قوات فاغنر الروسيّة .. لحظة التمرد وما بعدها

بصفقة مفاجئة من قبل الرئيس البيلاروسي الحليف القوي للرئيس الروسي بوتين، انتهت حالة التمرد المفاجئة التي شهدتها روسيا لأقل من 36 ساعة من قبل، يفغيني بريغوجين، قائد قوات فاغنر، القوات الرديفة للجيش الروسي، في حربه ضد أوكرانيا وذراع روسيا العسكري حول العالم لتحقيق استراتيجية النفوذ التي تعمل عليها روسيا من أجل الصمود كقوة أساسيّة في النظام الدولي الحالي. وقد مثلت حركة التمرد لقوات فاغنر تهديدًا كبيرًا لسلطة الرئيس الروسي بوتين والذي يحكم سيطرته على روسيا دون وجود تحدٍّ حقيقي لسلطته الممتدة لأكثر من عقدين من الزمن.


لم يتأخر بوتين في الرد على حليفه الموثوق لسنوات طويلة، واتهمه بالغدر والخيانة والتجرؤ على سلطة الكرملين باحتلال مدن عديدة على طول الطريق المؤدية للعاصمة موسكو. قرر بريغوجين الخروج إلى بيلاروسيا -كما ذكر لغاية هذه اللحظة- حيث ترك أسئلة كثيرة خلفه مايزال صداها يتردد حول العالم ودون إجابات واضحة. وترك خلفه قواته والتي عملت كقوة عسكرية خاصة تنفذ أعمالًا عسكريّة بالنيابة عن السلطة الروسية، وتحقق مكاسب مالية كبيرة تغنيها عن الاعتماد على موارد الدولة الروسية وبأيدي أفراد لم يمارسوا في حياتهم إلا الجريمة والتمرد على القوانين وتجاوز الأعراف التي تحكم المجتمعات المنتمين إليها.


يؤكد الكثير من الخبراء والمتابعين للشأن الروسي على أن الرئيس بوتين أمام تحدٍ واختبار صعبين للتغلب على آثار أخطر تحدٍ لسلطته منذ وصوله إلى سدّة الرئاسة، حيث لم يدر في خلد الكثيرين أن ينقلب صديق الرئيس و “طباخه” بهذا الوقت الحرج والحساس الذي تواجهه روسيا في حربها ضد أوكرانيا.


من المؤكد أن تحركات قوات فاغنر قد أحدثت صدعًا كبيرًا في بنية النظام السياسي والعسكري الروسي ومن المؤكد أن الرئيس الروسي قد أصابه الضعف في الداخل الروسي حتى في ظل بقائه رئيسًا لدولة واجهت تحديًا أساسيًّا كاد أن يطيح بكل إرثها السياسي الذي بناه الرئيس بوتين في العشرين عامًا الأخيرة.


تخشى موسكو أن تحرك قوات فاغنر لم يأتِ من فراغ، بل يمكن أن يكون له تبعات قد تؤثر على تماسك القوات المسلحة الروسية، حيث لا يمكن تفسير هذا التحرك السهل للقوات المتمردة دون تصدٍ حقيقي لها من قبل القوات الروسية إلا في أن هذه القوات وبتركيبة لا بأس بها أصبحت رهينة لمزاج قوات فاغنر الخاصة والتي حققت اختراقات مهمة جدًّا في جسد الدولة الروسية على كافة المستويات الشعبية والاقتصادية والعسكرية والسياسية.
على المستوى الدولي، كانت ردة الفعل ممزوجة بالخوف والتردد والتطلع إلى تفكك بنى النظام الصلب للرئيس بوتين من قبل القوى الغربية.


سيطرة قوات فاغنر على مفاصل الدولة الروسية وخاصة النووية منها، كان مصدر الرعب والخشية الحقيقية للولايات المتحدة الأمريكية والعالم الغربي. حيث أعادت حركة التمرد التي قادتها فاغنر الذاكرة إلى رواية الحرب والسلم للكاتب الروسي تولستوي حيث ذكر في تلك الرواية “إن الدعم يجب أن يبقى للجيش العام في الدولة ويجب أن يكون الخيار الوحيد بسببه، إن هذه الجيوش لديها قائد عام هو للسياسة أقرب منه للحرب، يهمه المحافظة على الأرواح والمقدرات، وسير العمليات القتالية وفقًا لخطة شاملة مرسومة مسبقًا، مع مراعاة التحالفات الدولية ومتابعة العالم لمشهد الحرب. في المقابل، تخوض القوات الشعبية حرب عصابات بسلاح خفيف وحركة سريعة، وتحقق انتصارات، وقد تقاتل هذه القوات بالغنائم مستغنية عن خطوط الإمداد. ونتيجة لهذا الخلاف قد يستشعر الثوار أن الجيش فاشل، وأنهم أحق بالقيادة من هذا الجيش وهنا يحدث الصدام بين الجيش والقوات التي تسانده”.


من المتوقع أن تكون هناك آثار سلبية لما حدث في الأيام القليلة الماضية على معنويات الجيش الروسي في الخطوط الأماميّة للمعركة مع القوات الأوكرانية ومن الممكن أن لا يتم تعبئة الفراغ الذي ستتركه قوات فاغنر -إذا لم يتم استيعابها سريعًا في جسم القوات المسلحة الروسية- مما سيعطي مرونة كبيرة للقوات الأوكرانية في استعادة الأراضي التي فقدتها بسبب صرامة وإصرار قوات فاغنر.

زر الذهاب إلى الأعلى