السياسة والمجتمع وطمي يشهران كتاب “سياسات الشباب في الدول العربية”

أشهر معهد السياسة والمجتمع ومؤسسة طمي للتنمية الشبابية، مساء السبت في مقهى فيصل – وسط البلد، كتابًا جديدًا حمل عنوان “سياسات الشباب في الدول العربية … ما الذي تغير بعد الربيع العربي؟”، من تأليف د. محمد أبو رمان وكامل النابلسي.


ويضم الكتاب بين دفتيه ستة فصول، مسلطًا الضوء على التحولات التي شهدها الشباب واتجاهات ومستوى الاستجابة الرسمية للأنظمة في الدول التي شهدت ربيعًا عربيًّا في موجتيه الأولى مثل (مصر، تونس، الأردن، المغرب، الكويت، البحرين) والثانية كـ (لبنان والسودان).


تحدث في حفل الإشهار الذي أداره د. خليل الزيود، المؤلفان ود. فارس بريزات، وزير الشباب الأردني السابق.
وقال النابلسي في حديثه، إن الكتاب سعى إلى تعميم مجموعة من الأسئلة البحثية على الحالات العربية المتعلقة بالتغيرات التي طرأت على السياسات والتغيرات التي حدثت على صعيد البنية المؤسسية بالإضافة إلى تغيرات الخطاب وطريقة الاستجابة قبل وبعد الربيع العربي.


وأشار النابلسي إلى أن الجيل السياسي برز كمتغير تابع وكمتغير مستقل في علاقته مع السياسات ما قبل الربيع العربي وما بعده، فمورست أدوار تأثيرية متبادلة. كما هذا الجيل باستخدامه للفضاء السيبراني أعاد تعريف المجال العام وهو أحد أهم التحولات التي شهدها الربيع العربي.


فيما أشار د. محمد أبو رمان إلى أن فكرة الكتاب كانت الجمع ما بين السياسي والسياساتي، من خلال استعراض السياسات المتعلقة بالشباب العربي واستراتيجيات ومؤسسات الشباب قبل وبعد الربيع العربي والإجابة على التساؤل المتعلق بحجم الإدراك واتجاهه الذي وصلت إليه الأنظمة العربية ومدى انعكاس الإدراك على خطابها الرسمي.
وأكد أبو رمان، أن اغلب الدول العربية على صعيد السياسات ، قبل الربيع العربي لم يكن لها أي بعد سياسي مباشر اتجاه الشباب، لكن الربيع العربي كان صدمة للأنظمة وما ترافق معه من أحداث وبروز تنظيم داعش ، جعلتها تعيد التفكير بقضية الشباب.
من جانبه رأى د. فارس بريزات، أن ازمة الشباب في الأردن والمنطقة العربية هي ليست ازمة مستقلة بذاتها بل هي ازمة مرتبطة بأزمة المجتمع بشكل عام وأزمة العلاقة بين المجتمع والدولة، والاساس في هذه الازمة هو أساس تنموي متعلق باللا تكافؤ بين مكان وآخر في ذات المجتمع وذات الدولة.


وأضاف بريزات أن جميع المشكلات التي كان يتم التعبير عنها كدوافع للربيع العربي، لم يتمكن الشباب من تحويلها الى برامج سياسية قابلة ان يتم تبنيها من حركات سياسية منتظمة ومنظمة تحمل مصالح اقتصادية مبلورة .
ينطلق الكتاب من تساؤلات رئيسة يحاول الإجابة عليها متعلقة بكيفية تعامل الأنظمة العربية مع التحولات التي شهدها الشباب سواء في الدول التي انفجرت فيها ثورات الربيع العربي، أو تلك التي حاولت تجنّبها، وكيف تغيّرت السياسات العربية تجاه جيل الشباب؟ وما هي معالم هذا التغير ومجالاته؟ وما إن استطاعت هذه السياسات أن تردم الفجوة التي نشأت خلال العقود السابقة بين جيل الشباب الغاضب من جهة والأنظمة العربية من جهةٍ أخرى؟


كما يناقش الإجراءات التي اتخذتها الدول حيال الشباب، سواء عبر صياغة استراتيجيات جديدة، وتصميم برامج خاصة لهم بعضها ذات طابع اقتصادي والآخر سياسي، أو من خلال استقطابهم إلى مؤسسات النظام وتصعيد قيادات منهم، أو عقد المؤتمرات المستمرة المتخصصة، ومدى فعالية تلك الإجراءات وتحقيقها نتائجَ مرجوة.
ويلقي الكتاب نظرة فاحصة على التحولات لدى الشباب العربي الذي شهدت أوساطه حراكًا مفاجئًا وغير متوقع وصادمًا للعديد من الأطراف متمثلًا بالربيع العربي وانعكاس ذلك على سياسات أنظمة الدول العربية ومدى جديتها وجدواها، بل حتى انعكاس حراك الشباب على نظرة الدول الغربية تجاه العالم العربي والتي سيطرت علبها مقاربات جوهرانة ثقافوية تنظر بدونية لشعوب المنطقة العربية والتي فرض عليها الأمر الواقع تحولًا في نظرتها حيال المنطقة وشعوبها بشكل عام.


يبدأ الكتاب بفصله الأول الذي يتحدث عن جيل الشباب والربيع العربي وعن تبدل الصورة، التي تشكلت قبل تلك الثورات، لدى نسبة كبيرة من المثقفين والسياسيين العرب الذين اختزلوا الشباب بانطباعات ذات نزوع سلبي واضح تجاه الشباب إلا أن الربيع العربي وما شهده من أحداث استطاع قلب الصورة السابقة رأسًا على عقب، فأصبح جيل الشباب يمثّل مصدر تحدٍّ حقيقي وتهديد للنظم السياسية القائمة، فلم يعد جيل الشباب خارج سياق الحسابات السياسية لدى الأنظمة العربي، بل أصبح في صلب الاعتبارات والاهتمامات والهواجس، فما عجز عنه المثقفون والساسة العرب طيلة العقود الماضية من محاولات لإحداث اختراقات للنظم الصلدة تجاه التغيير والإصلاح، استطاع الشباب قلب معادلات بأكملها، وكسر حواجز عجز أسلافهم عن كسرها.


ويلفت هذا الفصل إلى أن النظر تجاه جيل الشباب اليوم يأتي من زاويتين الأولى بوصف الشباب متغيرًا مستقلًّا مؤثرًا في الأحداث والثورات والاحتجاجات والمجال العام، وبوصفه متغيرًا تابعًا متأثرًا بسياسات الحكومات وقراراتها أو كنتيجة للأزمات السياسية التي يعاني منها العالم العربي، ويأتي ذلك نتيجة عدة متغيرات على رأسها الوعي الجيلي و تأثير الفضاء السيبراني ذي التأثير العميق على ثقافة جيل الشباب اليوم والمعادلات السياسية بالإضافة إلى السياقات السياسية والمجتمعية التي وصلت إليها الدول العربية في العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين، وما حملت طياته من أزمات انعكست بوضوح على علاقة الشباب بالدولة.


لكن في المقابل لا يغفل الفصل واقع أنه على الرغم من أن إنجازًا كبيرًا حققته الثورات العربية والاحتجاجات والانتفاضات من خلال كسر حاجز ثقافة الخوف التي هيمنت على الشارع العربي خلال فترة طويلة، إلا أنّ الإحباط يعود اليوم بعد العديد من تلك الثورات، لما آلت إليه الأمور، سواء في دول لم يؤد تغيير الحاكم إلى فرق نوعي، بل عادت وانتكست الأحوال، أم في دول أخرى أنجزت الثورة ودخلت في طور الديمقراطية إلاّ أن الشباب بقي يعاني من البطالة والفقر والتهميش السياسي. وهذا يعود إما لقفز الحرس القديم إلى سدة الحكم مرة أخرى أو دخول بعض هذه الدول في صراعات وحروب أهلية.

أما الفصل الثاني من الكتاب، فقد خُصص لدراسة سياسات الشباب في الدول التي شهدت أُولى محطات ثورات الربيع العربي والتي أطلق شبابها شرارة الثورة الأولى (تونس، مصر). ولعل المشترك بين الثورتين أن حكام الدولتين ذات الشكل السلطوي هما من أبناء المؤسسة العسكرية (مبارك، بن علي).


يبين الفصل أنّ الحركات الشبابيّة الاحتجاجية في مصر لم تكن وليدة الربيع العربي، بل كانت سابقة عليه بعقود. فقد شكّلت الحركات الطلابية المحرك الأساسي فيها وتنوعت مطالبهم من مطالب وطنيّة تطالب بالاستقلال إلى مطالب قوميّة عقب الأحداث التاريخية التي شهدتها مصر والبلاد العربية، وتجاوزت ذلك إلى مطالب مرتبطة برفع سقف الحريات السياسية وتحسين الظروف المعيشيّة والعدالة الاجتماعية.


على الطرف المقابل، وفي الجانب الواقعي نظرت السياسات الرسمية عمومًا للشباب بوصفهم تهديدًا للوضع السياسي القائم. ويعود ذلك المنظور إلى عهد تأسيس الجمهورية واستمر حتى يومنا هذا من خلال استقطاب الشباب المؤيدين للنظام القائم، بينما يستخدم العنف ضد شباب المعارضة. وبالتالي، لم يجد الشباب في السياسات الرسمية بيئة سياسيّة وتشريعيّة حاضنة للتنوع والتعدديّة والحريات العامة والسياسيّة، ولم يمنح الشباب فضاءً سياسيًّا حرًّا لممارسة آرائهم ومواقفهم السياسيّة.
أما في تونس، فلعل أهم منجزاتها بعد اسقاط نظام بن علي هي حرية التعبير، لكن على الرغم من كل الجهود المتعلقة بإشراك الشباب في الحياة السياسية إلاّ أنّ صعود الشباب في المواقع القيادية ما يزال محدودًا، وسط ارتفاع نسبة البطالة وهجرة الشباب والكفاءات، وشعور بعض الشباب بأن الوضع في تونس سابقًا كان أفضل مما الوضع عليه اليوم.

الفصل الثالث تناول سياسات الشباب في الأنظمة الملكية (الأردن والمغرب)، ويشترك المحتجون الأردنيون والمغاربة في أنهم رفعوا مطالبًا كانت أقل جذرية من الدول الأخرى التي شهدت ثورات، وهي الإبقاء على النظام الملكي، لكن مع إحداث تغييرات شاملة في شكل الحكم، فكان سقف المطالب في كلا البلدين هو “ملكية برلمانية” يحافظ فيها الملك على موقعه “الرمزي” في الدولة.


مرّت السياسات الشبابية الأردنية بمراحل وتطورات ملحوظة، خلال عهد الملك الحسين وكانت تركز على الشؤون الرياضيّة والثقافية وأوقات الفراغ، من دون وجود تصور استراتيجي واضح للحالة الشبابيّة والأولويات والتحديات التي يواجهها جيل الشباب، وعلى الرغم من أن السياسات الشبابية شهدت قفزة في عهد الملك عبدالله الثاني الا ان لإدراك الحقيقي بدأ مع موجة الربيع العربي وشعور مؤسسات القرار بأهمية وخطورة ملف الشباب، بخاصة أنّ الشباب كانوا العمود الفقري لأهم وأكبر الحركات الاحتجاجية التي حدثت طيلة العقد الماضي. إلا أنه كان من اللافت عدم انعكاس هذا على ردم الفجوة بين الشباب والدولة، بل ساهمت الظروف الاقتصادية وارتفاع مستويات البطالة والفجوة الطبقية في بروز مؤشرات على حالة الاحتقان وتكرار حالة الاحتجاج فوصلت إلى إسقاط حكومة هاني الملقي فيما سمي بحراك الدوار الرابع عام 2018. ازدياد حالة السخط والإحباط تجاه تفعيل دور الشباب ومسألة تقييد الحريات كانت إحدى الدوافع لاحقًا باتجاه تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة الاقتصادية التي ركزت على ضرورة أن تفتح الدولة الباب والمجال لجيل الشباب للمشاركة السياسية، والقيام بتعديلات على التشريعات والقوانين المتعلقة بسن الترشح وبالحريات العامة وبقوانين الانتخاب والأحزاب.
في حين مرت السياسات الشبابية في المغرب بعدة أطوار منذ مرحلة ما قبل الاستقلال إلى الوقت الحاضر، وكان واضحًا أنّ التحولات التي شهدتها هذه السياسات مثّلت استجابة لتطورات سياسية واقتصادية ومجتمعية. كما شكّل الربيع العربي، نقطة تحول في السياسات الشبابية بالمغرب، كاستجابة للاحتجاجات التي قام الشباب بدور فاعل فيها، ما أدى إلى قفزة ملحوظة في الاهتمام الرسمي بالشباب والمؤسسات والتشريعيات المعنية بهم.


لكن لم تمنع سياسات السلطة من ظهور موجة جديدة من الاحتجاجات في 2016 وانطلقت هذه المرة من الريف الذي عانى من التهميش والحرمان، وبقيت المطالبات ذاتها التي أُطلقت في 2011 المتمثلة في العدالة الاجتماعية والمطالبات الحقوقية والقانونية، واستمرت الحكومة في انتهاج المقاربة الأمنية للحراك من جهة، ومحاسبة المسؤولين عن تعطيل البرامج التنموية في الريف من جهةٍ أخرى. كما جرى إطلاق المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية 2019-2023 التي استهدفت ببرامجها الشباب، وإحداث قانون إعادة الخدمة العسكرية الإجباري ليكون فرصة لتعزيز دور الشباب وإدماجهم في الحياة العامة، إلا أوساطًا شبابية مغربية عدته أداة للسيطرة وتأطير لنشاطهم بخاصة بعدما أعادت تجربة الربيع العربي تشكيل وعيهم بحقوقهم وإعادتهم إلى صلب النموذج التنموي المغربي.

أما الفصل الرابع فقد سلط الضوء على سياسات الشباب في الأنظمة الخليجية آخذًا الكويت والبحرين أنموذجًا لدراسة التحولات التي شهدتها سياسات الشباب ومدى استجابة الدولة للمطالب الشبابية، فقد شهدت الدولتان مظاهرات عارمة خلال الربيع العربي، مع ملاحظة اختلاف احتجاجات الدولتين في الشعارات التي رُفعت ونظرة الشباب تجاه النظام السياسي ودوره ومستقبله.


تأثرت الأوضاع السياسية في الكويت بقوة بإعصار الربيع العربي، وكان للحراكات الشبابية دور مهم ورئيس في التأثير على الأوضاع السياسية والتسبب برحيل الحكومة والبرلمان، والمشاركة في الانتخابات النيابية، والتحرّك في الشارع، والاحتجاج على الأوضاع السياسية، وبرزت مسألة الحقوق المنقوصة لدى بعض المكونات في الكويت.
إلا أن ما يميز التجربة الكويتيّة على صعيد السياسات الرسمية، بحسب المؤلفين، الاهتمام الواضح بالدراسات والأبحاث والمسوحات المعنية بالشباب، ما مكّن الحكومة من بناء قاعدة بيانات حول الواقع الشبابي والاتجاهات والمجموعات المختلفة من الشباب، مما ساعد على عملية بناء الاستراتيجيات والخطط الوطنية وتأطير السلوك الرسمي تجاه الشباب بصورة أكثر إدراكًا للواقع الذي تتعامل معه الحكومة، فانتقل الخطاب الرسمي في النظر إلى الشباب من منظور ملء أوقات الفراغ أو التربية البدنية، الذي ساد في مراحل سابقة، إلى رؤية تمكينية للشباب تمسهم في القطاعات المختلفة، وانعكست مرحلة الربيع العربي على طبيعة مجلس الأمة، أيضًا، مع ازدياد أعداد النواب الشباب بصورة ملحوظة.
أما في البحرين، فقد قابلت الحكومة بدايةً الحراك بالاستيعاب والدعوة إلى الحوار الوطني، لكن سرعان ما تم قمع الاحتجاجات لتكون البحرين الدولة الخليجية الوحيدة التي تحولت فيها المطالب الإصلاحية لشباب ائتلاف 14 فبراير إلى مطالب ثورية نادت بإسقاط النظام الحاكم. لكن الحراك وُصم لاحقًا بأنه “انتفاضة شيعية” في وجه “نظام سني” مما عجّل في نهايته.


ورغم فشل الحراك الشبابي بتحقيق مطالبه الإصلاحية، دفعت تلك الاحتجاجات الشبابية الحكومة إلى اتخاذ سلسلة من الاستجابات التشريعية والقانونية والبرامجية الإصلاحية، لكنها كانت دون المطالب التي نادى بها الشباب والمعارضة. كان أبرزها النسخة الثانية من الاستراتيجية الوطنية للشباب (2011-2015) التي كان تعزيز المواطنة أحد أهم أولوياتها في سياق الانقسام والاستقطاب السياسي والطائفي بين الشباب البحريني وإنشاء وزارة شؤون الشباب والرياضة 2015 كبديل للمؤسسة العامة للشباب والرياضة. ترافق ذلك مع إطلاق العديد من البرامج والمبادرات الشبابية الحكومية التي هدفت إلى فتح باب الحوار مع الشباب وتحسين ظروفهم المعيشية وبشكل خاص الاقتصادية، غاضةً الطرف عن حقوقهم السياسية والمشاركة في صناعة القرار. فاستطاعت تجاوز احتجاجات الربيع العربي مؤقتًا دون أن تقدم تنازلات جوهرية تلبي طموح الحركات الشبابية والمعارضة.

الفصل الخامس سلط الضوء على الدول التي شهدت الموجة الثانية من الربيع العربي آخذًا نموذجي لبنان التي شهدت احتجاجات واسعة عام 2019 وشعارات ترفض نظام المحاصصة الطائفية والسودان الذي انتهى أخيرًا إلى إسقاط نظام عمر البشير في نفس العام بعد حكم دام قرابة ثلاثين عامًا.


لبنانيًّا، شكّل تاريخ الحركة الطلابية والشبابية حالة استثنائية يتداخل فيها الشأن العالمي مع الإقليمي والمحلي بشكل واضح وصريح، هذا التداخل ساهم بظهور صبغة خاصة للحراك الشبابي والطلابي في لبنان منذ الاستقلال. وإن كان الاستعمار الفرنسي قد انتهى إلا أنه ترك أثره وثقافته على مؤسسات الدولة التي تعنى بالشباب عبر تعاون لبناني فرنسي يركز على الأبعاد الثقافية والرياضية.
ومع أحداث الربيع العربي بدأ اللبنانيون بالخروج بمطالبات جامعة إلا أن لحظة الاحتجاج تبلورت مع تجلي موجة جديدة في أكتوبر 2019 حيث انتشرت التظاهرات الشبابية في أرجاء العاصمة بيروت إثر فرض الحكومة ضريبة على مكالمات تطبيق الواتساب وغيره من التطبيقات الذكية، وأخذت هذه المرة شعار الربيع العربي ” الشعب يريد تغيير النظام”، وشكلت كارثة انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020 حافزًا لموجة كبيرة من الاحتجاجات الشبابية على الحكومة التي أظهرت حجم الفساد وإهمال وفشل الحكومات المتعاقبة في إدارة البلاد والتي أتت بعد أزمة البنوك والقطاع المصرفي الحالية. وبالتالي فقد كانت الاحتجاجات حصيلة مسار متراكم من الضغط وحالة الاحتقان ما يعني أن الحركة الشبابية في لبنان قد تتجه للتجدد والتوسع والانتشار بفعل الأحداث الاجتماعية والاقتصادية وإخفاقات النخب السياسية في تلبية مطالب الشعب اللبناني وهي العبور بالدولة إلى مبر الأمان.


سودانيًّا، فقد مرت البلاد منذ التأسيس بأحداث جسام مليئة بالانقلابات والحروب الأهلية إلا أن السنوات الأخيرة التي شهدت استمرار عدم الاستقرار السياسي وتجاهل الشباب وانفصال الجنوب بإمكانياته النفطية على الموازنات التي تخصص من أجل تنمية الشباب السودان، ساعدت في أن تقوم ثورة ديسمبر 2018 والتي كان وقودها ومحركها القوى الشبابية على اختلاف تنويعاتهم وتمكنوا من إسقاط حكومة البشير، فكان الشباب وواقعهم ومستقبلهم من العوامل التي ساهمت في تأجيج الثورة، ليبدأ فصل جديد من فصول علاقة الشباب بالدولة، عبرت عنه الحكومة الانتقالية بضرورة وضع سياسة وطنية للشباب لمرحلة ما بعد الثورة. ظهر اهتمام ملحوظ بالشباب على صعيد الدستور والخطاب الرسمي، لكن -حتى الآن- لم يترجم ذلك إلى برامج وخطط واضحة في تمكينهم في مختلف المجالات، فبدت تلك الخطط برسم الشعارات تنتظر رغبةً حقيقية في التنفيذ وإعطاء مساحة واسعة للشباب على كافة المستويات.

الفصل السادس والأخير الذي عُنون بـ “ما الذي تغير بعد الربيع العربي” ينتهي إلى القول بأنّ الربيع العربي شكّل نقطة تحول ملحوظة في السياسات العربية على أكثر من صعيد تجاه الشباب، وتغيرًا ملموسًا في إدراك ورؤية المسؤولين والحكومات لهذا الجيل وما يحمله من إمكانيات وما يواجهه من تحديات، وما يشكّله من خطر على استقرار هذه الأنظمة، مما انعكس على مختلف المستويات (التشريعات، الخطاب، المؤسسات، الخطط والسياسات).
لكن بالرغم مما سبق، يرى المؤلفان أن السياسات ما تزال تواجه تحديات ومشكلات رئيسية، ولم تؤّد التغييرات المتعددة -في كثير من الأحيان- إلى تحولات جوهرية في علاقة الدولة بالشباب.

يخلص الكتاب في خاتمته إلى أن الفكر التبسيطي المجزأ هيمن على السياسات الشبابية، وكان التعامل الرسمي مع العوارض والظواهر من دون التطرق للأسباب والجذور، وهذا كله لم يحل القضايا الشبابية. وقد اقترن حل القضايا بوجود مشكلة فعلية في توفير البيانات الكافية، ومشكلات في نوعية البيانات الناجمة عن تفاوتات في التعريفات وطرق الحساب، أو عن الشك في التدخل السياسي في نتائج الاحصاء.


لذا، لم تنطلق السياسات الرسمية -عمومًا- من إدراك عميق بحاجة جيل الشباب وتوقه الدائم للتغير في حياته ومحيطه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وفي الثقافة السائدة والعلاقات الجيلية في المجتمع، وإلى بناء نظام اجتماعي متجدد في علاقاته. بل تعاملت معه بعقلية الدولة الريعية، الأبوية، التسلطية بسياسات احتوائية وإقصائية، تنظر له كخطر أو مشكلة أو في أحوال معرض للخطر، ولم تنظر له كمورد وطاقة تجديديه يحتاجها المجتمع لضمان ديمومته وتجدد علاقاته.


وهذا ما يستدعي الحاجة إلى منظور تنموي متكامل مبني على إدراك أزمة جيل الشباب اليوم أولًا، والاختلاف بين الأجيال وسمات الجيل الحالي ثانيًا، وأزمة النظم العربية القائمة ثالثًا، وكيفية الربط بين الجيل الشاب وأهداف التنمية المستدامة رابعًا، وأن يوفر فرصًا حقيقية للشباب بمشاركتهم النوايا والمقاصد والأهداف والرؤية والتوجه وطبيعة المستقبل المرجو، وتفويضهم الصلاحيات والمسؤولية ليتعلموا ويخطؤوا، فالعمل لأجل الشباب يستوجب إتاحة المجال والمساحة للشباب أن يخطئوا وأن يتعلموا من أخطائهم ويصبحوا بالفعل فاعلين في رسم حلول لمشكلاتهم ومواجهة تحدياتهم وترسيم الطريق للمستقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى