المرصد الاقتصادي: كي لا تنتهي الرؤية الاقتصادية إلى الفشل؛ ما المطلوب؟

رأى الخبراء المشاركون في ورشة عصف فكري، ضمن مشروع المرصد الاقتصادي، في معهد السياسة والمجتمع، في عمّان، أنّ هنالك أسئلة مهمة لا بد من الإجابة عليها، فيما يتعلق برؤية التحديث الاقتصادي، بخاصة بعدما اشارت تقارير إعلامية إلى التباين الصارخ بين ما طرحته الرؤية لمعدل النمو الاقتصادي المطلوب (5.6%)، في العام 2023، وما يطرحه مشروع الموازنة العامة من رقم مختلف (3%) وأقل بكثير مما جاء في الرؤية.

التباين بين الموازنة والرؤية ينطبق أيضاً– وفق خبراء ومشاركين في الورشة، التي عقدت في معهد السياسة والمجتمع الأسبوع الماضي- على العديد من الأمور الأخرى، مثل الإنفاق الرأسمالي المطلوب بما يتماشى مع المشروعات والأهداف التي وضعتها الرؤية، وتصل وفق الرؤية الاقتصادية إلى مليار ومائة مليون دينار سنوياً من الخزينة، بينما يدفع القطاع الخاص ما يقارب 3 مليارات منها، وإلى ما يزيد على 41 مليار في العشرة أعوام، ، وهي أرقام يرى خبراء أنّها ممكنة وعملية، بينما يرى مشاركون آخرون أنّها غير ممكنة وليست واقعية، وأنّها لن تطبق.

والحال كذلك بالنسبة لإيجاد فرص عمل لمليون أردني خلال عشرة أعوام، بواقع مائة ألف فرصة عمل سنوياً، وهو أمر غير ممكن ضمن معدلات النمو المتوقعة، والأوضاع الاقتصادية، وفقاً لرأي مشاركين، بينما يرى آخرون أنّ ذلك ممكن إن كان هنالك تطبيق حقيقي للرؤية الاقتصادية، وإعادة هيكلة التشريعات والسياسات بناء على ما تم التوافق عليه في هذه الرؤية.

هذه وتلك من النقاشات في الجلسة التي حضرها نواب واقتصاديون وممثلون عن أكثر من قطاع تجاري، دفعت مرّة أخرى إلى إعادة طرح التساؤلات والأسئلة المهمة أو ما يمكن القول بأنّها المسكوت عنها فيما يتعلق بالرؤية الاقتصادية، والسؤال الأول يتمثل بما أطلق عليه مشاركون “المِلْكية”، هل فعلاً تشعر الحكومة بأنّها تملك هذه الخطة أم أنّها منبثقة عن اللجنة ومرتبطة بها، وبالتالي لا نجد حماساً وربما قناعة لدى الحكومة والوزراء الاقتصاديين بتطبيق الخطة، فضلاً – كما ذكر مشارك آخر- أنّ موظفي الدولة لا يشعرون أنّهم معنيون بالخطة وملزمون بها، مما سيكون كفيلاً بإجهاضها، حتى لو التزمت الحكومة رسمياً او نظرياً فيما جاء بالرؤية، أو حتى وضعت خطة تنفيذية لتحقيق الرؤية من خلال مؤشرات الأداء المنتظرة، التي تأخرت بدورها بصورة ملحوظة، كما أشار المرصد الاقتصادي في أكثر من تقرير سابق إلى ذلك!

وصل المشاركون إلى أنّ الرؤية الاقتصادية ضرورية وهي مرتبطة بمدة عشرة أعوام، لكنّهم أشاروا أيضاً إلى أنّ الرؤية الاقتصادية ليست قرآناً، غير قابلة للنقاش أو الحوار النقدي الإيجابي، وإذا أردنا فعلاً الخروج من الحلقة المفرغة أو لعبة القط والفأر بين الحكومة والرؤية، فمن الضروري أن يكون هنالك قناعة كاملة لدى الحكومة بالرؤية، ومنحها المساحة المطلوبة للتعديل ضمن الخطة للأمور التي ترى الحكومة أنها غير قابلة للتطبيق، خصوصاً ان هنالك العديد من الإجراءات المهمة في الرؤية يمكن تطبيقها، كما أشار مشاركون، وهذا يقتضي إن كانت هنالك ملاحظات نقدية أن تتم مناقشتها ومراجعتها.

في هذا الصدد حذّر مشاركون في الورشة من أنّ تغيبب الإعلام عن اي دور نقدي، ولو إيجابي، فيما جاء بالرؤية، سيؤدي إلى نتائج وخيمة، وذلك لأنّه سيرفع من الكلفة السياسية للفشل بتصوير الرؤية أنّها تمثل مرجعيات عليا، وهو أمر غير صحيح، في النتائج والتفصيلات، لأن الرؤية في النهاية اجتهاد المشاركين في اللجنة، وكان من المفترض أن يكون هنالك حضور فاعل للحكومة منذ البداية في النقاشات كي تشعر بالمسؤولية الحقيقية عن تنفيذ الرؤية.

من الجانب الأول، إذاً، لا بد من جلسات نقاش ومراجعة للقضايا الجوهرية الجدلية في الرؤية، بخاصة ما يتعلق بالأهداف والطموحات والمشروعات والبرامج، أما الخطوة التالية والجانب الثاني التشاركية فحتى الآن انفردت الحكومة في عملية وضع خطة تفيذية للرؤية ومؤشرات أداء بصورة متكتمة وغير واضحة، وهو أمر كان يفترض أن يكون تشاركياً وتفاعلياً عبر إشراك القطاعات المعنية بالموضوع.

ذكّر مشاركون في الورشة بضرورة مراجعة موضوع التخطيط الاقتصادي، فلا يكون وضع الخطط الاقتصادية والتنفيذية مرتبطاً بدائرة أو وزارة محددة فقط، من دون إشراك البقية، بل لا بد من وجود جهة متخصصة بالدولة معنية بوضع هذه الخطط والتأكد من تنفيذها وبناء الشراكة بين القطاعات المعنية فيها، حتى لا يكون مصير الخطة كمصير وحدات أو لجان سابقة تأسست لتنفيذ برامج معينة، مثل وحدة التعاون بين القطاع العام والخاص، ثم احتارت الحكومات المتعاقبة بها، وأصبحت تنقلها من مكان إلى مكان، لأن القناعة بأهميتها ودورها تغيرت من حكومة لأخرى.

إنّ الهدف الرئس لخطة التحديث الاقتصادي، يتمثل في وجود رؤية وطنية اقتصادية تشاركية تفاعلية عابرة للحكومات المختلفة، حتى لا تأتي أي حكومة وتنقض غزلها من سبقها، وهو ما يحدث عادة في الأردن، بخاصة ما نشاهده منذ عقد من الزمن، إلى أن يكون هنالك فريق حكومي مرتبط ببرنامج حزبي واقعي، كما هو مفترض، لكن من الواضح حتى الآن أنّ هنالك فجوات وأزمات ومشكلات تواجه الرؤية الاقتصادية، كما أشار مشاركون سابقاً، مما يتطلب المصارحة والمكاشفة ووضع خطة لإنقاذ الرؤية التنفيذية، سواء بمراجعة المخرجات بصورة تشاركية ومنح مساحة للنقاش، ثم التشاركية في صوغ الخطة التنفيذية وبناء مؤشرات الأداء، وإلاّ فإنّ مصير الرؤية سيكون الفشل، بل وستتحول هي نفسها لعبء يرميه كل طرف على الآخر في أروقة الدولة ومؤسساتها.

زر الذهاب إلى الأعلى