في حوار شامل مع المجلة الأردنية للسياسة والمجتمع الرفاعي: الهدف الاستراتيجي هو الحفاظ على الأردن
• مسؤولون كثر يخيفهم الحديث بصراحة أمام الأردنيين، وتحصين الجبهة الداخلية بالمعلومات والمكاشفة
• لا تأثير للحرب على غزة على مسار مشروع التحديث السياسي بالأردن الذي أراداه جلالة الملك منذ بداية عهده
• لا يوجد خطر حقيقي للتهجير وقادرون على تبديد أمنيات بعض أعضاء الحكومة اليمينية المتطرفة الإسرائيلية
• يتحمل الأردن أكثر من قدرته على الاستيعاب ويتجنب سيناريوهات دول دفعت ثمن قرارات خاطئة وفي أحيان كثيرة علينا أن نمشي خطوتين للأمام وخطوة للخلف
• رسالتي للقوى السياسية أن لا نستغل أوضاعاً خارجية للتشكيك بمواقف بعضنا البعض، وألا نغتنمها لتكون بديلة عن برامج عمل سياسية حقيقية
• أهم شيء لكل حزب أن يكون برنامجه وطنياً وتمويله وطنياً وولاؤه وطنياً وألا يُرفع علم فوق العلم الأردني
• إيران لم تردّ إلا بعد أن استهدفت إسرائيل قنصليتها في دمشق وقتلت 7 ضباط بارزين من الحرس الثوري وتصوير الردّ الإيراني على أنه لأجل غزة بعيد عن الحقيقة
• الطرف المنتصر في الحرب، هو من يتمكن بالمحصلة من الضغط تجاه الوصول إلى الدولة الفلسطينية وتوجيه الدعم الغربي لغزة وإعادة بناء القطاع
• قوة الأردن بقدرته على أن يتحدث مع الجميع وألا يوضع في دائرة مغلقة كي لا يضيع الهدف الاستراتيجي وهو الحفاظ على الأردن
• أنا مع فكرة إبقاء الضغط بكل الاتجاهات سواء داخل إسرائيل أو خارجها للوصول لهدف السلام، وإقامة الدولة الفلسطينية
على ضوء الوقائع الجسيمة التي يعيشها قطاع غزة بعد مرور أكثر من 8 شهور من بدء العدوان على القطاع، وما تشهده الضفة الغربية من أحداث أمنية خطيرة متمثلة بالمضايقة على الفلسطينيين، وتوسيع رقعة الاستيطان، وفي ظل الغطاء والدعم الغربي والأمريكي المتواصل لتل أبيب، والفشل المستمر في التوصل لتسوية أو هدنة، والذي يقابله تصعيد رسمي أردني غير مسبوق في العقدين الأخيرين قاده الملك عبدالله الثاني بنفسه، وناوأ به اليمين الإسرائيلي، ووصف ما تقوم به إسرائيل بـ”الإبادة الجماعية”، إلى جانب الجهود التي تقودها الدبلوماسية الأردنية، في ظل التوتر المتصاعد الذي تشهده العلاقة الأردنية – الإسرائيلية، الأمر الذي يطرح تساؤلات عديدة حول موقف السياسة الخارجية الأردنية والتحديات في المرحلة القادمة على الصعيد الخارجي وعلى صعيد الجبهة الداخلية.
على وقع هذه الأحداث أجرت المجلة الأردنية للسياسة والمجتمع (JPS) عبر رئيس التحرير د. محمد أبو رمان حوارًا مع رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، ورئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية في 15 أبريل/نيسان 2024.
يُذكر أن الحوار نُشر كاملًا في المجلة الصادرة عن معهد السياسة والمجتمع باللغة الإنجليزية، وتاليًّا نص الحوار باللغة العربية:
JPS: فيما يتعلق بالبعد الإيراني الإسرائيلي، هل تعتقد أن للضربة التي شنتها إيران على إسرائيل، قبل نحو شهرين، تأثيراً على مستقبل الحرب على غزة؟ وهل نقيمها بشكل إيجابي أم سلبي؟
الرفاعي: عند الحديث عن أحداث معينة، فيجب أن ننظر إليها من سياق أوسع، والسياق الأوسع في القضية الفلسطينية هو الانتهاء من حالة الاحتلال الإسرائيلي وقيام دولة فلسطينية غرب النهر ذات سيادة كاملة، وما حصل بعد “السابع من أكتوبر”، وردّة الفعل الإسرائيلية خلال أكثر من ستة أشهر الماضية، والقرارات للحكومية اليمينية المتطرفة لحكومة بنيامين نتنياهو، والمجازر والتدمير والقتل والمجاعات التي تُرتكب؛ هو الذي يُركز عليه جلالة الملك عبد الله الثاني، والموقف الأردني بشكل كامل في آخر8 شهور، بالإضافة للدعم المتواصل لرؤية حل الدولتين الذي تمت صياغته منذ عشرات السنوات، وسيبقى إلى أن يُصبح حقيقة على أرض الواقع. كما أن هنالك تغييراً في المزاج العام تجاه إسرائيل عالميًا، حيث تكشّف الوجه الحقيقي لهذه الحكومة واليمين الإسرائيلي المتطرف، وتأكد عدم وجود نية حقيقية لديها لإرادة السلام أو لقيام دولة فلسطينية، وعلى ما يبدو لا يوجد مشكلة لدى الحكومة الإسرائيلية في حجم التدمير والقتل واستغلال الحرب لضمان بقاء هذه الحكومة في السلطة، وبالتأكيد عندما زاد ضغط المعارك في غزة، وعندما تحول المقربون من إسرائيل للضغط باتجاهات داخلية على إسرائيل لتغيير الصورة السياسية في إسرائيل وفتح معابر؛ قامت الحكومة الإسرائيلية باستفزازات مستمرة تحاول بها تشتيت الضوء والتركيز عن معاناة غزة، وضرب القنصلية الإيرانية في دمشق يعدُّ جزءًا من هذا الاستفزاز. وأما ردة الفعل الإيرانية، فقد جاءت جوابًا على هذا الاستفزاز الإسرائيلي، وليس لوجود أكثر من 33 ألف ضحية فلسطينية في غزة، والمعاناة المستمرة لأكثر من ستة أشهر في غزة، لذلك عندما نقيس الأمور، هل من مصلحة الفلسطينيين أن يتم إزالة التركيز عن غزة، وفتح جبهة مرة ثانية لقتل واستباحة المدنيين بسبب انشغال العالم في قضايا أخرى؟
منذ اليوم الأول للحرب، جلالة الملك عبد الله الثاني يحذر من خطورة توسع رقعة الصراع، وبالتأكيد هذا ما تقوم به الحكومة اليمينية الإسرائيلية، وأنا اعتقد شخصيًا أن الضربة الإيرانية جاءت جوابًا على ضرب القنصلية في دمشق وانتهاك سيادة إيران، ولكن السؤال هل خدم الرد الإيراني القضية الفلسطينية؟
أنا اعتقد أن خدمة القضية الفلسطينية هي باستمرار الضغط على الحكومة الإسرائيلية الحالية بفتح المعابر وإنهاء الاحتلال، وأما أي شيء يخلق حالات أخرى لا يصب في مصلحة الفلسطينيين، ولا المنطقة بشكل كامل، لأنني أعتقد اليوم أنه كلما زادت المنطقة التهاباً، دفع الثمن أبناء المنطقة أنفسهم، خاصة وجود أصحاب نفوذ يحاولون استخدامه لزيادة مصالحهم الذاتية وليس لبحث حل حقيقي يخدم دول وأبناء المنطقة.
JPS: هل من الممكن القول إن مقابل هذه القراءة يوجد قراءة أخرى تقول: إن دخول إيران بهذه الصورة على الحرب -حتى ولو رمزياً-، يُمكن أن يعيد تشكيل موازين القوى الإقليمية، وبالتالي يؤدي للفت الانتباه أن إسرائيل ليست منفردة في موضوع غزة، بل هنالك محور إقليمي يقوم بعملية إيجاد توازن قوى مع إسرائيل؟
الرفاعي: كنت سأفهم هذه القراءة لو حدث شيء في بداية الحرب في غزة، فلو أن إيران وميليشياتها في كل الدول المتواجدة فيها شنت هجوماً على إسرائيل لحماية غزة، ونفذوا عقيدتهم بأن دولة إسرائيل لا يجب أن تكون موجودة، وأن تحرك الأذرع الإيرانية حمل عنوان: “نحن غير قابلين لما يحصل بغزة وقررنا الدخول في هذه المعركة”، ربما يُصور حصول ذلك في الحدود الشمالية مع لبنان وأيضاً في اليمن، ولكن نتائج التصعيد في هاتين الجبهتين أثرت بشكل مباشر في المنطقة وليس على لإسرائيل في نهاية الأمر، وأما إيران فلم تقم بالتصعيد الأخير عبر المسيرات والصواريخ إلا بعد أن تم استهداف قنصليتها في دمشق ومقتل 7 ضباط بارزين من الحرس الثوري، فأنا أعتقد أن تصوير الهجمة الإيرانية بأنها لأجل غزة بعيد عن الحقيقة، ولكن الخيارات اليوم تشير إلى وجود خيار يتلخص في تأخير التدخل لبعد سنة عبر الضغط الدبلوماسي والدفاع لحماية الشعب الفلسطيني، ويوجد معسكر آخر يعتقد بأن دولة إسرائيل يجب أن تزال من الخارطة، ولكن الذين يعتقدون ذلك لا يقوموا بأي شيء في هذا الاتجاه عملياً، وحتى عند القيام بتحركات في هذا الاتجاه، تكون لتحقيق مصالح شخصية وفقًا لقراءتهم للمشهد.
اعتقد اليوم أن هذه الحكومة الإسرائيلية التي رفضت الانصياع لقرارات العالم، ورفضت الانصياع لقرارات مجلس الأمن، وكل هذه الأمور حدثت للفت التركيز والاستمرار بالضغط على إسرائيل للوصول لحياة أفضل للفلسطينيين وإيقاف الحرب والدمار، اليوم أُعطينا نفس جديد بأنه في نهاية المطاف الدول تقول أننا نقف مع فلسطين، ولكن عندما يصبح هناك خوف على إسرائيل، فإن المجتمع العالمي يقف مع إسرائيل بلا حدود، وأظن أنه ولأول مرة يرى الناس أن إسرائيل ليست ضحية، لكنها عادت بعد الضربة الإيرانية للمربع الأول وهو لعب دور الضحية، وأعتقد أنه لا يجب تركيز الجهود على أن ما يحصل في فلسطين وغزة من قتل وتجويع مشكلة بلا حل، وإن قلنا إن الحل عسكري سيوقف المجتمع الدولي عسكرياً مع إسرائيل، إلا أن الضغط الدبلوماسي وعدم توسعة رقعة المعركة هو الحل، خاصة أن أي توسعة للصراع سيدفع ثمنها المواطن العربي والفلسطيني بشكل خاص.
JPS: نريد قراءة للوضع الإقليمي والموقف الأردني في الحرب على غزة، وتداعيات ذلك على الموقف الإقليمي والأردني، والسؤال هو: يوجد الآن داخل الأوساط السياسية تباين في وجهات النظر، هنالك من يرى أن الأردن اتخذ الموقف المطلوب في الدفاع عن الأشقاء الفلسطينيين في غزة، واتخذ مواقف دبلوماسية مطلوبة إلى مدى بعيد، ودخل المعركة بشكل كبير، وهنالك من يحذر ويخشى أننا لا نريد أن نفقد وضعنا الإقليمي بسبب حسابات غير دقيقة، خاصة أنه هنالك ترتيبات إقليمية واضحة في المرحلة القادمة، هذه الترتيبات على حساب الذين يعتبروا خاسرين في المشهد الحالي، السؤال الأساسي هو، بتقديرك كيف تقيم الموقف الأردني؟ وما هي المعايير التي حكمت وصولنا لهذه المرحلة؟ وما هي النقاط التي يجب أن نستدركها في المرحلة القادمة؟
الرفاعي: بداية الاختلاف بالرأي وحتى في الشارع الأردني شيء صحي، وبالعكس نريد أن يكون الأردن دولة متفتحة تسمح بالرأي والرأي الآخر وفيها مساحة لحرية التعبير عن الرأي، وهذا التعبير طالما أنه لا يسيء ولا يُخوِن ولا يَضر بمصالح الدولة الأردنية، فهو مرغوب وإيجابي. عندما وقع الجانب الفلسطيني اتفاقية أوسلو مع إسرائيل، ذهب الأردن بعدها باتجاه اتفاقية وادي عربة، وأصبح هنالك رؤية بأنه: إذا قرر أصحاب الشأن أن السلام والمعاهدات الطريق الأفضل للوصول لدولة فلسطينية، فنحن دخلنا في اتفاقية وادي عربة التي أعدنا بها الحدود المشتركة، باستثناء الجزء غير المرسم بين الجانب الفلسطيني والجانب الإسرائيلي، ولذلك يستثمر الأردن اليوم باتفاقية وادي عربة والعلاقات مع إسرائيل من أجل فلسطين، فعندما يرسل الأردن المساعدات لأهلنا في غزة، لم يكن ليتم ذلك دون وجود اتفاقية سلام وتنسيق مع الجانب الإسرائيلي، وعندما يتحدث الملك دائماً عن محاولات الإسرائيليين الاستفزازية المستمرة في الضفة الغربية، ونحن نرجع دائما للدبلوماسية كأداة ضغط لتحقيق التهدئة ووقف الاستفزازات، وعندما نساند الوصاية الهاشمية الأردنية على القدس، ونساند القيادة الفلسطينية ونتحدث في المنابر المختلفة، لأن التوجه العالمي اليوم يُريد السلام.
لذلك فإن الموقف الأردني لم يتغير منذ أن قررنا أن هذا هو الطريق الوحيد، وبعد أن دفع الأردن الكثير من مقدراته وشهدائه، للدفاع عن فلسطين، يستمر الموقف الأردني بلا تغيير اليوم، لأن الأردن يدعم منظمة التحرير الفلسطينية، والتي هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني والتي تقول: ما زلنا نؤمن بالسلام ونريد الذهاب باتجاه السلام، وبذلك فإن الأردن داعم مثل كثير دول من العالم للوصول لهذا السلام، وفي غزة أصبح هناك شعور بأن المقاومة تستطيع حل القضية الفلسطينية بطريقة مختلفة، كان هنالك نشوة بأن مجموعة استطاعت أن تأخذ ألف رهينة، وأن يدفع الجيش الإسرائيلي والدولة الإسرائيلية ثمن ذلك.
مضى اليوم أكثر من ثمانية أشهر ونحن نرى أمام أعيننا المجازر التي تحصل، وعدم استعداد أي طرف للقيام بأي شيء، باستثناء الضغط وإرسال المساعدات، ووضع الحكومة اليمينية الإسرائيلية في موقع لم تكن فيه أي حكومة إسرائيلية من قبل. أعتقد اليوم موضوع هوية الفائز في المعركة هو الذي يحقق دولة فلسطينية وحل دولتين في نهاية المطاف، والدعم الغربي لغزة والقدرة على إعادة بناء القطاع والضغط بكل العلاقات الدبلوماسية تجاه تحقيق ذلك.
عندما يرى أي إنسان ما يحصل في غزة يفكر أحيانًا بعاطفة، ولكن في السياسة أحياناً يجب على السياسي أن يضع عواطفه في “ثلاجة” ويفكر بعقله، فما هو الذي نريده في نهاية المطاف؟
أحياناً القرارات الشعبوية تحاكي مشاعر الناس الحالية، ولكن إذا انساق المرء خلف مشاعره فقط، يرى بأنه يمكن أن يكون يؤذي مصالحه الوطنية بنفس الطريقة التي يحاول بها حل مشاكل الآخرين، ويدفع ثمناً كبيراً، ويعود لنقطة الصفر أو لتحت الصفر لما كان عليه، لذلك فإن الموقف الأخلاقي والموقف ذو المبادئ والموقف انساني، ومصالح الدولة العليا التي تتلخص بأن الدولة مسؤولة عن حماية نفسها ليس فقط لليوم الحالي، بل وللغد ولمئة سنة مقبلة، وبالتالي فإن الأردن وضمن كافة المراحل له موقف ثابت، سواء مع الأوروبيين أو مع الأميركيين أو مع الجميع، فموقف الأردن مع فلسطين موقف ثابت يستند لمبادئ، وأحيانا يتحمل الأردن أكثر من قدرته على الاستيعاب، ولكن يتجنب الأردن سيناريوهات لدول دفعت ثمن قرارات خاطئة، وبالتأكيد مع كل هذه المواقف يجب في كثير من الأحيان أن نمشي خطوتين للأمام وخطوة للخلف، ثلاث خطوات للأمام وخطوة للخلف، كي لا يضيع الهدف الاستراتيجي وهو الحفاظ على الأردن، وتقوية الوضع الداخلي وتحسين الوضع الاقتصادي، وفتح فرص للشباب الأردني، وبنفس الوقت مساعدة إخواننا في فلسطين، حتى يتحقق في نهاية المطاف دولة فلسطينية مستقلة.
JPS: لأي مدى ترى أن الموقف الأردني اقترب من الالتقاء مع فكرة المصالح الوطنية العليا في موضوع غزة تحديدًا؟ وما هي الاعتبارات الرئيسية في عملية صنع القرار من قبل المطبخ السياسي، والتي اتخذت عندما كان هنالك تصميم لهذا الموقف الأردني برأيك؟ هل هنالك أمور كانت كلها مدروسة؟ أم تعتقد أن هناك أمور كانت خارج الخط المطلوب؟
الرفاعي: أعتقد عند النظر للمواقف، كان هنالك مواقف مختلفة من جهات مختلفة، بشكل عام الموقف كان ملتزماً مع ثوابتنا في بعض الأحيان وهذا رأيي الشخصي، ومن الممكن أن العاطفة نشطت أكثر، خاصة لوجود حالة حرب تؤدي لعدم القدرة على النظر، ونسيان للأبعاد والاهداف الاستراتيجية في بعض الأحيان، وأظن أن البعض قد اخذتهم العاطفة، لأنه في نهاية المطاف قوة الأردن بقدرته على أن يتحدث مع الجميع وألا يوضع في دائرة مغلقة حيث لا يستطيع مساندة أشقائه العرب، فلو أن الموقف الأردني استند على العاطفة بشكل رئيسي، لكانت قدرة جلالة الملك على إقناع العالم الغربي بفتح المعابر والضغط على الحكومة الإسرائيلية والتحدث عبر المنابر المختلفة أقل، فنحن دائماً يجب أن ننظر لهدفنا الاستراتيجي، لأن أسوأ ما في أي دولة هو انحدار الاستراتيجية نحو التكتيك، والتكتيك ينحدر لمجرد تدبّر ومراقبة، وبذلك تفقد هدفها الاستراتيجي الذي تريده، لكن مع كل ما حصل، استطعنا أن نسلط الضوء على ما يحدث فعلاً في غزة، وعلى حقيقة القضية الفلسطينية، ومعاناة الشعب الفلسطيني.
اليوم، كلما صارت مكاشفة أكثر، صار الحديث حول ما الذي نريده أوضح وأفضل، واستطعنا تعريف ما هي المصالح الوطنية الأردنية، وما الذي يفيدنا بشكل حقيقي والعكس، فعلى سبيل المثال مسألة المقاطعة الشعبية للمنتجات الغربية أو الداعمة لإسرائيل عمومًا، يوجد الكثير من المسؤولين يتقاعسون عن التحدث بصراحة أمام المواطنين بسبب خوفهم، فعندما نقاطع شركة ما، يقول شخص: هذه الشركة خسرت مبلغًا ضخمًا، وهو ما سيؤدي لخسارة الشركة الأم، ولكن الحقيقة أنه عندما يضطر قرابة 5000 طالب للانسحاب من الجامعات بسبب عدم توفر الرواتب لديهم، فإن خسارة الشباب الأردنيين كبيرة، وهذا يعني أننا يجب أن نرفع المعونة الوطنية، والذي يتحمل تكلفته كل أردني، فاليوم عندما ترتفع فاتورة الماء أو الكهرباء بنسبة كبيرة، فاعلم أن هذا القرار تم اتخاذه بسبب أثر معين، وأظن أن المواطن الأردني عندما تغيب عنه المعلومة، تُخلق لديه حالة من عدم القدرة، فاليوم نحن لا نعيش ما يعيشه أهل غزة من القتل والتدمير، وما يحصل لأطفالهم لا يمكن أن نشعر به، ونحن عندما حدثت بعض التفجيرات في سماء الأردن بسبب خشية سلاح الجو على الأردنيين، كثير من الناس الذين كانوا يقولوا: نريد من المقاومة أن تستمر في معركتها سابقًا، لكنهم أصبحوا يتوجسون من ذلك، خاصة عند رؤية ما تعنيه الحروب، وبالتالي يجب أن ننظر دائماً لمصلحة الوطن وكيف نقوي الجبهة الداخلية، وأنا أظن أن الأساس أن نكون صادقين وجريئين مع المواطنين.
JPS: لو نحاول عمل تحليل للسياسة الخارجية الأردنية بحيث نرى الاعتبارات التي وضعت في موضوع المصالح الوطنية الأردنية، مثلاً لو أردت ترتيب الاعتبارات في الدبلوماسية الأردنية والضغط في الموقف من موضوع غزة، فهل الاعتبار الأول (التهجير والخشية من التهجير) بناءً على وجود نوايا في هذا الموضوع، وأخذ مواقف صلبة للوقوف، أم أن الاعتبار الثاني: (الجبهة الداخلية والقلق مما يحصل في غزة على الجبهة الداخلية الأردنية، خاصة أنها مرتبطة بأبعاد ديموغرافية واجتماعية)، أم الاعتبار الثالث: (الجانب الشعبوي) -وهو ليس خاطئاً إذا كان مدروسًا، بمعنى أن الدولة تقوم بعمل تسويق سياسي لها على الصعيد الشعبي، خاصة إذا لم تكن هناك كلفة استراتيجية بهذا الموقف الشعبي- أو الاعتبار الرابع: (الموقف من حكومة اليمين الإسرائيلي وبنيامين نتنياهو، والأزمة خلال السنوات الماضية بين الأردن وهذه الحكومة)، فكيف ترتب هذه المعايير؟
الرفاعي: برأيي فإن الأولويات الأردنية تراتبيًا هي؛ الأولوية الأولى، كيفية تحصين الأردن؛ حيث أن تحصين الأردن يعني أن دور الأردن القائم على الاعتدال، والقائم على السلام ومحاولة إيجاد علاقات إيجابية مع الجميع، فهذه الأولوية الأولى لأنه يترتب تحتها أمور اقتصادية كثيرة، كالأردنيين العاملين في الخارج، والمصالح الاقتصادية الأردنية.
ثانياً: تحصين الجبهة الداخلية بالمعلومات والمكاشفة الكاملة؛ وذلك من أجل أي حالة أو قضية قد نُضطر فيها لأخذ قرار ما، ويشعر المواطن أنه قرار يبتعد عن العاطفة ولكن من أجل حماية الأردن تتخذ القرارات.
الثالثة: الاستمرار بالانفتاح والدور المحوري الأردني مع الغرب؛ حيث أنه في نهاية المطاف قوتنا هي قوة الضغط، حيث اصبحت العديد من العواصم تطلب زيارات من جلالة الملك، وليس الملك هو من يباشر ويبادر في تلك الزيارات فقط، في حين أن كثير من الدول لديها موارد كثيرة لا تملك هذه الفرصة التي يمتلكها الأردن.
الرابعة: إنهاء حالة الاحتلال؛ وضرورة الانتهاء من هاجس أن كل 10 سنوات تطرح قضية التهجير، وبرأيي انه لا يوجد خطر حقيقي للتهجير لكن يوجد أمنيات لبعض أعضاء الحكومة اليمينية المتطرفة الإسرائيلية، لحصر طريقة حل القضية الفلسطينية في أن يختفي الشعب الفلسطيني أو أن يقوموا بتهجيره لدول أخرى، وهذا واضح في حرب غزة، حيث يضغط الجيش الإسرائيلي على أهل غزة نحو الجنوب بهدف إخراجهم منها، وأن تنقل شعب لدول أخرى، لكن سكان القطاع يحاولون بشكل مستمر العودة إلى شمال غزة، وأما الدول الأخرى الموجودة بجوار فلسطين فغالبيتها منهارة، ولا يوجد فيها مؤسسات. لذلك كلما قويت نفسك ومؤسساتك ومكانتك كلما كنت محصنًا من أي حديث متطرف قد يحصل.
JPS: هناك نظريتان في الأردن في دوائر صنع القرار، النظرية الأولى ترى أننا أمام تحول كبير في المعسكر الإسرائيلي والحديث اليوم عن مستقبل العلاقة الأردنية الإسرائيلية، هو حديث عن إدارة أزمة وليس عن حل صراع، النظرية الأخرى ترى أنه لا بد للأردن أن يبقي على اتصال وتواصل مع أطراف إسرائيلية سواء في الدولة العميقة في إسرائيل، أو على الأطراف والقيادات السياسية الإسرائيلية، وبالتالي من الخطأ قتل هذا الخيار، لأي نظرية أنت تذهب؟
الرفاعي: سأعود معك لموقف الملك الحسين، ففي الحادثة الأولى حيث محاولة اغتيال خالد مشعل، وضع جلالته اتفاقية السلام على المحك لأن الاستهداف كان يمثل انتهاكاً لسيادة الدولة الأردنية، وإذا انتهكت السيادة الأردنية فكل شيء يوضع على الطاولة بما فيه اتفاق السلام، وأما الموقف الثاني، فبعد حادثة قتل الفتيات الإسرائيليات على يد جندي أردني في مارس/آذار 1997، ذهب الملك الحسين بعدها لكل بيت من بيوت أهالي الضحايا وقام بتعزيتهم، وكان الهدف من ذلك وجود جانب إنساني لكل شخص منا، ولكن بالطبع يوجد جانب سياسي، فإذا كنت أنت المؤثر داخل إسرائيل ستؤثر على سياستهم. ونحن نشهد اليوم وجود تأثيرات خارجية على السياسة الإسرائيلية، ولذلك فمن حقنا أن نؤثر على الداخل الإسرائيلي، وكلما استطعنا الدخول في دائرة التأثير، كلما قوينا أنفسنا، ففي حين أننا ما زلنا نؤمن بالسلام وبحل دولتين وبرؤية علم فلسطيني غرب النهر، وأنا مع فكرة إبقاء الضغط بكل الاتجاهات، سواء داخل إسرائيل أو خارجها للوصول لهدف السلام، ولأنه لا اليمين الإسرائيلي سيرتاح بإغلاق الباب وعدم التعامل معنا، ولذلك لا يجب أن نقع في أخطاء أو فخاخ يضعها لنا اليمين الإسرائيلي، أو أن نزيل الأضواء والضغوط العالمية عنهم، ويجب أن تتعامل معهم كما يتعاملون معنا ومع العالم، وأعتقد أنه أصبح هنالك لأول مرة قدرة عربية، وبالأخص أردنية للحديث مع الغرب بطريقة مختلفة، حيث كنا دائما نقول أن إسرائيل لها الأذن الصاغية في كل العواصم، ولكن الأردن اليوم أصبح يمتلك ذات القدرة، لأن سياستنا مبنية على استراتيجية وكيفية للوصول لأهدافنا، والهدف هذا يجب أن يبنى على دراسة متأنية، أين سنذهب وكيف سنصل إليه، وكيفية التأكد من أن هذا الطريق ينسجم مع مبادئنا، وبنفس الوقت إذا أردنا الذهاب يمينا أو يسارا، يجب أن نعرف إذا ما كان علينا العودة وأن لا نبقى في نفس الاتجاه.
JPS: الآن نحن أمام احتمالات كبيرة بعودة الإدارة الجمهورية في الولايات المتحدة، والبعض يصف ذلك بأنه كابوس بالنسبة للسياسة الأردنية، لأنه في فترة الرئيس ترامب كان يتعرض الأردن لضغوط شديدة، وقد تم نقل السفارة للقدس، وعُرضت صفقة القرن، والآن نحن أمام نظريتان في الأوساط السياسية الأردنية في حال عادت إدارة الرئيس ترامب، وأعاد طرح صفقة القرن واستأنف مشروع السلام والتطبيع الإقليمي والاتفاقيات الإبراهيمية، وحتى لو لم يعد ترامب يمكن أن يكون هذا نظام إقليمي جديد ينشأ وينمو، النظرية الأولى تقول أنه على الأردن أن يتمسك بمواقفه ويبقى معارضًا لصفقة القرن، طالما أنها لا تقدم الحلول الكاملة للقضية الفلسطينية بالمعنى التاريخي المعروف، وأن لا يتخذ موقف مؤيد لمشاريع التطبيع الإقليمي الموجودة، وأن يستمر على المواقف التي بدأت إرهاصاتها في المرحلة السابقة، والنظرية الثانية ترى بأن هذا سيكون خطأ كبيرا لأنه سيؤدي إلى تحجيم الدور الإقليمي الأردني، وتهميشه والإضرار بالمصالح السياسية والاقتصادية والاستراتيجية الأردنية، خاصة أن هنالك قرار من العديد من الدول العربية بالمضي بهذا المشروع، فإلى أي اتجاه تذهب من النظريتين؟
الرفاعي: يصعب التنبؤ بذلك، فإذا استمرت إدارة بايدن، فمن الواضح أن الموقف من الصين لن يتغير والموقف من إيران لن يتغير، ولن تحصل إشكالية في أوروبا أو العلاقة معها، بمعنى أن السياسة الأمريكية المرسومة حالياً ستستمر، والآن ما مدى قدرة هذه الإدارة الديمقراطية بالضغط على نتنياهو بعد الانتهاء من حرب غزة، خاصة عند الحديث عن حل الدولتين؟ أو هل سيكون هناك قائد إسرائيلي بعد ما حصل اليوم مستعد للتحدث بحل الدولتين. فقد يكون من السهل التنبؤ بالموقف الأمريكي، أما ردة الفعل الإسرائيلية فيصعب التنبؤ بها، مع أن شعبية نتنياهو في أسوأ حالاتها إسرائيلياً.
أما ما يتعلق بعودة ترامب والتنبؤ بسيناريو إدارته سنة 2016، وتكرارها في عام 2024، فمن المعروف عن ترامب أنه متغير، فهل المواقف العربية التي طبعت مع إسرائيل ستبقى طلباتها نفسها، أم أنها تغيرت في عام 2024؟ بالنسبة لبعض الدول عادت فلسطين قضية مركزية، فهل ترامب سيركز على الصين أكثر من الشرق الأوسط، وهل سيركز على الانتهاء من الحرب؟
أسئلة عديدة تُطرح، ولا أعتقد وجود ضرورة للخوف منها، ولكن أعتقد بوجود ضرورة ملحة لأن نكون مستعدين، وأن نستعد للخيارات والسيناريوهات، وأن نتقبلها ونجعلها تنسجم مع المصلحة الأردنية والفلسطينية ومصالح المنطقة، حيث ما تزال لدينا مشكلات كبرى في المنطقة اليوم، فما يزال العراق مشكلة للولايات المتحدة، حيث يوجد 2500 جندي أميركي اليوم في العراق، فماذا سيكون موقف ترامب من الانسحاب من العراق، أو من زيادة الجنود الأميركيين في العراق؟ وهل سيكون العراق مستقراً بالكامل؟ هل سينتهي النفوذ الإيراني فيه أم لا، وهل سيبقى بوضعه الحالي؟
موقف ترامب من إيران وروسيا في سوريا، وموضوع حزب الله والأوضاع في لبنان، توجد أمور كثيرة عالقة، ويمكن اعتبار العامل المستقر الوحيد في الإقليم هو الأردن، والذي يستطيع أن يلعب أدوارًا في كثير من هذه الملفات، كما اعتقد أن القضية اليوم ليست العودة لصفقة القرن، فصفقة القرن ستتغير كليًّا مع أولويات ترامب، أما السؤال فهو: هل يريد ترامب أن يكون الرئيس الأمريكي الذي يتحقق السلام في عهده، ويستقر العالم أكثر؟
ليس فقط النظر لمواضيع اقتصادية في دول معينة، كلها هذه نظرات جزئية، يجب أن يكون الأردن جاهزاً لاستثمار احترامه الموجود لدى الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء، والضغط بجميع الاتجاهات لنعرف أن هناك خيارات وتصورات موجودة لدى الأردن والمنطقة، ولا نكون فقط مستقبلين.
JPS: الآن المنطقة في مرحلة انتقالية، هنالك نفوذ إيراني وهنالك أطراف أخرى عربية وإسرائيلية تشهد فوضى إقليمية، باستثناء الأردن، ولأن هناك عدم وضوح في السياسة الأمريكية والدولية بشكل عام، فمن خلال خبرتك ومعرفتك في السياسة الخارجية لو وضعت السيناريو الأكثر ترجيحاً للمنطقة في المرحلة القادمة، في ضوء النفوذ الإيراني والصراعات الإقليمية، بخاصة أن إيران تبعث صورة واضحة لإسرائيل، في ضوء هذه الحيثيات، لو توقعنا في المرحلة القادمة لمنطقة الشرق الأوسط:
أ- هل تتوقع أن يكون هنالك توازن قوى بين المحور الإيراني ومحاور اقليمية أخرى.
ب- أو اشتعال صراع إقليمي نتيجة عدم القدرة على بناء تفاهمات ما بين إيران وأميركا والدول الأخرى.
ج- أو تشكيل تحالف اقليمي في مواجهة التحالف الإيراني الموجود.
الرفاعي: – يعتمد المستقبل على الإدارة الأمريكية في تحديد الحيثيات، فإذا استمرت إدارة بايدن لدورة رئاسية جديدة فاعتقد أن السيناريو الأول هو الأقرب، بمعنى وجود توازن قوى بين المحور الإيراني ومحاور إقليمية أخرى، أما اشتعال مواجهة كبرى في المنطقة فلا أظن، لأن إيران لا تريد ذلك، وإسرائيل لا تريدها، لكن نتنياهو يريد حرباً إقليمية ولكن ليس إسرائيل، ولا الموجودين في العالم العربي يريدونها، اليوم إذا عاد ترامب في رأيي لأنه شخص لا تستطيع قراءته، فإن كل الدول ستهاب تحركاته، فمثلاً إيران كانت تعلم ردة فعل باراك أوباما عندما وضع خطاً أحمراً، أما ترامب فيستطيع الذهاب لكل الجهات، يستطيع عمل سلام مع كوريا الشمالية وبنفس الوقت أن يضربها، لذلك أظن أن كل الأطراف ستكون حذرة جداً، وفي المنطقة إذا أتى ترامب، فالموضوع ليس تحالفاً، بل وزن وثقل اميركا سيكون أكبر من وجودها في الوضع الحالي، خاصة أن بعض الدول تعتبر أنها تتعامل مع الصين وروسيا دون دفع الثمن اليوم، لكنني اعتقد أن ترامب سينهي الحرب الأوكرانية مع روسيا، وسيكون تركيزه الأوحد مع الصين، أما في العالم العربي الذي بنى مصالحه، فمثلاً في 2016 سوريا لم تكن جزءاً من جامعة الدول العربية، بعكس اليوم حيث يوجد شبه إجماع باستثناء دولة أو دولتين عربيتين، فماذا سيكون موقفه من سوريا، وهل سيحاول أن يقلم أظافر إيران ونفوذها الموجود حالياً؟ فاليوم توجد مشكلة بين الديمقراطيين مع الروس والإيرانيين، وأظن أنه يجب أن يكون هناك خيارات متاحة بين الدول، وخاصة إيران لكي لا تبقى في دائرة تخلق بها مشكلات لجيرانها، بسبب ما لديها من مشكلات داخلية أو ما شابه.
JPS: أنت رئيس لجنة تحديث المنظومة السياسية، هل تعتقد أن هنالك تأثير للحرب على غزة على مشروع التحديث السياسي بالأردن؟
الرفاعي: لا، لا يوجد تأثير، واعتقد إن وجد ذلك فهو مجرد استخدام من بعض القوى السياسية وليس من قبل الدولة، فبالنسبة للدولة مشروع التحديث هو مشروع أراداه جلالة الملك منذ بداية عهده، وعندما أخبرنا بأنه يريد برنامج لعشر سنوات وأحزاب برامجية داخل البرلمان، فهذا لم يتغير. أعلم أن السياسة هي أن تقنع الناس حتى ولو بالعاطفة، ولكن إقناعهم بالعاطفة دون وجود برنامج حقيقي قابل لتحسين وضع الأردنيين، هذا سيكون قصير الأمد بشكل واضح، فالدولة تسير وتستمر، ويمكن أن تكون رسالتي للقوى السياسية أن لا تستغل أوضاع خارجية للتشكيك بمواقف بعضنا البعض، وألا نغتنم هذه الفرصة لتكون بديلة لوجود برامج عمل سياسية للأحزاب، مما يعني لا شعارات بديلة لبرامج حقيقية.
JPS: حزب جبهة العمل الإسلامي هو أكبر حزب معارض سياسي في البلاد منذ فترة طويلة، لو كان هنالك رسائل يمكن أن نوجهها لهذا الحزب كونه يقع في منطقة ما بين الإسلام السياسي والمعارضة الوطنية والاعتبارات الداخلية والخارجية، حيث توجد حالة مركبة مرتبطة بهذا الحزب، ولكونك مطلعاً على عملية صنع القرار، لو كان هناك رسالة على أعتاب المرحلة القادمة وبعد التحديث لهذا الحزب، ما المطلوب منه لتحجيم حجم الأزمة بينه وبين الدولة، والتي تستمر منذ فترة؟
الرفاعي كنا معاً في اللجنة الملكية لتحديث الشؤون السياسي، وكان يوجد 3 ممثلين عن جبهة العمل الإسلامي، ولو أن جلالة الملك يرى أن جبهة العمل الإسلامي حزب غير مرغوب فيه، لم يكن ليعينهم في هذه اللجنة!
أنا دائماً أذكرهم أولاً؛ بألا يُسمّوا أنفسهم بحزب معارض، لأنهم حزب مرخص تحت الدستور، وبالتالي فهم ليسوا حزباً معارضاً، ولكنهم يعارضون بعض السياسات الحكومية، وهذه نصيحتي لهم بشكل مستمر أن يتوقفوا عن تصوير أنفسهم كحزب معارض.
ثانيًا؛ الأحزاب كلها اليوم لديها فرصة أن تبدأ بعملها على قاعدة، خاصة أن العشر سنوات القادمة هي قاعدة للوصول لمرحلة تشكيل الحكومات البرلمانية الحزبية، والتي تحدث عنها جلالة الملك في أوراقه النقاشية، ففي تلك الأوراق الملكية تحدث عن حكومات حزبية، وللوصول للحكومات الحزبية يتوجب أن يكون لدينا في البرلمان حكومات ظل، بمعنى يجب أن يكون هناك شخص من كل حزب يستطيع أن يحاجّ وزير المالية بنفس الموازنة الموجودة، ووزير المياه بذات الشيء ووزير الطاقة وهكذا، هذه نصيحتي لكل الأحزاب أن المرحلة القادمة يجب أن نُحضر الخبراء الذين يستطيعون الوفاء بوعودهم لمن ينتخبونهم، وأن نبتعد عن الشعارات، ونتجه نحو مناقشة مشاكل وقضايا الأردنيين، والتي يمكن معرفتها من خلال استطلاعات الرأي وغيرها.
ثالثًا؛ ليس بالضرورة أن من يدعم هذا الحزب، هم أردنيون وأردنيات وليس طرفاً من الخارج، لذلك يجب أن تكون قاعدة الأحزاب أردنية محلية فقط وأن تسعى لاعتبارات وطنية فقط، وليس بالضرورة كل شيء تعمله الحكومات هو خاطئ، وأن كل شيء تقوم به جهات أخرى صحيح، فهذا يخلق اللبس، مثلاً تكون هنالك مناسبة وطنية ولا يتم الحديث عن هذه المناسبة ويتم الحديث عن مناسبة لا علاقة لها بالأردن. وأما هذه الانطباعات لدى بعض الأشخاص أنه كلما أخطأت حكومة ما يشعرون أنه هذا شيء إيجابي لهم، فيجب أن يكون لديهم قائمة حزبية جيدة وبرنامج مقنع وليس مبني على تمنيات، ويمكن لهم أن يستخدموا الأرقام الموجودة لدى الحكومة، فاليوم لدينا 60 مليار دولار مديونية بواقع 100% من الموازنة، وندفع فوائد دين حوالي 3 مليار، فليأخذوا هذه الارقام وليوجدوا حلول لها.
رابعًا؛ يجب أن تستمر الأحزاب بإرسال رسائل إيجابية لكل الأطراف، رسائل نوايا حسنة، لأن فكرة لعب دور الضحية أو أنهم مستهدفين غير صحيحة، أنا في اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية أتذكر أن بعض البنود لم يكن الكل مجمعون عليها، ولكن تم وضعها لأن تيارات تريدها وهو ما يدل على عدم اقصاء أحد، وبالتالي لا وجود لاستهداف لأي مكون سياسي، ولو أن العكس هو الصحيح، فلم يكونوا أعضاءً باللجنة الملكية، وأهم شيء لكل حزب أن يكون برنامجه وطني وتمويله وطني وأهدافه وولاؤه وطني، وألا يرفع علم فوق العلم الأردني.
JPS: لدى بعض الأحزاب قلق أو طموح أنه قد تكون هناك حكومة حزبية بعد الانتخابات القادمة، هل هذا السيناريو مطروح؟ وهل هو لصالح الأحزاب أم لا؟
الرفاعي: أولاً، اللجنة عملت على أحزاب برامجية برلمانية ولم تتحدث عن حكومة، وبالتالي كلما استعجلنا بتشكيل حكومات حزبية بمفهوم أن الحكومة كلها تكون حزبية، أعتقد أننا نكون أجهضنا الفكرة، الفكرة كانت 30% ثم 50% ثم 65%.
وعندما طلبت جبهة العمل الإسلامي تخصيص 30% مقاعد حزبية، وبعدها نوصي بـ 50% و65%، لأن جلالة الملك قال أنه يريد أغلبية الأحزاب خلال 10 سنوات، فذهبت لجلالة الملك وأخبرته 30% ثم 50% ثم 65%، بما فيهم جبهة العمل الإسلامي يقولون أنه في القانون من الصعب أن نوصي بذلك، فهم أكثر أناس تشددًا بهذا الموضوع، فأخبرني الملك أننا إذا استطعنا أن نعمل القانون 30% ونوصي بذلك في اللجنة، فحينها لا مرحلة الـ 50% ولا الـ 65% سيروا دورهم، فالملك كان متقدمًا على الكل في الطرح.
لكن اليوم إذا طرح حزب ما رغبته بأن يكون أمينه العام رئيساً للوزراء، أو وزيراً، فسنكون أجهضنا الفكرة كلياً، وإذا عملنا أحزاباً صغيرة فقط لتمثيل شخص، فسنكون أجهضنا الفكرة كذلك، لكن التدرج اليوم يعني 30% ثم 50% ثم 65%، وهو ما يعني أن يشتغل النواب كحكومات ظل ليصل جلالة الملك لقناعة أنه الوقت قد حان للأحزاب أن تشكل هي الحكومة، لأنه في نهاية المطاف هذه عهدة برقبة الملك، فيجب أن يتأكد أن هذه الأحزاب قادرة أن تحسن من حياة المواطن. أنا شخصياً لست ضد فكرة أن يحصل حزب ما على 6 أو 7 مقاعد في حكومة قادمة، فلنبدأ بتأهيلهم ليكون هناك في المستقبل نواب من الحزبيين الذي عملوا في الحكومات، لا أن يكونوا موجودين فقط لأنهم حزبيين فحسب، بل أن يكون الواحد منهم حزبي ضليع، في ملف الشباب، أو ملف المياه، أو الطاقة، وغيرها، بالإضافة لتمثيل الحزب، أنا أظن ان هذه القضية تحتاج للتدرج.