دراسة بعنوان “تنظيم داعش في إفريقيا: مسارات التمدد والتحولات حتى 2025”

تعرض هذه الدراسة كيف انتقل ” تنظيم الدولة الاسلامية” داعش من نموذج الخلافة المركزية التي كانت تدار من العراق وسوريا إلى نموذج اللامركزية المعتمد على فروع محلية مستقلة نسبيا في إفريقيا. جاءت هذه النقلة نتيجة انهيار المركز في المشرق، وتوافر بيئة إفريقية مضطربة تتميز بضعف الدولة؛ نتيجة عوامل عدة كالصراعات العرقية، واتساع الفراغات الأمنية حتى أصبحت دول هشة لتصبح افريقيا في هذا السياق الساحة الأبرز التي أعاد فيها داعش بناء نفسه من خلال شبكات مرنة لا تعتمد على قيادة هرمية، بل على ارتباط أيديولوجي عام وقدرة كل فرع على التكيف مع ظروفه المحلية.
وتذكر الدراسة أربعة نماذج أساسية تمثل أبرز ولايات التنظيم في القارة وهم: ولاية غرب إفريقيا “بوكو حرام”سابقا،” أنصار الشريعة ” في ليبيا، الساحل، والقرن الإفريقي. يُظهر تحليل هذه النماذج أن كل فرع اعتمد أسلوبا مختلفا للتمدد بحسب تركيبته الاجتماعية والجغرافية. ففي غرب إفريقيا، أعاد داعش تشكيل نفسه عبر دمج المجموعات المنشقة عن بوكو حرام ضمن قيادة أكثر انضباطا، مستفيدا من هشاشة منطقة بحيرة تشاد. أما في ليبيا، فمثّل تحوّل أنصار الشريعة نحو داعش نموذجا عن قدرة التنظيم على استثمار الفوضى في دول منهارة، قبل أن تؤدي الضربات اللاحقة إلى تراجع نفوذه المباشر. وفي منطقة الساحل، شكّلت اللامركزية العامل الحاسم في صعود ولاية الساحل، التي اعتمدت على تحالفات قبلية وحركة مقاتلين بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو. بينما يستمر فرع القرن الإفريقي في العمل ضمن بيئة تنافسية مع حركة الشباب، مستخدما شبكات تمويل محلية ودولية ومسارات جغرافية حساسة على البحر الأحمر.
ويخلص التحليل إلى أن صعود داعش في إفريقيا يعكس اندماج أفكاره العابرة للحدود مع المظالم المحلية، بما جعل القارة “المسرح الجديد” للنشاط الجهادي العالمي. حيث أن فهم هذا التحول نحو اللامركزية يساعد على تفسير أسباب بقاء التنظيم ونموه، ويمنح إطارا ضروريا لاستشراف المسارات المحتملة، وتأثيرها على الأمن الإقليمي ومستقبل الصراعات في القارة.
وتبرز أهمية الدراسة في أنها لا تصف التمدد الجغرافي فقط، بل تشرح كيف أصبح التنظيم شبكة لامركزية متعددة المراكز، تتفاعل مع الأزمات المحلية وتستثمرها في إعادة إنتاج نفسها. كما توضح الورقة أن هذا التحول البنيوي هو ما سمح للتنظيم بالاستمرار رغم خسارته الإقليمية في العراق وسوريا، حيث باتت فروعه الإفريقية تمتلك قدرا أعلى من الحكم الذاتي والمرونة العملياتية.
