مبيضين: النسيج الاجتماعي الأردني متعدد الألوان موحّد في الأهداف والإطار
خلال حواريات المئوية لمعهد السياسة والمجتمع وصندوق الملك عبدالله
وبيّن مبيضين أن أي حديث عن الهوية هو حديث عن المجتمع وأنماط العيش فيه ومجاميعه البنائية، وطبيعة الإنتاج، والتحولات، والهيئة الاجتماعية، ووضح هنا أن الاستشهاد بالتاريخ في الهويات يساعد في تحديد الإطار الزمني لها، كما وأضاف أن التاريخ ليس حشوة للهوية بقدر ما هو مهم ومُلح لسلطة التماهي بين المجموعات.
وأضاف استاذ التاريخ العربي ( خلال ندوة حوارية، عبر منصة زووم، مع نخبة من الشباب بعنوان “المجتمع الأردني ما قبل الإمارة: مطالعات وإشارات بالتعاون بين معهد السياسة والمجتمع وصندوق الملك عبدالله للتنمية ضمن حواريات المئوية”) أن الهوية نتاج تاريخي يختزل مجموعة من المؤثرات السياسية والجغرافية التي تتأثر برهان الصراعات الاجتماعية وتأخذ مدى واسعا من الزمن حتى تتحرك وتصبح حالة مستقرة، لذلك بحسب هذه العملية بالنسبة للأردن الذي تعرض لإصابات من الهجرات الديموغرافية القسرية كانت هويته عرضة للتشكل والتأويلات.
ورأى مبيضين أن إشكاليات الهوية الأردنية ما بعد حداثية، لم تأخذ صيرورتها الكاملة حتى اليوم لا تزال هناك تباينات والكثير من الأسئلة، وأضاف أن هذه الهوية تعرضت لإصابات في فترة تشكلها؛ إصابة تلقتها عام 1948 عندما تلقت عدد كبير من المهاجرين أعطت المجتمع الأردني مناعة شكلت الاستمرارية الأردنية رغم الأزمات الكبرى، وساهم هذا بحسب مبيضين بإنشاء أول مكون اجتماعي فيه نسبة عالية من التعليم والنهضة الاقتصادية والاجتماعية وأعطت هذه الهجرات للمجتمع الأردني مضادات حيوية على حد وصفه.
كما أضاف أن الأردن عموما كان جاهزا لاستقبال مجموعات جديدة وسكاناً جدداً يسهمون في تغيير كثير من الأحوال الاجتماعية والثقافية فيه، مما أدى إلى خلق نسيج أسهم في التكوين الاجتماعي الأردني مما جعله بساطاً متنوع الألوان موحد الهدف عبر أنماط مختلفة من الإنتاج؛ البداوة المترحلة وأهل القرى من الفلاحين و الفلاحة الرعوية التي مزجت بين البداوة والفلاحة، سكان القصبات الكبرى التي ضمت مهاجرين من مدن وحواضر عربية مجاورة مثل نابلس والخليل ودمشق والقدس وكذلك وجود حجازيين في عمان في فترة حتى عام 1921 ولهم تجارة واستقروا في المدن والقصبات الكبرى منذ القرن التاسع عشر مثل السلط والكرك وإربد وعجلون شكلوا مجتمع التجارة والسوق فنشأت هذه العلاقة المتداخلة.
وانتقد مبيضين الصورة التي يريد تكريسها مجموعة من الباحثين الغربيين عن الأردن بوصفه صناعة استعمارية، وأن شرق الأردن كانت منطقة خاوية قبل تأسيس الدولة الحديثة وهذا غير صحيح، اختلفت الأردن عن دول الجوار فقط من حيث الحضور الدولي والاعتراف، وهذا لا يلغي تاريخ الأردن قبل وصول الأمير عبدالله الأول الذي يعهد إليه الفضل في بناء الأردن الحديث وتأسيس الدولة المعاصرة في العام 1920. أما ما قبل ذلك فهو تاريخ أمة كان يتساوى فيه ابن حلب بابن دمشق بابن الكرك بابن عجلون.
وبرر مبيضين فكرة لجوء الأردنيين لانشاء حكومات محلية بأنهم لم يكونوا على اطلاع في فترة ما بعد سقوط الدولة العثمانية على المؤامرة الغربية و تسويات ما بعد الحرب العالمية الأولى بالتالي وجدوا أنفسهم أمام فوضى وفراغ سياسي، وأضاف مبيضين أن الأردنيين لم يكونوا منخرطين بالمعنى الكامل سياسيا، كما كانت منخرطة النخبة السورية والحجازية في تأسيس الإمارة.
كما أكد أن الحديث عن ارتباطات وتشكلات مجتمع ما قبل الدولة هي مهمة جدا وشدد على ضرورة قراءة النصوص الاستشراقية جيدا وما يتم الحديث فيه عن البدو والفلاحين في الأردن ما قبل الامارة، فهناك تغييرات كبيرة كانت تقود المجتمع للتحول على مستوى المدن والبلدات الكبرى في أشكال الإنتاج وطبيعة العلاقة مع السلطة.
وخلال الحوارية تفاعل الحضور من الشباب بطرح جملة من التساؤلات التي دارت حول سبب تغييب التاريخ والهوية الأردنية في التعليم، وكذلك عن شكل علاقة القوى الاجتماعية التي تواجدت في شرق الأردن قبل تأسيس الإمارة مع الباب العالي العثماني، وحول حالة التيه التي يعيشها الشباب الأردني في ظل غياب سردية تاريخية واضحة للدولة، وتساءل الشباب عن دور العشائر الأردنية في تأسيس الدولة، و دور الـتأريخ الشفوي وارتباط الشباب به، وكذلك مدى وعي الأردنيين بخطر المشروع الصهيوني وهل له أثر من الحكومات المحلية إلى دولة، وهل حاول الأردنيين تقرير مصيرهم بعد إنهاء دولة فيصل في سوريا.
أما عن موضوع المناهج الدراسية وضعف المادة العلمية والسردية المتعلقة بتاريخ الأردن والأحداث والشخصيات، فانقتد مبيضين المؤلفين ورأى أن المشكلة متعلقة بمدى إدراكهم لأهمية بناء الرواية التاريخية المتماسكة والرمزية والهوية التاريخية في المناهج العملية، فعلى سبيل المثال لا نجد في مناهج التاريخ التي تدرس سردية عميقة لأحداث ما قبل تأسيس الدولة؟ وأضاف أن هناك تغييبا – مثلاً- للحديث عن “الغزو” الذي كان يشكل نمط من أنماط الإنتاج ما قبل انتقال الناس للدولة والقانون والسيادة، اضافة الى الحديث عن القبائل الأردنية التي خلعت عباءتها ودخلت في عباءة الدولة.
كما أكد أن التوثيقات لدينا ضعيفة ولابد أن تكون أكثر بكثير ، كما تحدث عن غياب مؤسسة للأرشيف الوطني في الأردن، وأن هناك تشويها لا تقصده الدولة وإنما العقليات التي لا تذكر تاريخ الأردن إلا ما بعد 1921 وهذه جناية على تاريخ الناس والأشياء.
وعن دور العشائر الأردنية شدد على أنها ركن أساسي في بناء الدولة وأنه عندما تقدم الدولة على إصلاح سياسي حقيقي فإن العشائر تقدم أحسن ما لديها، وفي محاولة تقرير الأردنيين لمصيرهم وضّح أن وثيقة أم قيس أظهرت ذلك بطلب قيام دولة عربية وأمير عربي وظهرت فيما بعد بحزب الشعب وفي المؤتمر الوطني الأردني رفضت المشروع الصهيوني ووعد بلفور، كما قال أنه يجب إعادة النقاش في التاريخ الأردني ومشاريع الذاكرة .