قراءة في نظامي الموارد البشرية والخدمة المدنية

قراءة في نظامي الموارد البشرية والخدمة المدنية

أقر مجلس الوزراء الأردني، مؤخرًا، نظام إدارة الموارد البشرية في القطاع العام، والنظام المعدل لنظام الخدمة المدنية لسنة 2024، إذ رأت الحكومة أن النظام يصب في مصلحة تطوير القطاع العام، وهو إقرار أثار جدلًا على نطاق واسع وسخطًا أظهرتها العديد من الأوساط تعزوها لغياب المعلومات وغياب المناقشات والتحليلات التي توضح جملة العيوب والمميزات. في ضوء ذلك عقد معهد السياسة والمجتمع جلسة نقاشية بعنوان “قراءة في نظامي الموارد البشرية والخدمة المدنية ضمن خطة تطوير القطاع العام” واستضافت كل من أمين عام وزارة تطوير القطاع العام سابقًا عبد الله القضاة، ورئيس اللجنة الإدارية في مجلس النواب سابقًا علي الحجاحجة، كمتحدثين رئيسين وبحضور عدد من الباحثين والناشطين، يوم الأربعاء الموافق 10 يوليو/تموز العام الجاري، في محاولة لقراءة الأثر المسبق للنظامين واستقراء تبعات بعض مواده وتداعياته المحتملة على مثلث التحديث، السياسي، الاقتصادي، والإداري، وقراءتها في السياق المرافق لقدومهما، إذ تطرقت الجلسة إلى جملة من التقييمات التي سيتم عرضها في هذا التقرير.

بين معالجة تضخم القطاع العام وتعطيل مسيرة التحديث

يقف الأردن اليوم، على عتبة مرحلة منتظرة من الانتخابات البرلمانية في أيلول/سبتمبر القادم، التي ستبلور مخرجات أولية لعملية التحديث السياسي، وفي ظل وجود إرادة سياسية لدعم مسار التحديث السياسي والاقتصادي والإداري، إدراكًا لأهمية كل منهما على وجه العموم، وأهمية القطاع العام على وجه الخصوص.

جاءت الأسباب الموجبة لهذا النظام، لمساعدة القطاع العام في تطوير أدائه كونه محور عمل الدولة، لا أن يكون مستنزفًا للميزانية برواتب بلا مقابل انتاجي، إلا أن المفارقة أن حُصر تطوير القطاع العام على كاهل الموظف وحده، دون الأخذ بالاعتبار بقية عناصر معادلة تطوير الأداء المؤسسي في القطاع العام. في حين أن تعريف القطاع العام يشمل عدة قطاعات ما قد يتسبب ذلك بتغيير مراكزها القانونية خلافًا لتشريعات أخرى.

وبالتالي، يوجد العديد من العقبات أو الإصلاحات التي لا بد من مراقبتها عن كثب، ومراجعتها وفقًا لما تقتضيه الحاجة، إذ كان من الضروري التطرق إلى نظامي الموارد البشرية والخدمة المدنية، حيث عدهما بعض المشاركين أنهما معطلان لعملية التحديث، بسبب وجود جملة من الأسباب؛ من أبرزها وجود مغالطات أو مخالفات دستورية، تحديدًا فيما يتعلق بالحق الدستوري بالعمل، إذ حظر النظامان السابقان العمل خارج أوقات الساعات الرسمية لموظفي القطاع العام، وقد وصف مشاركون هذه الآلية بعدم جدواها الفعلية بخلق فرص عمل حقيقية إنما هي آلية إحلال وإبدال، وبالتالي تختلف عن آليات خلق الفرص الحقيقية التي عادة ما تكون من خلال إنشاء مشاريع اقتصادية وتنموية.

 نوه مشاركون إلى أن مؤسسات الدولة ليست المسؤولة عن توظيف كافة المواطنين، إذ أن ذلك لا يمكن أن تستوعبه طاقتها ووظائفها؛ إنما يتم من خلال تسهيل مسار الاستثمارات والنظر للعمل من منطلق “التشغيل” لا التوظيف، حيث أفرزت عقلية التوظيف عبر سنوات طويلة جملة من المشكلات والتحديات التي على إثرها جاءت الرغبة في تطوير القطاع العام، من أبرزها التضخم في عدد الشاغلين للوظائف، وفي ذات السياق؛ ولّد ما أطلق عليه الموظف “الفضائي”، الذي يشغل منصب بلا أن يؤدي مهام أو وظائف ولا حتى حضور إلى مكان العمل، بالإضافة إلى أن شرطية الوظيفة بالشهادة الجامعية ساهمت في خلق عملية تكديس للشهادات بلا أن تكون ذات فائدة فعالة على أرض الواقع، وبما يحقق الغاية من التطوير.

لا ينفي ذلك أن النظامين أضافا تطويرات نوعية تنعكس على نوعية الأداء المؤسسي والأداء الوظيفي بالضرورة، لعل أبرزها، منح الراتب للوظيفة لا للموظف، ذلك وفقًا لأهميتها ودرجة حساسيتها، ويعتمد في اختيار الموظف على الكفاءات والمعارف والقدرات، إذ بين النظام أحد إجراءات التوظيف باشتراطه أن تكون المقابلات الشخصية مسجلة بالصوت والصورة وعلى الدوائر الاحتفاظ بتسجيلات المقابلات لمدة لا تقل عن سنة، إضافة إلى ربط الزيادة السنوية بجدارة العمل والتنفيذ خلال العام بالتقييم الموضوعي لإنجازات الموظف.

مفارقات؛ بين الإصلاح والإتلاف أو ” التعطيل”

ميز مشاركون بين الأنظمة قبل التعديل وبعده، فمن حيث أهمية الثقافة المؤسسية وتطويرها واستدامتها بعيدًا عن التفرد، اعتبروا أنه كان من الاجدر للحكومة أن تتعامل بناءً على البناء الفكري للذين تسري عليهم مواد الأنظمة المعدلة وأحكامها، بمعنى أن يتواكب الجيل الجديد من حيث الفئة العمرية والتوظيفية، مع حركة الإصلاح الملكية، إذ يعتبر الإصلاح الإداري رافعة للإصلاح السياسي والاقتصادي، ولا بد من تواؤم رؤى التحديث مع بضعها البعض.

 إلا أن النظامين صدرا بشكل مفاجئ، ومن حيث التوقيت فلا يعتبر الأنسب لهكذا تعديلات، إذ رأى مشاركون، بأن تلك التعديلات كان لا بد من أن تكون أكثر مناسبة إذا ما صدرت بعد الانتخابات البرلمانية المنتظرة، حيث جاء النظامان على أرضية متحركة وليست ثابتة، بالإضافة إلى ذلك فقد اعتبر مشاركون أن الموظف العام خزان الولاء للدولة، والنظامان المعدلان لهما آثار وتداعيات سياسية، أهمها عدم رضى الموظفين العاميين عن هذين النظاميين، وهو أمر سوف يؤثر على المزاج الانتخابي العام في المرحلة القادمة، بالضرورة.

تطرق مشاركون إلى فكرة أن نظامي الموارد البشرية والخدمة المدنية، بصفتهما النظامية تعتبر الأسهل في بيت التشريع، إلا أنه سيف ذو حدين فهو مرن التعديل، واعتبر مشاركون أن الأفضلية للنظامين أن يكونا قانونين مثل قانون العمل الذي يعتبر مستقر بصفته القانونية ويمكن التعديل على بعض مواده، لكن لا يمكن أن يكون النسف موجود كما حصل في نظام الخدمة المدنية؛ فالصفة القانونية تعطي صفة الضابطة العدلية للنظام – حال تم قوننته- ، وتعطي قوة واستقرار تشريعي بالضرورة.

أشار مشاركون إلى أن النظامين -على ما يبدو- لم يتم عرضهما على لجان مختصة أو خبراء لمناقشته من خلال معهد الإدارة العامة الأردني الذي دعا مشاركون إلى ضرورة تفعيل دوره والاستعانة به، فهو أنموذج في الإدارة العامة على المستوى الإقليمي، وبالتالي؛ فلا بد من وجود حوار وطني هادف يشارك فيه خبراء وإداريين خارج الإطار الحكومي من الأردنيين.

وعلى اعتبار أن هذين النظامين ركن أساسي نحو تطوير وترشيد القطاع العام، أكد مشاركون إلى ضرورة الفصل ما بين السياسي والإداري، نظرًا لاختلاف كل منهما من حيث النظرة والمنهجية والغاية، فالسياق الإداري يتعامل بطريقة أكثر مهنية وتقنية، ويعمل على تدريب كوادر جديدة تناسب التعديلات وتعمل على تقبل هذا التغيير وتتكيف معه، كما يجب ان ينطبق ذلك على تقييم الأداء، إذ يكون من خلال لجنة خبراء وبناء على معايير ومؤشرات محددة، تستسقى من خلال معهد الإدارة العامة، بحيث يصبح مظلة رسمية لخبراء الدولة الأردنية، والقرار يتخذ من الجانب السياسي.

كما تطرق مشاركون إلى قضايا رئيسية كان من أبرزها الإجازات السنوية، حيث كانت الإجازات السنوية بدون راتب للموظف العام مفتوحة، إلا أن النظام المعدل اختزلها إلى 4 أشهر، وتنعكس على عدة جوانب منها جوانب شخصية متعلقة بالموظف من خلال حرمانه من الدراسة في الخارج، وتهيئة ظروفه الاجتماعية والحياتية بناء على جملة من الأسس وحزمة الموارد الموجودة مسبقًا، أو حتى امتداد تداعياتها على قدرة الموظف للقيام بإجراء الانتخابات المقبلة. 

بالإضافة إلى تلك القضية، تطرق مشاركون إلى التقاعد المبكر الذي يفقد المؤسسات مخزون الخبرات، فالأصل وجود لجنة تقييم لأداء المحال إلى التقاعد المبكر لبيان الأهمية ومدى القدرة على الاستفادة من الخبرات المكنونة لديه، وليس بناء على السلطة الجوازية التقديرية للوزير فقط.

تطوير القطاع العام ضرورة، لا تتم بشكل مفاجئ 

عند التعامل بإنصاف وبنظرة أقرب إلى الشمولية مع النظامين المعدلين، يوجد الفكر والأحكام العامة، فالفكر في المواد جديد ويتناسب للموظفين الجدد حال تم تسيير الثقافة المؤسسية على الثقافة التنظيمية الجديدة، بحيث يكون الموظف فاعل ومبادر في بيئة العمل ولا يقتصر دوره فقط على إثبات الحضور واستلام الراتب، بل تكون بتأسيس الموظفين الجدد على فكر ينتج عنه قناعة داخلية لربط التقييم بالأداء، حيث إن الموظف جزء من القطاع العام، وعليه يجب أن يخلق توازن ما بين دور المؤسسة ودور الموظف فيها. 

وبالتالي، أشار مشاركون إلى أهمية دور القطاع العام العسكري والمدني في بناء الدولة الأردنية، تاريخيًا، بحيث يشعر الموظف العام بأنه جزء من هذه الدولة وينتمي بشكل كبير لها ويقدم لها الولاء، إلا أن عوامل كثيرة ساهمت في تغيير هذه الثقافة وانتجت ثقافة الولاء مقابل الوظيفية، ولا نسير في نهج علمي لتطبيق التغيير إذ ما تزال عقلية “الفزعة”، مسيطرة على الثقافة المؤسسية في القطاع العام، إضافة إلى الاعتقاد بأن الوظيفة هي حق شخصي مكتسب، الذي يرى أن الدولة ريعية وليست تنظيمية.

إن التطوير في القطاع العام بحاجة إلى رؤية متكاملة تبنى عليها الخطط الاستراتيجية تدرك من خلالها الآثار الاقتصادية والاجتماعية على القطاع العام وعلى المجتمع الأردني، وما تزال بعض المؤسسات لا تدرك أهميتها وأهمية تفعليها في العمل المؤسسي، فالافتقار إلى الخطط الاستراتيجية يشكل عائق في تطوير القطاع العام، إذ إن الخطط الاستراتيجية هي التي تعكس الاحتياجات من الموارد البشرية، وتتضمن عادة الخطط التشغيلية، ويوضع وفقًا لها مؤشرات يتم القياس من خلالها مؤشرات الأداء الرئيسية، وعلى الرغم من معالجة الأنظمة الجديدة هذه المسألة، إلا أنها تبقى خاضعة للاختبار على أرض الواقع.

 علاوةً على ذلك، فإن تقييم المؤسسات يتم من خلال قدرة المدراء على تحقيق الأهداف السنوية المرجوة من العمل ومؤشرات واضحة للمؤسسات (KPIs) وليس بناءً على التقييمات الشخصية، الأمر الذي يسهم في التحول من الإدارة بالانطباع إلى الإدارة بالأهداف والمؤشرات المطلوبة، حيث رأى مشاركون بأن التقييم مرتبط بالأداء، وإذا غاب التقييم يغيب الأداء، وعلى الرغم من وجود التقييم إلا أنه يفتقد لأدواته الفعالة.

خلاصة

خرجت الجلسة بخلاصات وتوصيات، رأت بأنه وبصرف النظر عن حدود دور القطاع العام، فيبقى قطاع أساسي ومحوري في الدولة، وبالتالي لا شك بضرورة إعادة النظر في هذين النظامين، حتى لا يتم الإساءة للدولة الأردنية، إذ كانت مخرجاته أقل من المأمول في مسار ترشيد وتطوير القطاع العام، مع ضرورة استدخال خبراء إداريين ونقابات مهنية وغيرها من الفواعل الخبيرة التي ترتبط في ذات المعادلة التشغيلية ضمن حوار وطني شامل، كما أن هناك ضرورة وطنية لوجود إصلاحات حقيقية منبثقة عن تحديات ومشكلات واقعية لا تكون في إطار ردة الفعل، فعلى سبيل المثال لا الحصر، ما تزال عقلية المؤسسات تعمل بعقلية الرجل الواحد، بحيث أن الصلاحيات كلها للوزير مع أحقية تفويض مختزلة، حيث لم يعالج النظامين معضلة الصلاحيات.

زر الذهاب إلى الأعلى