كيف يمكن استعادة التدفقات الاستثمارية الى الأردن؟

رؤوس أقلام

  • شهد العقد الماضي هبوطا حادا في الاستثمار الاجنبي المباشر وتركزا في قطاع واحد بشكل عام
  • ارتبط تدني الاستثمار الاجنبي المباشر بشكل وثيق مع تدني نسب النمو الاقتصادي وارتفاع نسب البطالة
  • بالرغم من تقدم الاردن 45 مرتبة خلال السنوات الثلاث الماضية في مؤشر سهولة الاعمال فقد تراجع الاستثمار الاجنبي حوالي 45%
  • العوائق الادارية ليست السبب الرئيسي في وقف تدفق الاستثمارات فالاهم وجود مشاريع ذات عائد مجدي ومنافس وقواعد لعبة تضمن هذا العائد دون تغييرات مفاجئة

تحليل

اذا دققنا نتائج مؤشر سهولة الأعمال نلاحظ أن الأردن قفز 45 مرتبة خلال الثلاث سنوات الماضية ليكون 69 عالميا من أصل ‏ 190 دولة ، لكن المفارقة أنّه وخلال ‏الفتره ذاتها تراجع الاستثمار الأجنبي بحدود 45%.  نعم قد تكون البيروقراطية وتعدد المرجعيات عاملا مهماً في إعاقة جذب الاستثمار، لكنه لا يجوز أن تستخدم بوصفها شمّاعة تعلّق عليها أسباب تراجع الاستثمار الخارجي، فهي ليست كابحاً اساسياً من كوابح الاستثمار،على سبيل المثال مصر  من الدول التي حققت أعلى ‏نسبة استقطاب للاستثمار الأجنبي بين الدول العربية خلال عام 2019، علما أنها حققت المرتبة  114 على مؤشر سهولة الاعمال،

الأساس الاهم لاستقطاب الاستثمار الاجنبي في الدول النامية هو كلفة وعائد الاستثمار، وهذا تحدٍّ كبير للأردن في ظل ارتفاع كلفة مدخلات الإنتاج وخصوصا ‏الطاقة،النقل والأيدي العاملة. ومما يعزز من قوة هذا التحدي وجديّته التنافس بين دول المنطقة مؤخرا وقدرة دول الجوار على دعم الاستثمارات الاجنبية بالطاقة والنقل والعمالة المحترفة، وبتكلفة منافسة جدا عالميا (ليس فقط إقليميا).  باختصار ‏المستثمر بحاجة إلى عائد على الاستثمار وليس فقط تأسيس وتسجيل استثمار بسلاسة ويسر.

هل يتمثّل التحدي في استقطاب رأس مال اجنبي أو وجود فرص استثمارية كبرى مجدية؟

إن المحرك الاساس في استقطاب الاستثمار الأجنبي للسبع سنوات الأخيرة كانت شركات الطاقة المتجددة بأنواعها والسبب الرئيسي يعود لوجود فرص استثمارية ذات عائد واضح والتشريع المناسب وعدم التردد في اتخاذ القرار وبناء علاقات استثمارية مع القطاع الخاص مبني على أساس المنفعة المشتركة. إنّ تدفق رأس المال يتبع الفرص الاستثمارية ذات العائد المقبول، ما يعني أنّ على الحكومة إعادة تجهيز فرص استثمارية كبرى على غرار توسعة الميناء ومشروع المطار، ‏سكة حديد وطنية والممر الاخضر لزيادة سعة الناقل الوطني, الطرق البديلة المدفوعة وشراء مديونية شركة.الكهرباء الوطنية مقابل حق استخدام الشبكة لثلاثين عاماً.
‏السبب الرئيسي في انخفاض الاستثمار الأجنبي في الأردن هو عدم وجود مشاريع كبرى مدروسة ذات عائد استثماري مقبول للمستثمرين والدليل على ذلك الفرص الضائعة من الاستفادة من الصندوق الاستثمار السعودي بقيمة 2 مليار دولار أو استثمار مخصصات دولة قطر وقيمتها 500 مليون دولار، هذا يؤكد مرة أخرى أن البيروقراطية ليست الأساس في كبح الاستثمار ‏إنما عدم وجود فرص استثمارية ذات جدوى

ما أهمية الاستقرار التشريعي على استقطاب الاستثمار الأجنبي؟2020

لا يمكن بناء نموذج عمل أو توقعات تدفقات نقدية لأي مشروع استثماري دون معرفة المعطيات التشريعية والميزات والاعفاءات ونسب الضرائب على هذا المشروع. وتكمن المفارقة أنّ الأردن كان من أوائل الدول التي تحدثت عن تشجيع الاستثمار، فقد تمّ إقرار قانون تشجيع الاستثمار وتوجيه الصناعة رقم (27 ) لسنة 1955، من ‏التشريعات السبّاقة في المنطقة، وقد تم تعديل هذا القانون 9 مرات لحين وصلنا إلى قانون الاستثمار رقم (30) لسنه 2014، ومن المعلوم أن هذا القانون تم تعديله من قبل الحكومة وسيقدم لمجلس الأمة في دورته القادمة،أما قانون الضريبة الدخل فقد تم تعديله ثلاث مرات خلال الأربع سنوات الماضية ‏ناهيك عن الأنظمة والتدخلات في القرارات الإدارية مما أثر سلبا على ثقة المستثمر وبالتالي استقطاب الاستثمارات الأجنبية.
للإنصاف نقول إنّ تطور الاقتصاد العالمي والمعطيات الإقليمية والمنافسة على استقطاب الاستثمار حتّم على الدولة تطوير التشريعات ومواكبة المتطلبات اليوم الحاجة إلى تنظيم التجارة الإلكترونية،الملكية الفكرية، حماية المعلومات،وغسيل الأموال، المناطق الحرة والتنموية،فجميع هذه القضايا الاقتصادية كانت‏ ‏بحاجة إلى تشريعات عصرية، لكن الطرف الآخر من المعادلة هو الإفراط في تعديل التشريعات، الأمر الذي يعود إلى غياب العمل الوطني الجمعي الشمولي والمشاركة الحقيقية مع القطاع الخاص، وضعف القدرة على استشراف المتطلبات الاقتصادية الجديدة، وأيضا الاجتهادات الشخصية والمزاجية عند تطبيق الأنظمة من قبلالموظف العام.

كيف نرسم الهوية الاستثمارية للأردن بعد ‏جائحه كورونا وتأثيرها على الاقتصاد العالمي ؟

لقد تغير عالم المال ولأعمال بسبب الجائحة ولا عودة لما قبل 2020، فالأولويات والافاق الاستثمارية تبدلت. ‏لا يمكن لبلد بحجم السوق الأردني أن يسوّق مشروعات غير واضحة المعالم ( كل شيء أو أي شيء)، ‏علينا إذاً أن نعيد ترتيب افقنا الاستثماري، ‏من خلال تحديد رؤية واستراتيجية واقعية واضحة وتكوين (العقلية الاستثمارية) لدى الدولة، ‏لتفادي الارتباك في السياسات والتشريعات والمراجع، وذلك بالتوافق والاتفاق مع القطاع الخاص بعيدا عن أي اعتبارات قطاعية حماءية ضيقة النظر، فالقيمة الحقيقية هي الأولوية العليا للوطن ومصالح المواطنين والاقتصاد الوطني.
فإذا كانت المخرجات عن الهوية الاستثمارية للأردن ذات طابع سياحي أو خدمي فليكن، ‏‏وإن كانت صناعية تحويلية فليكن. فالمطلوب من الدولة إنشاء الروافع والحوافز والتشريعات ‏ ‏وتسويق (عقليه الاستثمار) في كافة مؤسسات الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني على حد سواء وتوحيد وتوجيه السردية الاستثمارية في الاتجاه نفسه لضمان تثبيت هوية استثمارية واضحة للأردن تكون محلاً للتوافق بين الدولة والقطاع الخاص.
‏واقعياً يمكننا بناء الهوية الاستثمارية في ثلاثة محاور رئيسية:
أولا- قطاع السياحة (العلاجية، والترفيهية، والدينية)؛ حيث يشكل 14% من الدخل القومي وأكبر مشغل أيدي عاملة ( مباشر وغير )، ولأهمية دوره (أي قطاع السياحة) في تنمية المحافظات وفي رفد الخزينة بالعملة الأجنبية.فالمُنتَج الأردني له ميزات تنافسية عديدة، علينا تطويرها ليرتقي أكثر إلى العالمية حيث مجال النمو في هذا القطاع كبير فنحن نبدا من مستوى متواضع نسبيا مقارنة بما يمكن تحقيقه.
المحور الثاني- الزراعة التقنية التعاقدية وتشبيكها مع الصناعة الغذائية وأفضل مثال على ذلك هو الاستثمار الأجنبي في شمال الأردن (مصنع الدرة للمنتجات الغذائية) ‏حيث يتم تزويدها بالمواد الأولية من خضار وفواكه من المزارع المحلي.
‏أما المحور الثالث- تكنولوجيا البرمجيات – فهو المستقبل،لكنه ما يزال يشكل اقل من 1% من الدخل القومي (الفرصة الضائعة )، علمًا أن الأردن من أعلى الدول المنطقة في نسبة خريجي إداره البرمجيات ( 5600 خريج سنويا )، ومن أفضل الدول في البنية التحتية التقنية والأمثلة كثيره لشركات( Microsoft’ Amazon ) اكتشفت ميزه الاردن التنافسية في هذا المجال .
‏مع أهمية ما ذكرنا سابقاً فمن الضروري أن نكون واقعيين وعمليين، وأن نرسم خططنا على هذا الأساس؛فقد توقع تقرير صادر عن الأمم المتحدة تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر في العالم خلال العام 2021 بنسبة 40%، والسبب هو جائحه فيروس كورونا (كوفيد 19)حيث ستكون الدول النامية الأشد معاناة من تراجع الاستثمار الأجنبي، ‏ومثال على مؤشرات التراجع، فقد كانت أكبر 500 شركة متعددة الجنسيات في العالم – التي تمثل اغلب الاستثمار الأجنبي- حققت انخفاض أرباح 45% مما سيكون له أثر سلبي على تدفقات الاستثمار الأجنبي في منطقة الشرق الأوسط.
أما في الأردن فإن الاستثمار الأجنبي انخفض خلال السنتين الماضيتين على التوالي ليصل إلى 916 مليون دولار في عام 2019 مقارنة بـ 955 مليون دولار في 2018 بانخفاض بنسبة 4% وشهدت الفترة 2010-2019 هبوط مستويات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى اقل من نصف معدلها السنوي مقارنة بالفترة 2000-2010.
و‏يشهد العالم اليوم ركودا اقتصاديا عميقا، وهناك توقعات بانخفاض الاستثمار الأجنبي في منطقة الشرق الأوسط قرابة 15%، أما في الأردن يتراوح الانخفاض ما بين 7 إلى 10% .

توصيات

أولا: التأكيد على الهوية الاستثمارية الأردنية وتوحيد السردية الاستثمارية في المحاور الثلاثة المذكورة سابقا والعمل ضمن اطار وقاعدة متكاملة نحو هذه الغاية.

‏ثانيا : تخفيض ضريبة المبيعات للمنتجعات السياحية نسبة لـ 8%، السماح للفنادق استخدام الطاقة المتجددة، ‏منح حق استخدام (40 سنة) الأراضي لأي مستثمر يرغب بناء فنادق 3.5 نجوم ما يضمن تشغيل 700 أردني على الاقل، في مناطق محددة ومنها البحر الميت، ‏إعفاء النزل الصغيرة في المحافظات من ‏ضرائب المبيعات والدخل ، ‏

ثالثا: توفير مصادر المياه للتعاونيات الزراعية، التي تقوم على أساس الزراعة التعاقدية، ‏إعطاء الأولوية لمنتجات المصانع الغذائية الأردنية في العطاءات الحكومية والقوات المسلحة

‏رابعا : إعداد دراسات متقدمة لتنفيذ المشاريع الوطنية الكبرى وخصوصا التي بدأ العمل فيها وتم ايقافها، على سبيل المثال الطرق البديلة المدفوعة الاجر التي قام البنك الدولي في الدراسة الأولية لها ولم تستكمل، سكة الحديد الوطنية – المرحلة الاولى بين العقبة ‏ومعان – التي تم توقيع مذكرة التفاهم مع الصندوق السعودي لبدء الدراسات الهندسية لها، دراسات مشروع المدينة الجديدة. ‏استكمال المفاوضات مع المستثمر الأجنبي لشراء مديونيات الشركة الوطنية للكهرباء مقابل حق الاستخدام واداره الشبكة . وغيرها من مشاريع فقدنا عامين دون انجاز في تطويرها ليتم العمل على تسويقها او اوقفنا العمل بها.

‏خامسا: ضرورة اتخاذ قرار سياسي ‏بتفعيل النافذة الموحدة من خلال تعديل النصوص القانونية في كافة القوانين المتداخلة ومنح قانون الاستثمار السمو عليها لتمكين المفوضين القيام بمهامهم الحقيقية والانتهاء من الالتفاف على هذا الاشكال ال‏تشريعي في قرارات مجلس الوزراء

‏سادسا : إنشاء صندوق استثماري بالشراكة ما بين القطاع الخاص والعام والأفراد للاستثمار في المشاريع الحيوية

‏سابعا : إصدار سندات حكومية بعوائد ثابتة تسوق للأفراد والمؤسسات باسم المشاريع الكبرى المنوي إنجازها


ان جميع الاراء والمقالات الواردة في موقعنا الألكتروني لاتعبر عن رأي معهد السياسة والمجتمع وانما تعبر عن رأي مؤلفيها.

زر الذهاب إلى الأعلى