ورقة تقدير موقف: أهداف زيارة بايدين وتحولات “الجيوبولتيك الأردني”

عقد معهد السياسة والمجتمع بالتعاون مع منظمة فريديش إيبرت الألمانيّة جلسة افتراضية مغلقة ضمت نخبة من السياسيين والخبراء والأكاديميين الأردنيين والأجانب عبر تقنية Zoom (بتاريخ 572022) بعنوان “زيارة بايدن للشرق الأوسط: بناء أفق جديد للتعاون في المنطقة؟” والتي كانت جزءًا من مشروع أكبر حول السياسة الخارجية الأردنيّة بعنوان ” نقطة تحول: كيف للأردن وشركائه السير في عالم متحول؟” والذي ينظمه المعهد بالتعاون مع منظمة فريدريش-إيبرت.


التزم الحضور في الجلسة بمبدأ  Chatham House، في المناقشات التي تناولت زيارة الرئيس بايدن للمنطقة ومستقبل السياسة الخارجيّة الأمريكيّة في الشرق الأوسط والعلاقات الأردنيّة-الأمريكيّة ودور الأردن في المنطقة بالإضافة لمناقشة رؤية الدولة الأردنية للدور الأمريكي ومدى تلبيته للمصالح الأردنية. وما ان كانت الولايات المتحدة تفكر اليوم بإعادة الدور الإقليمي الذي سلب من الأردن في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب. ، حيث رصد المعهد النقاشات والآراء المتعددة، ويذكر أن ورقة تقدير الموقف هذه جائت كخلاصة لنتائج النقاش الذي كان قد دار خلال هذه الجلسة.


تمهيد: زيارة الرئيس بايدن.. مهمة تأمين النفط

تأتي زيارة الرئيس الأمريكيّ اليوم الى المنطقة في سياق فتور ملحوظ بين الولايات المتحدة وعدد من دول المنطقة وعلى رأسها المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات العربيّة المتحدة منذ مجيء بايدين إلى البيت الأبيض، وعزز من ذلك الحملة الانتخابية لبايدين التي أشارت إلى مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، والانتقادات لحرب اليمن، ثم الوصول إلى مرحلة عدم بيع السلاح الهجومي للسعودية، وتسريب وثائق مرتبطة بمقتل خاشقجي تلمح لمسؤولية ولي العهد السعودي. وعمق من هذا الفتور وصول الإدارة الأمريكية الى قناعة بتضاؤل أهميّة نفط الشرق الأوسط خاصة مع ثورة النفط الزيتي في الولايات المتحدة وتحولها إلى دولة مصدرة للنفط.

إلاّ أنّ الحرب الروسية في أوكرانيا بعثرت الأوراق في منطقة الشرق الأوسط مرة أخرى، وإذا كانت في البداية كشفت أكثر عن الأزمة غير المعلنة بين السعودية والإمارات والإدارة الأميركية الحالية، فإنّها من الواضح دفعت بالإدارة الأميركية لمراجعة الحسابات، بعد أن اكتشفت الولايات المتحدة أنه لا غنى عن نفط الخليج لما يشكله من كتلة كبيرة في السوق قادرة على رفع الأسعار إو تخفيضها بالإضافة إلى حاجة حلفائها في أوروبا اليوم للنفط العربي خاصة مع محاولتهم للتخلص من واردات النفط والغار الروسي. لذلك يعد الهدف الأول المعلن لزيارة بايدن للسعودية، محاولة إقناع ولي العهد السعودي وزعماء دول الخليج برفع إنتاجهم من النفط. كما وقد دق موقف الإمارات التي صوتت مرتين بالحياد في الأمم المتحدة فيما يخص الموقف من الحرب الروسية ناقوص الخطر، فضلاً عن الغزل والتقارب السعودي مع الصين.

السياقات الإقليمية للزيارة

يأتي الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن الى الرياض بفلسفة سياسية واقعية وتناسٍ لملفات حقوق الإنسان والانتقادات المتعلقة بالديمقراطية والحريات العامة في المنطقة بالإضافة الى اتجاه لطي صفحة مقتل الصحفي جمال خاشقجي في سبيل احتواء الأضرار التي لحقت بالمصالح الأمريكيّة والغربيّة نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا وما تبعه من ارتفاع في أسعار الوقود ومصادر الطاقة بالإضافة الى ارتفاع عام في معدلات التضخم. حيث يسعى الرئيس الأمريكيّ لإقناع دول الخليج وعلى رأسها السعوديّة برفع انتاجها من النفط بهدف تلبية حاجة السوق والسيطرة على الارتفاع الذي شهدته أسعار النفط منذ انطلاق الغزو الروسي لأوكرانيا.

على الجانب الآخر، يهدف الرئيس الأمريكيّ وعلى الرغم من استقالة الحكومة الاسرائيليّة وعدم استقرار السلطة فيها منذ عامين الى استئناف عجلة التطبيع العربي-الإسرائيليّ التي ترى اسرائيل أنها ستبقى ناقصة ما لم يحدث تطبيع للعلاقات مع المملكة العربيّة السعوديّة خاصة مع استمرار مشروع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قائمًا في المنطقة من خلال جاريد كوشنر الذي حصل مؤخرًا على استثمارات سعودية ضخمة تقدر بملياري دولار في احدى شركاته. كما وتسعى اسرائيل لإقناع الولايات المتحدة بالعمل على قيادة محادثات متعلقة بتشكيل تحالف عسكريّ في المنطقة في مواجهة إيران، الأمر الذي زاد الحديث عنه في وسائل الإعلام مؤخرًا. مما قد يدل على أن اتجاه الإدارة الديمقراطية اليوم نحو عدم التراجع عن قرارات الإدارة السابقة فيما يتعلق بالقدس والقضية الفلسطينية وانما الاتجاه نحو تجميد الموقف الأمريكي حتى استقرار السلطة في اسرائيل.

الانسحاب الأمريكيّ من المنطقة والاتفاق النووي

يمكن للمراقب لتطور الأحداث السياسيّة في الشرق الأوسط منذ قدوم الرئيس بايدن أن يرى بوضوح تراجع الدور الأمريكي في الإقليم خلال العامين الأخيرين مما لا يترك مجالًا للشك فيما يخص الانسحاب الأمريكي من المنطقة وأن زيارة الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط لا تأتي اليوم نتيجة لاهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة وإعادة ترتيب الأوراق في المنطقة وإنما نتيجة لأزمات في مناطق باتت اليوم ذات أهمية قصوى للولايات المتحدة. وقد ظهرت آثار هذا الانسحاب على المستوى الإقليميّ بوضوح سواء أكان ذلك فيما يتعلق بالساحة الفلسطينية التي اشتعلت عدة مرات منذ وصول بايدن للبيت الأبيض دون أي تحرك أمريكيّ أو تصور لدى الرئيس الأمريكي عن استئناف عملية السلام، بالإضافة الى عدم قيام الولايات المتحدة بلعب أي دور أو القيام بأي تحركات فيما يتعلق بأزمات دول المنطقة من اليمن الى العراق ولبنان وسوريّة وغيرها من قضايا المنطقة التي اعتادت الولايات المتحدة على لعب دور في ادارة وتوجيه وحل الأزمات بما يخدم مصالحها؛ مما يدل اليوم على أن الولايات المتحدة اليوم لم تعد ترى مصالحًا حقيقية لها في المنطقة.

وقد يدل على هذا اليوم تقلص الفريق المختص بالشرق الأوسط الى حد كبير حيث أن النسبة الأكبر من الفريق الاستشاري المحيط ببايدن يتكون من المختصين بقضايا شرق آسيا، وتحديدًا الصين بالإضافة للمختصين بالأوبئة وبالتغير المناخي. كما وقد أتى الانسحاب الأمريكي في أفغانستان ليؤكد على تغيير جذري في السياسة الأمريكيّة فيما يتعلق بأولويات الولايات المتحدة في المسرح الدولي، والتي عمقتها الغزو الروسي لأوكرانيا ليتضح جليًّا اليوم أن الشرق الأوسط اليوم لم يعد من أولويّات المتحدة على الإطلاق بل تراجع إلى مرتبة متأخرة خلف شرق آسيا-المحيط الهادي وأوروبا والأمريكيتين الذين تتجه اليوم الولايات المتحدة لإعطائهم الأولويّة ضمن محاولات الولايات المتحدة احتواء الخطرين الصيني والروسي بالإضافة الى محاولة احتواء المد الشعبوي والخطاب المعادي للولايات المتحدة بالإضافة لموجات اللجوء والهجرة القادمة من أمريكا اللاتينيّة.

على الرغم من ذلك، قد يكون الاتفاق النووي مع إيران هو الاستثناء الوحيد المتعلق بالسياسة الأمريكيّة تجاه الشرق الأوسط حيث يبدو الإصرار واضحًا من قبل الولايات المتحدة للوصول الى اتفاق نووي مع إيران بالسرعة القصوى والمحاولة مرة تلو الأخرى لاستئناف المفاوضات بعد تعثرها بهدف الوصول الى حل جذري لقضية الملف النووي الإيراني وغيره من القضايا الخلافية المتعلقة بالتحركات الإيرانية في المنطقة. وقد رأى المشاركون في الجلسة بأن أهمية الاتفاق النووي تكمن في اعطاء المجال للولايات المتحدة لتقليص تواجدها في الشرق الأوسط بشكل أكبر حيث يبقى الملف الإيراني أهم مصادر القلق والتهديد لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.

ولكن، ينذر اليوم ارتفاع احتمالات فشل المفاوضات للتوصل الى اتفاق نووي ومع اقتراب الانتخابات النصفية التي لا تبشر بنجاح الحزب الديمقراطي، صار البحث عن سيناريوهات جديدة بلا اتفاق نووي مطروحًا على الساحة؛ ما جعل التطبيع خيارًا بديلًا محتملًا بين السعودية واسرائيل وخاصة مع وجود حديث حول تشكيل تحالف عسكري دفاعي في المنطقة. حيث سيكون هذا الخيار الأمثل لاحتواء أيران في المنطقة بالإضافة لردعها هي وحلفائها من توجيه ضربات صاروخية تستهدف الدول المشاركة في هذا التحالف.

 بالإضافة الى ذلك، سيشكل هذا المسار مكسبًا شخصيًّا للرئيس الأمريكي الذي يعرف أن تخفيض أسعار النفط وإن كان سيفيده على المدى القريب ( الانتخابات النصفية ) الّا انه سرعان ما سينسى في ذهن الناخب الأمريكي الذي لا يذكر هذه الجهود كثيرًا – ولنا في دونالد ترمب عبرة وهو الرئيس الذي لم يفده في الانتخابات أنه استطاع الابقاء على أسعار النفط منخفضة في الأغلب من فترة رئاسته –، لذلك سيكون التطبيع وتشكيل تحالف عسكري في الإقليم جائزة بايدن الكبرى وانجازه الذي سيشكل أحد الدعائم الأساسية لحملته في الانتخابات الرئاسية القادمة.

الأردن ومشروع كوشنير وسؤال الدور الإقليمي

بالرغم من أنّ العلاقات الأردنية- الأميركية تعيش اليوم شهر عسل، مع رحيل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وما كانت تقوم به من ضغوط شديدة على الأردن، وما تتبناه من مخطط واضح لتصفية الملف الفلسطيني وإضعاف السلطة الفلسطينية، وبالرغم – كذلك- من ارتفاع المساعدات الأميركية إلى الأردن في الأعوام الأخيرة، وازدياد التعاون العسكري بين الطرفين في ضوء الأزمات الإقليمية والتهديد الأمني للمصالح الأميركية في المنطقة، ما يجعل الأردن ركناً رئيساً في التعاون الأميركي في المنطقة، إلاّ أنّ هنالك هواجس وشكوك كبيرة لدى السياسيين الأردنيين من تراجع الدور الإقليمي الأردني في الفترة الأخيرة، وهو أمر مرتبط بتغير ملحوظ في الاستراتيجية الإسرائيلية من ناحية، ومحاولات تهميش القضية الفلسطينية من ناحية ثانية، ما يرتبط بصورة جلية بمشروع التطبيع العربي-الإسرائيلي،ـ الذي يقوم على وضع ما يسمى “التهديد الإيراني” أولًا على قائمة المخاطر الإقليمية، واعتبار إسرائيل حليفاً استراتيجياً في مواجهة هذا الخطر، ما يعني إنهاء مركزية القضية الفلسطينية، ما ينعكس على المصالح الاستراتيجية الأردنية والأمن الوطني بصورة كبيرة سلبياً.

من هنا فإنّ القراءة الدقيقة المتأنية لزيارة بايدين للمنطقة تعكس انعطافة في موقف الإدارة الأميركية، بصورة غير معلنة، تتمثل مقايضة النفط السعودي بعود العلاقات لمجاريها، وبالنسبة لإسرائيل بالقفز خطوة أكبر في مسار التطبيع الخليجي- الإسرائيلي، مما يعني انتزاع الصفة المميزة للدور الإقليمي الأردني الذي تأسس خلال العقود السابقة على أهمية موقفه الاستراتيجي كدولة رئيسية من دول الطوق وكغرفة عمليات في العلاقات العربية- الأميركية والتفاوض مع إسرائيل.

إنّ زيارة بايدين تردّ الاعتبار أو تعطي نفساً جديداً لمشروع كوشنير في المنطقة، فالرجل الذي لم يغادر منذ رحيل إدارة الرئيس ترامب، ما يزال يدفع بشدة نحو تطبيع العلاقات العربية-الإسرائيلية ويقوم بمهمات سرية في عقد ترتيبات إقليمية على هذا الأساس، وهو أمر يعيد تشكيل مشروع إدارة ترامب الذي عانى منه الأردن، ولعلّ ما هو أخطر من ذلك أن تأتي نتائج الانتخابات النصفية لصالح الجمهوريين، وأنصار ترامب، ما يعني إمعاناً في ترسيم معالم نظام إقليمي جديد يقوم على أفكار كوشنير السابقة، وهي أفكار لا يملك الأردن القبول بها ولا الانخراط فيها، لاعتبارات استراتيجية عديدة، منها أمنه الوطني والقضية الفلسطينية والمعادلة الداخلية؛ خاصة مع انزياح الطيف السياسي الإسرائيلي نحو اليمين يومًا بعد يوم مما يهدد وجهة النظر التي تتبناها الأردن – القائمة على حل الدولتين – ويعد يومًا بعد يوم بحلول قد تكون على حساب الأردن. لذلك يرى الأردن أن التطبيع وتشكيل أي تكتل في المنطقة تكون إسرائيل اليمينية جزءًا منه قبل الوصول الى حل نهائي شامل وعادل للقضية الفلسطينية يعد تهديدًا للأردن لا يمكن القبول به أو أن تكون المملكة جزءًا منه.

القضية الفلسطينة وزيارة بايدن:

مع إعلان نهاية الفترة الرئاسيّة للرئيس دونالد ترمب وخسارته للانتخابات أمام الرئيس بايدن بالتزامن مع مغادرة نتنياهو لرئاسة الحكومة في تل أبيب، بدا للجميع في الأردن بأن المرحلة السابقة انتهت بكل صعوباتها وتعقيداتها وأن الانفراجة قادمة من خلال تغير الأشخاص الذين شكلوا في السابق العقبة أمام الوصول إلى أي شكل من التفاهمات. ولكن موجة التفاؤل التي شهدتها تلك المرحلة سرعان ما تحطمت على صخور الإدارة الأمريكيّة الجديدة التي قررت تجميد القضية الفلسطينيّة الى أن تأتي الحاجة لإعادة استخدامها سواء عند الحاجة إلى استخدامها مع العرب أو مع إسرائيل.

فالرئيس الأمريكي لم يكن له أي دور مؤثر في الأحداث التي شهدتها الساحة الفلسطينيّة منذ وصوله للبيت الأبيض. فقد اكتفى الرئيس الأمريكي بلعب أدوار خجولة في محاولة احتواء أحداث حي الشيخ جراح وما رافقها من هبة شعبية والعملية العسكرية في غزة. استمر هذا الصمت الأمريكي لعام آخر على الرغم من تكرار مشهد العام الماضي الى حد ما مرة أخرى دون وجود أي موقف أمريكي واضح؛ على الرغم من أن القناعة كانت بأن بايدن سيقوم مع ادارته بالعمل على التراجع عن بعض قرارات ترامب واتخاذ مواقف تصحيحيّة – على الأقل – من خلال التوجه نحو اعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية.

أمّا اليوم ومع عودة الزخم لمنطقة الشرق الأوسط، يسعى الرئيس بايدن لإعادة استخدام أوراقه المجمدة من خلال استكمال مشروع ترامب لاتخاذ خطوة أخرى في اتجاه التطبيع وقيادة سيناريوهات جديدة قد تفكر فيها الولايات المتحدة اليوم كبديل للاتفاق النووي من خلال استكمال اتفاقات التطبيع بالاتفاق المنتظر مع المملكة العربية السعودية التي ستبقى اتفاقات التطبيع ناقصة في حال عدم اتمامها مما يبعد القضية الفلسطينية أكثر وأكثر عن الساحة الدولية والاقليمية ويهمشها على حساب المكاسب الاقتصادية والأمنيّة.

يهدد اليوم استكمال قطار التطبيع الجهود المبذولة منذ سنوات لربط التطبيع بالحل النهائي من جهة بالإضافة الى أنه سيؤدي الى تشكيل معسكر اقليمي بين اسرائيل والدول العربية في المستقبل يتقبل اسرائيل اليمينية ولا يعنى بالمطالبة للوصول الى حل يأخذ بالاعتبار مصالح الشعب الفلسطيني ومصالح دول الطوق التي كانت تاريخيًّا مفوضة بالتعامل مع القضية كممثل عن الموقف العربي العام.

الدور الأوروبي والصيني والقوى الإقليمية

بالرغم من بروز رؤى أوروبية متعددة تجاه المنطقة، وقلق أوروبي من نتائج السياسات الأميركية، بخاصة مع الانسحاب من أفغانستان والوضع في سورية والعراق والاتفاق النووي مع إيران، وبالرغم كذلك من بروز أدوار أوربية أكبر في منطقة شمال أفريقيا، إلاّ أنّه لا توجد مؤشرات على المدى القريب إلى إمكانية بروز دور أوروبي يحمل رؤية مستقلة ومختلفة تمثل مساراً مغايراً أو مختلفاً عن المسار الأميركي، وبالتالي فإنّ التعويل – مثلاً- على دور أوروبي محوري في المنطقة في المرحلة القادمة قد يكون غير واقعيا.

على صعيد العلاقات الأردنية- الأوروبية فقد شهدت تطوراً ملحوظاً خلال الأعوام الماضية، بخاصة في مرحلة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وزادت المساعدات الألمانية والبريطانية للأردن خلال الفترة الماضية، وأصبحت النظرة الأوروبية للأردن تقوم على تعزيز الاستقرار والتعاون والدعم.

إلا أن الدور الأوروبي في المنطقة يبقى خجولًا خاصة اليوم بعد الغزو الروسي لأوكرانيا والذي أعاد توجيه الاتحاد الأوروبي ودوله توجيه جهودهم ومواردهم في اتجاه التعامل مع روسيا وترك ملف الشرق الأوسط للولايات المتحدة كي تتعامل معه كممثل عن الغرب خاصة فيما يتعلق بملف النفط والطاقة.

على الجانب الآخر تنظر القوى الدولية والاقليميّة للفراغ الذي سيتركه تراجع الحضور الأمريكي في المنطقة كفرصة للتوسع اقتصاديا وسياسيا، وهذا ما تعيه اليوم الصين المتعطشة للنفوذ على المستوى الدولي حيث تسعى لبناء شراكات مع دول المنطقة وتعزيز نفوذها الاقتصادي خاصة مع ما تعنيه المنطقة جغرافيا لمشروع الحزام والطريق وما تشكله واردات النفط العربي بالنسبة للصناعة الصينيّة الا أن الحضور الصيني في المنطقة يبقى منصبًا على الجانب الاقتصادي دون أن يكون له أي شكل عسكري أو سياسي واضح.

أمّا اقليميًّا فقد كان العقد الأخير شاهدًا على سباق القوى الإقليميّة (إيران وتركيا وإسرائيل) لتوسيع نفوذها في المنطقة في محاولة منها لاستغلال غياب شرطي وضابط إيقاع في المنطقة من خلال اتجاه كل منهم الى استخدام اساليب ومقاربات مختلفة لتكوين شبكة من الحلفاء الإقليميين. وقد أدى هذا الاستقطاب الإقليمي الى تقسيم المنطقة الى معسكرات تفضل القطيعة فيما بينها على الحوار والتقارب بشكل قد يؤدي في المستقبل الى تكوين (ستار حديدي) يشبه الستار الحديدي الذي كان يقطع أوروبا ليقسمها الى كتلتين شرقية وغربية إبان الحرب الباردة.

الجبهة الداخلية الأردنية.. الديمقراطية وحقوق الإنسان

في ضوء التحديات الخارجية والتحولات في البيئة الدولية والإقليمية فإنّ هنالك أهمية كبيرة اليوم لوجود جبهة داخلية قوية أردنياً تقوم على تعزيز مساحة المشاركة السياسية وتجفيف منابع الأزمات الداخلية، والبناء على الإصلاحات التي اتخذتها في سبيل تحديث المنظومة السياسيّة لتقليص فجوة الثقة بين المواطن والدولة وإدماج القوى السياسية وجيل الشباب في العملية السياسية وبناء تفاهمات وطنية في مواجهة التحدي الاقتصادي الداخلي وما يحدث في الأراضي المحتلة.

الخلاصات:

1      لم يعد الشرق الأوسط اليوم أولويّة للولايات المتحدة التي اتبعت منذ عقد من الزمن سياسة انسحابية في المنطقة والتي تعود اليوم لها لغايات محددة تتلخص في:

أ‌–        احتواء الارتفاع الكبير في اسعار النفط الناتج عن الحرب الروسية الأوكرانية واحتواء التضخم الناتج عنه.

ب‌-      إعادة ترتيب الملفات الإقليمية من خلال تكوين تكتل عسكري إقليمي لردع واحتواء إيران والذي لا يمكن أن يقوم دون تطبيع العلاقات السعودية-الإسرائيلية.

ج‌-      البحث عن مكاسب للرئيس الأمريكي في ظل اقتراب الانتخابات النصفية والتي تنذر بخسارة الحزب الديمقراطيّ للأغلبيّة في الكونغرس حسب استطلاعات الرأي في حال لم تستطع الإدارة الأمريكية تحقيق مكاسب سريعة لقلب الاحتمالات.

2      ما زال الوصول الى اتفاق نووي أولوية للولايات المتحدة ولكن ثقة الإدارة الأمريكية بإمكانية الوصول الى تفاهمات تؤدي لإعادة إحياء الاتفاق ضئيلة مما يجبرها اليوم على البحث عن بدائل.

3-      ما زال مشروع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قائمًا في المنطقة من خلال صهره ومستشاره جارد كوشنر الذي ما زال قادرًا على القيام بتحركات مؤثرة لإعادة تشكيل المشروع مرة أخرى.

4-      يترافق مع زيارة بايدن الى المنطقة تجميد ملفات الديمقراطية وحقوق الانسان مقابل اعادة إحياء ملف الاتفاقات الابراهيمية.

5-      لن يستطيع بايدن ولا يريد التراجع عن قرارات ترامب المتعلقة بالقضية الفلسطينية ويفضل تجميد القضية خاصة مع عدم وجود تصور لدى الإدارة الديمقراطية لدفع عملية السلام.

6-      يمر الأردن اليوم بهواجس كبيرة تخص تراجع دوره الإقليمي وتهديد مصالحه من خلال تجاوز دوره التاريخي ومصالحه وتجاهلها في ضوء عملية التطبيع.

7-      لا يستطيع الأردن ولا يقبل أن يكون جزءًا من مشروع ترامب وكوشنر لاعتبارات داخلية وأمنيّة وتاريخية.

8-      كنتيجة للانسحاب الأمريكي من المنطقة، باتت القوى الإقليمية المتحكم الرئيسي بالمشهد والتي تتعامل بسياسات تهدد باستقطاب يصل حد القطيعة والحرب بين المعسكرات الاقليمية المختلفة.

9-      تبقى الجبهة الداخلية والإصلاح السياسي وبناء التفاهمات الوطنيّة المخرج الوحيد في مواجهة الأزمات الداخلية والتحديات الخارجية.

معهد السياسة والمجتمع

زر الذهاب إلى الأعلى