المصالح الأردنية في ظل الشراكة الأوروبية – الخليجية الجديدة

على الرغم من التأثيرات السلبيّة العديدة للحرب الروسية – الأوكرانية على العلاقات الدولية عمومًا، وما تبعها من أزمات في أسعار الطاقة وسلاسل الغذاء والتضخم، إلاَّ أنّ هذه الأحداث أعادت الاعتبار للأهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي تحديدًا في مجالات الطاقة والغذاء والاقتصاد العالمي، كما رأى سياسيون وخبراء أردنيون و عرب وأوروبيون شاركوا في ورشة نقاشية عقدها معهد السياسة والمجتمع بالتعاون مع مؤسسة فريدريش أيبرت الألمانية عبر تقنية الزووم.

وقد أشار المشاركون في الورشة التي حملت عنوان “المصالح الأردنية في ظل الشراكة الأوروبية – الخليجية الجديدة” بأن حالة عدم اليقين الدولية اليوم تشكّل فرصة لتعمق التكامل الاقتصادي بين الشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي على كافة الأصعدة وليس في ملف الطاقة فقط. على أنهم حذروا من أن تحقيق الأهداف المرجوة من هذه الشراكة يتطلب التعلم من الأخطاء السابقة من خلال تجنب الاتفاقات الثنائية والاستعاضة عنها بالتوجه نحو الشراكات بين “الكتل الاقتصادية” التي تضمن مشاركة أكبر قدر ممكن من الشركاء لخدمة الأهداف المرجوة وتحقيق المصالح المشتركة.

كما رأى المشاركون، بأن الأردن اليوم يملك فرصة للاستفادة من هذه الشراكة من خلال لعب دور في تسهيل وتعزيز التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي لجذب الاستثمارات الأوروبية والخليجية وتدعيم الاقتصاد الأردني المليء بالكفاءات القادرة على أن تكون جزءًا فاعلًا ومفيدًا في خدمة الرؤى الاقتصادية المشتركة. كما نبه المشاركون إلى ضرورة السير قدمًا في طريق جذب الاستثمارات المباشرة وتطوير الاقتصاد الانتاجي من خلال التعاون مع شركاء المملكة الاستراتيجيين، خاصة مع تنامي المؤشرات على تراجع الدعم المالي المباشر في المستقبل سواء القادم من الجانب الخليجي أو الأوروبي.

 يذكر بأن هذه الجلسة، كانت الجلسة الخامسة والأخيرة ضمن مشروع “نقطة تحول: كيف يمكن للأردن وحلفاؤه الإبحار في مرحلة عدم اليقين؟” والذي أصدر المعهد على إثر جلساته أوراق القرار لمساعدة صنّاع القرار على قراءة الواقع السياسي والاحتمالات والخيارات والتوصيات.

أولًا: الشراكة الاستراتيجية بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي

تزامنًا مع التغيرات التي يشهدها العالم مؤخرًا نتيجة للغزو الروسي لأوكرانيا، شرعت الأطراف الفاعلة في العلاقات الدولية –وعلى رأسها دول الاتحاد الأوروبي– بإعادة تعريف مصالحها وإعادة التموضع على رقعة الشطرنج الدولية بما يخدم أمنها ومصالحها الاستراتيجية في ظل التحولات الجديدة. وفي ظل حالة الدينامية الدولية الجديدة، لم تكن دول الخليج غائبة عن المشهد بل كانت في قلبه؛ خاصة مع تأثر أسواق الطاقة بالحرب في أوكرانيا ما دفع الاتحاد الأوروبي اليوم للعمل باتجاه تطوير العلاقات مع الخليج وإعلان خطة استراتيجية جديدة بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي في مايو/أيار الماضي.

سيشكل هذا التعاون بين الاتحاد الأوروبي والدول الخليجية فرصة لإعادة تموضع القوى المختلفة في المنطقة وتقريب وجهات النظر الخليجية والأوروبية في الكثير من القضايا الإقليمية التي سبق وأن اختلف فيها الطرفان مما سيؤدي إلى إعادة تحريك عجلة التفاهمات الأمنية من جهة، كما أنه سيؤدي إلى توفير فرص أكبر للاستثمار والتبادل التجاري والاستفادة من حاجة كل سوق إلى ما ينتجه الآخر. إلى جانب ذلك، تمثل هذه التحركات الجديدة اليوم فرصة واعدة لشركاء الطرفين – كالأردن ومصر – القادرين على لعب دور الوساطة لتعزيز التعاون سياسيًّا وجغرافيًا واقتصاديًّا وثقافيًّا.

على الجانب الآخر، يواجه سؤال التعاون الأوروبي الخليجي عدة إشكالات فيما يتعلق بفكرة “الاقتصاد الوحدوي الخليجي”. فالدول الخليجية وإن تشابهت بمصدر دخلها، فإنها تختلف بأولوياتها وطرق إدارة وتوزيع هذه الثروة بالإضافة إلى التحديات الجيوسياسية التي تختلف من بلد الى آخر، مما أدى خلال العقود الأربعة الماضية الى فشل عدة خطط للتعاون بين الكتلتين وجعل التعاون محصورًا في الاتفاقات والشراكات الثنائية بين الدول الأعضاء من الطرفين. كما جعل اختيار توقيت بداية هذا النوع من الشراكة دول الخليج ذات اليد العليا في ظل حاجة الأوروبيين الماسة لمصادر الطاقة في الخليج كبديل عن الوقود الروسي.

على الجانب الأمنيّ، يأمل الأوروبيون اليوم من خلال الشراكة مع دول الخليج إعادة استئناف مسارات التفاهم بين دول الخليج وإيران استكمالًا لقمة بغداد 2021 التي لعبت فرنسا دورًا كبيرًا في تنظيمها وإن كان المستضيف العراق. على الرغم من ذلك، لا يعول الاتحاد الأوروبي كثيرًا على الاتفاق الاستراتيجيّ في استئناف المفاوضات؛ خاصة أن أوراق الضغط الرئيسية ليست في يده اليوم كما أن أولوياته اختلفت حيث يتجه تركيز الاتحاد الأوروبي اليوم نحو الأزمة الأوكرانية وتوابعها من أزمات الطاقة والتضخم. إضافة الى ذلك، يزيد تقلص الوجود الأمريكي في المنطقة اليوم من حالة عدم اليقين ويجعل أي مفاوضات بين القوى الإقليمية محاولة لكسب الوقت حتى تتضح رقعتا الشطرنج الإقليمية والدولية.

أمّا دول الخليج وعلى رأسها السعودية، فترى اليوم بأن وقت التقارب مع إيران انتهى وأن النفوذ الإيراني في المنطقة تجاوز نقطة الذروة بالفعل وهو الآن في حالة تراجع وانسحاب في عدة جبهات بينما هي مسألة وقت حتى تخضع إيران وتغير سلوكها في المنطقة. لذلك ترى دول الخليج اليوم الأولوية في التركيز على المصالح الاقتصادية والتنموية خاصة مع ارتفاع أسعار النفط اليوم والذي يضمن لدول الخليج عائدات مالية تمكنهم من تنفيذ المشاريع والرؤى الاقتصادية المخطط لها.

ثانيًا: المصالح الأردنية وتعزيز التعاون مع الشركاء

منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، بدأ نموذج التبادل الاقتصادي بين الأردن ودول الخليج القائم على تبادل “العمالة مقابل رأس المال” بالتغير نتيجة عدة عوامل، ما أدى لتحول النموذج الحالي لنموذج أكثر تعقيدًا قائم على المسؤوليات المشتركة والتفاهمات الاستراتيجية بعيدًا عن شعارات القوميّة العربية التي لم تعد كافية لضمان التعاون بين الدول. في ظل هذه المعطيات، تبقى المملكة العربية السعودية الشريك الأهم للأردن من أجل توطيد العلاقة مع دول الخليج ليس لحجمها فقط، وإنما للترابط الاجتماعي والثقافي والموقع الجغرافي كونها تشكّل نقطة العبور جغرافيًا لباقي دول مجلس التعاون.

ويبقى الدور الأردني الأهم هو لعب دور الوسيط في تعزيز التعاون الأوروبي الخليجي، فالأردن شريك أمني استراتيجي وجسر جغرافي وثقافي يربط بين الطرفين. كما أن موقع الأردن المحوري في رؤية 2030 السعودية من جهة وفي رؤية الاتحاد الأوروبي الاستراتيجية للمنطقة يجعل منه وسيطًا قادرًا على تقريب وجهات النظر والدفع باتجاه الشراكة الفاعلة ليس فقط في القضايا السياسية والاستراتيجية بل أيضًا في قضية الطاقة والبيئة وإدارة الموارد المائية والقضايا الثقافية. لذلك يجب على الأردن ألّا يكتفي بتلقي الدعم والمساعدات بل السعي لخلق مناخ جاذب للاستثمارات وتطوير البنى التحتية والتشريعات لتستطيع مواكبة الأهداف الاستراتيجية للتعاون الأوروبي الخليجي.

على الجانب الآخر، يكمن التحدي الأكبر اقتصاديًّا، في أن الاقتصادات العربية ما زالت غير قادرة على اختراق السوق الأوروبية نتيجة ضعف جودة المنتجات تارةً ونتيجة ضغط اللوبيات الصناعية الأوروبية تارةً أخرى. لذلك يجب على الأردن بالشراكة مع دول الخليج السعي لتحويل شكل التبادل من تبادل الوقود الأحفوري مقابل المنتجات إلى تبادل تجاري أكثر تنوعًا، وتطويره في الجانب الثقافي ليصبح تبادلًا للخبرات والكفاءات من خلال برامج التبادل الثقافي والتعاون العلمي والبحثي وتطوير الكفاءات وتدريبها لرفع جودة الأسواق العربية وقدرتها  التنافسيّة.

الخلاصات والنتائج:

  1. يشكل السعي الأوروبي اليوم لاحتواء أزمة الطاقة الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية فرصة لتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي وتطوير العلاقات الأوروبية – الخليجية المباشرة في ظل إعادة التموضع الأمريكي في المنطقة.
  2. تشكّل حالة عدم اليقين اليوم فرصة لإنشاء الشراكات الاستراتيجية وتشكيل تحالفات جديدة ليس في الناحية الاقتصادية والأمنية فقط، بل تتعداها لملفات الثقافة والبيئة والتنمية المستدامة.
  3. يعتمد نجاح خطط الشراكة الاستراتيجية على قدرة الأطراف المختلفة على بناء تعاون بين “الكتل الاقتصادية” وليس التعاون الثنائي بين الدول لضمان نموذج أكثر تكاملًا وتنوعًا وبالتالي فعالية أكبر في تحقيق الأهداف المرجوة.
  4. لا يرى الجانب الأوروبي نفسه قادرًا على إعادة استئناف مفاوضات الاتفاق النووي أو لعب دور الوسيط بين دول الخليج وإيران لعدم امتلاكه أي أوراق ضغط تمكنه من دفع الأطراف للجلوس على طاولة الحوار بالإضافة لانشغاله بالأزمات التي نتجت عن الغزو الروسي لأوكرانيا.
  5. ترى دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية أن أولويتها الحالية العمل على استثمار الظرف العالمي اليوم لتحقيق المصالح الاقتصادية والتنموية بالدرجة الأولى خاصة مع قناعتها بأن المؤشرات اليوم تدل على تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة.
  6. تملك الأردن بالإضافة لعدة دول في المنطقة فرصة للاستفادة من التعاون الأوروبي-الخليجي، من خلال لعب دور في جذب الاستثمارات من قبل الطرفين وتغيير النموذج القائم على تلقي المساعدات المباشرة خاصة مع صعود اليمين في أوروبا وتراجع خطاب القومية العربية الذي كان في السابق محركًا دافعًا للدعم الخليجي.
  7. ينبغي ألّا تقتصر الشراكة الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي على ملفات الطاقة والملفات السياسية والأمنية، بل أن تتعداها لتنويع التبادل التجاري ليشمل المنتجات غير النفطية أيضًا. بالإضافة لتطوير التعاون في الجانب الثقافي والبيئي والتنموي بما يؤدي لتطوير الخبرات والكفاءات وتعميق التكامل الاقتصادي بين الدول العربية والاتحاد الأوروبي.

زر الذهاب إلى الأعلى