معهد السياسة والمجتمع يطلق العدد الأول من “المجلة الأردنية للسياسة والمجتمع”

            أطلق معهد السياسة والمجتمع اليوم الأربعاء العدد الأول من دوريته الفصلية، المجلة الأردنية للسياسة والمجتمع”، وتضمن العدد مجموعة من التحليلات والمقالات الرئيسية؛ ويبدأ العدد بكلمة لرئيس مجلس المستشارين في المجلة، عبد الكريم الكباريتي، رئيس الوزراء الأسبق، الذي تحدث عن أهداف المجلة وأهمية مراكز التفكير في صناعة العمليات السياسية في العالم اليوم، والفجوة الموجودة في العالم العربي ما بين مراكز التفكير من جهة والمسؤولين وصناع القرار والسياسيين من جهةٍ أخرى، ودعا الكباريتي إلى تعزيز أدوار مثل هذه المجلة وغيرها من مجلات معنية بتنوير صناع القرار والسياسيين بالقراءات والتحليلات والبدائل والخيارات الاستراتيجية في التعامل مع التطورات والأحداث.

          ويبدأ العدد بمقابلة خاصة مع رئيس الوزراء الأسبق، العين سمير الرفاعي، رئيس لجنة  تحديث المنطومة السياسية، إذ تتناول المقابلة معه مجموعة من الملفات المهمة والرئيسية؛ من ضمنها تحليل وتقييم الدبلوماسية الأردنية خلال الحرب على غزة، والأهداف التي سعى إليها الأردن في سياسته الخارجية، ومدى نجاح الدبلوماسية الأردنية في ذلك، بخاصة الحفاظ على المعادلة الدقيقة، التي أشار إليها الرفاعي، عبر علاقات إيجابية وقوية مع جميع الأطراف، والالتزام بالنهج العقلاني المعتدل الواقعي في إدارة شؤون الدولة!

              أمّا على صعيد المعادلة الداخلية ومدى إمكانية تأثّر مشروع الإصلاح والتحديث السياسي بتداعيات وتبعات الحرب على غزة، فإنّ الرفاعي يستبعد ذلك، ويرى أنّ عقد الانتخابات النيابية والإشارات الصادرة من الملك تؤكّد على عدم التراجع عن هذا الخط السياسي.

            وعلى صعيد السياسة الخارجية الأردنية والحرب على غزة، حمل العدد مقالين يتباينان في “عدسة الرؤية”؛ الأول لعميد كلية الأمير الحسين للعلوم السياسية والدراسات الدولية، د. حسن المومني، الذي يحلل محددات السياسة الخارجية الاردنية في الحرب على غزة، ويؤكد على أهمية أن يكون الأردن قادراً على إدارة علاقاته بالمنطقة بما يخدم مصالحه الاستراتيجية مع جميع الأطراف، وبالرغم من اعترافه بأهمية الرأي العام في عملية صنع السياسة إلاّ أنّه يرى ضرورة الالتزام بالتفكير الواقعي والعقلاني في التعامل مع الملف الفلسطيني، وعدم رفع سقف التوقعات من إمكانيات الأردن، ويختلف المومني مع التحليلات التي تتوقع صداماً أردنياً- إسرائيلياً في المرحلة القادمة، إذ يرى أنّ الدولة العميقة في إسرائيل، التي تدرك أهمية الأردن الاستراتيجية، ستعمل على تجنب أي صدام والحفاظ على العلاقات الاستراتيجية والأمنية مع الدولة الأردنية.

            على الطرف المقابل، يناقش المستشار الأكاديمي في معهد السياسة والمجتمع، وأستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية، د. محمد أبو رمان، مسألة الأمن الوطني الأردني والقضية الفلسطينية، محللاً الاتجاهات الرئيسية في أوساط النخبة السياسية المقربة من صنع القرار في قراءتها للعلاقات الأردنية- الفلسطينية، ويقسمها إلى التيار المحافظ التقليدي (الذي يرى أهمية الحفاظ على درجة من الواقعية والعقلانية والعلاقة الاستراتيجية مع إسرائيل)، والتيار اليميني- الجديد الذي يعكس مخاوف داخلية أردنية على موقفه من السياسة الأردنية تجاه القضية الفلسطينية، ويسعى إلى الانفصل والفصل الكامل عن الملف الفلسطيني، بينما هنالك اتجاه نخبوي جديد في أوساط القرار وحولها لا يقدم مقاربة متكاملة لكنه يطرح أهمية مراجعة التحولات والمتغيرات البنيوية التي تحدث اليوم في إسرائيل والمنطقة، وضرورة تجاوز الرؤية التقليدية، التي لا ترى حجم التحولات الاستراتيجية ولا التغيرات الديمغرافية والثقافية التي تحدث في إسرائيل خلال الأعوام الأخيرة وتبخّر الإمكانية الواقعية لبناء دولة فلسطينية تلبي الحدود الدنيا من مطالب الفلسطينيين، ويحاجج أبو رمان في مقالته بوجود تحديات جديدة وخطيرة للأمن الوطني الأردني والمصالح الحيوية الأردنية مرتبطة بما يحدث في فلسطين، وهو أمر يمس العديد من الملفات الوطنية، مما يستدعي تطوير نظرية وطنية جديدة وتعزيز العلاقات مع الفلسطينيين واجتراح مقاربة جديدة بتداخلات أردنية أكثر فعالية، بخاصة في نطاق الضفة الغربية والقدس.

            على صعيد متصل بتحليل تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة على السياسات الأردنية يرى د. إبراهيم سيف، وزير الطاقة والصناعة والتجارة السابق، والخبير الاقتصادي الاردني أنّ  الموازنة لهذا العام استندت على افتراض بأن النمو في الناتج المحلي الإجمالي سيكون بنسبة 2.8%، ولكن استمرار الحرب في غزة أثر سلبًا على الاقتصاد الأردني وخاصة على قطاع السياحة الذي شكل 13.8% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023. كما تناول د. سيف أثر مقاطعة المنتجات والخدمات الغربية المنتجة في الدول التي لها علاقات مع إسرائيل على انخفاض الاستهلاك كما أثرت حالة عدم اليقين في المنطقة، خاصة في القطاع الخاص، على الاستثمارات المحلية والخارجية من خلال تأجيل أو إلغاء الكثير الاستثمارات.

ويخلص د. سيف في مقاله الى أن التحديات المالية العامة في عام 2024 وما بعده ستتفاقم. متوقعًا أن تلجأ الحكومة إلى المزيد من الاقتراض، والعمل على تحسين كفاءة الإنفاق العام، وتحفيز القطاع الخاص على الشراكة مع الحكومة لتجنب تباطؤ النمو الاقتصادي. ويرى د. إبراهيم سيف بأن الأردن اليوم مطالب أكثر من أي وقت مضى بمتابعة أجندة الإصلاح الخاصة به، مع التركيز على المجالات التي لها تأثيرات اقتصادية واجتماعية.

            وعلى صعيد فهم التحولات الاستراتيجية التي تحدث في إسرائيل فيكتب أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأردنية وجامعة قطر، حسن البراري، مقالاً عن تأثير الحرب على السياسات الداخلية الإسرائيلية، وعلى الانقسامات داخل إسرائيل، الذي يتوقع أن تصل في مرحلة قريبة إلى درجة الصدام، وتفكك الائتلاف الحاكم الحالي في إسرائيل وبروز حكومة جديدة خليط أقرب إلى يمين الوسط.

            وفي السياق نفسه يأتي تقرير ميرنا السرحان، الباحثة المساعدة في معهد السياسة والمجتمع، في رصد وتحليل ما تنتجه مراكز التفكير في إسرائيل فيما يتعلق بالأردن والسياسة الأردنية تجاه إسرائيل، إذ يلاحظ التقرير أنّ النظر إلى الدور الأردني في الحرب على غزة بوصفه ثانوياً وليس رئيسياً ولا مؤثراً، وترصد السرحان أيضاً أنّ هنالك محدودية في المواد والتحليلات المتعلقة بالأردن في هذه المراكز، لكن أغلبيتها تركز على ضرورة إبقاء العلاقات الاستراتيجية مع الأردن وعدم المساس بها، وأهمية الاستقرار السياسي في الأردن.

            على صعيد السياسات الفلسطينية تأتي مقالة أستاذ العلوم السياسية في جامعتي بيرزيت وقطر، أحمد جميل عزم، لتحلل التطورات والتداعيات الاستراتيجية للحرب على غزة على الوضع الفلسطيني، ويرى عزم أنّ القاعدة في العمل الكفاحي تتمثل في أنّ “البندقية تزرع والسياسة تحصد”، لكن الحالة الفلسطينية مختلفة، وتشهد حالة من العجز السياسي الملموس، ففي الوقت الذي تعاني فيه حركة فتح من العديد من المشكلات وتواجه السلطة الفلسطينية طريقاً مغلقاً في مشروعها ورهاناتها السياسية؛ فإنّ حركة حماس هي الأخرى لن تنجح بأن تكون بديلاً مقبولاً عالمياً وعربياً ولا حتى لدى كمشروع مهمين في المشهد الفلسطيني، والمشكلة – كما يرى عزم- تتمثل في منطق “اللعبة الصفرية” بين الفصائل الفلسطينية، التي تجعل العلاقة بينهما مشوبة بغياب الثقة وبالعجز عن الوصول إلى مشروع وطني توافقي يغلّب المصالح العليا للشعب الفلسطيني اليوم.

            إذا انتقلنا من السياقات الفلسطينية- الإسرائيلية- الأردنية فإنّ أستاذ العلوم السياسية والباحث السياسي، فراس الياس فإنّه يقدم تأطيراً للموقفين التركي والإيراني خلال الحرب على غزة، فيما يقدّم الباحث السوري، فضل يانجي، تحليلاً للحالة السورية خلال الحرب على غزة.

            على الصعيد العالمي، يساهم أستاذ العلوم السياسية، ناثان براون، في هذا العدد عبر مقالٍ تحليلي للسياسات الاميركية في الشرق الأوسط في المرحلة القادمة، وبعدما يقوم براون بتحليل الحسابات والسياقات الدولية والإقليمية والداخلية الأميركية التي أطرت موقف إدارة بايدين فإنّه يتوقع أن تبتعد الإدارة الأميركية في المرحلة القادمة عن العمل العسكري وتستثمر أكثر في الديبلوماسية المحدودة، وصولاً إلى الحفاظ على المصالح الأميركية الصلبة في المنطقة.

            أمّا مراد الشيشاني، مدير مجموعة ريماكس لتحليل العنف، فيحلل الأبعاد والتداعيات التي يمكن أن تنعكس أمنياً على المنطقة بسبب الحرب على غزة، ويتوصل إلى خلاصة أنّ المرحلة القادمة ستشهد تعزيزاً لرواية الجماعات الجهادية وسرديتها وقدرتها على توظيف الأحداث الحالية لإحداث موجة جديدة من الراديكالية وتجنيد العديد من الشباب العربي والمسلم على هذه القاعدة.

حسن جابر، الباحث في معهد السياسة والمجتمع؛ قدم تحليلًا لتداعيات، محفزات، واستراتيجيات جماعة أنصار الله (الحوثيين) بانخراطهم في الصراع بعد السابع من أكتوبر. كما يسلط الضوء على تداعيات واستقرار وأمن البحر الأحمر وأثره على الشرق الأوسط.

ولأنّ الحرب على غزة محفوفة في الحديث عن المؤامرات الدولية والإقليمية، التي تأخذ حيزاً مركزياً في الثقافة العربية فإنّ  مجال الباحثة المساعدة في معهد السياسة والمجتمع، أبرار العبويني، قامت بمراجعة كتاب “نظرية المؤامرة في المنظور النفسي” لجون بروجين، وهو عالم نفس سلوكي معروف، ويُقدم الكتاب تحليلا نظريا على مدى تأثير نظريات المؤامرة في توجيه حياة الأفراد وخياراتهم، وكيف أدت لظهور أيدلوجيات مختلفة وتيارات شعبوية أظهرت تأثيرها في الفضاء السياسي؛ لذلك يرى بروجين مدى أهمية دراسة نظريات المؤامرة بجدية حتى ولو كنا نرفضها، فقد أصبحت ظاهرة مجتمعية تسيطر على العقول، فالمغزى من هذا الكتاب ليس تفسير صحة هذه النظريات من عدمه، بل معرفة ودراسة وتحليل السمات الشخصية لمن يؤمن ومن لا يؤمن بها، وقد بُنيّ هذا الكتاب منخلال مناقشات جادة بين بروجين وبين صفوة من الباحثين في علم نفس نظريات المؤامرة.

لتحميل المجلة أنقر على الصورة أدناه

زر الذهاب إلى الأعلى