هواجس عودة اللاجئين السوريين في الأردن

يرصد هذا المقال التحليلي، نتائج مخرجات اجتماع عمّان التشاوري بشأن الحل السياسي للأزمة السورية ومسألة عودة اللاجئين السوريين في الأردن إلى سوريا، ويحلل ردوود أفعال مجموعة متنوعة من عائلات اللاجئين السوريين وتوجهاتها في خيارات العودة الآمنة.


1- تلعب التحولات السياسية في الشرق الأوسط دور في تحديد مستقبل اللاجئين السوريين وعودتهم إلى ديارهم خصوصًا في لبنان والأردن وتركيا.
2- عودة اللاجئين السوريين في الأردن ستكون محدودة ومترددة استنادًا للحالة الأمنية والاقتصادية في مناطق العودة، كما أن العودة ستكون محدودة بشكل أكبر بالنسبة للاجئين خارج المخيمات والذين يمثلون ما نسبته (82%) من اجمالي اللاجئين السوريين في الأردن.
3- خيارات اللاجئين السوريين في مسألة العودة هي البقاء في المنتصف، أي أن الخيار الأول هو البقاء في الأردن، والخيار الثاني سيكون إعادة التوطين إي البحث عن بلد ثالث، والخيار الأخير سيكون العودة إلى سورية.

احتضنت عمّان بداية الشهر الجاري، اجتماع تشاوري يبحث حلول سياسية لمستقبل الأزمة السوريّة، بمشاركة الحكومة السوريّة والسعوديّة والعراقيّة والمصريّة، ناقش الاجتماع تداعيات الأزمة التي بدأت في سوريا عام 2011 وخلّفت كوارث إنسانيّة وماديّة، نتج عنها لجوء عدد كبير من الشعب السوري إلى دول الجوار والعالم، كما أدت الأزمة إلى انعزال سورية عن المحيط العربيّ والدوليّ، وأضحت عدد من المناطق في الداخل السوري بيئة وأرضية لمجاميع وميليشيات مسلحة وإرهابية، يعمل جزء منها في صناعة المخدرات والاتجار بها، الأمر الذي يهدد الاستقرار والأمن المجتمعي في سورية ودول الجوار السوري.


تسببت الأزمة السورية بنزوح 6.6 ملايين شخص داخليًا وأكثر من 5.6 ملايين إلى المناطق المجاورة والبعيدة، احتضنت الأردن أكثر من 1.3 مليون سوري منذ اندلاع الأزمة السورية، بينهم 661854 لاجئًا سوريًا مسجلاً لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأردن مما جعل الأردن ثاني دولة من حيث استضافة اللاجئين السوريين نسبة لعدد السكان على مستوى العالم بعد لبنان.


أثارت مخرجات اجتماع عمّان في مسألة العودة، هواجس عائلات اللاجئين في الأردن، ومنظمات حقوقية وإنسانية، حيث نصّت الوثيقة الختاميّة لاجتماع عمّان على أن عودة اللاجئين الطوعيّة والآمنة إلى بلدهم هي “أولوية قصوى ويجب اتخاذ الخطوات اللازمة للبدء في تنفيذ ذلك فورًا، والتعاون بين الحكومة السوريّة والحكومة الأردنيّة وبالتنسيق مع هيئات الأمم المتحدة في تنظيم عملية عودة طوعية لحوال ألف لاجىء سوري في الأردن، بحيث تضمن الحكومة السورية توفير الظروف والمتطلبات اللازمة لعودتهم، وأن توفر هيئات الأمم المتحدة احتياجاتهم الحياتية”.رغم تأكيد اجتماع عمّان أنَّ عودة اللاجئين السوريين ستكون عودة طوعيّة وآمنة، إلا أنَّ مجموعة من الهواجس تنتاب العائلات السورية، سواء داخل المخيمات أو في المناطق المستضيفة في الأردن، الأمر الذي قد يجعل من فكرة العودة الفورية – في معظم التقديرات – تتجه نحو عودة جزئية مترددة، وذلك لأسباب ودوافع عديدة، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:


أولاً: المخاوف الأمنية


تناول اجتماع عمّان خطورة الجماعات الإرهابية وتجّار المخدرات في المناطق الحدودية مع الأردن، وهذه المناطق قريبة جدًا على مناطق عودة اللاجئين السوريين في الأردن، حيث ينحدر نحو (56%) من اللاجئين من درعا وحمص، مقابل (11.4%) من حلب ونحو (11.3%) من وريف دمشق. هذا في حال كانت العودة للمناطق التي جاء منها اللاجئين، كما أن هناك هواجس أمنية (سيكولوجية) فيما يتعلّق بالعلاقة ما بين اللاجئين والنظام السوري لاتزال قائمة.


ثانيًا: التردي الاقتصادي والاجتماعي


معظم اللاجئين السوريين قدموا إلى الأردن من مناطق تعتبر فقيرة نوعًا ما، تعتمد نسبيًا على الزراعة وتربية الماشية، وفي حال العودة إلى سورية، يحتاجون إلى مشاريع اقتصادية مماثلة، وهذا النوع من المشاريع بحاجة إلى رأس مال نقدي، وفي المقابل لا تتوفر ضمانات من قبل هيئات الأمم المتحدة أو المجتمع الدولي لتقديم هذا النوع من الدعم لغاية الآن، خصوصًا وأن المجتمع الدولي لم يلتزم من قبل بالوفاء بجميع تعهداته المرتبطة بالدعم الاقتصادي للدول المستضيفة للاجئين ومنها الأردن.


ثالثًا: سحب الامتيازات الأردنيّة من اللاجئين


منحت الحكومات الأردنيّة العديد من الامتيازات للاجئين السوريين في الأردن، أهمها بالنسبة للاجئين هي تصاريح العمل، فمنذ عام 2016، يُسمح للاجئين السوريين بالعمل في عدة قطاعات من الاقتصاد الأردني، وقد تم في عام 2021 إصدار 62 ألف تصريح عمل للسوريين، وذلك وفقاً للأرقام التي نشرتها الحكومة والمفوضية، وهو أعلى رقم سنوي منذ استحداث تصاريح العمل للاجئين السوريين. وتشمل تصاريح العمل البالغ عددها 62,000 تصريحاً، 31,000 تصريحاً مرناً – وهو رقم قياسي أيضاً – يسمح للاجئين بالتنقل بين الوظائف المماثلة في نفس القطاع، وكذلك بين أصحاب العمل والمحافظات. في المقابل بدأت الحكومة الأردنيّة مؤخرًا جراء تضخم أزمة البطالة في الأردن البدء بسحب جزء من الامتيازات من خلال إعادة جدولة المهن المسموحة وغير المسموحة بالنسبة للاجئين والعمالة الوافدة. بحيث تمنح الأولوية في قائمة مهن يشغلها في الوقت الحالي هدد كبير من السوريين.


رابعًا: الهوية الوطنية السورية وصعوبة الاندماج


ترتفع نسبة الأطفال بين اللاجئين السوريين لتصل الى 48.5 %، ليبلغ تعدادهم 327 ألف طفل، منهم 2000 طفل منفصل وغير مصطحب بذويه يخشى هؤلان من أن يسري عليهم قانون التجنيد العسكري الإجباري في الجيش السوري، ومن المعاملة التمييزية لاحقا في الجيش الذي لا يعرفوا عنه سوى الذاكرة الأليمة، كما لم تتهيأ في ذهنيتهم هوية سورية مرتبطة بالثقافة الوطنية، حيث يدرس أطفال اللاجئين السوريين في المخيمات وفي المدارس الحكومية المنهاج الأردني، لا يعرفون الكثير عن القوانين والأنظمة والمؤسسات في سوريا، مما قد يشكل أمامهم حواجز في عملية الاندماج الآمن.

احتمالات العودة الطوعيّة للاجئين


1- احتمالية العودة بالنسبة للاجئيين السوريين في الأردن ستكون محدودة جدًا وتجريبية ومتأنية استنادًا إلى الحالة الأمنية والاقتصادية والاجتماعية في الداخل السوري وفي مناطق العودة، وبدرجة ثانية هناك مخاوف متعلقة بالمسكن والقضايا القانونية كالوثائق المفقودة وسندات الملكية وتوفر سبل العيش الأساسية والخدمات المتوفرة في الأردن كالحصول على الرعاية الصحية والمدارس.

2- مقارنة مع العائلات التي تسكن داخل المخيمات، ستكون موجات العودة قليلة جدًا بالنسبة للعائلات السورية التي تسكن خارج المخيمات وبجوارها – نحو (82%) يعيشون خارج المخيمات – وهذا يعود إلى اعتبارات عديدة؛ أولها الاندماج الواسع بالمجتمعات المحلية في المناطق المستضيفة، وهو اندماج ذو بعد اقتصادي اجتماعي، خصوصًا في المناطق التي تشهد صلات قرابة اجتماعية كمناطق المفرق والرمثا وإربد، وثانيها الفرص الاقتصادية الجيدة للعائلات مقارنة بالحالة ما قبل أزمة 2011.

3- جزء من العائلات التي تعود إلى سورية قد تعود مجددًا إلى الأردن بعد مقارنة الحالة الأمنية والاقتصادية وضعف إيجاد فرص العمل في ظل تردي الحالة الاقتصادية في سوريا وارتفاع الأسعار، خصوصًا أن دعم المجتمع الدولي وأذرع الأمم المتحدة لا يزال دعم غير مضمون أو متفق عليه (مكتوب) وبقي في مخرجات اجتماع عمّان بمرحلة النوايا، وقد أدرك اللاجئين من قبل معاناة الأردن مع ضعف التزام المجتمع الدولي بمسؤوليته جراء استضافة الأردن اللاجئين بشكل عام.

4- وفق بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) عاد 4013 لاجئا سوريا من الأردن إلى سوريا في 2022، مقابل مغادرة 5264 لاجئا سوريا عبر إعادة التوطين إلى بلد ثالث( )، أي ان اقبال اللاجئين على إعادة التوطين في بلد ثالث يأخذ اهتمام أكبر، وبالتالي يمكن تقسيم اهتمامات مغادرة اللاجئين السوريين إلى الأردن إلى ثلاثة مستويات بحسب الأولوية:
المستوى الأول: البقاء في الأردن، المستوى الثاني: البحث عن بلد ثالث لإعادة التوطين مجددًا، المستوى الثالث: العودة الطوعية إلى سورية.

5- البقاء في المنتصف بين العودة إلى سورية والبحث عن إعادة توطين في بلد ثالث ستكون الخيار الأول بالنسبة للعائلات السورية التي تشاهد وتتواصل مع عائلات أخرى حصلت قبل سنوات على إعادة التوطين في دول أوروبية وفي كندا وأميركا، وتقارن بين امتيازات الحماية الاجتماعية والاقتصادية المقدمة لهم وبين البدء من الصفر في حياة جديدة على الأرض السورية، فتجد أن البقاء في المنتصف هو أسلم الخيارات في انتظار فرصة إعادة التوطين في البلد الثالث. ثم أخيرًا ستكون أولوية العودة إلى سوريا وهي العملية التي ستأخذ تفكيرًا طويلاً تتحكم به الحالة الأمنية والاجتماعية والاقتصادية.

ختامــًا


يبدو أن التداعيات والتحولات السياسيّة في المنطقة والإقليم تحكم مستقبل اللاجئين السوريين أكثر من أي وقت مضى، في لبنان يتزايد خطاب الكراهية تجاه اللاجئين ويستخدم التحريض كورقة سياسية في صراع (هم ونحن) على الموارد، وفي تركيا يترقب اللاجئين والمقيمين السوريين نتائج الانتخابات الرئاسية التي ستحسم بشكل كبير مصيرهم حيث تتصدر ملف السوريين البرامج الانتخابية للمرشحين المتنافسين.
استكمالًا للجهود التي تقوم بها السياسة الخارجية الأردنية وللبناء عليها، يتطلب العمل الآن جهود أكبر في المجتمع الدولي، لتكامل الحل السياسي الدبلوماسي بالاقتصادي والاجتماعي الإنساني، بمشاركة أطراف دولية من أصحاب المصلحة الرئيسيين والثانويين، ورسم خارطة العودة للاجئين عبر منهجية واضحة للجميع، تضمن فعليًا عودة آمنة للعائلات السورية، تضمن الأمن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وتنهي هذه الأزمة الأكثر مأساوية في هذا العصر.

الأراء الواردة في المقالات والأوراق البحثية لا تعبر بالضرورة عن معهد السياسة والمجتمع

المراجع

1.الموقع الإلكتروني للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأردن، شوهد بتاريخ 9 مايو أيار 2023 https://www.unhcr.org/jo/ar/who-we-are

2.الموقع الالكتروني لقناة المملكة عبر الرابط التالي: https://shorturl.at/cdenv

3.قام الباحث خلال الفترة الممتدة مابين يوم الأحد 5 مايو/ أيار 2023 ولغاية يوم الخميس الموافق 11 مايو/أيار بالتواصل مع عائلات من اللاجئين السوريين في في المناطق المستضيفة لهم وفي مخيمات اللجوء وشرح مخرجات اجتماع عمّان التشاوري ومحاولة استشعار مواقف العائلات من مسألة العودة الطوعية.

4.راجع/ي بيان عمّان الاختامي لبحث الجهود المبذولة للتوصل لحل سياسي للأزمة السورية، المنشور على حساب وزارة الخارجية الأردنيّة على تويتر: https://twitter.com/ForeignMinistry/status/1653053868538843136/photo/1

5.راجع/ي الموقع الإلكتروني للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، شوهد بتاريخ 9 مايو/ أيار 2023 https://www.unhcr.org/ar/4be7cc278c8

6.راجع/ي الموقع الإلكتروني للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين: https://www.unhcr.org/ar/61f03b704 شوهد بتاريخ 11 مايو/ أيار 2023

7.راجع/ي الموقع الإلكتروني لشبكة بي بي سي مادة بعنوان: (العمالة الوافدة: جدل في الأردن حول تعليمات بمنع غير الأردنيين من مزاولة 11 مهنة حرفية ويدوية) https://www.bbc.com/arabic/trending-65192999

8.راجع/ي الموقع الإلكتروني لوزارة العمل الأردنية والاطلاع على قائمة العمل من هنا: https://shorturl.at/vyFKR

9.راجع/ي الموقع الإلكتروني لجريدة الغد، مادة بعنوان (الأردن ثاني دول العالم احتضانا للاجئين و46 % منهم أطفال) https://shorturl.at/bivH6 تمت مشاهدته بتاريخ 11 مايو/ أيار 2023.

10.راجع/ي تلفزيون المملكة، (واشنطن: عودة اللاجئين السوريين لبلادهم تواجه مخاطر وصعوبات) تاريخ النشر 28-02-2023 شوهد بتاريخ 11-05-2023. https://shorturl.at/IKTZ4

11.إعادة التوطين = عملية تديرها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين UNHCR تؤدي إلى حل دائم في بلد ثالث للاجئين الذين لا يستطيعون الاندماج محلياً أو العودة إلى بلدهم الأصلي، وممن لديهم احتياجات حماية مستمرة في البلد الذي يعيشون فيه، وتتضمن عملية إعادة التوطين اختيار اللاجئين ومساعدتهم على السفرمن البلد الذي فروا إليه والتمسوا الحماية فيه (الأردن على سبيل المثال)، والذهاب إلى بلد آخر.

زر الذهاب إلى الأعلى