الهوية الحضرية لمدينة عمان
كانت عمان أكثر جمالاً وأصالة، وكانت تحتفظ بهوية عمرانية مميزة، حيث ما زالت أبنيتها القديمة في البلد وفي الجبال المحيطة والقريبة من وسط عمان، تعبر عن هذا اللون والهوية الحضارية، من حيث الطراز المعماري ونوع الحجر، والساحات والأفنية الداخلية، وشكل الأبواب والشبابيك المعقودة، والمداخل، والأدراج والأشجار والورود والمحال التجارية، والمقاهي.
وطبعا هناك هوية وطنية وهوية تاريخية وهوية بصرية وهوية دينية وهوية سياسية.. عمان تأثرت مع كل هذا، ولسكانها وقاطنيها نصيب ان تعيش بفترات سياسية مختفلة وفي صراعات سياسية في المنطقة أثرت في الهوية السياسية والحزبية وتأثرت بالقومية العربية واليسارية.
عمان في السنوات الماضية تعرضت إلى تطورات وقفزات هائلة غير منضبطة، ولا تحكمها نظرة مدروسة، ولا رؤية محددة أو قائمة على فلسفة عمرانية، ولا تحكمها منهجية مقصودة.
كان ينبغي لأمانة عمان أن تعمل على إنجاز رؤية مدروسة ومتفق عليها لهوية عمان الحضارية، ” كان هناك مشروع أيام الأمين السابق عمر المعاني لتنفيذ هوية جديدة مستمدة من العراقة والأصالة، لكن تم تخريب هذا المشروع” وأن تعمل الأمانة على حفظ كنوزها وآثارها وأبنيتها، وأن تقوم بصيانتها وترميمها بطريقة هندسية علمية، بحيث لا تجعل منها مكاره صحية وأماكن مهجورة تبعث على الحزن والكآبة من جهة، وفي الوقت نفسه، العمل على ضبط البناء الجديد ضمن نسق معماري واضح الطراز والمعالم، من أجل الاحتفاظ بهويتها الثقافية وملامحها الحضارية المميزة.
الحفاظ على الهوية الثقافية والملامح الحضارية لا يتعارض مع الحداثة ولا يتناقض مع التطوير ومسايرة العصر، وإنما يمكن الجمع بين الأصالة والمعاصرة.
والتطوير في الأحياء الجديدة، الذي يمثل الطريق الصحيح لحفظ الهوية الثقافية والحضارية، والذي يعد المؤشر الأبرز والأشد وضوحا عن معالم الولاء والانتماء للوطن والأمة، ومشروعها الحضاري الممتد في عمق التاريخ والمتصل بالحاضر والمستقبل.
لنتكلم عن الهوية البصرية لمدينة عمان ويطلق عليه مصطلح الجسد.. لأن جسد المدينة هو التضاريس والبناء والشوارع والشكل الظاهر.. والروح في المدينة هي القيم والثقافة والعنصر الإنساني وتأثيره على المدينة.. وعمان بدأت بالشيخوخة في مؤيتها الثانية، لذلك نسمع عن إصابتها ببعض الأمراض منها، نفسية سكانها، والضجر من ضوضائها، ومنها عبئ تحمل الشوارع لكمية السيارات والقفزة بعدد السكان.
يحضرني هنا مبادرة وزارة الثقافة، في المدرج الروماني لتشجيع الناس على قراءة الكتب، وتجمهر الناس في مشهد فريد أثار الإعجاب من النخب الثقافية والشبابية، وأثارت في نفس الوقت حنق بعض السياسيين، ونجحت الوزارة جزئيا في خلق هوية ثقافية للمجتمع.
وعنصر آخر من الهوية الوطنية، فيكثر الحديث عن مصطلح أبناء الحراثين ومن أوائل الذين استعملوه للاستقطاب, رئيس وزراء سابق عند ترشحه للنيابة في أحد المحافظات.
مجتمع الحرّاثين جزء أساسي وجوهري من الشعب الأردني، ولكنّه ليس التعبير الوحيد ولا الأساس عن هوّية الأردن، فالبداوة أيضاً مكوّن أساسي من هوّية الأردن، وثقافة ما يزيد عن نصف مليون أردني مغترب في الخليج, جزء أساسي من هوّية الأردن، ونمط الحياة في المدن الكبرى, والمخيمات جزء أساسي من هوّية الأردن، ومئات الآلاف من العسكريين والمعلمين العاملين منهم والمتقاعدين.
الهوية الوطنية الأردنية هي الهوية التي تجمع المواطنين لبناء دولة مدنية ديموقراطية منتجة يمتلك مواطنوها قرارهم والقدرة على إدارة أمورهم.
وعودة إلى عمان والهوية الحضارية فهي منذ عصر الرومان وقبلها كانت مدينة ذات خليط من مجتمعات مختلفة ومزيج عميق من سكان عاشوا فيها.. ولا نتكلم عن البناء فقط فقد صارع البناء تضاريس عمان الجبلية ونجح معها. لكن شوهها فوضى البوليافارد في العبدلي و الشوارع المزدحمة وبناء العمارات الشاهقة على جانبي الشارع الواصل من الدوار الأول إلى الثامن، وكذلك الباص السريع، والبناء الحديث في اللويبدة وتدمير البناء التاريخي في الاحياء، ووجود مولات حديثة وبمسميات غربية في “البلد” وسط عمان.
وكان من الممكن بعد اكتشاف الممر الروماني التاريخي القديم – عند حفريات الأمانة لعبارات مياه قبل سنتين – استثماره وإعادة ترميم وبناء هذا الممر الذي يخترق عمان، والحفاظ على الإرث الحضاري التاريخي للمدينة وجعله قبلة للزوار من العرب والأجانب وتحفة ومتحفا طبيعيا في الهواء الطلق، لكن للأسف تم ردم هذه المعالم التاريخية.
وستبقى عمان واخواتها من المدن الأردنية شوكة.. ردت للشرق الصبا.. ونحب عمان أكثر عندما نسمع أنها أرخت جدائلها بين الكتفين.