الإخوان على مفترق طرق: التحوّل الأميركي الجديد وتداعياته الإقليمية والأردنية

أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 24 من تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، أمرا تنفيذيا يوجّه وزارتي الخارجية والخِزانة إلى البدء بعملية لدراسة تصنيف “بعض فروع جماعة الإخوان المسلمين” كمنظمات إرهابية أجنبية (FTO)، و”إرهابيين عالميين محددين بشكل خاص (SDGT) “. يشير الأمر التنفيذي إلى أن تلك الفروع “تُغذي الإرهاب، وترتكب أو تسهّل أو تدعم العنف وحملات زعزعة الاستقرار التي تضر بمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط، وتشكل تهديداً على مواطني الولايات المتحدة، وعلى الأمن القومي للولايات المتحدة”.
وعلى الرغم من أنّ القرار لا يُعلِن التصنيف نفسه، إلّا أنّه يُمثِّل أول خطوة رسمية تُلزِم المؤسسات الأميركية المَعنية بدراسة هذا التنصيف، واتخاذ إجراء فعلي خلال مدة زمنية محدّدة لا تتجاوز الـ 75 يوماً.
يعدّ هذا القرار محطة بارزة في العلاقة الأميركية مع الإسلام السياسي السنّي، ولجماعة الإخوان تحديدا، في لحظة إقليمية شديدة الارتباك، ويطرح أسئلة حول مسار الجماعة وأزمتها، وهيّ تقِف اليوم على مفترق طُرق يَمسّ مستقبلها، ويُعيد تشكيل حضورها وأدوارها بطريقةٍ أو أخرى.
رغم أن الأمر التنفيذي الأميركي لم يُسمِّ الفروع المتأثرة بشكل مباشر، إلا أن المؤشرات الأولية داخل المؤسسات الأميركية تُظهر أن نطاق الاستهداف سيطال البُنى التنظيمية، بما فيها تلك التي سبق حظرها في الأردن، إضافة إلى شخصيات قيادية ترى واشنطن أنها ربما ترتبط بقنوات دعم سياسي أو مالي “لفصائل المقاومة”. ويشمل ذلك أنشطة أو أطرًا تعتبرها الولايات المتحدة جزءاً من بيئات داعمة لتلك الفصائل. ويأتي هذا التوجّه في ضوء التطوّرات التي شهدتها الساحة الأردنية مؤخراً، وعلى رأسها حظر البنية القانونية للجماعة في نيسان/إبريل الماضي، ما يجعلها نقطة رصد مُحتَمَلة في أيّ مُقاربة أميركية جديدة.
ومن المهم الإشارة بدايةً إلى أن الأمر التنفيذي لا يصنّف جماعة الإخوان كتنظيم شامل كمنظمة إرهابية، بل يوجّه المؤسسات الأميركية لبدء عملية تصنيف تستهدف فروعاً محددة، خصوصاً في لبنان ومصر والأردن. ويرتكز هذا التوجّه على تقديرات استخباراتية تربط هذه الفروع بدعم مباشر أو غير مباشر لأحداث السابع من أكتوبر؛ إذ يُتهم فِرعا الأردنّ ومصر بتقديم دعم مالي لحركة حماس، فيما انخرطت فصائل لبنانية، وفي مقدمتها قوات الفجر التابعة للجماعة الإسلامية، في عمليات إطلاق صواريخ واشتباكات عسكرية مع إسرائيل.
لطالما وصفّت هذه الحركات الولايات المتحدة بأنها “رأس الإرهاب”، استناداً إلى سجلّ تدخلاتها في المنطقة، بدءاً من الغزو الأميركي للعراق عام 2003، مروراً بمواقفها ودعمها في حروب غزة المتكررة، ودعمها غير المحدود لإسرائيل، وصولاً إلى دورها الأوسع في نزاعات الإقليم. ويبدو أن تخصيص هذه الدول في القرار جاء في سياق مقاربة تستهدف البيئات والشبكات الاجتماعية والسياسية التي ترى واشنطن أنها تشكّل حواضن دعم للفصائل المقاومة أو قنوات اتصال وتأثير لها. وهو ما يندرج ضمن استراتيجية أميركية تهدف إلى إضعاف الشبكات المالية والسياسية المرتبطة بالإخوان أو بالفصائل المتحالفة معهم في بعض الساحات.
ويستخدم القرار مسارين قانونيين مختلفين:
- المسار الأوّل – قانون الهجرة والجنسية (INA)، وهو المسار الذي يسمح بتصنيف الكيان كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO). هذا التصنيف هو الأعلى والأشدّ في القوانين الأميركية، إذا يسمح للحكومة الأميركية بملاحقة أي جهة تقدّم دعماً مادياً أو لوجستياً للكيان المصنّف، بما في ذلك الأفراد أو المؤسسات داخل وخارج الولايات المتحدة. أيّ بمعنى استهداف التنظيم ذاته ككيان شامل، وبالتالي وضعه القانوني الدولي.
- المسار الثاني – قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية (IEEPA)، ويُستخدم لتصنيف الأفراد والكيانات كإرهابيين عالميين محددين بشكل خاص (SDGT) وفقاً للأمر التنفيذي 13224.[1]13224. يستهدف الأفراد والكيانات المرتبطة «بالإرهاب» بشكل محدّد، ويشمل الشبكات المالية والسياسية المحيطة بالجماعة. ويتيح هذا المسار استهداف:
– الشخصيات القيادية أو الداعمين الماليين.
– الجمعيات والمنظمات والمؤسسات الخيرية المرتبطة تنظيمياً أو وظيفياً بالجماعة.
– الشركات، المراكز التعليمية، أو المنصات الإعلامية التي تُعدّ جزءاً من شبكة الدعم.
– الحسابات المصرفية والوسطاء الماليين الذين يقدّمون موارد لفروع الجماعة.
يتميّز هذا المسار بالمرونة القانونية، إذ يمكن تطبيقه على فروع محدّدة أو كيانات مرتبطة دون الحاجة لتصنيف الجماعة ككلّ، ما يسمح بفرض قيود مالية واقتصادية وسياسية فعّالة على البيئة التي تتحرك ضمنها الجماعة.
بالمحصِّلة، يسير القرار على مسارين متوازيين يشكّلان هيكلاً مزدوجاً من العقوبات، مما يوسّع أدوات الضغط الأميركية ويتيح استهداف الفروع التنظيمية، والأفراد، والشبكات المالية المرتبطة بجماعة الإخوان. ويوفّر هذا النهج مرونة سياسية عالية، إذ يجنّب الإدارة الانخراط في معركة تصنيف التنظيم الدولي ككيان واحد، وهي معركة حاول ترامب خوضها في ولايته الأولى (2016–2020) لمحاولة تصنيف الجماعة في مصر، لكنها اصطدمت بتعقيدات قانونية ورفض من البيروقراطية الأميركية وبعض الحلفاء الأوروبيين، نظرًا للطبيعة الشبكية للجماعة والتداخل بين بُناها المختلفة.
الجديد في هذا القرار أنه صيغ بدقّة لتجنّب الثغرات القانونية، فالإخوان لا يعملون كتنظيم مركزي وِفق المعايير المطلوبة للتصنيف في القانون الأميركي، وإنما كتنظيم شبكي راسخ ومتجّذر. لذا، اختارت الإدارة الأميركية مسار استهداف الفروع المحددة والشبكات المرتبطة بها، لا التنظيم ككلّ – وهو ما يمنح القرار أثراً كبيراً دون كُلَف أو أخطار قانونية تجعله عملياً شبه مؤكّد.
لماذا الآن؟
لم تكن السياسة الأميركية تجاه الإسلام السياسي يوماً سياسة موحّدة أو ثابتة؛ فقد اختلفت وتباينت بتغيّر الإدارات، واللحظات السياسية، وأمزجة صانعي القرار. وعلى امتداد عقود، تراوحت المقاربة الأميركية بين سياسات الإقصاء، وسياسات الاحتواء والدمج التي رأت في الحركات الإسلامية- وفي مقدمتها الإخوان- تياراً “أكثر اعتدالاً” مُقارنَةً بالجماعات الجهادية المسلّحة مثل القاعدة، واعتبرتها في بعض المراحل بديلاً محتملاً لصعود التطرّف العنيف، خصوصاً مع تبنّي خطاب “الإسلام المُعتدل” في مواجهة تلك الحركات خصوصاً مع انخراط الإخوان في بنى ومؤسسات الدولة القومية الحديثة والمشاركة في الانتخابات.
لكنّ حالة الشدّ والجذب بقيت حاضرة باستمرار. فالاتجاه اليميني في واشنطن- والمُتداخل مع اللوبي الصهيوني – جادل دوماً بأنّ الإخوان لا يختلفون في جوهر غاياتهم عن الجماعات المسلحة، وأنّ جميع قوى الإسلام السياسي تشترك في الهدف المتمثل في “إقامة الدولة الإسلامية وتحكيم الشريعة”، وبالتالي يُنظَر إليها كتهديد طويل المدى، لا كشريك سياسي من المُمكن الاعتماد عليه في محاولة “احتواء التطرّف والعنف، بل وحتى أزمات العالم العربي والإسلامي”. وقد برز هذا الاتجاه بقوة بعد هجمات 11 سبتمبر، ثم ازداد زخماً بعد الربيع العربي الذي صعدت فيه الجماعة إلى الحكم في أكثر من بلد، وصولاً لِلحظة السابع من أكتوبر وما تلاها من انخراط ودور متابين للفواعل الإسلامويّة، وهو ما أعاد فتح ملف الإسلام السياسي داخل المؤسسات الأميركية بشكل واسع.
وفي المقابل، وعلى سبيل المِثال شهدت سنوات إدارة أوباما انفتاحاً مَلحوظاً على الإسلام السياسي، انعكس في المؤتمرات واللقاءات المغلقة التي نظّمها البيت الأبيض ومراكز الأبحاث الكبرى، وكذلك في المشهد الأكاديمي والإعلامي. لكنّ هذا الانفتاح لم يتحوّل قط إلى سياسة ثابتة؛ إذ ظلّ العامل الحاسم في مقاربة واشنطن، كما يشير روبرت ساتلوف في دراسته الشهيرة حول “السياسة الأميركية تجاه الإسلاموية: مقاربة نظرية وعملية”، هو المصلحة الأميركية قبل أي اعتبار أيديولوجي. وهذه القاعدة تفسّر إلى حدٍّ بعيد لماذا تتبدّل المقاربة الأميركية بتبدّل الظروف، ولماذا تعود إلى التشدّد حين ترى واشنطن تهديداً مباشراً لمصالحها.
بعد هذه المراحل المتقلبة من السياسة الأميركية تجاه الإخوان، تظهر اليوم معالم مقاربة جديدة تعكس أولويات الإدارة الأميركية الحالية، خصوصاً بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023، وصعود اليمني الأميركي الشعبوي، وتقوم على بُعد واحد واضح يتقدّم على سائر الاعتبارات: تعزيز أمن إسرائيل. فمنذ السابع من أكتوبر، تبنّت واشنطن مقاربة تقوم على تقليص أي بنية تنظيمية أو مالية أو سياسية يُعتقد أنها تشكل عمقا داعما لحركات المقاومة الفلسطينية، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وفي هذا السياق، جاءت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وكبار القادة الأمنيين الإسرائيليين لتلمّح صراحة إلى ضرورة “تجفيف البيئة الإقليمية التي تمنح المقاومة غطاء سياسيا أو دعما مجتمعيا”. اليوم، ومع التحوّلات التي تلت السابع من أكتوبر “وتوّرط” بعض الفروع الإخوانية في أدوار تُعد خطاً أحمراً بالنسبة لواشنطن وحلفائها، تجد الإدارة الأميركية نفسها أمام لحظة تدفع نحو مقاربة مختلفة.
ولا يقتصر تأثير هذا القرار على واشنطن فقط، بل يتقاطع بشكل مباشر كذلك مع سياسات عدد من الحكومات العربية التي توظّف الإخوان كأداة سياسية لتبرير تشديد الإجراءات الأمنية وإحكام السيطرة على الفضاء العام. وهو ما يعكس انسجاماً أوسع بين السردية الأميركية والإقليمية حيالَ الإخوان. ولربما أيضاً جاء هذا القرار في وقتٍ تتصاعد فيه سردية «الإرهاب» مجددا، في محاولة إسرائيل لاستعادة حضورها الدولي بوصفها “ضحيةً” لهذا “الإرهاب”، خصوصاً بعد العزلة الدولية التي تواجهها نتيجة ارتكابها للإبادة الجماعية في قطاع غزّة.
ومن المهم التوقف عند قرار حاكم ولاية تكساس الذي صنّف جماعة الإخوان ومجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (CAIR) كمنظمات إرهابية عابرة للحدود؛ فهذا القرار، رغم طابعه المحلي، إلّا أنه يعكس اتجاها متصاعدا داخل عدد من الولايات الأميركية المحافظة التي تتبنى خطابا أكثر حدّة تجاه الإسلام السياسي والمنظمات المدنية المرتبطة بالجاليات العربية والمسلمة. وتكمن خطورة هذا المسار في أنه يمنح البيت الأبيض غطاء سياسيا داخليا لخطوات أكثر تشددا، كما يفتح الباب أمام تشريعات أو قرارات مشابهة في ولايات أخرى، ما يخلق بيئة سياسية في الداخل الأميركي تُبرر توسّع المقاربة الأمنية تجاه الإخوان.
علاوةً على ذلك، ترى المؤسسات الأمنية الأميركية أن جماعات الإسلام السياسي- باعتبارها حركات أممية تتجاوز حدود الدولة القومية/القُطرية- تستحق موقعاً مركزياً في التقديرات الاستراتيجية، سواء من زاوية الأيديولوجيا أو من زاوية شبكات الدعم العابرة للحدود. هذه القراءة، مع التراكم السياسي والأمني وأدوار هذه الفروع بعد 2023، جعلت لحظة التحرّك نحو تصنيف فروع محددة من الإخوان لحظة ناضجة سياسياً وقانونياً ضمن الاستراتيجية الأميركية الأوسع اتجاه الإسلام السياسي ككلّ.
العقدة الأكبر: انعكاسات القرار أردنياً
يمثّل الأردن الساحة الأكثر حساسية لأي تغيّر أميركي في مقاربة جماعات الإسلام السياسي، ولا سيما الإخوان المسلمين. فالجماعة في الأردن تتمتّع بخصوصية تاريخية وتنظيمية تختلف عن بقيّة فروع الجماعة، سواء من حيث العلاقة مع النظام الأردني ابتداءاً وحتى الشرعية القانونية “سابقاً” والتي أتاحت للجماعة التحرّك والفاعلية لتكون بذلك من أكبر القوى المحرِّكة والفاعلة في الفضاء العام الأردني ما انعكس على إرثها الاجتماعي والسياسي المُتراكم منذ عقود داخل الدولة والمجتمع.
الجماعة الأردنيّة المستهدفة هي نفسها التي حظرتها الدولة داخلياً في نيسان/إبريل الحالي، والتي تواجه أزمات متفاقمة ومُتراكِمة أصلاً، وهو ما قد يزيد من حساسية الموقف واللحظة التاريخية ويجعلها تواجه أزمّة مزدوجة: حظر محلي وضغوط أميركية مُحتَملة، ممّا يزيد من حساسية الوضع السياسي والأمني في المملكة. وقد يكون الأردن قد سارع باتخاذ هذه الخطوة داخلياً لتلافي أو تجاوز الضغوط الأميركية، من خلال التحكم بالملف داخلياً قبل أن يتحوّل إلى أداة ضغط خارجي تزيد من تعقيد المشهد السياسي والأمني.
وتبرز خطورة هذا التحوّل في ظل لحظة إقليمية متشابكة ومعقّدة ما يجعل أيّ تغيير في السياسة الأميركية تجاه الإخوان مسألة تتجاوز البُعد النظري إلى مستويات عملية تمسّ حسابات الأمن الداخلي واستقرار الدولة، إضافةً إلى تأثيرها على علاقة الأردن بالمجتمع الدولي وموقعه الإقليمي كحليف رئيسي لواشنطن. ويحوّله إلى ساحة اختبار لتوازن الاستقرار الداخلي والضغط الخارجي.
في المحصلة، من المرجّح أن يُحدث القرار الأميركي نوعا من إعادة الهندسة داخل المعارضة الإسلامية الأردنية. فالأطراف الأكثر قربا من جماعة الإخوان ستتجه إلى إعادة التموضع، إما عبر تبنّي خطاب أكثر براغماتية لتفادي الضغط الدولي، أو بالاحتماء داخل واجهات اجتماعية ودعوية أقل عُرضةً للمساءلة. في المقابل، قد تستفيد تيارات إسلامية أخرى ضمن -الفضاء العام المُلتزِم- من تراجع الحضور الإخواني لملء الفراغ في المساحات المختلفة التي لطالما شكّلت ميادين نفوذ للإخوان.
خلاصة؛
يشكّل القرار الأميركي محطة فاصلة في تطوّر الموقف الدولي من الإسلام السياسي، إذ تنتقل المقاربة للمرة الأولى منذ عقدين من مستوى التصريحات والضغوط غير المباشرة إلى مستوى الإجراءات الملزمة التي تُعيد تشكيل البيئة الإقليمية وحدود الحركة السياسية للفواعل الإسلاموية. فالتصنيف الجزئي للفروع الإخوانية يضع-عملياً وضمنياً-التيارات المعتدلة والمنخرطة في العمل المدني والديمقراطي في المربّع ذاته مع الأجنحة المسلّحة والراديكالية، بما يوفّر غطاء سياسيا وقانونيا للدول العربية التي تبنّت إستراتيجيات المواجهة مع الإسلام السياسي منذ 2013، ويُعزّز في الوقت نفسه جهود بناء منظومة أمنية إقليمية تتداخل فيها واشنطن وتل أبيب بشكل أكثر علانيةً وعمقاً.
وفي قلب هذا التحوّل، يبقى السؤال مطروحاً: هل سيدفع القرار جماعة الإخوان إلى مراجعة فكرية جادّة “جَبريّة” تُعيد تعريف مشروعها الأيديولوجي والسياسي وأدواتها التنظيمية -خصوصاً مع اقتراب الذكرى المئوية للتأسيس- أم ستستمر في سياسة “إدارة الأزمات” والبحث عن هوامش تكيُّف تضمن الحدّ الأدنى من البقاء؟ فالجماعة تعيش منذ ما يزيد عن عقد حالة تآكل داخلي وتراجع في الشرعية التنظيمية، مع تكرار ضياع فُرَص للمراجعة البنيوية كان يمكن أن تُعيد إنتاج دورها وتوازناتها، لكنها آثرت البقاء ضمن ردود الفعل الظرفية لا تغييرات استراتيجية.
ويتجاوز السؤال بُعد التنظيم الداخلي نحو سؤالٍ آخر أكثر حساسية: هل سيؤدي التصنيف الأميركي إلى تراجع شعبية الإخوان أم ارتفاعها؟ في ظلّ مِزاج شعبيّ عَربيّ مشحون بالتضامن مع حركات المقاومة، وتنامي الغضب من الولايات المتحدة بسبب دورها في حرب غزة، وهو ما قد يُقرأ كجزء من معركة سياسية تستهدف “مواقف” وليس “تنظيمات”، ما قد يمنح الجماعة دَفعة معنوية في الشارع. وهو بالمقابل، ما قد يحدّ من هذا الارتفاع أيّ تحرك داخلي للدول لملء الفراغ السياسي وتقديم بدائل جديدة تُخفّف من قدرة الإخوان على الاستثمار في سردية “الاستهداف الخارجي”.
لكن المؤكّد أنّ القرار لا يزال في مراحله الأولى، وتداعياته العملية مرهونة بما سيأتي لاحقاً – في حال نفاذه والمُضي فيه- لم تتضح بعد. كما يطرح تساؤلات حول كيفية تعامل صانع القرار الأردني مع هذه المستجدات، وتأثيرها المحتمل على السياسة الداخلية والاستقرار الوطني، فضلاً عن تداعياتها الكاملة الاستراتيجية والجيوسياسية على الأردن خصوصاً والإقليم عموماً.
[1] الأمر التنفيذي 13224 هو أداة قانونية أميركية أساسية لمكافحة الإرهاب، صدر بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، ويُستخدم لتجميد أصول الأفراد أو الكيانات التي يُعتقد أنها تشارك في أنشطة “إرهابية أو تدعمها.
