فرنسا والإسلاموفوبيا: قراءة لليمين الفرنسي والنظرة تجاه الإسلام بعدسة القيم الفرنسية
عمان – تعد مسألة صعود اليمين في أوروبا وما يرتبط بها من ظواهر معاداة المهاجرين والاسلاموفوبيا أحد أهم المسائل التي لم يتوقف فيها النقاش منذ عقد أو يزيد. وعلى الرغم من كثرة ما تمت كتابته وتقديمه في هذه المسألة تبقى قضية النظرة تجاه المسلمين في المجتمعات الغربية عمومًا وفي أوروبا خصوصًا قضية متعطشة للمزيد من الدراسة والبحث والتحليل لكثرة المعطيات والمتغيرات المتعلقة بها من جهة ولأهمية الوصول الى فهم شامل ووافٍ لهذه القضية من جهة أخرى.
وعندما يتم ذكر المهاجرين المسلمين وظاهرة الخوف من الإسلام، لابد من التفكير بالجمهورية الفرنسية التي تعد أبرز مثال لحالة التفاعل بين الإسلام والحضارة الغربية؛ ففرنسا هي الدولة الأوروبية ذات أكبر عدد من المهاجرين المسلمين في كامل قارة أوروبا والأكثر سخونة من ناحية الأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية المتعلقة بوجود المهاجرين المسلمين على أراضيها ابتداء بالهجمات المتطرفة وانتهاء بموقف اليمين المتطرف الذي يصر بين حين وآخر على التأكيد على “حرية التعبير” الفرنسية حتى وإن كانت مسيئة للمسلمين في فرنسا والعالم.
ولكن يبقى السؤال الأهم الذي يجب طرحه ودراسته، لم فرنسا بالتحديد؟ فالكثير من الدول الأوروبية كألمانيا وهولندا والمملكة المتحدة وبلجيكا تستضيف عددًا كبيرًا من المهاجرين المسلمين وبنسب وأعداد لا تقل كثيرًا عن النسب والأعداد في فرنسا. ولكن وعلى النقيض مما يحدث في فرنسا، تتخذ ظاهرة الاسلاموفوبيا في هذه الدول شكلًا أكثر هدوءًا وأقل جرأة، وقل ما نرى حالة صدام حقيقية بين المسلمين ومجتمعاتهم المحلية وقل ما نسمع تصريحات مباشرة وصريحة تجاه المسلمين وممارساتهم الدينية في هذه الدول.
وفي إطار السعي للإجابة على هذه التساؤلات وفهم الخصوصية الفرنسية في هذه القضية، يحاول مساعد الباحث في معهد السياسة والمجتمع، فارس أبو رمان، النظر تجاه صعود الاسلاموفوبيا بعدسة القيم والتقاليد الخاصة بالمجتمع الفرنسي ومبادئ الجمهورية الفرنسية القائمة على “العلمانية اللائكية” و”الأممية المطلقة لقيم الثورة الفرنسية” متطرقًا في دراسته الى الصراع بين هذه المبادئ ومبدأ “النسبية الثقافية” الذي تتمسك به المجتمعات المسلمة في فرنسا. ويجادل في الفرق بين هاته المبادئ ومبدأ “الوطنية الدستورية” الذي يحكم فلسفة ألمانيا السياسية و”الليبرالية” البريطانية ودور هذه القيم المختلفة في توفير حالة أكثر ملاءمة للمسلمين وتقبلًا لاختلافهم في كل من ألمانيا والمملكة المتحدة.
إضافة الى ذلك، يناقش فارس أبو رمان مساهمة السياسات الفرانكوفونية والتراث الثقافي والهوياتي الفرنسي في محاولة الدمج القسري للمجتمعات المسلمة وتذويب هويتها بشكل كلي داخل الهوية الفرنسية وهو الأمر الذي لم يكل السياسيون الفرنسيون عن محاولة القيام به منذ استعمار الجزائر قبل قرنين من الزمن وحتى يومنا هذا.
يأخذنا أبو رمان في دراسته الشيقة والمهمة في رحلة لفهم المقاربة الفرنسية في التعامل مع المهاجرين وفهم الصعود الحاد لليمين في فرنسا، بل وفهم مقاربة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والتي تركز على القيم الفرنسية الموروثة من تقاليد الثورة الفرنسية ومبادئها لكي يخرج بخلاصات مثيرة للاهتمام توضح أسباب ارتباط ظاهرة الاسلاموفوبيا بفرنسا تحديدًا ووضوح لهجتها في الخطاب الإعلامي الفرنسي دون غيره.
تجعل هذه العناصر مجتمعة الموقف الفرنسي من المهاجرين موقفًا مهمًا ومفصليًا في تحديد الموقف الأوروبي العام من المهاجرين والمسلمين منهم تحديدًا. حيث تعد فرنسا، بنسبة المسلمين العالية فيها وسبقها النسبي في استقبال المهاجرين، نموذجًا يخطف أنظار اليمين الأوروبي تجاهه ويقود صناعة الرأي في بقية الدول المجاورة؛ لذلك يعد انتصار اليمين الفرنسي انتصارًا لكل اليمين الأوروبي كما تعد هزيمته هزيمة شاملة لكل هذا التيار وانتصارًا لمبادئ النسبية الثقافية واحترام حرية الأفراد بممارسة الطقوس المتعلقة باعتقادهم بالشكل الذي يناسبهم.