ولاية وسط افريقيا ودورها فيما يجري بمالي…

تتعرض قوات حفظ السلام الموجودة في مالي والتي يصل عددها إلى ثلاثة عشر الفاً لهجمات مستمرة ومؤخراً مكثّفة من قبل الجماعات الجهادية التي تتبع تنظيميّ “داعش” والقاعدة، و قد صرّح المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، للصحفيين في المقرّ الدائم بنيويورك أن “مالي كانت من أكثر البعثات المتضررة: مصريون وأردنيون و تشاديون، وغيرهم، ممن خسروا حياتهم من أجل شعب مالي ومن أجل قضية السلام، ونحن ممتنون للأبد لدعمهم المتواصل”. وقد أسفرت هذه الهجمات عن استشهاد اربعة واصابة سبعة آخرين من مرتبات القوات المسلّحة المصريّة والأردنيّة التابعة لقوات حفظ السلام الأمميّة منذ بداية الشهر الحالي.

إن تاريخ الازمة السياسية والأمنية في مالي مستمر منذ عام 2012 إذ بدأ بصراع مسلح بين الأجزاء الشمالية والجنوبية ، وأطلقت عدة مجموعات متمردة حملة ضد الحكومة المالية لنيل استقلال أو إعطاء حكم ذاتي لشمال مالي ، كان ابرزها الحركة الوطنية لتحرير (أزواد)، وهي منطقة تعرف بوصفها الموطن الاصلي للطوارق (الامازيغ)، وعلى أثر هذا الصراع سيطرت مجموعة من العسكريين الماليين على السلطة، بعد استيلائها على القصر الرئاسي في العاصمة باماكو، الانقلاب جاء بعد عدم استجابة الحكومة لمطالب الجيش، الذي طلب بتسليح رفاقهم الذين يعانون هزائم متكررة في شمال البلاد، في حربهم ضد الطوارق وأنشطة مجموعات إسلامية جهادية مسلحة.

دُعمَت الحركة الوطنية لتحرير (أزواد) في البداية من قبل تنظيم أنصار الدين الإسلامي، ثم بدأ أنصار الدين وعدد من الجماعات الإسلامية الصغيرة فرض قوانين الشريعة الإسلامية بطريقة متشددة، كافحت الحركة الوطنية لتحرير (أزواد) والإسلاميون للتوفيق بين الرؤى المتناقضة المعدّة للدولة الجديدة، ولم يتوافقا ثم بدأت الحركة الوطنية لتحرير (أزواد) بمحاربة أنصار الدين والجماعات الإسلامية الأخرى، بما في ذلك، حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، المجموعة المنشقة عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، خسرت الحركة الوطنية لتحرير (أزواد) السيطرة على معظم مدن شمال مالي إلى الإسلاميين.  

تدخلت فرنسا بطلب الحكومة المالية مساعدتها في مواجهة المسلحين الإسلاميين، كما اتكأت على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2085 ، الذي يسمح بإنشاء قوة دولية لدعم مالي في حربها لاستعادة الشمال، فضلا عن مبررات أخرى من قبيل منع قيام كيان “سلفي إرهابي” في المنطقة مما يشكل تهديدا للمنطقة والعالم بأسره، أرسلت فرنسا قواتها إلى شمال مالي عام 2013، ونشرت 5100 جندي فرنسي مع طائرات ومركبات في منطقة تمتد عبر موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد، وأطلقت “عملية برخان” عام 2014 الهادفة إلى هزيمة الميلشيات الإسلامية المتمردة في شمال مالي، التي بدأت بالاندفاع نحو وسط البلاد لخلق استقرار في المنطقة .

ورغم الوجود الفرنسي والدولي في مالي إلا أنّ تنظيمي “داعش” والقاعدة سيطرا على مساحات شاسعة من وسط مالي وعلى طول الحدود مع النيجر وبوركينا فاسو، وتهديدهم للعاصمة أصبح أكبر، فبعد ثماني سنوات من انطلاق “عملية برخان” في مالي تستعد فرنسا لإنهاء العملية خلال الاشهر المقبلة ، وقد أتى  تصريح الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون بسحب القوات الفرنسية بشكل كامل بحلول عام 2023  بعد توتر العلاقات بين مالي وفرنسا، في فبراير/ شباط للعام الجاري، انسحبت قوات فرنسية من مالي مع تفاقم التوتر بين فرنسا والمجلس العسكري الذي يقود البلاد منذ انقلاب مايو/ أيار 2021، بينما تتحدث تقارير غريبة عن استعانة مالي بخدمات مجموعة “فاغنر” الروسية.

 وفي هذا السياق كان قد صدر كتاب عن معهد السياسة و المجتمع عام 2021 بعنوان “ما بعد دولة الخلافة ” بعد عقد مؤتمر شارك فيه نخبـة مـن الباحثيـن والخبـراء والمتخصصيـن العـرب والغربييـن والأردنييـن،  حيث تناولت هذه الأوراق البحثية تحليل و تفسير ما يحدث في الساحل الإفريقي بما في ذلك مالي. تناول الكتاب صور من نشاط التنظيم و فعاليته ، ففي أفريقيا شُكلت ساحة واعدة لتنظيم الدولة الإسلامية لا سيما في زمن كورونا إذ كثف التنظيم مـن هجماتـه فـي مناطـق غـرب أفريقيـا ومنطقـة الصحـراء والسـاحل ، وشـن فـرع التنظيـم فـي ولاية وسـط إفريقيـا هجمـات عنيفـة مـا بيـن النيجـر ومالـي وبوركينـا فاسـو وصـولا إلى خليـج غينيـا، وفـي الصومـال تنامـت هجمـات ولايـة شـرق إفريقيـا.

رابط قراءة وتحميل الكتاب https://politicsociety.org/2022/05/08/%d9%85%d8%a7-%d8%a8%d8%b9%d8%af-%d8%af%d9%88%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%84%d8%a7%d9%81%d8%a9/

أشار حسن أبو هنية الباحث و المتخصص في الجماعات الاسلامية

 ” يجب ان ننتبـه إلـى تشـكلات الدعايـة والأيديولوجيـا الداعشـية فهـي لا تنفصـل عـن الوقائـع، وبالتالـي فقـدان السـيطرة المكانيـة للتنظيـم أدى إلـى التحـولات المذكـورة فـي جلسة الباحث شارلي ونتر ، الذي استخدم مصطلح ما قبل الدعاية، بمعنى أن تنظيم الدولة تستند دعايته بشكل أساسي إلى ما قبل الدعاية ، أي أن هناك ظروف سياسية اقتصاديـة اجتماعيـة فـي هـذه المناطـق التـي تحـدث فيهـا أزمـات وخلافـات سـواء كانـت سياسـية أو أيديولوجيـة أو عرقيـة، اسـتطاع مـن خلالهـا التنظيـم اسـتغلال هـذه الظـروف بتقديـم نفسـه للنـاس كمخلـص ونسـج التحالفـات للانتشـار والصعـود، كمـا حـدث مؤخـرا فـي ولايـة وسـط افريقيـا، بتحـول حـزب التحالـف الديمقراطـي الـى داعـش فـي الكونغـو، وكذلـك مبايعـة جـزء مـن حركـة تحريـر مـورو فـي الفلبيـن لتنظيـم داعـش.”

و أضاف د.عباس صالح، باحـث وكاتـب إعلامـي متخصـص فـي شـؤون القـارة الإفريقيـة
” علـى هـذا النحـو، مـن القاعـدة الـى “داعـش”، ظلـت الفصائـل المنتميـة لهذيـن الفصيليـن تتعايـش لسـنوات، واسـتمر ذلـك لسـنوات وهـو مـا أطلـق عليـه البعـض بـ (الاسـتثناء الجهـادي)، غيـر انـه قـد تحـول مؤخـرا الـى تنافـس حـول السـيطرة والنفـوذ. باتـت أفريقيـا حاليا، وجهة عالمية جديدة للحرب على الأرهاب،بعد صعود نماذج جهادية فـي القـارة كجـزء ممـا بـات يعـرف بـ(شـبكات الجهـاد العالمـي)، وذلـك مـن خـلال السـيطرة على الأرض وإدارة السـكان، وهو ملامح مهمة جدا لفهم مسـتقبل هذه الحركات.”

و قدم د.مروان شحادة دراسة ميدانية لعلاقة التنظيمات الإرهابية بما يحدث في مالي
“هنـاك جماعـة جديـدة جـزء مـن مكوناتهـا هـي تنظيـم القاعـدة، الدقيـق أو الحرفـي. إلا أن تنظيـم القاعـدة فـي بـلاد المغـرب الإسـلامي، وجماعـة التوحيـد والجهـاد فـي غـرب أفريقيـا، وكذلـك جبهـة تحريـر مآسـينا والمرابطـون وغيرهـم مـن جماعـة أنصـار الديـن، شـكلوا مـا يعـرف بجماعـة نصـرة الإسـلام والمسـلمين. وهـذه الجماعـة بزعامـة إيـاد غالـي وينـوب فـي قيادة لمواجهـة توسـع هـذه الجماعـة زعيـم جبهـة تحريـر مآسـينا. وربمـا هـذا التشـكل الجديـد تكـون وتمدد في غرب أفريقيا والساحل، إلا أن القيادات بزعامـة أبـو وليـد الصحـراوي وغيرهـم مـن الذيـن يحملـون الفكـر الجهـادي ويرتبـط بعضهـم بقيـادات عالميـة ومحليـة بـدأت تـدرك تمامـا أنهـم إن بقـوا علـى حالـة التشـرذم وتسـميات كثيـرة، وعـدم التوحـد ربمـا سـيذوبون ويتلاشـون، كمـا حصـل فـي العـراق وسـورية فـي ضعـف تنظيـم القاعـدة وربمـا تلاشـيها بعـد وصولـه إلـى تنظيـم حـراس الديـن، لذلـك قامـوا بإنشـاء هـذا التجمـع أو الاندمـاج.
 هـذه الجماعـات أصبحـت تتمتـع بحضـور قـوي فـي مالـي، بوجـود الجيـوب أعتقـد أن لتنظيـم الدولـة الإسـلامية فـي النيجـر أو بحيـرة تشـاد أو نيجيريـا وبوركينـا فاسـو، وحضـورا أكبـر فـي مالـي تحديـدا. خلـق هـذا الوضـع تنافسـا فـي الواقـع بحكـم أن المسـاحة شاسـعة، وبحكم أن التنظيمـات لهـا قبـول فـي الحاضنـة الشـعبية فـي أفريقيـا المكونـة مـن الأعـراق وبحكـم أنها مختلفـة، مثـل الأمازيـغ الذيـن يمثلهـم إيـاد غالـي والفـان وهـم عـرق مـن الأفارقـة يمثلهـم أحمـد زعيـم جبهـة تحريـر مآسـينا، وكذلـك جماعـة التوحيـد والجهـاد. بمعنـى آخـر هنـاك مكـون مـن النسـيج العرقـي الموجـود داخـل السـاحل، مالـي تحديـدا، لهـم علاقـات وطيـدة مـع القبائـل المنتشـرة فـي مالـي مـا جـرى مـن خلافـات منـذ بدايـة تشـكل ولايـة غـرب أفريقيـا مـا بيـن الزعامـة المعتـرف بها مـن قبـل داعـش لبوكـو حـرام، ومـا بيـن زعامـة أبـو بكـر شـيكاو الموصـوف بالجنـون مـن قبـل الجهادييـن، وبالتالـي تنظيـم الدولـة الإسـلامية قـرر فـي زمـن أبـو بكـر البغـدادي عـزل أبـو بكـر شـيكاو لتشـدده وتركيـزه علـى مسـائل سـفك الدمـاء، وهنـا بـرزت أسـئلة سـميت السـؤالات النيجيريـة.
 
بسـبب هـذه الخلافـات والأسـباب ولكن في أفريقيـا بالمناسـبة وعلـى الرغـم مـن الخـلاف العميـق مـا بيـن رأي السـلفية الجهاديـة العامليـة القاعـدة وامتداداتهـا ومآلاتهـا الممثلـة بجبهـة نصـرة الإسلام والمسـلمين وفـروع  تنظيـم الدولـة الإسـلامية فـي أفريقيـا، إلى أنهـم لغايـة هـذه اللحظـة، علـى الرغـم مـن التضليـل والتكفيـر، لـم يشـتبكوا بالسـلاح ولـم يقومـوا بالاشـتباك فيمـا بينهـم، بعكـس مـا جـرى فـي العـراق وفـي سـورية “

 من ضمن التوصيات التي قدمها الباحثون في الكتاب

بعـد نمـوذج التفـاوض بيـن حركـة (طالبـان) والولايـات المتحدة، باتـت فكـرة الحـوار مـع الجهادييـن مطروحـة بقـوة فـي أكثر مـن بلـد فـي السـاحل الكبيـر، وتحديـدا فـي مالـي وبوركينـا فاسـو، وبالتالـي يقتضـي هـذا دراسـة سـيناريوهات وطرائـق الحـوار مـع الجهادييـن كوسـيلة لتسـكين الحالـة الجهاديـة، والحـد مـن مخاطرهـا علـى بلـدان تعانـي أصـلا مـن مشـكلات هيكليـة خطيـرة، كمـا انهـا لا تقـوى علـى تحمـل تبعـات أي صعـود جهـادي كتجربـة داعـش فـي سـورية والعـراق، وتفحـص التداعيـات التـي تترتـب علـى هـذه المقاربـة.

يوسف خليل

مساعد باحث في معهد السياسة والمجتمع

زر الذهاب إلى الأعلى