الانتخابات البرلمانية العراقية 2025: السياقات وأبرز التحالفات

لطالما كان الظرف العراقي “استثنائيًا” بطبعه، وتُجرى انتخاباته في سياقات حسّاسة ومفصلية من عمر البلاد والنظام السياسي تحديدًا. وقد لا تختلف كثيرًا الانتخابات المقبلة المقرر إجراؤها في 11نوفبمر/تشرين الثاني عن الأوصاف المذكورة، إلا أنها تأتي في سياق بالغ التعقيد تتشابك فيه العوامل الداخلية مع التحولات الإقليمية التي بدأت منذ “السابع من أكتوبر”، والتي ألقت بظلالها على مجمل الأوضاع في المنطقة، وإن بدرجات متفاوتة، وأعادت رسم الكثير من التوازنات والأدوار.

ورغم محاولات النأي بالنفس، لكن ما يزال العراق في دائرة الضوء في ظل وجود التهديدات باستهداف الفصائل المسلحة وفرض العقوبات المتواصل على عدد من المصارف العراقية لاتهامها بنشاطات غير قانونية وبعض الكيانات والشخصيات “المرتبطة” بالنظام الإيراني. كما لا يمكن فصل السياق الذي تأتي فيه الانتخابات والمرحلة القادمة عما تشهده إيران من ضغوط متزايدة خاصةً منذ الهجمات الإسرائيلية والأمريكية في يونيو/حزيران الماضي، وإعادة العقوبات بعد تفعيل آلية “سناب باك” مؤخرًا.

وفي ظل هذ التحولات، يخيم على العراق أجواء مشحونة وتنافس محتدم بين القوى السياسية، اشتدَّ منذ بداية العام الحالي لتحديد ملامح المرحلة المقبلة بين من يسعى للحفاظ على الوضع القائم وبين من يريد تغييرًا طفيفًا على المعادلة التقليدية يحقق من خلاله مكاسب جديدة، وبين من يعلن عن طموحاته بإحداث إصلاحات جذرية في بنية النظام السياسي.

أمام هذا وذاك، يبرز تساؤل رئيسي متعلق بالإقبال الشعبي على صناديق الاقتراع، إذ شهدت الانتخابات انخفاضًا مستمرًا بدأ من 76% في انتخابات 2005 ووصل إلى 41% في انتخابات 2021 بحسب الأرقام الرسمية والتي دائمًا ما تُواجَه بتشكيك من مؤسسات غير حكومية معنيّة بالانتخابات، إلى جانب الانتقادات حول طريقة احتساب المصوّتين والتي كثيرًا ما تتهم بأنها تسعى إلى تضخيم الأعداد.

ما يزيد من أهمية هذا التساؤل هو حالة “الركود” في القدرة على إحداث تغيير سياسي حقيقي منذ الانتخابات المبكرة في عام 2021 والتي جاءت آنذاك استجابةً لمطالب شعبية في احتجاجات “تشرين” العارمة والتي اندلعت عام 2019، لكن يمكن القول إن ما حدث بعد تلك الانتخابات هو الانقلاب على تلك المطالب وإعادة إنتاج الوضع القائم ابتداءً من التعديلات التي أُدخلت على قانون الانتخاب في مارس/آذار 2023 والذي شهد عودة نظام “سانت ليغو” واعتماد القاسم الانتخابي 1.7، الذي يتيح للأحزاب الكبيرة والمتنفذة الحفاظ على وجودها في البرلمان مقابل تقليل فرصة صعود الأحزاب والقوى الصغيرة أو الجديدة، إلى جانب ما شهده العراق طيلة 4 سنوات مضت عززت من حالة الإحباط الشعبي بفعل احتكار التمثيل واتخاذ القرار على الأحزاب والقوى التقليدية والرئيسية وعدم إحداث تغيير ملموس وسط بقاء دور فاعل للفصائل المسلحة المشاركة منها وغير المشاركة في التحالف الحاكم.

تشهد الانتخابات المقبلة مشاركة 31 تحالفًا و38 حزبًا بالإضافة إلى 75 مرشحًا مستقلًا، بحسب الأرقام الصادرة عن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وسيتنافس المرشحون على 320 مقعدًا “عامًّا” و9 مقاعد مخصصة لكوتا المكونات. ووفقًا لطبيعة التحالفات والشعارات الانتخابية والخطابات السياسية التي برزت مع انطلاق الحملات الدعائية في 3 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عبرت العديد من القوى السياسية التقليدية والرئيسية عن طموحاتها من خلال تبني خطاب هوياتي والاستثمار بشبكة المصالح والنفوذ إلى جانب استعراض منجزات “خدمية” بوصفها نجاحات سياسية تصلح لإدارة الدولة.

وحول خارطة التحالفات الانتخابية، يبرز شيعيًّا “ائتلاف الإعمار والتنمية” ويرأسه محمد شياع السوداني رئيس الوزراء الحالي الذي يطمح بدوره إلى ولاية ثانية، ذلك الطموح الذي يواجَه بـ “فيتو” شيعي رافض لفكرة أن يتولى رئيس وزراء ولايتين بعد نوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون والذي يسعى بدوره إلى زيادة عدد مقاعده في الدورة البرلمانية القادمة استنادًا إلى القاعدة التاريخية لحزب الدعوة الإسلامية وشبكة المصالح والنفوذ داخل القطاع العام تحديدًا التي كان قد كونها في رئاسته للحكومة (2006 – 2014).

على الرغم من أنه كثيرًا ما يُوصف بالاعتدال إلا أن تحالف قوى الدولة الوطنية الذي يقوده زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم اختار أن يتبنى شعار “لا تضيعوها” الذي لا يخلو من أبعاد طائفية للتحشيد الانتخابي، وكان التحالف قد شهد انسحاب ائتلاف النصر الذي يرأسه حيدر العبادي رئيس الوزراء الأسبق احتجاجًا على ما وصفه بغياب الضوابط المانعة للمال السياسي.

كما تبرز شيعيًّا أيضًا في الانتخابات المقبلة حركة صادقون التابعة لعصائب أهل الحق بقيادة الخزعلي، وقائمة بدر لهادي العامري، وأبشر يا عراق لهمام حمودي أمين عام المجلس الأعلى، وائتلاف الأساس العراقي بقيادة محسن المندلاوي النائب الأول لرئيس مجلس النواب.

سنيًّا، يمكن القول إن الساحة السياسية تشهد تنافسًا محتدًّا على تمثيل المكون، وتعلن العديد من هذه القوى صراحةً في خطابها السياسي أنها تحالفات معنية بالدرجة الأولى بتمثيل السنّة في العراق، وكان لافتًا أن ينتقل خطاب زعيم تحالف “تقدم” ورئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي الذي ركّز في الانتخابات الأخيرة على إعادة الإعمار إلى تبني شعار هوياتي لا يخلو أيضًا من بعده الطائفي وهو “نحن أمّة”، في إشارة إلى المكوّن السني واعتبار المكونات الأخرى مجرد طوائف أو أقليات. بالإضافة إلى تحالف السيادة الذي يقوده خميس الخنجر الذي أسس حزبه في البداية بناءً على تحالف بينه وبين الحلبوسي، ويعبر عن نفسه بوصفه ممثلًا عن المحافظات السنّية. إلى جانب تحالفات أخرى تعد اليوم رئيسية في المشهد السني كانت قد انشقت عن الخنجر وأبرزها تحالف العزم الذي يرأسه مثنى السامرائي وهو اليوم قطب سياسيّ سنيّ، بالإضافة إلى التحالف “الحسم” الذي يقوده وزير الدفاع ثابت العباسي.

كرديًّا تبقى المعادلة التقليدية حاضرة والمتمثلة بالحزبين الرئيسيين تاريخيًّا، وهما؛ الحزب الديمقراطي الكوردستاني (بارتي) بزعامة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكوردستاني (يكتي) الذي يقوده بافل طالباني، بالإضافة إلى حركة الجيل الجديد التي كثيرًا ما تحاول أن تكسر تلك المعادلة خاصة بعد الانتخابات الأخيرة التي حصدت فيها على 9 مقاعد.

أما القوى المدنيّة والتي ينبثق العديد منها من احتجاجات “تشرين” عام 2019، فاختار بعضها الانضمام إلى القوى السياسية الحاكمة مثل “حركة نازل حقي” التي اختارت الدخول إلى ائتلاف التنمية والإعمار، فيما شكّلت أخرى تحالفات جديدة بعضها كان قد قاطع الانتخابات وبعضها الآخر يريد تكرار التجربة البرلمانية، وهنا الحديث عن تحالف “البديل” الذي يضم قوى مدنية ويسارية مثل البيت الوطني وحزب الاستقلال الذي يرأسه النائب سجاد سالم إلى جانب الحزب الشيوعي العراقي. ويرأس التحالف عدنان الزرفي مرشح رئاسة الوزراء عام 2020 والذي يتبنى مواقف ناقدة للفصائل المسلحة.

بالإضافة إلى تحالف البديل، يظهر التحالف المدني الديمقراطي الذي يضم عدة قوى مدنية وديمقراطية ويقوده علي الرفيعي أمين عام التيار الاجتماعي الديمقراطي.

أمام هذه التحالفات وهذه الأسماء، يمكن القول إن معادلة التنافس في الانتخابات لم تتغير كثيرًا، وأن القوى السياسية تطمح إلى حد كبير في إعادة إنتاج الوضع القائم. لكن على مستوى المشاركة، فإلى جانب الأسباب المذكورة آنفًا ستترك مقاطعة التيار الصدري “التيار الوطني الشيعي” للانتخابات المقبلة أثرًا كبيرًا، فهو الحائز على أعلى الأصوات والمقاعد في الانتخابات الأخيرة والذي فضّل الانسحاب من البرلمان حينها لفشله في تنفيذ مشروعه الذي سمّاه “الأغلبية الوطنيّة”، وليس سرًّا أن التيار يحظى بقاعدة جماهيرية ضخمة في العراق لا مثيل لها بين القوى السياسية الأخرى، مما سيؤثر بلا شك على نسبة المصوتين في الانتخابات.

زر الذهاب إلى الأعلى