المشهد الأردني: سنة حافلة بالتحديات والمخاطر

لم تترك أزمة فيروس كورونا المستجد فرصة لسؤال حكومة الدكتور بشر الخصاونة التي تشكلت في الثاني عشر من شهر تشرين أول”أكتوبر” عما تنوي أن تفعله لاحتواء التداعيات الكارثية للأزمة الاقتصادية التي أصابت البلاد وفاقمت من مشكلاتها المزمنة.

الحكومة الجديدة ورثت تركة ثقيلة من الاصابات المرتفعة والوفيات المتزايدة جراء كورونا،صاحبها ارتباك في الخطط والمعالجات الميدانية المتصلة بالأزمة في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية.

المهمات العاجلة لحكومة الخصاونة تمثلت في التعامل الفوري في تفشي فيروس كورونا على نطاق واسع، وتحصين القطاع الصحي وإمداده بمقومات الصمود والاستمرار.ومن جهة أخرى تمرير الاستحقاق الدستوري المتمثل بالانتخابات النيابية في موعدها.

وإلى ذلك الحين ماذا في جعبة الحكومة من حلول وأفكار لوقف التدهور الاقتصادي وإنقاذ المؤشرات الاجتماعية من الإنهيار؟

ماذا ستقدم الحكومة في موازنة 2021 لمعالجة تحديات النمو والمديونية والعجز والبطالة؟

وهل من ضمانات أن لا يكون العام الجديد امتداد لسابقه من الناحية الوبائية، أو بالأحرى سنة ندفع فيها حساب العام المنصرم بكل أثقاله،لابل يستمر فيها النزيف. 

فاقمت إجراءات الحظر الطويل والإغلاق التي انتهجتها حكومة عمر الرزاز من أزمة القطاعات الاقتصادية، ورتبت أعباء إضافية على الخزينة ومؤسسة الضمان الاجتماعي لاحتواء الأثار السلبية على مئات الآلاف من العمال والموظفين والشركات الصغيرة والمتوسطة.

ولكون الأزمة ذات طابع كوني كان تأثيرها شديدا على مجتمعات الدول النامية والاقتصاديات الصغيرة،فاضطرت الحكومة إلى الاستدانة بشكل مفرط والاعتماد على البنك المركزي الأردني  للمساعد في انقاذ الشركات من الانهيار.

ويشير أحدث تقرير لمرصد الاقتصاد الأردني في البنك الدولي إلى أن عجز الموازنة هذا العام سيرتفع بمقدار الضعف مسجلا 8,2% من الناتج المحلي الاجمالي.كما يتوقع انكماش الاستهلاك الخاص بنسبة تزيد عن 5% جراء ضعف الطلب في الأسواق،فيما يواصل الاستهلاك الحكومي الارتفاع خلال العام الحالي وبنسبة 5%.

ويتوقع البنك في تقريره أن يرتفع الدين العام الاجمالي على مدى السنوات الثلاثة المقبلة ليصل إلى نحو 115% من الناتج المحلي الإجمالي.

وأوضح التقرير أن معدل البطالة المرتفع أصلا  زاد إلى 23% في الربع الأول من العام الحالي.

ويخلص التقرير إلى استنتاج مقلق مفاده أنه”سيكون لهذه الجائحة تأثير خطير على الاقتصاد الأردني وآفاقه كما هو الحال بالنسبة للشركاء التجاريين للأردن ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأسرها”.

لكن جل التقارير المحلية والدولية تراهن على تحسن الموقف مع تعافي النشاط الاقتصادي تدريجيا.

تمثل الأشهر القليلة المقبلة اختبارا حاسما لقدرة مؤسسات الدولة على احتواء الوضع الوبائي المتشفي لاستعادة الزخم النشاط الاقتصادي والتقدم ببرامج عملية وقابلة للتطبيق تعالج الأثار المكلفة لأزمة كورونا.

في خطاب التكليف لحكومة الخصاونة، توجيه ملكي صريح وصارم بالتعامل مع الأزمة ومعالجتها بأسرع وقت ممكن للتفرغ لتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية.وبينما تخوض الحكومة هذه المعركة يتعين عليها العمل في ذات الوقت على إعداد مشروع قانون الموازنة العامة للعام الجديد والاستعداد لمناقشاته الطويلة تحت قبة البرلمان.

الدورة البرلمانية الأولى للمجلس التاسع عشر ستنعقد في بداية شهر كانو الأول”ديسمبر” المقبل،وبعد الانتهاء من الاستحقاق الدستوري المتمثل بمناقشة الثقة بالحكومة وتشكيل لجان المجلس، من المتوقع مع بداية العام الجديد المباشرة في مطالعة مواد مشروع قانون الموازنة والتي لن يتمكن المجلس من إنجازها قبل بداية شهر أذار”مارس” المقبل.

لانعلم بعد كيف سيكون المنحنى الوبائي في الأشهر الأولى من عام 2021 وهل ستنجح الحكومة في احتواء حالة التفشي المجتمعي دون اللجوء إلى تدابير أكثر تشددا تشمل الإغلاق والحظر الشامل لمدد أطول؟

الحكومة تحاول تجنب هذا السيناريو قدر المستطاع لما يترتب عليه من أكلاف اقتصادية باهظة.  لكن أحدا لايمكنه التنبؤ بالظروف المستجدة في الأشهر المقبلة، وفي كل الأحوال ستبقى أزمة كورونا تلقي بظلال ثقيلة على دولنا إلى أن تتمكن المختبرات العالمية من تطوير لقاحات فعالة للوباء.

إزاء هذه المعطيات من المتوقع أن يشهد العام المقبل مزيدا من التدهور في المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية،فلن يكون بمقدور الحكومة أن تضبط الدين العام في ظل العجز المتنامي للموازنة، ولا معدلات البطالة مالم نشهد ثورة حقيقة في قطاع الاستثمار المحلي والأجنبي. مثلما يتوقع خبراء أن تنزلق مزيد من الفئات الاجتماعية إلى أسفل السلم الطبقي مع تزايد صعوبات الحياة المعيشية، وحالة الركود التي تعصف بقطاعات انتاجية وخدمية كثيرة كالسياحة التي تشكل رافدا اقتصاديا مهما للخزينة وتعيل عشرات الألوف من المواطنين.

ومع عودة مستمرة للأردنيين المغتربين من دول الخليج سيتنامى الشعور بالحرمان الاقتصادي وغياب الفرص في سوق يعج بالعاطلين عن العمل.

ليس ثمة مؤشرات بعد على حراك اجتماعي احتجاجي جراء الوضع الاقتصادي، لكن مع عودة الحياة البرلمانية وتعمق الأزمة الاقتصادية في الأشهر المقبلة من غير المستبعد أبدا أن تعود أشكال جديدة من الحراك إلى الشارع ، خاصة مع توجه واضح لدى مؤسسات القطاع الخاص بالاستغناء عن خدمات الموظفين والعمال، وعجز الخزينة العامة عن تحسين رواتب العاملين بالقطاع العام.

لم يكشف الفريق الاقتصادي لحكومة الخصاونة عن نواياه بعد. الموازنة وخطة العمل المقرر أن ترفعها الحكومة لجلالة الملك بعد ثلاثة أشهر ستعطيان تصورا عن الكيفية التي ستتعامل فيها الحكومة مع سنة حاسمة في مسيرة الأردن الطويلة.

على المدى القصير ينبغي على الحكومة أن تتجنب أي إغلاق طويل للأسواق والمرافق الاقتصادية، وتضع في حسابها حماية دورة الاقتصاد من تأثيرات أزمة كورونا مهما زاد عدد الاصابات في الأسابيع المقبلة.وتصميم خطط وقاية واحتواء تحقق أهداف الصحة العامة دون المساس بالنشاط الاقتصادي في القطاعات الرئيسية.

كما يتعين على الحكومة التفكير بفتح الباب أما السياحة الشتوية لتعويض القطاع السياحي في مدينة العقبة والبتراء عما لحق به من خسائر فادحة،والأمر ذاته ينطبق على قطاع الطيران، والملكية الأردنية على وجه التحديد التي تعاني من أزمة تهدد بإفلاسها.وفي هذا الصدد ينبغي الإشادة بتوجه الحكومة الحالية لتقديم دعم مالي عاجل للملكية بحدود خمسين مليون دينار لضمان ديمومة عملها.

إن مواصلة السياسة المتشددة حيال التهرب الضريبي والجمركي سيكون لها انعكاسات إيجابية على خزينة المملكة. تشير أخر التقارير إلى زيادة الدخل من رسوم الدخان بقيمة 300 مليون دينار خلال التسعة أشهر الحالية مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي.وفي نفس الاتجاه يجب على الحكومة الاستمرار في مراجعة الاعفاءات الضريبية وحصرها بالقطاعات الاستثمارية المجدية لتعظيم مكاسب الخزينة.

ساهمت أوامر الدفاع وتحديدا أمر الدفاع رقم 6 في ضبط عمليات تسريح العمال، وفي حال تم وقف العمل بقانون الدفاع، من المتوقع أن نشهد موجة واسعة من التسريح للعمالة في قطاعات تجارية وخدمية تعاني جراء أزمة كورونا،لذا من المناسب التريث في هذا الأمر واستمرار العمل بأوامر الدفاع إلى أن تتأكد الحكومة من قدرة القطاع الخاص على الوفاء بمتطلبات العمل وعدم اللجوء إلى الفصل الجماعي.

وفي خضم مناقشات قانون الموازنة العامة، وعلى المدى المتوسط، ينبغي على الحكومة توفير مزيد من الموارد لبرامج الحماية الاجتماعية،والتأهيل المهني لتوفير متطلبات الحياة الكريمة لآلاف الأسر التي ستنظم لقوائم صندوق المعونة الوطنية،وإطلاق سياسة نشطة وفعالة لدعم المشاريع الصغيرة والمبادرات الانتاجية للأفراد.

وفي هذا المجال من المناسب أن تشرع الحكومة في مراجعة مشروع خدمة العلم الذي أقرته الحكومة السابقة ومدى جدواه في التخفيف من البطالة وتأهيل المتعطلين عن العمل،بالتزامن مع خطوات جريئة لإعادة النظر بسياسات القبول الجامعي لملاءمتها مع متطلبات سوق العمل.

العنصر الحاسم في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني يتمثل في تدشين مشاريع اقتصادية كبرى في مجالات البنية التحتية والصناعة والزراعة، وفي هذا المجال يتوجب على الحكومة تحريك خطط المشاريع المنظورة والممولة من صناديق عربية وخليجية لما لها من أثار إيجابية على الاقتصاد الوطني ودورها في التخفيف من مشكلة البطالة.

لقد تعطلت العديد من المشاريع بفعل بيروقراطية الجهاز الحكومي، وغياب المبادرة والقدرة على اتخاذ القرار، وحان الوقت لتجاوز هذه المعيقات والشروع فورا في خطط التنفيذ. 

انتخاب مجلس نواب جديد يمثل نقطة مهمة على طريق بناء الشراكة الوطنية لمواجهة استحقاقات المرحلة الصعبة، لكن على المستوى الوطني العام ينبغي التفكير بإطلاق منتدى للسياسات الوطنية ينخرط في مناقشاته كل الفاعلين في المشهد السياسي والاقتصادي الأردني،يقدم الأفكار والتصورات اللازمة لتحريك عجلة الاقتصاد الوطني،وإدارة حوار جاد حول السياسات القائمة وسبل تطويرها في مختلف المجالات، ورفد مؤسسات القرار بحلول خلاقة تساهم في تجاوز الأزمة العامة.وتشكل مناسبة المئوية الثانية للدولة الأردنية فرصة عظيمة لاطلاق مثل هذا المنتدى الذي من الممكن أن يحمل أسمها، ويحتضن أحلامها وطموحاتها.

زر الذهاب إلى الأعلى