ورشة نقاشية تبحث في تعريف المصالح الاستراتيجية المشتركة الأردنية الأوروبية وتحدياتها
أوروبيون وأردنيون يناقشون واقع العلاقات الراهن وآفاقها
بالرغم من التأثيرات السلبية العديدة للحرب الروسية- الأوكرانية على العلاقات الدولية عموماً، وعلى أسعار الطاقة وسلاسل الغذاء، إلاّ أنّ هذه الأحداث ردّت الاعتبار للأهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط في مجال الطاقة والغذاء والاقتصاد العالمي، كما رأى سياسيون وخبراء أردنيون وأوروبيون وأميركيون شاركوا في ورشة نقاشية عقدها معهد السياسة والمجتمع بالتعاون مع مؤسسة فريدريش أيبرت الألمانية (بتاريخ 13 سبتمبر الجاري) عبر تقنية الزووم.
أشار المشاركون، في الورشة التي ضمت متحدثين أردنيين وأوروبيين، إلى أنّ العلاقات الأردنية- الأوروبية شهدت قفزة كبيرة في الأعوام الماضية، فقد زاد حجم الدعم المالي المقدم من الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية وتعززت العلاقات بشكل ملحوظ، وارتفع التقدير الأوروبي للأردن لأكثر من سبب، من بينها ميزة الاستقرار السياسي والدور الإقليمي الذي يقوم به الأردن في المنطقة، والمواقف المعتدلة للقيادة الأردنية، والدور الأردني في مساعدة اللاجئين السوريين، إذ أشارت ورقة حقائق أصدرها الاتحاد الأوربي في شهر سبتمبر من العام الماضي أن قيمة المساعدات المقدمة من الاتحاد الأوروبي إلى الأردن بلغت خلال عقد من الزمن3.2 مليار يورو، منها 392 مليون يورو مساعدات إنسانية. بينما أعلنت الحكومة البريطانية في العام 2019 تقديم حزمة مساعدات للأردن بنحو 1.2 مليار دولار لدعم اقتصاده، تتضمن 980 مليون دولار منح وقروض، و250 مليون دولار، كضمانات قروض لدى البنك الدولي، كما تضاعف حجم المساعدات الألمانية بصورة ملموسة خلال الأعوام الأخيرة للأردن، وكذلك الحال بالنسبة للعديد من الدول الأوربية الأخرى.
وقد أعاد الجانب الأوروبي التأكيد على عزمه في المضي قدمًا في دعم الأردن خلال اجتماع الشراكة الأردنية الأوروبية الرابع عشر والذي كان قد اقيم مؤخراً في البحر الميت. وقد خرج هذا الاجتماع بحزم جديدة من الدعم والمشاريع المشتركة أهمها إطلاق منصة استثمار مشتركة اوروبية أردنية من المتوقع أن يصل مدى الإستثمارات التي ستسفيد منها الى 2.5 مليار يورو. الى جانب منصة الاستثمار، شهدت هذه الاجتماعات تخصيص مبالغ للدعم الغذائي والحماية الاجتماعية في الأردن بما يقرب من 100 مليون يورو. ولم تتوقف مخرجات الاجتماع عند هذا الحد حيث أكد الجانب الأوروبي جهوده المبذولة حاليا لتخصيص مبالغ إضافية للأردن للعمل على قطاعات محددة أهمها قطاعي البيئة والمياه الذي يدرك الجانب الأوروبي مقدار ضرورة العمل عليه في ظل أزمة المياه التي يعاني منها الأردن في السنوات الأخيرة، من خلال العمل على تمويل مشاريع لتحلية ونقل المياه من خليج العقبة في جنوب الأردن الى عمان.
تحدث في الورشة، التي جاءت بعنوان “العلاقات الأردنية- الأوربية في عالم متغير” سفيرة الاتحاد الأوربي في الأردن، ماريا هادجيثودوسيو، والسفير فايز خوري مسؤول الشؤون الأوروبية في الخارجية الأردنية، ود. عامر سبايلة الباحث الأردني المتخصص في الشؤون الاستراتيجية، والخبيرة الأوروبية دانيلا هوبر، وأدارها السياسي والمحامي سائد كراجه، وشارك فيها خبراء وسياسيون واقتصاديون أردنيون يمثلون فريق العمل المنخرط في مشروع “نقطة تحول: كيف يمكن للأردن وحلفاؤه الإبحار في مرحلة عدم اليقين؟”.
الورشة دعت إلى تطوير العلاقات الاردنية- الأوروبية وتحسين الشروط والروافع التي يمكن أن تعزز التعاون بين الطرفين، وأن تتجاوز منطق المساعدات الموسمية لمأسسة تفاهمات وشراكات استراتيجية مرتبطة بإدراك الطرفين لأهمية كل طرف والتزاماته ومصالحه المرتبطة بهذه القفزة المطلوبة في العلاقات، مما يدفع بحوار استراتيجي جوهري يناقش أسئلة رئيسية:
السؤال الأول- ما هي القيمة الاستراتيجي للدور الأردني في المصالح الأوروبية في المنطقة؟ وما هي المساحات التي يمكن أن يملأها الأردن في هذه الشراكة؟
السؤال الثاني- إلى أي مدى يمكن أن تشكل أوربا حليفاً استراتيجياً للأردن تتجاوز العلاقة معه مبدأ المساعدات المالية؟
السؤال الثالث- كيف يمكن تحديد المصالح المشتركة والتحديات ومصادر التهديد لهذه المصالح الاستراتيجية؟
ما هي المصالح الاستراتيجية المشتركة؟
بالرغم من هذا التوسع والازدهار في العلاقات الأردنية- الأوروبية إلاّ أنّ هنالك فرصاً ما تزال مهمة يمكن الاستفادة منها في تعزيز التعاون بين الطرفين، لكن ذلك يتطلب إعادة تعريف المصالح الاستراتيجية المشتركة، بخاصة مع بوادر الانسحاب الأميركي من مساحات مهمة في العمل في المنطقة، بخاصة على الصعيد الاستراتيجي والأمني، فالأردن أصبح يمثل “واحة آمنة ومستقرة” مع عودة طالبان إلى افغانستان والإشكاليات المتعلقة بالدور الباكستاني والتوتر مع تركيا وتداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية والتصعيد مع الصين واحتمالاته المستقبليية.
المتغيرات السابقة تدفع بالأردن ليحتل مكانة مهمة غير مسبوقة في المنظور الاستراتيجي لأوروبا وعلاقتها بالعالم، سواء على صعيد التعاون العسكري أو الأمني أو حتى الاقتصادي، في قطاعات مثل الطاقة والغاز وغيرها من أمور يمكن أن يساعد الموقع الاستراتيجي الأردني في تسهيل هذه العمليات.
لقد تعزز التعاون العسكري والأمني بين الأردن والعديد من الدول الأوروبية خلال الأعوام الماضية لأسباب عديدة من ضمنها مكافحة الإرهاب والتوترات العسكرية والأمنية التي تحدث في المنطقة، مثل الأحداث في سوريا والعراق والتوتر في الأراضي المحتلة مع تراجع الثقة بإمكانية حل الدولتين وعجز الأطراف الوسيطة عن تقديم حلول وأفكار خلّاقة للحل السلمي.
على الطرف المقابل ينظر الأردن إلى الاتحاد الأوروبي والعديد من الدول الأوروبية من منظور الشراكة الاستراتيجية المهمة، سواء على صعيد ما تقدّمه من مساعدات وإسناد للأردن، أم على صعيد الاستقرار في العلاقات والمصالح مقارنةً بالتغيرات الملحوظة الأخيرة في سياسات واستراتيجيات الإدارات الأميركية تجاه العلاقات الدولية والمنطقة خصوصاً، وهي تغيرات مرهقة ومزعجة للأردن الذي ينظر وما يزال للولايات المتحدة بوصفها شريك استراتيجي، لكن من الواضح أنّه منذ الربيع العربي فهنالك تباين وإشكال في السلوك الأميركي في المنطقة، بخاصة ما يتعلق بالملفات الرئيسية المحيطة في الأردن، مثل الملف السوري والعراقي والإيراني والتسوية السلمية وهكذا يجد الأردن أنّه من الضروري أن يطوّر علاقاته بصورة كبيرة ومكثّفة مع الأوروبيين لملء الفراغ الحاصل في تحالفات الأردن، وللمنظورات المتقاربة بين الأردن والعديد من الشركاء الأوروبين فيما يخص العديد من الملفات العالمية والإقليمية.
إنّ ضرورة تطوير العلاقات الأردنية- الأوروبية، من المنظور الأردني، تقوم ايضاً على التحول الكبير في المنطقة في مواقف وسياسات الدول التي شكّلت تحالفات استراتيجية مع الأردن، وتباين الأولويات بين الأردن والعديد من الدول العربية الشقيقة في مسألة الأولويات ومصادر التهديد والمتغيرات المحيطة، مما فكّك تحالفات تقليدية للأردن، من جهة، وقلب المعادلات الإقليمية المحيطة لتشكل مصدر تهديد من ناحية ثانية، مثلما حدث في مرحلة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، وضغوطه على الأردن فيما يتعلق بصفقة القرن ونقل السفارة الأميركية إلى القدس.
ثمّة تحولات كبيرة أصابت الدور التقليدي الأردني الذي ارتبط بالموقع الاستراتيجي (الجيوبولتيكي) والتشابك مع القضية الفلسطينية سواء على صعيد الصراع مع إسرائيل أو حتى الأدوار في العملية السلمية، والعلاقات الوثيقة مع الإدارات الأميركية، وهي مساحة استراتيجية اهتزّت بصورة ملحوظة في الأعوام الماضية، سواء مع التطبيع العربي الإسرائيلي (اتفاقيات إبراهيم) أو حتى مع الانهيار الذي حدث في العمق الاستراتيجي الأردني (العراق وسوريا ومصر) أو حتى التراجع الكبير في إمكانية حلّ الدولتين، وهذه جميعاً أمور تضعف الأدوار التقليدية وتفتح الأفق على أدوار ومهمات استراتيجية جديدة وممكنة، ومنها تعزيز العلاقات والمصالح مع الاتحاد الأوروبي.
من الممكن مستقبلاً تعزيز التعاون العسكري والأمني والاقتصادي بين الأردن والدول الأوروبية، من خلال بناء الاتحاد الأوروبي والحكومة الأردنية لتفاهمات تعيد تعريف المصالح الاستراتيجية المشتركة ومجالات التعاون الاستراتيجي وآفاقه المستقبلية، وبناء جدول أعمال واضح لتوسيع التعاون والشراكة بين الأردن والاتحاد والدول الأوربية المختلفة.
الشراكة الاستراتيجية: حوافز وتحديات
بالرغم من المصالح المشتركة الاستراتيجية بين الطرفين، التي من الممكن بناء تصوّر واضح لها على الصعيد الخارجي إلاّ أنّ هنالك روافع مهمة من الضروري أخذها بعين الاعتبار في بناء حوار استراتيجي مشترك، من بينها الحالة الداخلية الأردنية أو صورة الأردن وسمعته لدى الشعوب الأوروبية، وهي مسألة يمكن أن تساعد وتساهم في تعزيز التعاون وتيسير المساعدات في البرلمانات الأوروبية والعكس صحيح، مما يدفع بالأردن إلى التوغل بصورة أكثر صلابة وقوة في مسارات الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري التي بدأ بها، ودعمتها بعثة الاتحاد الأوربي في الأردن، وتحسين ملفه في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الإعلامية والحريات العامة وقضايا المرأة وغيرها من قيم مؤثرة في النظرة الأوروبية للأردن.
على الطرف الآخر فمن الضروري التركيز على أهمية الدور الاستراتيجي الأردني للمصالح الأوربية مع تصاعد ملحوظ في الحركات والتوجهات اليمينية الأوروبية وقدرتها في الانتخابات الأخيرة في العديد من الدول الأوربية من الوصول إلى مواقع السلطة، وهي التي تحمل أجندات ودعوات للانكفاء للداخل مع مواقف متحيزة ضد الجاليات والأقليات العربية والمسلمة هناك.
على صعيد آخر فإنّ هنالك تحدي عدم وجود سياسات أوروبية موحدة واضحة تجاه المنطقة العربية في العديد من الملفات، سواء كان الحديث عن العراق وسوريا أو القضية الفلسطينية أو حتى الملف النووي الإيراني، فعلى الأغلب إما هنالك سياسات فردية أوروبية أو معضلة اللاعب رقم 2 بعد الولايات المتحدة الأميركية فيما يتعلق بملفات مهمة واستراتيجية بالنسبة للأردن.
لذلك من الضرروة بمكان أن يكون هنالك حوار استراتيجي مشترك أردني- أوربي لتطوير تصورات ومفاهيم واضحة ومشتركة حول الملفات الإقليمية والمساحات المشتركة التوافقية التي يمكن أن يقوم بها الطرفان بأدوار أكبر ومشتركة وتساعد في تطوير المصالح المتعلقة بهذه الملفات.