسام وفقدان الشرعية السياسية داخليًّا ودوليًا يؤدي الى ترسيخ حالة عدم الاستقرار وعدم القدرة على توحيد الجهود ضمن أطر استراتيجية للحفاظ على الحقوق الفلسطينية واستئناف عملية السلام.
إن تبني سياسات التهدئة وانتظار تحسن الظروف للدفع باتجاه حل الدولتين مرة أخرى لن يثمر. لأنه يعني في الواقع ترسيخ القبضة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة وتعميق القناعة لدى المجتمع الدولي بأن التعايش مع حل اللادولة دون الوصول الى حل نهائي هو أمر ممكن.


التوصيات

  • اتباع استراتيجية حقوقية قائمة على إعطاء الشعب الفلسطيني كافة حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحفاظ على ثباته في أراضيه بدل تبني استراتيجيات قائمة على شكل جامد للحل.
  • تحذير المجتمع الدولي من خطر انفجار الصراع داخل الأراضي المحتلة وما قد ينجم عنه من تهجير وتفريغ للأراضي المحتلة من سكانها العرب ومن المحاولات الإسرائيلية لتغيير الديمغرافيا داخل الأراضي المحتلة ودعم كل فعل واجراء لتثبيت الفلسطينيين في أراضيهم وعدم تهجيرهم.
  • العمل على الوساطة وتسريع عملية المصالحة الوطنية الفلسطينية والدفع باتجاه إعادة تفعيل دور السلطة الفلسطينية داخليًّا وخارجيًّا.
  • إعادة التحرك نحو استئناف العملية السياسية وعدم اتباع سياسات التهدئة وانتظار تحسن الظروف السياسية.
معهد السياسة والمجتمع

زر الذهاب إلى الأعلى