“الحوزة والدولة” اصدار جديد لمعهد السياسة والمجتمع

عقد معهد السياسة والمجتمع صباح اليوم السبت مؤتمر اشهار كتاب “الحوزة والدولة” بالتعاون مع مؤسسة فريدريتش إيبرت الألمانية ضمن سلسلة إصدارات المعهد لهذا العام.
ويمثّل الكتاب حصيلة أوراق بحثية جاءت ضمن وقائع مؤتمر “الإسلام السياسي الشيعي في السلطة: قراءة في التجربة وانعكاساتها” المغلق الذي عقد على مدار يومين في حزيران العام الماضي تضمن جلسات مكثفة عبر تقنية Zoom، ضمَّ عددًا من الباحثين والخبراء البارزين إيرانيين وعرب متخصصين في شؤون التشيع والهوية الشيعية والفكر السياسي الشيعي والتجربة الإسلاميّة السياسية الشيعية.


وناقش المؤتمر بجلستين الاولى حول تفكيك الفكر السياسي الشيعي المعاصر شارك بها د. أمل عواودة أستاذة علم الاجتماع في الجامعة الأردنية ود. الهام مكي الانثروبولوجية والناشطة في قضايا الجندر، اضافة الى الاستاذ عبدالله الجبور الباحث في الاجتماع السياسي والاستاذ عبدالله الطائي محرر الكتاب والباحث في الشؤون العراقية.


الجلسة الثانية والتي شارك بها الوزير الأسبق والمستشار الأكاديمي لمعهد السياسة والمجتمع الدكتور محمد أبو رمان والدكتور بدر ماضي استاذ علم الاجتماع في الجامعة الألمانية والدكتور فراس الياس أستاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل، تحدثت حول السياسة الخارجية الأردنية والجغرافيا السياسية الشيعية.


ويناقش الكتاب حيثيات الصعود السياسي الشيعي منذ قرابة أكثر من أربعة عقود من الزمن، وتداعياته على الأوضاع السياسية والأمن الإقليمي. ويبحث في التداخل الهائل ما بين أوراق التاريخ والمعتقد والإرث الديني والشعور من جهة والواقع السياسي والجيوبوليتك من جهةٍ أخرى، ليخرج بذلك من الحسابات التقليدية ويتجاوز أيضًا الكتب العقائدية والأفكار المعلّبة المتبادلة بين السنة والشيعة في المنطقة العربية، ليقدّم قراءات معرفية تحليلية موضوعية لكثير من القضايا والإشكاليات والأسئلة المتعلقة بالحضور الشيعي في المنطقة.


كما يبحث في تطورات حقل الإسلام السياسي الشيعي، والتركيز على قراءة المشهد الشيعي في السلطة والبحث في واقع تجربته وسلوكه ومستقبل حضوره، ويحاول فهم التحولات التي طرأت في الحالة الشيعية على مستوى الخطاب أو السلوك السياسي، آخذًا بذلك تجارب عديدة كما في إيران والعراق ولبنان والبحرين واليمن، كما يناقش سؤال تصدير الثورة اليوم في السياسية الخارجية الإيرانية وواقع الجيوبولتيك الشيعي بالمجمل على ضوء التحديات والمتغيرات الدولية والإقليمية وانعكاسات ذلك على رؤية صانع القرار الأردني في سياساته تجاه الملف الشيعي، ويسلط أيضًا الضوء على واقع المرأة في هذا الفضاء الشيعي الواسع.

وقد أشار المستشار الأكاديمي لمعهد السياسة والمجتمع محمد أبو رمان في تقديمه للكتاب، أن ما عزز من التوجه لعقد المؤتمر وإصدار هذا الكتاب هو تلك الصورة النمطية الراكدة في العالم العربي تجاه إيران والشيعة، التي تأخذ الموضوع من زاوية أيديولوجية أو عقائدية سواء مع هذا الطرف أو ذاك، من دون أن يكون لدى الأوساط البحثية والفكرية العربية دراسات معمّقة وقراءات موضوعية كافية لفهم التحولات والتغيرات و الديناميكيات التي تحدث في أوساط الشيعة العرب وفي علاقتهم مع طهران؛ لذلك يرى من الضرورة بمكان أن يكون الملف الشيعي (السياسي) على طاولة الدراسة والفهم والتحليل، وهو ما حاول المؤتمر والكتاب الصادر عنه. وهذا يتطلب فهم الواقع السياسي الشيعي المعاصر، بخاصة في العالم العربي، وتحليل العوامل المتداخلة والمتعددة التي ساهمت -وتساهم- في تشكلات الحالة السياسية الشيعية، وعلاقاتهم مع دولهم ومع المحيط العربي والعلاقة مع إيران.

قسّم الكتاب فصوله إلى ثمانية، ملتزمًا بمجريات المؤتمر:

الفكر السياسي الشيعي والسلطة


افتتح الكتاب أُولى فصوله بتحليل الفكر السياسي الشيعي عبر ورقة قدمها محسن كديفار (أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة ديوك و تلميذ آية الله حسين علي منتظري)، والذي تناول أهم نظريات الحكم في الفكر الشيعي السياسي وجدلياته الداخلية، وتحدث عن مفهوم الإمامة من وجهة نظر الشيعة ماقبل عصر الغيبة وما بعدها وعن مفهوم العدل في الفكر السياسي الشيعي، فانطلق من تعريف معنى الإمام ومنزلته من وجهة نظر الشيعة، شارحًا أساسيات الإمامة السياسية في الإسلام الشيعي التي تَعدُّ تعاليم الإمام عليّ جوهر مذهبها بالإضافة إلى أن تعاليم عليّ السياسية هي معايير الفكر السياسي الشيعي. وبالتالي، فإن سلطة علي بن أبی طالب في الإسلام الشيعي قريبة من سلطة القرآن والسنة النبوية في الإسلام لجميع المسلمين.
وصولًا إلى الفكر السياسي الشيعي بعد غيبة الأئمة التي ابتدأت في عام 941، وامتدت لأحد عشر قرنًا حتى وقتنا الحالي، هذه الفترة التي كانت مليئة بالتنوع في النظرية السياسية.

الإسلام السياسي في إيران: مآلات الثورة و مخاضات السلطة


يبحث الفصل الثاني في واقع التجربة الإيرانية وآفاق مستقبلها، ويناقش مسألة دور الحوزة في التوجيه والاستقطاب السياسي.
يشير د. علي المعموري في ورقته إلى أن الثورة الإسلامية في إيران وما تمخض عنها من نظام إسلامي لم يكن محض صدفة، بل سبقتها حراكات اجتماعية وسياسية وسط تقلبات الهوية الحائرة بين التراث والحداثة، في ظل نظام سياسي كان يوصف بأنه ديكتاتوري، ما دفع بالحلم الجماعي لاستعادة دور الدين الذي كان في عهد النبي محمد والإمام علي.
كما شهدت إيران منذ أيامها الأولى لانتصار ثورتها مناظرات مهمة أصابت جوهر وجودها السياسي وجدالات عميقة كمن كان يدعو إلى اسلمة المجتمع بدلًا من أسلمة النظام السياسي ومن رأى أسلمة النظام والمجتمع في آن معًا.


فيما يرى ساري حنفي أن الحوزة والتعليم الديني تعرضا لإشكالية الانتقال من الاستقلالية الى التبعية للمؤسسة السياسية، ففي معرض قوله يذكر حنفي بأنّ الحوزات بعد الثورة الإسلامية في إيران بدأت تخسر من استقلالها عن السلطة السياسية بتأثير التمويل الإيراني السخي، كما أن إيران تحاول فرض مناهج معينة على حوزات كشرط للدعم، كما حدث مع حوزة السيد حسين فضل الله الشخصية اللبنانية الشيعية البارزة والذي حاولت إيران –بحسب حنفي- تحويله إلى شخصية هامشية.

شيعة العراق بين العمل السياسي وسؤال الهوية


يرى عقيل عباس الذي قدم ورقة في الفصل الثالث تتحدث عن “تحولات هوية الخطاب لدى أحزاب الإسلام السياسي الشيعي العراقي” أن اندماج خطاب الإسلام السياسي الشيعي ظاهريًّا بحركات الإسلام السياسي بعمومية في القرن المنصرم قامت على تشكيل مظلومية سياسية حداثوية، وهذه المظلومية وضعت الإسلام إزاء الغرب (التحديثي التغريبي). لكن في المقابل فإن الاندراج الشيعي نحو الخطاب الطائفي كان سهلًا وتلقائيًّا بعد 2003؛ لأن التشيع تأريخيًّا قام على فكرة المظلومية بإزاء التسنن.


وبحسب عباس فإن الخطاب اليوم ينص على علوية الشيعي على السني، في الوقت الذي تفتقر هوية الإسلام السياسي الشيعي اليوم إلى التماسك، فهي لم تخضع لتنظير متأنٍّ ودقيق. وحين اختبرتها الأحداث تغير الخطاب وعادت إلى جذورها المذهبية والطائفية.

حزب الله في لبنان: بين الديمقراطية والعمل المسلح


يوضح مهند الحاج علي في الرابع، أنّ حزب الله منذ إعلان رسالته المفتوحة عام 1985، مر بأطوار مختلفة، تتحكم فيها المسارات الإقليمية من نهاية الحرب الأهلية اللبنانية واستلام النظام السوري إدارة الوضع الداخلي اللبناني، إلى انسحابه عام 2005 واضطرار حزب الله الدخول في اللعبة السياسية لاحتواء أي مخاطر على وجوده وسلاحه. كما أن التحولات الإقليمية والإطار الطائفي اللبناني كانا أكثر تأثيرًا في تحديد مسار التحولات، يُضاف إليهما التنوع في قاعدة التمثيل الاجتماعي – الاقتصادي. إلا أن العقيدة الدينيّة تبقى مفيدة للحزب في إطار التحكم بقاعدته الشعبية واستقطابها، في الوقت الذي انتقل الحزب إلى طور العمل السياسي والتحالف مع قوى دون أي اعتبارات سوى موقفها من سلاحه وقدرته على توفير غطاء سياسي لنشاط لم يعد محصورًا على الحدود الجنوبية للبنان، بل بات يشمل الإقليم ويحمل معه تداعيات على العلاقات الخارجية للبنان.

الإسلام السياسي الشيعي في الجزيرة العربية


أخذ الفصل الخامس نموذج حركة أنصار الله كجماعة مسلحة تستولي على الوضع السياسي في اليمن، ونموذج جمعية الوفاق في البحرين التي تسيدت مشهد السلطة التشريعية في وقت من الأوقات لكن انتهى بها المطاف لتكون جماعة محظورة.
يرى احمد ناجي بأن العوامل الداخليّة والإقليميّة لعبت دورًا مهمًّا في تصدر حركة أنصار الله في المشهد اليمني، فضعف الحكومة المركزية والانقسامات السياسية الحادة التي نشأت بين الأحزاب السياسية اليمنية بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة جميعها عوامل مهمة مهدت الطريق نحو صعود حركة أنصار الله. كما أن الدعم الخارجي الذي تتلقاه الحركة من إيران، مكنتها من تطوير قدراتها العسكرية خلال فترة الحرب..


بينما تستعرض ورقة عبدالله الجبور نشوء حركات الإسلام السياسي الشيعي في البحرين والعوامل المؤثرة في صعودها وتراجعها، بالإضافة إلى علاقتها بالسلطة والنظام الحاكم، مع تركيز أكبر على تجربة جمعية الوفاق الوطني الإسلاميّة، باعتبارها أبرز حركات الإسلام السياسي الشيعي المعاصرة في البحرين وأحدثها، والتي صاحب تجربتها السياسية في البحرين جدال واصطدام مع النظام الحاكم، وتستنتج الورقة بأن الموقع الجيوسياسي للبحرين والتدخلات الخارجيّة في الشؤون البحرينيّة جعلاها تتبنى إصلاحًا سياسيًا حذرًا ومترددًا بعد مرحلة الانتقال إلى الملكية، وبالرغم من أن جمعية الوفاق قد قدمت نفسها بصورة سياسية ديمقراطية مدنية؛ إلا أن ممارستها الفعلية اصطبغت بهوية دينية طائفية، وكان للانشقاقات واختلاف الرؤى التي حصلت داخل الوفاق تأثيرًا كبيرًا على أدائها السياسي، بالإضافة إلى علاقاتها الدوليّة التي سارعت في حظرها وإنهاء تجربتها داخل البحرين بتهمة تدويل الطائفية السياسية، وبالرغم من ذلك لا يزال للجمعية حضور واتصال سياسي بالمجتمع البحريني وتؤثر فيه.

الجيوبولتيك الشيعي: بين تصدير الثورة وتحديات البيئة المتغيرة


يرى عماد ابشناس في الفصل السادس من الكتاب أنّ إيران في النهاية خرجت من فكرة الإصرار على الفكرة القديمة لرجال الدين الشيعة المختزلة في أن الجميع يجب أن يكونوا شيعة اثني عشريين إلى فكرة التعامل مع الاتجاهات الفكرية المختلفة في المنطقة حتى التي ليست شيعية وليست على وفاق مع الفكر الشيعي الاثني عشري، وبات النفوذ الإيراني اليوم يتوسع بسبب هذه السياسة على الرغم من أن معارضي إيران لديهم إمكانات هائلة لا يمكن مقايستها مع إيران بشكل عام.
بينما يناقش فراس إلياس واقع الجيوبولتيك الشيعي في ظل التحديات والمتغيرات الإقليمية والدولية، وذكر إلياس إن إيران حاولت الربط بين حيوية الجيوبوليتيك الشيعي والصعود السياسي للشيعة في المنطقة، إلى جانب دعمها صعود الإسلام السياسي بالمجمل، وعلى هذا الأساس حاولت إيران إستثمار هذا الصعود من أجل دعم هذا الجيوبوليتيك وتقويته. كما أن الجيوبوليتيك الشيعي ساهم في عملية انطلاق موجة التسييس المعاصر، المبني على الهوية الدينية، وهي إحدى الوظائف الجيوسياسية التي أداها الشيعة في الوقت الحاضر، وذلك عبر الربط بين النظرية والتطبيق في سياقات العقل الاستراتيجي الإيراني.

الإسلام السياسي الشيعي والمرأة


تقدم إلهام مكي في هذا الفصل ورقة انثروبولوجية عن (تشكيل الذات وتحولات أدوار النوع “الجندر” في حيوات النساء الإسلاميات الشيعيات داخل الحوزات العلمية) وتسبر أغوار المرأة الحوزويّة التي ينتابها الغموض إلى حد ما ، وتخلص مكي إلى أن تصورات النوع “الجندر” متغيرة بحسب السياقات العامة، وأن الأدوار الجديدة ترتب على إثرها وضع ومكانة جديدة. وقد فرض التغيير السياسي في العراق 2003 واقعًا جديدًا على أدوار ومكانة النساء الإسلاميات من الشيعة.

فيما تتناول دلال البزري في ورقتها واقع المرأة الشيعية في لبنان في ظل وجود قطبي الطائفة (حزب الله، حركة أمل) وتسلط الضوء على دور المرأة وتمثيلها، وترى البزري أنه ثمة مفارقات، فالنساء الشيعيات، مثلهن مثل بقية اللبنانيات اكتسبن خلال العقود السابقة مهارات الخروج من المنزل، من تعليم وعمل ومشاركة في الشأن السياسي العام. وبالمقابل، على الأرض، يتعرضن لأفكار وطرق عيش يفرضها عليهن حزب أصولي وصفته البزري بالمتشدد، بمشاركة حزب مذهبي أقل منه قوة وتشدّدًا وبداخل هذه المفارقة هناك ديناميكية، لا يُعرف حجمها تمامًا، ولا يُتوقع لها غير نوع من شبه الصراع الصامت، أو المتفجِّر.

السياسة الخارجية الأردنية والإسلام السياسي الشيعي


اختتم الكتاب فصوله بالحديث عن نظرة الأردن لإيران وحلفائها في الشرق الأوسط، فيرصد علاء عقل في ورقته جملة من المحددات الرئيسية التي تحكم علاقة الأردن في إيران – ما بعد الثورة الإسلامية- والذي يرتبط جزء منها بطبيعة السياسة الأردنية، أو ما يطلق عليه عقل “الشخصية الأردنية”، مثل الفكر القومي، التجربة التاريخية، الموقع الجيوبولتيكي، القضية الفلسطينية، العلاقة مع القوى الكبرى والإقليمية، وعوامل أخرى مرتبطة بطبيعة الخبرة التاريخية مع إيران منذ الثورة وهي علاقة تميزت دوماً بالشكوك والتوتر نتيجة للخطاب الإيراني والسلوك السياسي وكلاهما يضعان الأردن في موقع الخصومة والعداء ما انعكس بالتالي على العلاقات الأردنية – الشيعية في المنطقة بعمومها.

من الضروري الإشارة هنا إلى أن مقدمة الكتاب تناولت جوانب ومناقشات لم تستعرضها الفصول، كمستقبل النظام السياسي في إيران، وإيران ما بعد خامنئي، وموقف القوى الإسلامية الشيعية في العراق من الديمقراطية التوافقية، والجيل الشيعي العراقي الجديد الذي تبلور حراكه في تشرين أول/أكتوبر عام 2019، وهو جزء من النقاش الذي كان دائرًا في المؤتمر بين جموع الباحثين والخبراء.

يذكر أن معهد السياسة والمجتمع مؤسسة غير ربحية، ومعهد دراسات وأبحاث مستقل يهدف من خلال عمله الى تحقيق الاستقرار والازدهار في الاردن والاقليم وتعزيز اطر وادوات المعرفة بالمنطقة ومجتمعاتها.

زر الذهاب إلى الأعلى