الأردن بين التحديات والموازنات في مواجهة مشروع ضم الضفة الغربية

لم تشهد الساحة السياسية في إسرائيل تصاعدا لافتا في الخطاب الرسمي اليميني المتطرف بشأن فرض السيادة على أجزاء واسعة من الضفة الغربية، لا سيما منطقة غور الأردن، كما شهدته الأشهر الأخيرة والتي تمثل في التصريحات المتطرفة من وزراء اليمين الإسرائيلي، وهو ما أعاد فتح النقاش الإقليمي والدولي حول حدود السيطرة الإسرائيلية ومآلات المشروع الوطني الفلسطيني، وما يرافق ذلك من تداعيات مباشرة على موقع ودور الأردن الإقليمي.
في موازاة هذا التصعيد، جاءت عملية إطلاق النار من فلسطينيين في مفترق راموت بالقدس المحتلة يوم أمس الاثنين، والتي أدت إلى مقتل 6 إسرائيليين وإصابة 15، كحدث ميداني مؤثر ساهم في تسريع وتيرة الجدل إسرائيليا حول ملف الضم، وهل سيؤدي الضم عمليا الى ازدياد العمليات الفردية من قبل الفلسطينيين، أو منح الحكومة الإسرائيلية ذرائع جديدة لتقديم الأمن كأولوية فوق أي اعتبار سياسي أو تفاوض كما تطالب بذلك بعض الأوساط السياسية في إسرائيل.
هذه الأحداث والتطورات وضعت الأردن أمام منعطف بالغ الحساسية، خاصة مع تزايد المؤشرات على أن الحكومة الإسرائيلية تمضي نحو فرض أمر واقع في الضفة، تحت غطاء أميركي ضمني، وبالرغم من أن هذا الملف لم يكن غائبًا تمامًا عن الأجندة الأردنية في السنوات الماضية، غير أنه عاد هذه المرة ليقترب من تخوم الأمن القومي الأردني، فضم الضفة الغربية إن تحقق سيغيّر ليس فقط الجغرافيا السياسية، بل سيقوض حل الدولتين، ويفرض واقعا ميدانيا جديدا قبل أية تسوية نهائية إن تمت، وقد يؤدي الى تهجير قسري للفلسطينيين من أراضي الضفة الغربية بأعداد كبيرة وبأشكال شتى الى الأردن، وسوف ينسف جوهر اتفاقية وادي عربة، وبرغم أن هذه الرياح ليست جديدة على المنطقة، إلا أنها هذه المرة قوية ومؤثرة سياسياً.
غير أن التحدي الأساسي يكمن في أن يُحسن الأردن هندسة الرد والتعامل مع هذا الملف، بحيث يجعل كلفة ضم الضفة الغربية على إسرائيل باهظة الثمن ومُكلفة، أقل قدر ممكن من الأعباء على الصعيدين الوطني والإقليمي، وبجميع الوسائل المتاحة، ولا بد للأردن الرسمي والدبلوماسي أن يفكر في جميع الخيارات الممكنة لعرقلة هذا المشروع، فقد يكون خيار إغلاق الحدود في مرحلة ما مطروحا على الطاولة، على غرار ما تقوم به مصر في معبر رفح، وقد يكون خيار التصعيد السياسي والدبلوماسي المنضبط عبر تجميد بعض جوانب اتفاق وادي عربة، أو تقليص التنسيق في ملفات محددة إحدى الوسائل الهامة التي ستبطئ بلا شك من اندفاع اليمين الإسرائيلي المتطرف.
يستطيع الأردن كذلك السعي الى تحشيد عربي أوسع يشمل الدول العربية الرافضة للضم والتقارب مع دولة الإمارات تحديدا في هذا الملف التي صرحت مؤخرا بأن الضم هو خط أحمر، إلى جانب التنسيق كذلك مع الاتحاد الأوروبي، خصوصًا الدول التي اعترفت مؤخرًا بدولة فلسطين، ويمكن كذلك ترتيب تفاهمات جديدة مع واشنطن لضمان عدم انزلاق الموقف الأميركي إلى تأييد صريح للضم وبيان خطورة الموقف لهم وحساسيته الإقليمية الشديدة وتبعاته على الأمن والاستقرار في المنطقة، وفوق ذلك كله، الإبقاء على خطاب التهديد المدروس لإسرائيل، لفرض توازن دقيق، دون الإضرار بعلاقات الأردن الاستراتيجية الدولية أو التسبب بمواجهة ميدانية.
لابد للأردن باعتقادي أن يجهز خياراته أيضا في حال انهيار السلطة الفلسطينية إن تم ضم الضفة وأدى ذلك الى انهيارها، فكيف سيتعامل الأردن حينها مع السلطة ؟ فهل سيتعامل معها كحكومة منفى، وما شكل العلاقة مع الحكومة الفلسطينية حينها وما وضعها القانوني، وهل يمكن حينها أن يطلب الأردن ومعه بعض الدول عبر تطوير أجندة مصالح دولية واسعة، بحماية دولية للفلسطينيين من الأمم المتحدة بحيث يتم إعادة القضية الفلسطينية الى الأمم المتحدة عبر تحرك قانوني معين ومدروس ؟
بلا شك أن الأردن يمتلك اليوم أوراق ضغط حقيقية، لكنه على ما يبدو لا يُشهرها دفعة واحدة؛ فالموقف الأردني يميل إلى المراكمة الهادئة عبر بيانات دبلوماسية، ولقاءات مكثفة على أعلى الصُعُد، وتحذيرات غير علنية، وتنسيق مستمر مع الفلسطينيين وبعض العواصم الغربية، غير أن التفكير في جميع الخيارات والسيناريوهات مهما كانت خطورتها وغرابتها لا يقل أهمية عن الخطوات العملية نفسها.
ختاما، لا يمتلك الأردن عصا سحرية لوقف مشروع الضم، لكن من المهم أن يدرك تمامًا كيف يحوّل هذا المشروع إلى معركة سياسية مكلفة لإسرائيل، لا تمر دون أثمان، وما تحتاجه عمّان اليوم هو أن تُوصل رسالتها بوضوح إلى المجتمع الدولي؛ أن الضم ليس خطوة إدارية عابرة، بل هو تهديد استراتيجي يُعيد فتح ملفات الأمن والاستقرار في المنطقة بأسرها.