بماذا يخبرنا ميثاق “شباب أردني” ؟

ما هي اتجاهات الشباب في قضايا الهوية والمواطنة؟

ما هي اتجاهات الشباب في قضايا الهوية والمواطنة؟من الجيد أن ترى شبابًا أردنيًّا يحقق قفزة إلى الامام ويجتمع ليتباحث ويحاول رسم ملامح المرحلة القادمة من المئوية الثانية للدولة الأردنية، ويخرج من قالب الانشائيات إلى التطرق للموضوعات الحساسة في الدولة، لعل ذلك من شأنه على المدى القريب أن يحرك المياه الراكده التي طغت على المشهد الأردني الذي لم يجد للشباب حضورًا فاعلًا و لا حتى للاحزاب دورًا لافتًا رغم أن سرديات الدولة الاردنية تحمل في ذاكرتها بأن الدولة الأردنية التي نشأت قبل قرن من الآن قامت برغبة وعزيمة وجهود الشباب.

كثيراً ما يتحدث المسؤول الأردني عن قدرات الشباب وسبل تعزيز دورهم في الدولة، لكن هل فكر أحد بما هي الطريقة التي ينظر إليها الشاب لتعزيز دوره و دمجه بطريقة فاعلة في الحياة السياسية؟ بدلًا من التشخيص من الخارج؟ أو عقد جلسات حوارية عامة تكشف عن حالة التشتت في المزاج الشبابي؟

هنا تكمن أهمية ميثاق الشباب الأردني الذي أتاح للشباب النقاش والجدال والرفض والتوافق للوصول في النهاية إلى ارضية مشتركة ليخرجوا بهدف واحد -وإن كانوا طيفًا متنوعًا- لإتاحة المجال أمام الفئة التي تمثل عمود الدولة و أساسها، وهنا نتحدث عن الفكرة العامة للميثاق بحد ذاته بعيدًا عن مضامينه.

لنتفق بداية أن العينة صغيرة و لا تمثل جميع الشباب وقد يكون من الأفضل تسميته بـ”ميثاق شباب أردني” وعدم إضافة “الـ” التعريف حتى لا تطرح صفة تمثيلية يُفهم منها أن لها غاية لتمثل جميع الشباب على امتداد البلاد، لكنها خرجت بتصورات قد تستطيع أن تكسب فيها تأييدًا وتحشيدًا، فما  يُكسبه الأهمية طرحه همومًا يعاني منها المجتمع الأردني الفتي على العديد من الأصعدة. رغم أن الميثاق وتقرير الاتجاهات أشار مرات عديدة إلى أنه ضمَّ مجموعة من الشباب و لا يمثل بالضرورة جميعهم، لكن العنوان كان بإمكانه أن يتجنب لغطًا كبيرًا حدث بعد إطلاقه.

يبدو أن الشباب الأردني يدرك جيدًا أن المشكلة لم تكن في القاعدة للمضي في الإصلاح وتحسين الحياة السياسية بل أن المشكلة تكمن في عدم وجود رغبة حقيقية في بناء نظام سياسي من قبل الحكومات يلبي طموح الشعب الاردني، إلا أن هذه الرغبة توفرت مؤخرًا بإرادة وضغط ملكيّ عبر تشكيل لجنة تحديث المنظومة السياسية والتي استهدفت بشكل أساسيّ وضع مقترحات لحل أزمة الشباب، وهذا ما أظهره الميثاق الذي يبدو أنّه ناقم على الوضع القائم، فقد طرح مرات عديدة أزمة الفصل بين السلطات في البلاد وغياب الدور الحقيقي للمجلس التشريعي على الرغم من أن النظام الاردني هو (نيابي) ملكي وراثي في الدستور لكن على ما يبدو أن مجلس الأمة لا يمثل تطلعات الامة، والتضييق الأمني، والاكتفاء بالتعيين على حساب إرادة الشعب في الاختيار، بل الخطير أيضًا مطالبته بتحسين الأداء القضائي والحفاظ على استقلاليته ونزاهته وتطبيق مبدأ المساواة أمام القانون وهذا يعكس حالة من الإحباط التي يشعر بها الشباب الأردني تجاه سلطات البلاد الثلاث.

عكس الميثاق حيوية الشباب وإصرارهم في الرغبة بالعمل السياسي والمشاركة في صنع القرار، على الرغم من حالة العدمية والسلبية التي من المفترض أن تخيم عليه جراء غياب العمل الطلابي الفعال والحزبي داخل الجامعات وفي الحياة العامة إلاَّ أنه –بعضهم- ما يزال ينخرط في العمل الحزبي والسياسي ومؤمن بأن الضغط للمشاركة في العملية السياسية من خلال تصدير قيادات شبابية على قدر من المسؤولية بإمكانه تغيير واقعه الاقتصادي والاجتماعي، لكنه بحاجة إلى تشريعات تتيح له صفة تمثيلية يضمن بها وصول صوته إلى صناع القرار، و قد تكون توصية اللجنة الملكية بتخفيض سن الترشح إلى 25 عام بادرة أمل تفتح الأبواب أمام مرحلة مختلفة.

خرج الميثاق من دائرة الصمت وطرح إحدى أكثر القضايا حساسية وهي قضية الهوية الأردنية، فهنالك إشكالية كبيرة في تعريف من هو الأردني؟ ومن الذي تطبق عليه شروط الحقوق السياسية؟

على الرغم من أن الهوية الأردنية على مر تاريخها مرنة وتحمل هذا التنوع الكبير من الأديان الأعراق المختلفة، لكن ثمة بعض القضايا الحساسة التي يعرفها الجميع و لا أحد ينطق بها وهي أزمة الأردنيين و الأردنيين من أصول فلسطينية، ففي حين أن الدولة الاردنية منذ نشأتها تتبنى هذه القضية وتضع على نفسها مسؤوليات أخلاقية ومن ضمن خططها الاستراتيجية إلا أن الظروف السياسية في الداخل الأردني فرضت وقائع معينة تقتضي الوقوف عندها. بعد أحداث أيلول في سبعينيات القرن الماضي وقرار فك الارتباط بالضفة الغربية تشكلت حالة من الانفصال النفسي -إن صحت التسمية- بين بعض الأردنيين وبعض أبناء المكون الفلسطيني داخل الأردن، وما عزز من هذا الانفصال هو الهجرة الكبيرة من الكويت إلى الأردن على إثر أحداث غزو الكويت في تسعينات القرن الماضي، وهذا أدى إلى الشعور بوجود مكون يستحوذ على مقدرات مكون آخر، وتنامى ذلك الشعور في ظل التوافد الفلسطيني الذي تزامن مع غياب عوامل التنمية الاقتصادية والسياسية في البلاد، هذه العوامل وغيرها مجتمعةً أشعرت بعض الأردنيين من أبناء العشائر تحديداً بوجود خطر يمثل وجودهم التاريخي ودورهم في بناء الدولة وأن هنالك من يسعى لإزاحتهم من المشهد، ليس شرطا أن تكون الازاحة من الأردنيين من أصل فلسطيني لكن مشاريع التوطين أو الوطن البديل قد تفرض سيناريوهات لا يرغبها الشرق أردني.
وسط هذا التداخل في هذه القضية يطرح الميثاق هذا الملف أمام صانع القرار وأمام الشعب ليبني سردية الدولة التي يتكئ عليها وهويته ويحدد من هو الأردني الذي عليه أن يتمتع بكافة الحقوق بما فيها السياسية، لاتخاذ موقف واضح يمنع أي مشاريع خارجية من جهة والمضي بمسيرة الإصلاح وتحسين الواقع الأردني من جهة أخرى بدلاً من الهواجس التي تعصف بالمجتمع الأردني من التطرق إلى هذا الجانب من المسألة الأردنية وما يلحقها من إشكاليات في بناء البعض سرديات انتقائية، خاصةً وأن الميثاق لا يدعو إلى إلغاء أي مكون في المجتمع بل تعزيز وتقوية كافة المكونات تحت مظلة الهوية الوطنية الأردنية وبناء سردية موحدة.

لم يكتف الميثاق بوضع اليد على المشكلات بل سعى جاهدًا إلى اقتراح الحلول وإن كان قد تناول بعضها بشكل مقتضب، وبدا واضحًا أن العمالة الوافدة أحد تلك الأسباب التي جعلت من مستقبل الشباب الأردني موضع قلق لذا طالب الميثاق صانع القرار بأن يكون جادًّا في هذه المسألة وأن يتم إفساح المجال للأردني واعطائه الأولوية في سوق العمل، ولم يغفل –الميثاق- عن الأساليب التي تغبن أصحاب الحق من خلال إعطاء الفرص على مبدأ الوساطة والمحسوبية بدلاً من تكافؤها وتعيين ابن الذوات على حساب المواطنين العاديين.

بدا تقرير الاتجاهات في نتائجه متناقضًا بعض الشيء لكن تجدر بنا الإشارة مرة اخرى إلى أن العينة صغيرة جدًّا ومتنوعة وهذه قد تكون إحدى جوانب النقد التي تطال الميثاق وتقرير الاتجاهات خاصة بعد أن طرحت قضايا حساسة. ومن الملفت أن ما نسبته 57% من المستجوبين هم من بين الأعمار 20 -25 عاما أي أنهم انفسهم الذين شاركوا في صياغة الميثاق وهذا ينسجم مع مخرجات اللجنة التي منحت الثقة لمن هم بلغوا 25 عامًا بالترشح ولهم القدرة على الدخول إلى غرف صناعة القرار.

تطرق التقرير إلى نقطة في غاية الاهمية، وهي أن الأردنيين من أصول فلسطينية يرون أنفسهم مواطنين من الدرجة الثانية، ذات الشعور تراه عند الأردنيين في المحافظات الأخرى، الذين يشعرون بالمظلومية والغبن وتأخذ علاقة شريحة اجتماعية واسعة منهم في الدولة طابع الارتباك والتوتر، مع تلاشي دينامكيات العلاقة الريعية التي صاغت نمطاً من التوقعات المتبادلة بين الطرفين (الدولة والأردنيين). وهنا تتضارب الرؤى حول جدوى الإصلاح الاقتصادي و السياسي وأي منهما ذو اولوية على الآخر؟ لكن تظهر بشكل جلي أزمة غياب عوامل التنمية بكافة أسبابها وأشكالها التي تسببت بتنامي هذا الشعور.

لا يمكن حصر كل ما ورد في الميثاق وتقرير الاتجاهات بمقال صغير فقد حاولتُ التطرق إلى أهم النقاط التي لفتتني، لكن كما أن بعض الإحصائيات أشارت إلى حالة الإرباك التي تحيط بالشباب الأردني فإن التقرير أيضا يثير نوعًا من التساؤل حول قضية الهوية الوطنية الجامعة، إذ يشير التقرير إلى أن 10% فقط من رأى أن المصطلح يثير الشبهات يحمل مدلولات توطينية، في حين أن العينة المستجوبة بحسب الإحصاءات في معظمها هي من المحافظات الوسطى القريبة من ما توفر الدولة من عوامل التنمية والفرص والتي تعاني أقل من غيرها من شعور التهميش، والتي تشهد اندماجًا بين شتى المكونات.

قد لا يلبي هذا الميثاق طموح البعض -على الرغم من سعي القائمين عليه تطويره بشكل مستمر- لكن يكفي أنه وضع العجلة على السكة للمضي قدمًا نحو إنشاء حوار شبابيّ فعّال منتج بعيدًا عن الاكتفاء بالدورات والورشات التدريبية والحوارات المكررة –التي لا نقلل من أهميتها- والتي بات الشاب الاردني مؤخراً يشعر وكأنها جرع تخدير لتمضية الوقت دون نتيجة وتطبيق لتطلعاته على أرض الواقع.

*باحث متعاون مع معهد السياسة والمجتمع

صالح عمر

زر الذهاب إلى الأعلى