ديناميات ما بعد الحرب في العلاقات الأردنية الإسرائيلية

رؤى من الأوساط الأكاديمية الإسرائيلية

نُشر هذا التقرير في العدد الأول من المجلة الأردنية للسياسة والمجتمع (JPS) والذي جاء ملفه تحت عنوان “التداعيات الإقليمية للحرب على غزة”.

لتحميل المجلة أنقر على الصورة أدناه

هدف التقرير

 تنطلق فكرة هذا التقرير من محاولة فهم المقاربات الأكاديمية في المؤسسات البحثية الإسرائيلية التي تعنون الشكل المتوقع للعلاقة الأردنية الإسرائيلية خلال وبعد حرب أكتوبر، وذلك ما يساعد على إيجاد عدسة إضافية تساهم في رسم ملامح التصورات الأردنية اتجاه إسرائيل بشكلها الانتقالي الحالي بقيادة بنيامين نتنياهو حتى مجيء الحكومة القادمة التي بلا شك ستحمل بُعدًا وصياغة جديدة إما بطابعها المؤسسي العسكري الذي ستخلّفه الحكومة الحالية أو بحُلة مختلفة متشددة كانت أم منفتحة بشكل أكبر عن الحكومات السابقة، وذلك تبعًا للحرب الفاصلة التي تستمر لغاية هذه اللحظة بترك آثارها الشاملة التي يصاحبها تغيير في معالم المنطقة والعالم.

مصادر التقرير

 اعتمدنا في هذا التقرير على المصادر الأكاديمية – البحثية الممثلة بمراكز الأبحاث في الأقسام السياسية في الجامعات الإسرائيلية ومراكز التفكير والتحليلThink tanks  مثل The Jerusalem Strategic Tribune، وهي منصة تتناول الأصوات الإسرائيلية الأمريكية من وجهات نظر أكاديمية وعملية وتناولنا مقالة الدبلوماسية السابقة Ruth Yaron  في المكتب الأردني في وزارة الخارجية والمتحدثة باسم جيش الدفاع الإسرائيلي.[1]

 وفي مجموعة أوراق منشورة كانت الأكبر حجمًا ونوعًا في طرحها الشامل للتقرير الذي نعرضه كان من قبل عقيد ومحاضر جامعي وأيضا مدير للبحوث يُدعى Shaul Shay في المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب ICT وهو مركز أبحاث مستقل ييحث في شؤون الإرهاب والأمن الداخلي وتقييم المخاطر وتحليل الاستخبارات والأمن القومي والدفاع – التابع لجامعة رايخمان وهي مؤسسة خاصة غير ربحية.[2]

 بالإضافة إلى مقال مختصر لمحاضرين في معهد دراسات الأمن القومي INSS   وهو معهد مستقل وغير حزبي، تم تدشينه على إثر ما يسمى إسرائيليًّا “يوم كيبور” عام 1973 في جامعة تل أبيب، وتنطلق فلسفة المعهد من اعتبار أحد أسباب مفاجأة الحرب هي عدم الاعتراف آنذاك بجهود مؤسسية أخرى لو كان مثل هذا المعهد في ذلك الوقت لشكك في التقييم الاستخباري بأن الحرب غير محتملة.[3]

 وفي ورقة سياسيات عرضها العقيد  Eran Lermanوهو نائب مدير السياسة الخارجية والشؤون الدولية في مجلس الأمن القومي في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي سابقًا نشرها في معهد القدس للاستراتيجية والأمن JISS الذي ينطلق من تبنيه لمواقف واقعية في الأمن القومي الإسرائيلي.[4]

ويقوم التقرير برصد ما توافر بحثيًّا من مقالات الأساتذة الجامعيين المنشورة في الصحف الإسرائيلية مثل صحيفة معاريف ذات التوجه الوسطي المحافظ أمنيًّا.[5]

المقدمة

 تستمر أحداث الحرب الحالية لترتطم مع أدق البنى الدولية والمؤسسية على كافة المستويات وعلى اختلاف شدتها وتعقيدها مما يشكل نقطة تحول تعمل على إعادة طرح العديد من التساؤلات التي تم تهميشها ووضعها جانبًا على حساب التعامل مع المعطيات اليومية والإشكاليات اللحظية مما أعطى ثقلًا للبُعد الاستراتيجي في التخطيط الإقليمي الذي تظهر الحاجة إليه لفهم الأوزان الإقليمية والمعادلات الصفرية في مثل هكذا حروب وهكذا أزمات إنسانية ووجودية تقع على صعيد الدولة بمدلولها السياسي والاجتماعي والأبعاد المتوقعة منه، ولعلَّ السؤال الأردني الإسرائيلي بكل ما يحمله من وقائع تاريخية وتعقيدات سياسية يعتبر واحد من أهم الطروحات التي سنحاول تفكيك معطياتها لفهم مرتكزات تطور الحرب الحالية والأبعاد التي ستؤول إليها في حيز المستقبل في شكل هذه العلاقة الشائكة ومدى قدرة كلا النظامين على بناء أجندة سياسية قابلة لاحتواء أو إقصاء الآخر بناء على ردود الأفعال الأخيرة في الحرب الجارية ومدى انشغال كل طرف بأبرز القضايا الداخلية والخارجية التي إما تم تأجيلها أو تصديرها بشكل أكبر أو إهمالها لأسباب تعود لأولويات الحرب أولاً وأولويات المرحلة.

الخطاب الأردني الدولي

يحظى الأردن كدولة ومؤسسات مُمثلة على الصعيد الدولي بسمعة متميزة بما يحمله من خطاب معتدل يتصدر المواقف الدولية في أحلك محطاتها، ومقارنة بالطابع الإقليمي الملتهب حول الأردن وحجم الضغوطات الداخلية والخارجية التي تتركز بمفهوم (الاستقبال) سواء في ملف التصعيدات الإقليمية، ملف اللاجئين، الوضع الأمني وتعقيدات طول الحدود مع إسرائيل إلا أن حالة الاعتدال التي يتم العمل بها كأجندة داخلية وخارجية هي ضرورة للأردن تحتم على كافة الأطياف الدولية احترام صعوبة الحفاظ عليها ومحاولة إدامتها بأكبر قدر ممكن.

 منذ بدء الحرب على غزة، لوحظ نشاط أردني دبلوماسي وإعلامي نوعي تمثل بظهور أبرز ممثلي الدولة على رأسهم العائلة المالكة ممثلة بالملك والملكة وولي العهد والوجه الدبلوماسي الأردني ممثلاً بنائب رئيس الوزراء وزير الخارجية أيمن الصفدي. حيث ساهم الملك عبدالله منذ بداية الحرب بتوجيه خطاب أردني دولي[6]، يحمل معانٍ تراكمية وليست آنية أعاد الملك التأكيد فيها على كافة التحذيرات التي وجهها على مر السنين في جميع مقابلاته والندوات التي شارك بها حول خطورة عدم السعي نحو حلول واقعية وبنائية نحو حل الدولتين كمثال وأن الوقت الذي يمر دون حلول واضحة وصريحة سيؤدي لانفجار لا انفراج وهذا ما نشهده في حرب غزة وما سبقها من فترات عصيبة ساهمت بتضخم حدة الصراع الحالي.

 تستمر جولات الملك في غرف صنع القرار الدولية بخطاب تأكيدي واضح بضرورة وقف كافة أشكال العنف الممنهج إزاء المدنيين في غزة، بينما تستمر الملكة في هذه الجولات في مسار المقابلات[7] في البرامج الإعلامية الشهيرة التي شاركت بها أبرز التوجهات الأردنية الإنسانية التي تستنكر الواقع العالمي المُشوّه الذي يدفع بمزيد من التناقض والتعقيد للأزمة، وعلى نفس المنوال كان نشاط وزير الخارجية في كافة المحافل التي كان من الضروري أن يتواجد بها صوت أردني معتدل وواقعي بالشكل الدبلوماسي الذي تناولته الأوساط العالمية بشقيها المؤيدة والمعارضة لوجوده، وتمثل بتصريحات اتفاقيات المياه والكهرباء و الغبار الذي  طال رف وادي عربة[8] وسحب السفراء الذي لاقى تداولًا إخباريًّا عامًّا[9] وذلك ضمن التهديد بأي أجندة ينتهي بها أي مسار بالتهجير والوطن البديل اللذان يعتبران من الخطوط الحمراء على مستوى السياسة الخارجية الأردنية[10].

 تناول الجانب المؤيد للمصالح الإسرائيلية كما الأوساط الإسرائيلية ردود الأفعال الأردنية على أنها خطابات عدوانية حادة تجاه الحرب في طبيعة الأوصاف والمصطلحات التي تم تكرارها وتوجيهها للجانب الإسرائيلي بينما تم اعتبار هذه الحدة على أنها ناجمة من أبعاد شعبية استرضائية (للثقل الفلسطيني الأردني) في مجاراتها للتوتر الداخلي الشعبي والحساسية إزاء القضية الفلسطينية مما ساهم في تطور الخطاب زمنيًّا وذلك تم تحليله ضمن السياسة الأردنية الشعبية القابلة للتصعيد لكن ضمن قوالب داخلية لا تحمل مدلولات استراتيجية – لغاية اللحظة – في الأفق البعيد في التعامل مع الملف الإسرائيلي وتغيير في الوجهة السياسة الأردنية في المرحلة الانتقالية بعد عهد نيتنياهو إلى جانب التعقيدات الإقليمية وذلك يرتطم مع تناول الصفدي لاتجاهات أكثر حساسية في خطاباته، مثل؛ موضوع المياه وغبار اتفاقية وادي عربة الذي يطرح تساؤل هدوء ما بعد الحرب في الكابينت الإسرائيلي والبدء بفهم آلية التعاطي الإسرائيلية تجاه الأردن ضمن معادلة التعقيد الإقليمي الذي قد يُترك على نفس حاله أو يشهد اصطدام واسع النطاق يجعل من الحسابات التكتيكية أكثر صعوبة منها للبدء أو التنفيذ سواء من الجانب الأردني أو الإسرائيلي.

الشارع الأردني والمعادلة الأمنية

 يتناغم الموقف الأردني الدولي مع التوجهات الشعبية وحجم الروابط الوجودية بين الشعبين الأردني والفلسطيني، إلا أن حالة الشارع يمكن فهم أبعادها للجانب الإسرائيلي على أنها كمثل غيرها من المطالبات الشعبية في دولة أخرى متعاطفة فلسطينيًّا و تحمل معاني إقصاء كلي إسرائيليًّا ولكن الحالة الأردنية تشكل زخمًا أكبر في المخاوف سواء بشكل الاحتجاجات[11] أمام السفارة الإسرائيلية أو محاولات الاقتراب للحدود  وغيرها من الحوادث الاعتيادية في الأردن ضد إسرائيل، حيث تلتقي الأردن في حدودها الشرقية مع إسرائيل وتُشكل نقطة وصل (محطة عبور) لإسرائيل مع نقاط إقليمية مهمة في مخططات إسرائيل الاستراتيجية المستقبلية. ولذلك، قد تعد الصورة الداخلية للأردن من ناحية تصعيد وحشد شعبي انعكاسًا لمقاربات إسرائيلية قد تأخذ بالحسبان الانفجار المحتمل كأولوية معتدلة في التعامل مع الملف الأردني أو على الصعيد الآخر فإن حالة التصعيد الداخلي قد يؤخذ جانبها السلبي بحيز التوظيف الإسرائيلي الممنهج لملف الشروخ الهوياتية والأسئلة الأردنية التي يمكن أن يتم احتواءها تحت مظلة الاعتدال الأردني تحسبًا من استغلالها من قبل العديد من الأقطاب التي تسعى لتأجيج الوضع الداخلي تحت العديد من المنطلقات، وذلك يطرح تساؤل حول الخطوات التي ستتخذها الأردن لاحتواء مسألة قد تأخذ المنحنى السلبي الذي قد يتم توظيفه بسهولة في حالة توافر الفراغ لمن يملأه إقليميًّا.

نتنياهو والإرث المؤسسي الإسرائيلي

يعتبر وجود بنيامين نتنياهو في سدة الحكم في هذه الحرب عاملًا انتقاليًّا في فهم شكل الحكومة القادمة وطبيعة المطالبات الشعبية لأولويات المرحلة السياسية ما بعد الحرب في ظل بيئة سياسية تعاملت مع صدام تشريعي قضائي وموجة حادة من صعود اليمين الديني وضرورة تواجده سياسيًّا، فقد كانت وما زالت شخصية نتنياهو ترتطم مع الأردن في العديد من الملفات التي تعود لتاريخ دفين في شكل حلول التسوية والتصعيد المستمر في الضفة الغربية والقدس الشرقية على حساب الوجود الأردني الذي يتم مقابلته بحالة رفض لمناقشات تحتمل الأردن طرفًا حيويًّا فيها إلى جانب التصعيدات غير المبررة من الرموز الممثلة لحكومة نيتنياهو إزاء الأردن، فإن حكومته دائمًا ما تحمل في جعبتها حيزًا للأردن ولكن بشكلها السلبي الذي لا يُرجى منه الكثير وذلك يُشهد له حديثًا في محاولات القفز عن الأردن وموقعها ومكانتها إلى فواعل إقليميين جدد باحتمالية تعاون تكون فيها الأردن محطة عبور بمعناها الحرفي لا العملي وذلك ما يترك فراغ الدور الأردني محط استفهام لمدى القدرة على استصلاح مصالح حيوية تفوق البعد الأمني والاستراتيجي الذي  يتم تجاهله وتعقيده بسوء إدارة إسرائيلية إلى جانب استمرار الحرب في غزة واستكمال الضغوط في الضفة الغربية والقدس الشرقية، فهذا يترك تساؤلًا حول مدى القدرة على استمرار هذه الوسائل والأنماط اتجاه الأردن بعد المواقف الأردنية من الحرب والثقل الشعبي السلبي كليًّا إزاء إسرائيل؟

يمكن القيام بمحاولة ترتيب أولويات السياسي الإسرائيلي في الحرب بهذا الشكل؛ حالة الحرب الوجودية أولًا، عنصر حماس والاستفادة من توظيفه كعدو صريح ثانيًا، الإدارة الأمريكية ومحاولات إبقاء الوضع الراهن لأبعد فترة ممكنة في تحميلها العبء الإقليمي ثالثًا، ويتداخل في كل نقطة منهم محاولة احتواء الوضع الداخلي الإسرائيلي على الأصعدة كافة داخل المؤسسات الإسرائيلية، وهنا يمكن أن ننطلق من أن الأردن في ظل الحرب الجارية لا يقع ضمن أبرز الأولويات التي تهدد مصالح إسرائيل الوجودية وانطلاقًا من تهميش دوره سابقًا في الجوانب الإدارية واللوجستية والخطط الاقتصادية التعاونية فإن حالة مشابهة من الوضع الراهن سابقًا تشهده هذه العلاقة اليوم وأن تبعات اتفاقات أبراهام نشهدها في الأفق البعيدة لدور الأردن المحتمل في ظل تواجد كل من السعودية والإمارات وفي تغيير أدوار اللاعبين في أبرز الملفات منها ملف الوصاية الذي يطرح العديد من التساؤلات حول ماذا سيتبقى وماذا سيترتب لمثل هكذا قفز عن الأردن في ظل حرب مشتعلة ما يزال سيناريو التهجير فيها محط تخوّف حي، ويشغل صانع السياسة الإقليمية موضوع إيران وسوريا وقنوات التهريب وتصدي الأردن لها نقطة التقاء وتهديد للأردن وأيضا لإسرائيل التي تعتبر الخطر الإيراني تهديدًا وجوديًّا ودعائيًّا دائمًا لها.

توجهات إسرائيلية فاحصة اتجاه الأردن

في تحليل الخطابات الأكاديمية التي نشرت في الجامعات ومن قبل ذوي الخبرة الدبلوماسية في سياق التوصيات للحكومة الإسرائيلية حول الأردن وأبرز ما يمكن تداركه، فإنه وبالرغم من شحها إلا أنها كانت متقاربة في الطروحات التي نستطيع قراءة طابعها بأنها أقرب للاعتدال بسياق دبلوماسي يَعي محورية المقترب المصلحي مع الأردن انطلاقًا من أربعة اعتبارات يمكن قراءتها (يمين متورط، قيادة عسكرية تستعد، يسار وسط يدرس حسابته القادمة، متدين يفحص أفقه المؤدلجة).

 تركز هذه المقتربات على ضرورة رفع كفة الجانب الأردني ووضعه ضمن الأولويات الإسرائيلية بعد الحرب وذلك من اعتبار أن بقاء الأردن طرفًا في أي اتفاق مستقبليّ هو ضمانة على أي خطوة اسرائيلية في ظل هذا التوتر في الأرجاء وخاصة عند الحديث عن القدس الشرقية فإن أي تصعيد متراكم لا يخدم الطرفين وخاصة صورة الجانب الأردني ومكانته التي تستهين بها إسرائيل ولا تدرسها عمليًّا، مما ساهم إلى حد كبير بزيادة التعقيد الحالي، إذ تنطلق مثل هكذا طروحات إيجابية إزاء الأردن من اعتبار أن مثل هكذا توجيهات تم تقديمها مسبقًا للإدارات في كيفية كسب الطرف الأردني هي تراكمية تم ضبطها مسبقًا ودائمًا ما كان يتم تداولها في التوصيات للحكومة الإسرائيلية في شكل تفاعلها مع الأردن، كون التعاون المؤسسي الأردني[12] يفوق أي اتفاق مُعلق مشحون مع السعودية، على سبيل المثال في صيغتها التجاوزية لدور الأردن وليس لوجودها كاتفاق بحد ذاته، فإن شكل الحكومة القادمة سيكون بمثابة مؤشر لسؤال إما استكمال المنوال المتبع مع الأردن على غرار ما خلّفه نتنياهو مؤسسيًّا أو أن هناك مقترب جديد ذو منحى مغاير بالرغم من الحدة الحزبية والأيدولوجية سيأخذ الحوادث الإقليمية من بُعد استراتيجي آخر ويراكمه في المؤسسة الإسرائيلية للمستقبل.

الأردن وسط الضربات الإيرانية الإسرائيلية

مع عبور الرد الإيراني الموّجه نحو إسرائيل المساحات الأردنية أخذت الأطراف السياسية الدولية على اختلافها مسألة قولبة رد الفعل الأردنية في سياقات عديدة وعلى رأسها الجهات الإٍسرائيلية التي نشطت بدروها تحت المظلة الأمريكية بضرورة ترتيب الأدوار وتصحيح نقاط الضعف مع الأردن من نواحي الدعم الاستراتيجي بأشكاله على مدى أطول من باب خلق الفرص الإيجابية لشكل العلاقة الأردنية – الإٍسرائيلية القادمة[13]وذلك يقع ضمن التفسير الأول الذي يدور حول اشتراك الأردن بمساعدة أمريكية ضمن معادلة الدفاع عن إسرائيل بإٍسقاط الصواريخ الإيرانية، بالرغم مما قام به أيمن الصفدي الممثل للتوجه الأردني بدحضه من خلال المنطلق الرسمي الذي يتمحور حول السيادة الأردنية وضرورة الفصل ما بين العداء الإسرائيلي المتراكم وأمن الدولة الأردنية ضد النوايا الإيرانية التي تظهر على السطح بشكل نوعي من خلال شبكاتها حول الأردن.

وفي محاولات توظيف الحادث الأخير فإن بعض المعاهد  مؤخرًا[14]قامت بمقاربة وضعت أحداث ما تُعرف بـ “أيلول الأسود” أحد أطرافها من خلال حالة التدخل الإيرانية في المنطقة والثقل المحلي الداعم للحركات المؤيدة لإيران وحماس على أنها تزعزع أركان الدولة الأردنية وتدعم موجات الكراهية الكثيفة في الأردن باعتبار أن مشهد سبعينيات القرن الماضي في مواضع أخرى قد يتم إعادة استخدام وسائله، ومنه أيضًا طروحات وعناوين ومنها عنوان صحيفة نيويورك تايمز[15] الذي عدّ الأردن لاعبًا غير متوقع في الهجوم الإيراني، حيث سنشهد تطورًا ملحوظًا في المستقبل القريب بالشكل الذي يتم فيه استقبال المعطيات الأردنية مع أرضية خصبة للتحول في أشكال العلاقات بأسرها بين الأردن – إسرائيل – الولايات المتحدة يكون التنسيق بين أطرافها ضرورة تجنبًا لأي أخطاء غير محسوبة ضمن تراكيب سياسية قد تستفيد من تضخيم المشهد ودعم تأزيمه.

 بينما يُعتبر الوضع الداخلي الأردني بكل تفرعاته الاقتصادية والاجتماعية أحد محركات فهم معادلة المنطقة من بعض زوايا المنظور الإسرائيلي مثل معهد القدس[16]، فالأوضاع الاقتصادية التي يمر بها الأردن وطبيعة الردود الشعبية إزاء الحكومة الأردنية يتم اعتبارها مصدر تغذية تنقض عليه إيران ممثلة بحماس وأذرعها على سبيل المثال، فإلى جانب الدعم الأمريكي القادم فإن المواقف والمساعدات الخليجية بأشكالها المادية والمعنوية ستكون حاضرة خشية من أي مُستجدات  في استقرار الأردن وتأثير “الدومينو” للمنطقة بأسرها سياسيًّا مما يضاعف حالة اللايقين التي تتمركز منذ بداية الحرب وتجعل من العقبات الصغيرة مواضيع سخط بحد ذاتها للأنظمة ومشاكلها العالقة مع شعوبها.

ملاحظات واستنتاجات

ينتهي التقرير بمجموعة ملاحظات وخلاصات أخذت حيزًا في هذه المادة من خلال نوعية وتوافرية المصادر التي قام التقرير بتحليلها، من أبرزها:

 1) محدودية المصادر التي تتناول (الأردن وإسرائيل) موضوعًا لسؤال العلاقة في الحرب الحالية وذلك رغم دخول الحرب في النصف عام من تاريخ بدئها (وننطلق من عدة تفسيرات لهذه الملاحظة قام التقرير بتحليلها وهي تتمثل بسلّم الأولويات الإسرائيلي في الحرب الحالية والتعقيد الإقليمي الدولي، التوتر الأردني السابق مع الحكومة اليمينية التي أبعدت الأردن تدريجيًّا عن المشهد وسعت لتقويض أهميته بأشكالها كافة، اعتبار أن الملف الأردني إن تم تعاطيه بشكل أكثر جدية فإنه سيفرض وقائع تعمل على تعقيد مسألة تأزم العلاقة مع بدء الحرب الحالية).

2) يغلب الطابع المعتدل – الدبلوماسي في الطروحات المبادرة حول الأردن بينما وجدنا غياب في السياق الأكاديمي الذي يتناول الأردن من منطلقات يمينية محافظة على صعيد العلاقات الخارجية والأدوار المتوقعة.

3) صعوبة الوصول لبعض مواقع مراكز الأبحاث الإسرائيلية بروابطها الإلكترونية إما لأسباب في حجب المواقع أو إشكاليات صيانة واجهة المعاهد الإلكترونية.

 4) ملاحظة أن غالب الطروحات المعتدلة ليست لحظية أو جراء أحداث الحرب بل ترتكز على سلسلة أعمال سابقة كمقالات وأوراق قرار تبنت مسبقًا، على مدار فترة الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترمب وجولات أبراهام، صياغات توصي باحتواء الأردن وتجنب أشكال التصعيد المختلفة.

5) اشتراك الطروحات التي قام التقرير بتحليلها في العديد من النقاط الأساسية التي تدخل في صميم اعتبار الأردن طرفًا محوريًّا في أي شكل علاقة مستقبلية متوقعة مع إسرائيل ويجب مراعاة خصوصية الأردن على صعيد الأمن القومي والخصوصية في الضفة الغربية والقدس الشرقية.

6) لوحظ في المقارنة والبحث بين التصورات الإسرائيلية التي ركز التقرير في البحث عليها أنها مشابهة أو تشترك في الطابع الدبلوماسي الأمريكي من ناحية جانب رفع قيمة المصالح وتركيبة الأولويات الأردنية الداخلية والخارجية.

7) اقتصار التغطية للأحداث الأردنية في الأغلب الأعم على المواقع الإخبارية التي تتناول الشؤون الإقليمية والعالمية ومواقع التواصل الاجتماعي بصيغتها الإخبارية.

8) من المرجح أن هناك علاقة يمكن بحثها حول أن غالب الشخوص الأكاديمية التي تدعو لاحتواء الجانب الأردني كانت قد خدمت في المؤسسات العسكرية وفي الأقسام المنوطة بالأمن القومي وذلك انعكس بعد تجارب وانتهاء خدمة على التصور الذي يحملونه اليوم اتجاه المصالح الأردنية-الإسرائيلية.


[1]Ruth Yaron, The Israel-Jordan Relationship: Jordan’s Strategic Anxiety Requires More Israeli Attention, October 2023, https://jstribune.com/yaron-the-israel-jordan-relationship/

[2]Shaul Shay, Jordan and the War on Gaza, October 19, 2023, https://ict.org.il/jordan-and-the-war-in-gaza/

[3]Adam Sharon & Ofir Winter, Jordan and the War in Israel: Between Public Opinion and Diplomacy, October 25, 2023, https://www.inss.org.il/social_media/jordan-and-the-war-in-israel-between-public-opinion-and-diplomacy/

[4]Eran Lerman, Jordan’s role in a possible Saudi-Israeli-American deal: A vital link in the chain, October 8, 2023, https://jiss.org.il/en/lerman-jordans-role-in-a-possible-saudi-israeli-american-deal/

[5]Orit Miller, הגיע הזמן שבישראל וירדן יבינו ששלום הוא לא רק על הנייר | מילר כתב February 6, 2024, https://www.maariv.co.il/journalists/opinions/Article-1073885

Shay Har-Zvi, הגבלת כניסת ערביי ישראל להר הבית – חבית נפץ מול ירדן | דעה, February 20, 2024, https://m.maariv.co.il/journalists/opinions/Article-1077703

[6] King Abdullah II, King of Jordan: A two-state solution would be a victory for our common humanity, November 14, 2023, https://www.washingtonpost.com/opinions/2023/11/14/king-abdullah-jordan-two-state-solution/

[7]Marc Rod, Jordan’s queen downplays role of Oct. 7 as cause of the war in Gaza, February 28, 2024, https://jewishinsider.com/2024/02/jordans-queen-downplays-role-of-oct-7-as-cause-of-the-war-in-gaza/

[8]القدس العربي، ملك الأردن “غاضب” والغبار طال رف “وادي عربة”.. الصفدي يلوح بـ” تجميد متدرج” للمعاهدة ويلغي “المشروع الإماراتي”، نوفمبر،16،2023. https://www.alquds.co.uk/%D9%85%D9%84%D9%83%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%86-%D8%BA%D8%A7%D8%B6%D8%A8-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%B7%D8%A7%D9%84-%D8%B1%D9%81-%D9%88%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D8%B9%D8%B1/

[9]Lazar Berman, Jordan recalls ambassador from Israel to protest carnage in war with Hamas, November 1, 2023, https://www.timesofisrael.com/jordan-recalls-ambassador-from-israel-to-protest-carnage-in-war-with-hamas/amp/

[10]الجزيرة, ملك الأردن يحذر من محاولة تهجير اللاجئين إلى عمان ومصر، أكتوبر،17،2023، https://www.aljazeera.net/amp/news/2023/10/17/%D9%85%D9%84%D9%83%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%86-%D9%8A%D8%AD%D8%B0%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D9%85%D8%AD%D8%A7%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%AA%D9%87%D8%AC%D9%8A%D8%B1

[11] Reuters, Jordanians marching on Israeli embassy clash with police, call to ‘bomb Tel Aviv’, March 25, 2024,https://www.timesofisrael.com/liveblog_entry/jordanians-marching-on-israeli-embassy-clash-with-police-call-to-bomb-tel-aviv/

[12]Shay Har-Zvi, Jordan – Between Strategic Interests and Domestic Constraints, September, 2023,  https://www.runi.ac.il/en/research-institutes/government/ips/activities/newsletter/har-zvi-17-11-23e/

[13]Ofir Winter, A Warming Peace: Jordan´s Role in Curbing Iran´s Attack, April 16, 2024, https://www.inss.org.il/social_media/a-warming-peace-jordans-role-in-curbing-irans-attack/

[14] Ruth Wassermann Lande, Unity is more than just a naïve cliché, it’s a matter of national security – opinion, April 12, 2024, https://www.jpost.com/opinion/article-796598

[15] Liam Stack, An Unexpected Player in Israel’s Defense: Jordan, Home to Many Palestinians, April 14, 2024, https://www.nytimes.com/2024/04/14/world/middleeast/jordan-israel-iran-drones.html

[16] Yoni Ben Menachem, Iran and Hamas Are Seeking to Destabilize the Jordanian Government, April 7, 2024, https://jcpa.org/iran-and-hamas-are-seeking-to-destabilize-the-jordanian-government/

زر الذهاب إلى الأعلى