في أي مناخ سياسي تُعقد قمة بغداد2 ؟

بعد قرابة عام على عقد نسختها الأولى في العاصمة العراقية بغداد، يشهد مركز الملك الحسين بن طلال في البحر الميت عقد النسخة الثانية من قمة بغداد للتعاون والشراكة.

تسعى قمة بغداد إلى دعم العراق وتعزيز أُطر الشراكة على مختلف الأصعدة بين دول المنطقة برعاية فرنسية التي تلعب دورًا أساسيًّا في تنسيقها ويحرص رئيسها، إيمانويل ماكرون، على إقامتها هذا العام في دولة عربية وسيطة ومستقرة، لتُعقد سنويًّا كإحدى محاولات مضاعفة الحضور الفرنسي في المنطقة على المستويين السياسي والاقتصادي بعد حالة من الانكفاء الأمريكي في المنطقة، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وهو ما يجعل باريس تتصدر المشهد السياسي كفاعل أكبر والأكثر نشاطًا على مستوى العلاقات الخارجية.

وهذا لا يختلف عن سعي دول عربية تعد العراق اليوم جزءًا من استراتيجيتها وأمنها القومي وتعد مسألة الانفتاح على بغداد باتت ضرورة لا رجعة عنها، وتسعى من خلال القمة جس نبض حكومة بغداد الجديدة بعد أزمة سياسية عصيبة شابها النزاع والسلاح والدماء استمرت عامًا كاملًا بين الأطراف السياسية في العراق، أُثيرت على إثرها الكثير من التساؤلات والشكوك حول مساراتها -الحكومة- القادمة وطبيعة الجهات السياسية التي تقف خلفها.

ثمة تساؤلات مهمة تطرح اليوم في توقيت عقد القمة المختلف عن سابقتها، وسط التغيرات المستمرة التي تشهدها المنطقة والعالم، وقدوم رئيس وزراء عراقي جديد لم تتضح ملامحه بعد وما يزال تحت اختبار دول المنطقة لإثبات جديته في الرغبة بالانفتاح؛ فالقمة اليوم التي تشهد تواجد السيد محمد شياع السوداني على رأس مجلس الوزراء هي ليست كما القمة التي كان السيد مصطفى الكاظمي يرأس الحكومة آنذاك. ولعل هذا يعود إلى عدة أسباب، منها أن رئيس الوزراء الجديد لا يمتلك رصيدًا سابقًا على مستوى العلاقات الخارجية كما كان سلفه الكاظمي الذي كان يرأس جهاز المخابرات قبل تسنمه منصب رئيس الوزراء ويمتلك علاقات جيدة مع محيطه الإقليمي والأطراف الدولية في سياق الحرب على تنظيم الدولة “داعش”. كما أن قدوم السوداني إلى سدة الحكم شكّل هاجسًا لدى العديد من الدول العربية الراغبة في الانفتاح على العراق، خاصةً وأن الأخير جاء بواسطة الإطار التنسيقي، المحور المقرب من إيران، والذي تندرج أيضًا تحت مظلته فصائل مسلحة، بعكس الكاظمي الشخصية “المستقلة” وغير المؤدلجة والذي أُختير حينها لقيادة المرحلة الانتقالية في العراق كضرورة سياسية، وشهدت البلاد في عهد حكومته انفتاحًا لافتًا مع جميع الأطراف.
كما أن أطرافًا تابعة للإطار كانت دائمًا ما تنتقد الشراكة بين العراق والدول العربية وتحاول الوقوف عائقاً أمامها، وتصدرها للجمهور على أنها شراكة على حساب العراق أمنيًّا واقتصاديًّا.

لكن من الجدير بالذكر، أن هذا الهاجس التقطته بعض قيادات الإطار، وهو ما دفع بعض شخصياتها إلى زيارة دول عربية لإيصال رسائل إطمئنان قبيل تسلم السوداني مهامه رسميًّا، بالإضافة إلى أن استهلال السوداني جولاته الخارجية بزيارة دولة عربية وهي الأردن التي جاءت في نفس السياق وهو التأكيد على استعداده للانفتاح على الدول العربية واستكمال اتفاقيات الشراكة التي وقعت في عهد سلفه الكاظمي.

في المقابل، ما يعقد أجواء القمة، هو المناخ السياسي الذي تشهده المنطقة اليوم، ففي القمة الماضية وما شهده العراق من انفتاح على محيطه وعدم اقتصار علاقاته مع الجارة الشرقية إيران، ورعاية بغداد لحوار الرياض – طهران بواقع خمس جولات على المستوى المخابراتي والأمني الذي كاد أن يصل إلى مستوى سياسي بعقد جولة بين وزراء الخارجية، يشهد اليوم هذا الحوار توقفًا لعدة أسباب، منها اتهام السعودية من قبل إيران بدعم النشاط الإعلامي الذي يسلط الضوء على الاحتجاجات في المدن الإيرانية على خلفية مقتل الناشطة “مهسا أميني” وعدم قبول الأخيرة بكف اليد عن التدخل بالأزمة اليمنية والحد من نشاط القوى المسيطرة على صنعاء، والبيان السعودي – الصيني المشترك الذي دعا إيران إلى احترام مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. وهذا كله يترافق مع ملف المفاوضات النووية العالق بين الولايات المتحدة وإيران، فمايزال البحث عن الأفق جاريًا. لذلك تبقى مسألة النتائج الحقيقية التي ستصل إليها القمة موضع قلق لجميع الأطراف.

بلا شك فإن هنالك مصالح في العراق والمنطقة سياسية واقتصادية تسعى فرنسا إلى تحقيقها وتعزيز حضورها من خلال القمة، إلا أن القمة ربما تسعى في ظل التوقيت الحالي إلى احتواء الحكومة العراقية الجديدة وتقريب وجهات النظر بين أطراف المنطقة. ولربما أن الهدف الأساسي من القمة هو مناقشة مسألة المناخ والأمن الغذائي كما أشارت بعض المصادر لكن حتمًا فإن القمة ستناقش في مشاوراتها الخاصة أو العلنية، كما في القمة السابقة، مسألة الأمن سواءً أمن الحدود وما يشهده العراق من أزمات اختراق متكررة من قبل إيران وتركيا، وتمكن الفصائل المسلحة في العراق التي تخشى بعض الدول اليوم من أنها تسير على خطى الحرس الثوري الإيراني في ظل وجود حكومة يشرف عليها الاطار التنسيقي، بالإضافة إلى مناقشة تعزيز التعاون الأمني في الحدود المشتركة بين العراق وهذه الدول لضبط تسرب التنظيمات المسلحة وتهريب المخدرات والسلاح.

الحدث الأبرز الذي قد يعول عليه القائمون، هو لقاء ثنائي رسمي على هامش القمة بين ممثلي السعودية وإيران، وهو ما سيُحسب لعمّان وما تسعى الحكومة الجديدة في بغداد إليه عبر استئناف جولات التفاوض بإشرافها لتكون فرصة مهمة لتعزيز حضورها الإقليمي والدولي ولإبراز حسن النوايا. بالإضافة إلى ما نشرته وكالة “مهر نيوز” الإيرانية نقلًا عن وزير خارجيتها، أمير عبداللهيان، من أن منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، والمنسق الأوروبي في مفاوضات الاتفاق النووي، انريكي مورا، سيزوران الأردن بالتزامن مع زيارته، ما يعني أنها فرصة جيدة لاستكمال المحادثات بشأن إحياء الاتفاق النووي.


كما أن الآمال المعلقة على هذه القمة تكمن في طرح العديد من الملفات الشائكة الأخرى، مع وجود الفاعلين الإقليميين، أبرزها مناقشة أزمة الرئاسة اللبنانية على الرغم من غياب التمثيل الرسمي في القمة، إلا أن التعويل يكمن في أن الرئيس ماكرون دائمًا ما يصطحب معه الملف اللبناني خلال زياراته للمنطقة، كما أن جميع الأطراف الخارجية اللاعبة داخل الساحة اللبنانية حاضرة في البحر الميت، خاصةً بعد أن عجزت الأطراف الداخلية عن الخروج من هذا الاستعصاء الرئاسي.

عبدالله محمد الطائي

باحث مقيم في معهد السياسة والمجتمع، تتركز كتاباته في الشأن العراقي وفي شؤون الحركات والجماعات الإسلامية، وفي قضايا الشرق الأوسط. شارك في تأليف كتاب "الإسلاميون في الأردن: الدين والدولة والمجتمع"، كما حرر عددًا من الإصدارات البحثية من أبرزها "الحوزة والدولة: الإسلام الشيعي.. أسئلة السلطة والمرأة والجيوبولتيك". حاصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من الجامعة الأردنية.

زر الذهاب إلى الأعلى