درعا ما بعد اللواء الثامن: تحولات استراتيجية وتداعيات محتملة

يشهد المشهد السوري تحولًا بارزًا مع إعلان اللواء الثامن في 13 أبريل/نيسان 2025 عن حل التشكيل العسكري، والانصهار التام في وزارة الدفاع السورية ماديًا وبشريًا، حيث يعتبر اللواء أبرز التشكيلات المسلحة في محافظة درعا، ومنذ سقوط النظام سبب إزعاجًا مستمرًا للإدارة الجديدة في دمشق، خاصة مع رفض الاندماج وترك السلاح خلال الشهور الماضية.
يبرز التطور الأخير في تعزيز توجهات الحكومة السورية الانتقالية لتعزيز المركزية، ودمج الفصائل المسلحة المتعددة تحت مظلة مؤسساتها الرسمية، ووضع حد لمنطق الفصائل العسكرية من العملية السياسية، كما يُنتج هذا الحل تعزيزًا لعملية إعادة بناء وهيكلة مؤسستي الجيش والأمن عقب سقوط النظام السوري السابق.
في الوقت نفسه، ومع استمرار التوغل العسكري البري في ريف درعا الغربي، ومع بقاء التصعيد الإسرائيلي عبر الغارات الجوية التي تستهدف المواقع العسكرية البارزة في سوريا، تتزايد فرص واحتمالات الاحتكاك العسكري ما بين دمشق وقوات الاحتلال الإسرائيلي، لا سيما مع الانتشار الأخير في الريف الغربي لمحافظة درعا، حيث يتصل المشهد المحلي بشكل وثيق مع السياق الإقليمي الأوسع للتنافس الإقليمي التركي – الإسرائيلي وعنوانه الأبرز النفوذ والدور في سوريا الجديدة.
وفي ضوء حل اللواء الثامن، فلا تنحصر الآثار في أماكن انتشاره في ريف درعا الشرقي؛ بل تتجاوزه تبعًا لتصور انتشار قوات وزارة الدفاع السورية في محافظة درعا إلى عموم جنوب سوريا، ويظهر من أبرزها:
أولًا،تعزيز سلطة الحكومة الانتقالية: يعتبر حل اللواء الثامن وانصهاره في وزارة الدفاع خطوة مهمة نحو تعزيز سلطة الحكومة الانتقالية في دمشق، ويخفض بدوره من فرص توسع الأطراف الرافضة للدمج وبشكل خاص المجلس العسكري في محافظة السويداء، وبعض التيارات الرافضة لاتفاق دمشق – قسد، إذ إن انصهار اللواء الثامن كليًا في وزارة الدفاع يؤدي للمزيد من مركزية الجيش والأمن في سوريا الجديدة، خاصة مع تقلص فرص تشكل حالة من الاستقطاب والمناوئة لدمشق في الجنوب السوري.
ثانيًا، التأكيد على منطق الانصهار لا الاندماج كوحدات: فمنذ سقوط نظام الأسد، شكل اللواء الثامن تحديًا لجهود توحيد الفصائل المسلحة تحت مظلة وزارة الدفاع، حيث غاب عن الاجتماع الذي حُلت فيه جميع التشكيلات المسلحة وأُعلن عن انضمامها تحت مظلة الوزارة في ديسمبر/كانون الأول العام الماضي، كما تمسكت قوات اللواء بسلاحها وحافظت على معداتها الثقيلة وتجهيزاتها الكاملة، ما يجعل انضمامها الآن إنجازًا استراتيجيًّا للحكومة الانتقالية، لا سيما أنها تأكيد على ضرورة الصهر لا الاندماج كوحدات ذات هياكل مستقلة أو هويات فرعية كما كان يطال بذلك عدد من شخصيات اللواء الثامن، أو حتى تكرار نماذج الفصائل العسكري والعلاقة الإشكالية مع جيش الدولة الرسمي كما هو الحال في الحشد الشعبي والعلاقة المركبة مع الجيش العراقي الرسمي.
ثالثًا، تولي مسؤوليات الأمن في درعا: تعود الجذور المركبة والمعقدة لتفشي حالة انعدام الأمن في درعا لصيف 2018، إذ أفرزت اتفاقيات التسوية التي تمت بالرعاية الروسية مع النظام السوري حالة مربكة على صعيد انتشار أنشطة الجريمة المنظمة، كعصابات الخطف وحواجز قطاع الطرق، ومنشآت ومعامل تتبع لشبكات تهريب المخدرات، بالإضافة لانتشار السلاح. بذلك، فإن من أبرز مسؤوليات وزارة الدفاع السورية في محافظة درعا هي مباشرة حملات أمنية جادة وحازمة للحد من انتشار مظاهر الجريمة المزعزعة للاستقرار والسلم المجتمعي بشكل خاص، والتي تمتد تداعياتها للحدود الأردنية بطبيعة الحال، ويتضح في هذا الصدد الدور الأمني التعاوني الذي يبادر به الأردن بتزويد المعلومات والخبرات العملية والتقنية لوزارة الدفاع السورية، وخاصة في ضوء استمرار التنسيق السياسي والأمني ما بين دمشق وعمان.
رابعًا، تقوية وتعزيز التنسيق والعمل الأمني مع القوى الاجتماعية في السويداء: حيث يفترض أن تتكامل جهود وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية مع شركائها في السويداء، ولا سيما حركة رجال الكرامة ولواء الجبل، حيث تتطلب التعقيدات الميدانية في الجنوب السوري جهودًا تكاملية، لا سيما مع انتقال وحركة أنشطة الجريمة المنظمة ما بين درعا والسويداء، كما تنتشر عدة نقاط حساسة لهذه الأنشطة مثل بادية السويداء والقرى الجنوبية. وتمتد الآثار في السويداء لخلق أمر واقع جديد ترتفع فيه الضغوط على رافضي مركزية دمشق.
خامسًا، تعزيز السيادة السورية على المعابر الحدودية؛ إن إتمام انتشار قوات وزارة الدفاع السورية سينسحب بطبيعته نحو الحدود السورية – الأردنية، والبالغ طولها نحو 375 كم، وفيها منفذي جابر – نصيب، والرمثا، وتبعًا لحجم التعقيدات التي صاحبت الجنوب السوري منذ 2011؛ أغلق الأردن معبر الرمثا لأسباب أمنية، وتبعًا لتصور تحسن المشهد الأمني في درعا، ونتيجة لازدياد حجم الواردات الأردنية لسوريا منذ سقوط نظام الأسد، وارتفاعها بأكثر من 500%؛ فُيتصور أن يؤدي إحكام وزارة الدفاع لمسؤوليتها الأمنية في درعا إلى التفكير منطقيًا في إعادة تأهيل وفتح معبر الرمثا الحدودي، وبطبيعة الحال سيتكامل ذلك مع ارتفاع وتعزيز الواردات الأردنية نحو الداخل السوري، يتعاضد مع المؤشرات الأخرى حول استمرار وتيرة الانفتاح الدولي على دمشق، وازدياد فرص التحلل من إرث العقوبات القاسية التي خلفها النظام السابق.
سادسًا، القوات الشرعية أمام إسرائيل: إذ إن انتشار عناصر وزارة الدفاع السورية في محافظة درعا عمومًا سيرفع من كلفة استمرار وجود الاحتلال الإسرائيلي في ريف درعا الغربي، وحقيقة ذلك أن المبررات الإسرائيلية الرسمية حول توسيع المنطقة الآمنة لوجود تهديدات أمنية ستنخفض بالضرورة مع انتشار القوات الرسمية التي تحظى بشرعية محلية وتوافق دولي.
بالمحصلة، فإن التداعيات الإيجابية المصاحبة للمسؤوليات الجديدة التي ستضطلع بها وزارة الدفاع السورية تشكل حالة من الارتياح لدى المجتمع المحلي في المحافظة، شريطة استمرار العمل الأمني المنضبط في التصدي لمظاهر انعدام الأمن المنتشرة في درعا وريفيها الشرقي والغربي بشكل عام.
في المقابل، لا يخلو انتشار قوات وزارة الدفاع في محافظة درعا من تحديات جوهرية قد تؤثر في مسار الأحداث برمتها في سوريا، ففي الريف المقابل لأماكن انتشار اللواء الثامن؛ تستمر قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي بالانتشار وقضم المزيد من الأراضي السورية، ويظهر التحدي الأبرز أمام دمشق في كيفية تحقيق قدر من التوازن ما بين استمرار الانتشار العسكري والأمني في الجغرافية السورية، وسد الفجوات التي صاحبت انهيار النظام؛ وما بين تجنب الاحتكاك مع الاحتلال في سبيل التكامل مع استراتيجية دمشق في تجنب التصعيد في هذه المرحلة، والالتفات لقضايا وتحديات الداخل، لا سيما أن سياسة ضبط النفس عسكريًا أمام استمرار الاستفزازات الإسرائيلية يحمل العديد من الإشكاليات للإدارة الجديدة في دمشق.
في الختام، مع حجم التداعيات الإيجابية التي قد يحمله حل اللواء الثامن على مستوى المشهد المحلي في الجنوب السوري، والذي من المرتقب أن ينعكس إيجابيًا على الحدود الأردنية بشكل خاص، إلا أن التعقيدات العسكرية المصاحبة للوجود الإسرائيلي لا تزال التهديد الأكبر أمام تحقيق الاستقرار في سوريا.