أحداث السويداء في المنظور الاستراتيجي الأردني

من الواضح أنّ عقد مؤتمر صحافي، أول من أمس، في عمان، يجمع بين كل من أيمن الصفدي والمبعوث الأميركي لسوريا توماس براك ووزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، كان بمثابة رسالة مهمة على صعيد الديناميكيات الجديدة في المنطقة، تتمثّل بأنّ الأردن معني بصورة كبيرة بما يحدث في السويداء، بصورة خاصة، من أحداث أليمة، وفي سوريا بصورة عامة، وأنّه يعتبر ذلك مرتبطاً بأمنه القومي من جهة، وبالدور الإقليمي الذي يقوم به في المنطقة من جهةٍ أخرى.

لو عدنا إلى أحداث السويداء، التي لا تزال مفتوحة على احتمالات متعددة، بالرغم من اتفاق وقف إطلاق النار، فإنّها تحمل العديد من الدلالات، في المنظور الاستراتيجي الأردني، وفي مقدمتها أنّ هنالك تحولاً خطيراً في الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية بالانتقال من الدفاع إلى الهيمنة الإقليمية والطموح بأن تكون إسرائيل القوة الأولى، بل شرطي المنطقة الوحيد في المرحلة القادمة.

على الصعيد السوري، الأجندة الإسرائيلية تتراوح ما بين تمزيق البلاد إلى مجموعة من الدويلات الضعيفة المتناحرة وما بين خلق منطقة في الجنوب السوري منزوعة السلاح، هشّة، مسرحاً لتدخل القوات العسكرية الإسرائيلية، كما صرّح بنيامين نتنياهو نفسه، عندما قال إنّ إسرائيل تريد منطقة منزوعة السلاح في الجنوب، والأهم من هذا وذاك أنّ إسرائيل تكرّس نفسها بتدخلها العسكري بضرب القوات السورية وإدعاء الدفاع عن الدروز ونسج العلاقات مع شيخ العقل في السويداء، حكمت الهجري، بوصفها -أي إسرائيل- لها الحق في التدخل بشؤون سورية وتقرير العديد من الملفات الداخلية، وهذا -بالضرورة- تطوّر إقليمي خطير على صعيد صياغة ملامح المرحلة القادمة في المنطقة وقواعد اللعبة الجديدة فيها.

أردنياً، توصلت نخبة من الخبراء العسكريين والأمنيين والسياسيين في ندوة مغلقة عُقدت في معهد السياسة والمجتمع (يوم الخميس الماضي) إلى أنّ ما يحدث في السويداء يمسّ الأمن القومي الأردني وأنّه لا ينفصل عما يحدث في غزة وحتى في الضفة الغربية، وأنّه يمثّل تطوراً خطيراً في السياسات الإسرائيلية، وأشرّ المشاركون إلى أنّ هنالك مؤشرات على أنّ تداعيات قادمة متعلقة بالضفة الغربية!

ما علاقة ما يحدث في السويداء بالضفة الغربية؟! دعونا نؤجل  الجواب على هذا السؤال إلى ما بعد تعريف مصادر التهديد التي يمثلها السلوك الإسرائيلي في سورية على الأردن؛ إنّ المصلحة الاستراتيجية الأردنية في سورية هي وحدة الدولة السورية؛ وهذا يرتبط اليوم بقوة النظام السياسي الجديد وقدرته على إدماج جميع الشرائح والمجتمعات المحلية السورية ضمن الدولة والنظام السياسي الجديد، وضمان أمن الحدود وعدم تفجّر النزاع الداخلي إلى حرب أهلية أو داخلية أو تفتيت الجغرافيا السياسية السورية، لأنّ أيّ تطوّر بالاتجاه المعاكس يعني ليس فقط انهيار الأمن السوري، بل الأمن الإقليمي بأسره، بما في ذلك تطور مصادر تهديد خطيرة للأمن القومي الأردني؛ سواء موجات من اللاجئين الجدد وازدهار داعش مرة أخرى، وتحول الحدود السورية إلى خطوط من نار ودم على حدود الأردن الشمالية، فضلاً عن الإضرار الشديد بالمصالح الاستراتيجية الأردنية مثل المياه وعودة اللاجئين السوريين ومصادر المياه المشتركة سوريا وأردنياً، ووقف تهريب المخدرات ومكافحة الإرهاب.

من هذا المنطلق يرى الأردن في الاستراتيجية الإسرائيلية في سورية تهديداً استراتيجياً من المستوى الأولى؛ وإذا أضفنا إلى ذلك كلّه التخوف الأردني من وجود أجندة لدى الحكومة اليمينية الإسرائيلية بإيجاد دويلة درزية في الجنوب السوري موالية لإسرائيل (على غرار جيش لحد الجنوبي سابقاً في لبنان)، فإنّ ذلك يعني أمرين خطيرين؛ الأول موجة تهجير جديدة لسوريين من درعا بسبب الظروف الأمنية والسياسية والاقتصادية الجديدة، والثاني محاصرة الأردن شمالاً وغرباً من قبل إسرائيل وتحول تل أبيب إلى “وحش إقليمي” يهدد الجوار بصورة فاعلة.

ما سبق يعيدنا إلى سؤال الضفة الغربية؛ فمن الواضح أنّه ضمن المنظور الإسرائيلي الجديد فإنّ حل الدولتين لم يعد قائماً ولا مطروحاً، ومن الواضح كذلك أنّه لا توجد خطط حقيقية لإدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، فيما يتعلق بالتسوية السلمية، وعلى ما يبدو من أنّ هنالك خططاً إسرائيلية جاهزة في الضفة الغربية والقدس تقوم على ضمّ الأراضي والتوسّع والإجهاز على السلطة الفلسطينية وتحويل الضفة الغربية إلى كانتونات صغيرة محدودة.

ما يحدث في سورية، كنتيجة لمرحلة ما بعد  هجوم 7 اكتوبر وحرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، وما يحدث في الضفة الغربية أو سيقع لاحقاً فيها، كلّه يعكس تحولات خطيرة في الاستراتيجية الإسرائيلية، وهذا وذاك يؤشر على أنّه لا يوجد على صعيد موازين القوى الإقليمية ما يقف في وجه فكرة التهجير وتغيير الواقع وخلق ديناميكيات جديدة تعزز منظور بنيامين نتنياهو وحكومته، فإذا كانت إسرائيل قادرة على “اللعب” في الجوار وتغيير الخارطة السورية، فهي من باب أولى قادرة على القيام بسياسات أكثر أهمية لها فيما يتعلق بالضفة الغربية والقدس والمشكلة الديمغرافية الفلسطينية، وهو ما يؤثّر سلباً بصورة كبيرة على المصالح الاستراتيجية الأردنية.

لم تعد، إذاً، المشكلة الأردنية مع إسرائيل، تتمثل فقط في الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، بل أصبحت مرتبطة بالسياسات الإسرائيلية الإقليمية؛ في سورية والضفة والقدس وغزة..، وهو ما يعني أنّ مصادر التوتر والقلق والمواجهة الدبلوماسية بين عمان وتل أبيب تسير في خطّ تصاعدي ومتسارع، بالرغم من اتفاقية السلام المتوقعة، والأخطر من هذا وذاك أنّ إسرائيل لم تعد اليوم ترغب بلعب دور الضحية أو الطرف الخائف والمتخوف على أمنه بل الطرف الإقليمي الذي يسعى إلى فرض أجندته على الجميع واستثمار الاختلال الصارخ في موازين القوى!

زر الذهاب إلى الأعلى