“نحو تطوير مفاهيم توافقية للنشاط الحزبي في الجامعات”

نتائج وتوصيات ورشة عمل جامعة اليرموك

بعد أن اجتمع الملك برؤساء الجامعات وتبعه لقاء ولي العهد بعمداء شؤون الطلبة، وتأكيدهما على ضرورة المشاركة الحزبية للشباب وما سبقه من مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وما لحقه من إقرار للعديد من القوانين على رأسها قانون الأحزاب، فإن مرحلة جديدة تدخلها البلاد معلنةً بذلك انتقال الأحزاب السياسية من هامش العمل السياسي إلى قلب العملية السياسية، ويتضمن هذا الانتقال دخول النشاط الحزبي إلى داخل أروقة الجامعات.
إلا أن هذه العملية تطرح العديد من التساؤلات:


هل لدى الأحزاب أو الجامعات خارطة طريق واضحة للمرحلة المقبلة؟
وكيف تفكر وتنظر هذه الأحزاب بالإضافة إلى التيارات الطلابية لمرحلة ما بعد إقرار النظام الجديد؟
ما الضامن لحيادية قاعة التدريس، في ظل وجود فارق بين الابستمولوجي والإيدولوجي، خاصة وأن التعصب الأيديولوجي قد يحول الصراعات في الجامعات ويقودها من انتماءات أولية إلى انتماءات سياسية؟
كيف يكون دخول الأحزاب وممارسة العمل الحزبي بشكل إيجابي في الجامعات؟


لقد جاءت ورشة عمل “نحو تطوير مفاهيم توافقية للنشاط الحزبي في الجامعات”، التي نظمها معهد السياسة والمجتمع بالتعاون مع جامعة اليرموك، داخل الحرم الجامعي، وبرعاية معالي وزيرة الدولة للشؤون القانونية، وفاء بني مصطفى، استكمالًا للخلوة التي تضمنت ورش عمل في الجامعة الأردنية في 20 أغسطس/آب العام الجاري، والتي ضمت رؤساء الجامعات وعمداء شؤون طلبة وبعض الطلبة. إلا أن ورشة عمل 22 سبتمبر/أيلول التي عقدت في جامعة اليرموك تضمنت بشكل رئيس توسيع النقاش بين عمداء شؤون الطلبة والطلبة وطلاب جامعيين وشباب حزبيين للخروج بتصورات إجرائية للمرحلة المقبلة، وصياغة مفاهيم توفق بين الأطراف الثلاثة بعدما تبين في خلوة الجامعة الأردنية أنّ هنالك تباينًا واضحًا بينهم في الموقف من مسودة نظام العمل الحزبي في الجامعات وفي النظرة إلى كيفية إدماج العمل الحزبي في الأنشطة الطلابية والجامعية على السواء.

المشكلة: هواجس وشكوك متبادلة


رغم إقرار قانون الأحزاب مؤخرًا والذي نص في مادته الرابعة، على أن من حق المواطن الأردني تأسيس الأحزاب والمشاركة فيها ومنع التعرض له أو محاسبته أو مساءلته، ومنع التعرض لطلبة مؤسسات التعليم العالي بسبب الانتماء والنشاط الحزبي والسياسي وتمكين من وقع عليه الضرر من اللجوء إلى المحاكم، إضافةً إلى الرغبة والضمانات التي أبداها رأس الهرم (الملك) في العديد من المحافل حول نية الدولة الجادة بتفعيل دور الأحزاب السياسية وتعزيز دور المرأة والشباب داخل الأحزاب، إلا أن القلق ما يزال جاثمًا على صدور العديد من عمداء شؤون الطلبة، أكثر المحتكين بالطلبة بشكل يومي، والعديد من الطلبة الحزبيين وغير الحزبيين وأحزاب سياسية بشأن كيفية التطبيق الإجرائي داخل الحرم الجامعي بالتزامن مع مشروع النظام الذي سيُقر قريبًا و الذي قدمته وزارة التعليم العالي لتنظيم النشاط الحزبي داخل الجامعات.


فبدا من الواضح أن هنالك فجوات ما بين رؤية القيادات الأكاديميّة من جهة ورؤية الأحزاب السياسية من جهة أخرى ورؤية الطالب من جهة ثالثة في عملية استدخال العمل السياسي والحزبي في الجامعات؛ فالأحزاب رأت مسودة نظام العمل الحزبي للجامعات من خلال مجموعة من الملاحظات والتحفظات على العديد من البنود والصياغات، بخاصة التي أعطت عمداء شؤون الطلبة صلاحيات واسعة في الموافقة على الأنشطة أو منعها من دون تفسير أو تقييد أو تبرير.
في المقابل كان واضحًا أنّ عمداء شؤون الطلبة لديهم تحفظات حول تسريع عملية دخول الأحزاب إلى الجامعات من دون تجهيز البنية التحتية فكريًّا وثقافيًّا وسياسيًّا، هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى عبرت قيادات أكاديمية عن قلقها من أن يتم تحويل الغرف الصفية إلى قاعات استقطاب حزبي ومشكلات بين الأحزاب، وكأن الجسم الطلابي سينتقل من الصراعات ذات الطبيعة الجهوية والعشائرية إلى الصراعات ذات الطبيعة الحزبية، بخاصة وأنّ كثيرًا من الأحزاب التي تنشط اليوم في الجامعات لا تؤسس لمفاهيم التعددية والمدنية والحوار وتقبل الآخر، بقدر ما تتسم بالولاء الحزبي الذي يصل إلى مرحلة التعصب في كثير من الأحيان.
وبالتالي فإنّ وجهة نظر القيادات الجامعية التي ظهرت في ورشة إربد بوضوح تتمثل بضرورة تجنب الاستعجال والتورط في مرحلة جديدة من دون الإعداد المدروس لها.


على الطرف المقابل، فإنّ الطلاب منقسمون بين متخوفين من سيطرة اتجاهات حزبية وسياسية معينة، لما تمتلكه من خبرة ومكنات في عمليات الدعاية والاستقطاب والتجنيد، ومن تحول الجامعات إلى ساحات صراع بين الأحزاب الكبرى، وهنالك طلاب ناشطون يتخوفون من أنّ كل ما يذكر لا يعدو تحسينات شكلية من دون المضمون، إذ ما تزال الجامعات تحت سيطرة المنظور الأمني الغائب الحاضر في هذه النقاشات، كما يرى ناشطون، يؤكدون أنّ لديهم شكوكًا عميقة بأنّ الحال لن تتغيير، طالما أنّ عمداء شؤون الطلبة ينسقون بصورة يومية مع الجهات الأمنية المعنية.

تقدير موقف.. خلاصات من النقاشات


اتفق الجميع أنّ دور الجامعات والبيئة الجامعية لا يقتصر على العملية التعليمية المحضة فقط، بل هي تساهم في صقل الشخصيات وبناء الجيل الجديد، وتتجاوز الغرفة الصفية إلى النقاشات الفكرية السياسيّة والثقافيّة وتخريج قيادات سياسية، تلك التي أخذت من الجامعة حصة كافية من التدريب. لذلك فإن مؤسسات التعليم العالي هي أماكن طبيعية لممارسة العمل السياسي، بل وماكنة من أهم ماكنات تصعيد وتصدير قيادات سياسية وشبابية للمجال العام.
وبالتالي، لا يمكن منع العمل السياسي الذي هو عبارة عن أفكار وآراء، بل الأولى تسهيل وتشريع العمل السياسي من قبل الجامعات بدل محاربته. وهذا يستدعي من إدارة الجامعات، بالإضافة إلى تقديم التسهيلات والتشريعات الناظمة، مراقبة الموظفين والمدرسين لضمان عدم تأثير انتمائهم الحزبي على عملهم وحياديتهم في التعامل؛ فالجامعات هي مسرح للعمل السياسي، والهدف من إدخال النشاط الحزبي هو توسيع دائرة مشاركة الطلبة في العمل السياسي أثناء وجودهم في الجامعات دون أن يخدش ذلك حيادية وموضوعية العملية التعليمية.
إنّ المشاركة الحزبية أمر لا مفر منه، وهو عامل تطوير للحياة الأكاديمية داخل الجامعات، بل يتعدى الأمر إلى إمكانية أن تساهم بشكل فاعل في التقليل من حالات العنف الجامعي؛ لأنه، اي العمل الحزبي، يقف على النقيض من الانتماءات الضيقة والتعصبات الجهوية والفرعية إذا ما مورس النشاط الحزبي بشكله الصحيح و بُني على قواعد سليمة وتشريعات واضحة، مع عدم استبعاد أو فصل العمل الحزبي في الجامعات عن نمو وتطور الأحزاب السياسية خارج الجامعات.

الواقع الحالي.. مرحلة انتقالية


على الرغم من التطمينات التي أبداها عمداء شؤون الطلبة و تأكيدهم على أن دورهم يقتصر على تنظيم وإرشاد النشاط الحزبي، إلا أن مشروع النظام الذي قدمته وزارة التعليم العالي كان مثار قلق و جدل كبيرين -بحسب بعض الطلبة- حول إعطاء صلاحيات واسعة لعميد شؤون الطلبة من شأنها أن تقيد النشاط الحزبي داخل الجامعات دون وضع معايير واضحة للرفض والإلغاء، ودون وجود مرجعية في حال خالف عميد شؤون الطلبة النظام. كما أن مسودة النظام المقترحة اقتصرت على مجموعة من الأشخاص دون إشراك الطلبة والأحزاب فيه، إضافة إلى أن مسودة النظام تتعارض مع الهدف من إقرار قانون الأحزاب الأخير ومع مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، لذلك كان لا بد من إشراك جميع الأطراف في مراجعة مسودة النظام وأخذ التغذية الراجعة منهم ليعكس تطلعاتهم وطموحاتهم، خاصة وأن الجامعات الأردنية تمثل بحد ذاتها مصانع الوعي السياسي، فإذا تم استثناء مصانع الوعي السياسي من المنتج السياسي فهذا يقود المرحلة إلى إشكالية أخرى قد تعيد البلاد إلى المربع الأولى. كما أن محددات العمل السياسي بحاجة إلى أن تكون مبررة وسهلة الفهم، وقابلة للتطبيق، حتى يُضمن أن هذه الاحزاب قادرة على تفهمها، بخيث تُوضع لها عواقب في إطار سيادة القانون إذا ما خالفت هذه المحددات، منها بعض ما يُعتبر من المسلمات أو البديهيات، مثل:
أ‌. عدم استخدام موارد الجامعات لأي عمل حزبي.
ب. أن لا يكون النشاط الحزبي داخل الفعاليات التعليمية داخل الجامعات، سواء كانت محاضرات أو مختبرات أو ورشات أو تدريب عملي.


أما فيما يتعلق بالإجراءات الجامعية، فتعكف العديد من الجامعات الأردنية اليوم على تشكيل لجان لصياغة تشريعات ناظمة للعمل الحزبي داخل حرمها،لتنظيم النشاط الحزبي والمحافظة على عدم تأثر العملية التعليمية. كما تعقد لقاءات دورية بين عمادة شؤون الطلبة ومجموعات من الطلبة لمناقشة مآلات المرحلة المقبلة للوصول إلى أرضية مشتركة تحول دون وجود إشكاليات وفوضى في دخول النشاط الحزبي إلى الجامعات.

توصيات وخلاصات


تدخل الجامعات اليوم مرحلة جديدة، مرحلة مختلفة عن سابقاتها، إلا أن هدف الجامعات الأساسي اليوم هي أنها تريد دخول هذه المرحلة دون أن تؤدي بها إلى أزمات ومشكلات وفوضى، وأن لا تؤثر هذه المتغيرات الجديدة على سير العملية التعليمية. لذلك، قدم عمداء شؤون الطلبة والطلبة الحاضرون مجموعة من التوصيات والخلاصات المتعلقة بشأن المرحلة المقبلة يمكن تلخيصها بما يلي:
1- على الجامعات أن تقدم ملاحظاتها تجاه مسودة النظام، الذي قدمته وزارة التعليم العالي، قبل إقراره، فمن الضروري مشاركة الجامعات والأحزاب والتيارات الطلابية في مراجعة مسودة النظام وإبداء ملاحظاتها عليه.
2- تعديل التعليمات الموجودة في الجامعات التي تتعارض مع العمل الحزبي أو تحرم وتجرم العمل الحزبي وبما يتناسب مع المرحلة الجديدة، وإزالة العوائق التي تحول دون إقامة اتحادات طلابية في الجامعات الحكومية والخاصة كافّة.
3- على الجامعات أن تتبنى في المرحلة المقبلة أنشطة لا منهجية تعريفية مكثفة للتعريف بالعمل السياسي والحزبي والأنشطة الطلابية وتبدأ بفتح الفضاء العام للطلاب الحزبيين.
4- الحوار مع الطلاب لبناء تصورات حول المرحلة المقبلة، متعلقة بكيفية ضمان ممارسة عمل حزبي وسياسي بمشاركة جميع الأطراف، بمعنى العمل على عدم تأثر العملية التعليمية وفتح الباب أمام النشاط الحزبي بما لا يؤدي إلى فوضى وانفلات وبنفس الوقت يضمن للطالب ممارسة حقوقه و حرياته وعمله الحزبي بما لا يمثل للطرف الاخر تحدٍّ أو تهديد، علما بأن بعض الجامعات قد بدأت بذلك فعلا.
5- تطوير مدونة سلوك، بين عمداء شؤون الطلبة والتيارات الطلابية تتضمن التزامات وتعهدات بعدم ممارسة العمل الحزبي في القاعات الصفية، وعدم إلغاء اي نشاط من قبل عميد شؤون الطلبة دون إبداء المبررات. وأن يقوم عميد شؤون الطلبة بتوجيه التيارات الطلابية والطلبة بشكل عام بمجموعة من الإرشادات، وبالتالي يتم تطوير مدونة تفسر النظام وتمنع ذهاب النظام باتجاهات أخرى.
6- إيجاد جهة مرجعية في الجامعات لمراجعة قرارات عمداء شؤون الطلبة ودراسة مبررات منع الأنشطة، يلجأ لها الطلبة الممثلون للعمل السياسي في الجامعات على أن تكون هذه الجهة أو اللجنة مرتبطة برئاسة الجامعة مع وجود ممثل للهيئة المستقلة للانتخاب التي تمثل مظلة الأحزاب السياسية اليوم.
7- إعادة هيكلة عمادات شؤون الطلبة في الجامعات لاستدخال مفاهيم المرحلة الجديدة، بمعنى أن يكون العمل الحزبي والسياسي جزءًا من عمل العمادة، وأن يكون هنالك تطوير في رؤية عمادات شؤون الطلبة للعمل الحزبي والتوجهات الجديدة في الدولة وللجامعات نفسها.
8- حث الجامعات على تطوير مناهجها وأدواتها التي تعزز العمل الحزبي وتعرّف به، خاصة وأن العمل الحزبي ليس في الإطار النظري بل معظمه ممارسة عملية. كما أن المعرفة تتشكل بمجموعة من المعارف النظرية والواقعية بنفس الوقت.

زر الذهاب إلى الأعلى