باحث ألماني: “لا يوجد برنارد لويس ألماني”
سباستيان إلزاسير: الاستشراق الألماني أكثر موضوعية من الاستشراق الأميركي والبريطاني
فرّق الباحث المتخصص بالدراسات الإسلامية والشرق الأوسط، سباستيان إلزاسير، بين النموذج الألماني في الاستشراق والنموذج الأميركي، وأضاف الباحث والخبير في في جامعة “كريستيان ألبريخت” الألمانية أنّ الأدوار للمراكز الفكرية ومراكز الدراسات في ألمانيا تختلف عن نظيراتها في أميركا وبريطانيا، إذ تعتبر المراكز الألمانية ذات تأثير محدود على صنع السياسة وتحديدًا السياسة الخارجية.
وبين الباحث الألماني (في الجلسة التي عقدها معهد السياسة والمجتمع يوم الثلاثاء الموافق 19 نوفمبر/تشرين الثاني، وحضرها نخبة من المثقفين والباحثين الأردنيين) أن التصريحات الألمانية تمثل نخبًا سياسية غير مدفوعة بأهداف جماعية، على نقيض أدوار بعض المراكز الفكرية ومراكز الدراسات في الولايات المتحدة الأميركية، حيث يوجد مركزان فكريان أساسيان تتعامل معهما الحكومة الألمانية هما مركز العلم والسياسة (Stiftung wissenschaft und politik)، ومعهد جيجا (GIGA Institute).
وأشار إلزاسير كذلك إلى أنّه وفي الوقت الذي تقوم به الجماعات الإنجيلية الأصولية بدور كبير بالتأثير على السياسات الخارجية الأميركية في دعم إسرائيل، فإنّ هذه الجماعات محدودة وضعيفة وغير مؤثرة عمليًّا على الموقف الألماني بشأن الحرب على غزة.
من جهةٍ ثانية استعرض إلزاسير المراحل التي مر بها الاستشراق الألماني، عبر 3 مراحل؛ المرحلة الأولى التي أخذت بمسار دراسات اللاهوت والأدب والتاريخ النقدي، فيما بدأت المرحلة الثانية مع بروز مفكرين وأدباء مثل كارل ماركس، وربط الاستشراق بالعلوم الاجتماعية ومناهج العلوم الإنسانية، إلا أن فترة السبعينات -وهي المرحلة الثالثة- ساهمت في وضع الاستشراق على منعطف حرج، فتح الأبواب أمام النقاشات الأكاديمية والمراجعات النقدية للاستشراق الغربي بشكل عام، والألماني بشكل خاص تحديدًا مع النقد الذي وجه لمفهوم وأدوار الاستشراق بسبب ظهور شخصيات مثل إدوارد سعيد.
وقد بين إلزاسير، أن الاستشراق الألماني يعتبر الأكثر موضوعيةً مقارنة بالاستشراق الفرنسي والبريطاني والأميركي، الذي يرتبط بفترات الاستعمار وما رافقها من نقل تصورات نمطية عن الشرق الأوسط والإسهام في تحقيق شرعية للمشاريع الاستعمارية الفرنسية والبريطانية والأميركية.
مع ذلك أكّد الزاسير، أنّ النقاش ما يزال مستمرًا داخل النظام الأكاديمي الألماني حول السيطرة الغربية على البحوث وتحديدًا التأثير الكبير للنظام الأكاديمي الأميركي عليه، لعدة أسباب من بينها السياسات الأكاديمية والتعليمية التي تركز على اللغة الإنجليزية، كنتيجة لذلك يصبح التعاون الأكبر حجمًا على مستوى الجامعات مع الجامعات الأميركية، فيما يوجد اهتمام قليل بدول الخليج العربي، إلا أن النظام الأكاديمي الألماني لا يتعامل مع الدول غير المتقدمة سياسيًا أو التي يغيب فيها الاستقرار السياسي.
في ذات الإطار؛ تحدث الباحث عن هيكلية الدراسات الأكاديمية حول الشرق الأوسط في ألمانيا، حيث يوجد ما يقارب 30 جامعة ألمانية تقدم دراسات متعلقة بالشرق الأوسط، ضمن مساقات مختلفة وتحمل أسماء متعددة مثل: “الدراسات الإسلامية والدراسات العربية، أو دراسات الشرق الأوسط”، وكان من اللافت أن تلك المساقات تتضمن تعلم اللغة العربية خلال الثلاث سنوات الأولى ثم يتم التطرق إلى التاريخ والأدب والاجتماع.
إلى ذلك، تناولت الجلسة الاستشراق الألماني تاريخًيا وأكاديميًا، مع الحديث عن العلاقة ما بين الأكاديميا والسياسة من جانب، والعلاقة الألمانية العربية من جانب آخر، وخلصت الجلسة بمحاور حول العلاقة المعقدة والاستفهامات المتعددة حول الاستشراق وغاياته، مع تقديم مفارقات عن نماذج الاستشراق الألماني والأميركي، والفرنسي والبريطاني، حيث فتحت أحداث كثيرة عايشها المشرقيون أبواب الاهتمام الغربية لمحاولة فهمها وتفسيرها، إلا أن العديد من النقاشات ما تزال تدار في أروقة الأصرحة الأكاديمية والسياسية.