معهد السياسة والمجتمع يصدر كتاب “على أعتاب التحول”
دراسة جديدة تحلل الواقع الحزبي وترصد إرهاصات المشهد القادم
يكشف كتاب الجديد أصدره معهد السياسة والمجتمع بالتعاون مع صندوق الملك عبدالله الثاني أنّ غالبية الأحزاب السياسية الراهنة تعاني من ضعف بنيوي وأنّها لن تكون قادرة على تصويت الأوضاع المفترض أن يتم وفقاً للقانون الجديد، وأنّ المشهد الحزبي الراهن آيل إلى تحولات بنيوية بعد التعديلات الرئيسية التي حدثت على قوانين الانتخاب والأحزاب.
ويقدّم الكتاب، الذي قام بتأليفه محمد أبو رمان مع عبدالله الجبور ووائل الخطيب تحليلاً لجملة من المتغيرات في دراسة الأحزاب منها ما يتعلق بالبنية الهيكلية والقيادية والقاعدة الاجتماعية والنشاط الشبابي والنسوي والمشاركة السياسية والانتشار الجغرافي والموارد المالية والقدرات الاتصالية والإعلامية، وكانت النتيجة أنّ أحزاباً قليلة هي التي تمتلك كفاءة عالية في هذه المجالات، بينما تعاني أغلب الأحزاب مما وصفه المؤلفون بظاهرة “الهرم المقلوب” إذ يتمركز الحزب بالقيادة مع ضعف شديد في الكادر الحزبي وغياب القاعدة الاجتماعية!
ويقدّم الباحثون في حفل الإشهار الذي تمّ يوم الثلاثاء في فندق الموفمبيك بحضور نخبة من السياسيين جملة من النتائج الرئيسية منها محدودية الأحزاب التي تقوم بعملية تدوير القيادة، وبساطة تركيب أغلب الأحزاب تنظيمياً، وضعف غالبية الأحزاب السياسية في العمل السياسي، وتكدس أغلب الأحزاب في العاصمة عمان، ومحدودية مشاركة الشباب وبدرجة أكبر المرأة في النشاط الحزبي، بخلاف الأرقام الرسمية المعلنة، والعجز الملحوظ لدى الأحزاب في بناء الرسالة الاتصالية والإعلامية، ومحدودية الانتشار الجغرافي وعدم فعالية أغلب الفروع الحزبية الموجودة في القيام بأدوار سياسية في المحافظات.
بالرغم من ذلك يشير الكتاب، الذي اعتمد على دراسات ميدانية وما يفوق 50 زيارة للأحزاب وجلسات عصف فكري ومجموعات مركزة، إلى أن المشهد الحزبي سيشهد تغيرات جذرية وكبيرة خلال الفترة القريبة، ضمن مرحلة تصويب الأوضاع التي تنتهي في منتصف العام القادم، بسبب التعديلات التي حدثت على قوانين الاحزاب والانتخاب، إذ ستختفي أغلب الأحزاب بصيغتها الراهنة، من خلال عمليات الدمج والانضمام لأحزاب كبيرة أو العجز عن تصويب الأوضاع وستظهر أحزاب قوية محدودة تتنافس في المشهد السياسي.
ويحدد المؤلفون العديد من التحديات الكبيرة التي تواجه عملية التشكل الحزبي القادم: تحدي بناء القاعدة الاجتماعيَّة والشعبية للأحزاب السياسيَّة، ثانيًا: تحدي تطوير الخطاب الحزبي والاقتراب من المواطنين والقواعد الشعبية، ثالثًا: تحدي التماسك الداخلي وتجاوز الانشقاقات والاعتبارات الشخصية، رابعًا: تحدي التمويل، خامسًا: تحدي البناء الداخلي الحزبي.
تتكون الدراسة من مقدّمة وسرديّة تاريخيّة وخمسة فصول، يتضمن كل فصل مجموعة من المباحث، حيث تقدّم السرديَّة التاريخيَّة استعراضًا وتلخيصًا لمسيرة الحياة الحزبيّة الأردنيَّة في مئة عام، وتبحث في عوامل نشوء الظاهرة الحزبيّة وانتقالها إلى إمارة شرق الأردن، وتعرض مراحل تطور الحياة الحزبيّة، والتحديات المحليَّة والإقليمية وانعكاساتها على البيئة والفعل السياسي للأحزاب، وكيف ساهم العمل الحزبي في تسريع وتيرة الاستقلال وتأسيس الدولة الأردنيَّة وتطور هويتها السياسيَّة على مر العقود.
يبحث الفصل الأول من الدراسة في البنى المؤسسية للأحزاب السياسيَّة؛ ما يشمل الهياكل المؤسسية والحزبيّة، ما هي الأشكال والبنى والمؤسسات الرئيسية في الأحزاب الأردنيَّة وهل تتمايز فيما بينها وإلى أي مدى أو درجة تمكنت من تطوير هيلكلها ومؤسساتها، ثم موضوع الوحدة الداخلية في الحزب وفيما إذا كان هنالك تداول للقيادة والمسؤولية أم احتكار لها، وأخيراً الموارد المالية للأحزاب الأردنيَّة، من أين تأتي وكيف تقوم هذه الأحزاب بتأمين المصروفات العديدة لها، وما هي أوجه الإنفاق، وإلى أي درجة هنالك شفافية في المجال المالي.
يناقش هذا الفصل الثاني مدى استجابة الأحزاب للانتشار داخل المحافظات وتبنيها لخطط ميدانية تعمل على تسريع هذه الانتشار من خلال مقياس مدى مشاركتها في الانتخابات المحليَّة والبرلمانية والنقابية سيما الأخيرة منها، إضافة إلى ذلك مدى وجود مقرات للأحزاب وانتساب أعضاء يمثلون خلفيات جغرافية وعشائرية متعددة ومتنوعة، وهذا بحد ذاته مؤشر على مدى انتشار الحزب وفعاليته الميدانية، إذ لا يكفي أن يكون هنالك مكتب أو فرع للحزب في المحافظة، من دون أن يكون فاعلاً ونشيطاً وقادراً على الاشتباك مع هموم الناس وقضاياهم ومشكلاتهم اليومية والخدماتية والاقتصادية في المناطق والمساحات المختلفة.
يحلل الفصل الثالث في التركيبة العمريَّة للأحزاب السياسيَّة في الأردن، ومعدلات التمثيل السياسي للشباب والمرأة في بنية الأحزاب وعلى مستوى القيادة ومواقع صناعة القرار فيها، بحيث يمنحنا الفصل قراءة ومؤشرات لقدرة الأحزاب من جهة على الوصول والتفاعل مع مكونات المجتمع المختلفة، ومن جهة أخرى قدرتها على التكيف والمعاصرة مع مرحلة التحديث السياسي وما نتج عنها من قرارات وتشريعات تلزم الأحزاب على أن لا تقل نسبة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 سنة عن (20)% من عدد الأعضاء، وأن لا تقل نسبة المرأة عن (20)% من عدد الأعضاء.
كما تسلط الدراسة الضوء على الانتماء الشكلي والانتماء النوعي داخل الأحزاب، أي أن هناك أحزاب تحتفظ بين صفوفها عدد كبير من الشباب، ولكن ذلك ليس مقياسا أو انعكاسا لقوة الحزب وحيويته في المجتمع وقدرته في الوصول إلى مجتمع الناخبين، فهناك الحضور الكمي (الشكلي)، ويقابله الحضور (النوعي) المؤثر في جيل الشباب والأقران السياسيَّة، وهذا الأمر بطبيعة الحال ينطبق على فئة النساء داخل الأحزاب، حيث أن قوة الحزب الحقيقية ليست بالتسابق نحو أعداد الأرقام الوطني داخل الحزب، بل بالوصول والقدرة على التغيير الذي يريده الحزب ضمن أجنداته السياسيَّة وبرامجه الانتخابية.
يرصد الفصل الرابع حالة الإعلام والاتصال السياسي للأحزاب وقدراتها في الإعلام التقليدي من صحف وفضائيات ومحطات إذاعية، وفي الإعلام الرقمي وكيفية التعامل مع وسائل الاتصال الحديثة وتوظيفها في برامج الأحزاب وأنشطته لاسيما الانتخابية منها، ومقدار شعبية الأحزاب على منصات التواصل الرقمي، مع التركيز على منصات التواصل الاجتماعي خاصة الفيسبوك، ويقدم الفصل تحليلاً رقميًا لفاعلية وقدرات الصفحات وتقييم أدائها.
أما الفصل الخامس فيناقش المشهد الحزبي الراهن من خلال البحث في التساؤلات التالية: ما هي معالم المشهد الحزبي الراهن؟ وكيف ستغيّر التشريعات والسياسات الجديدة الحياة الحزبية؟ وما هي التحديات التي تواجه الأحزاب السياسيَّة في عملية الانتقال؟ وأخيرا ما هي متطلبات وشروط وروافع التحول نحو حكومات حزبية برامجية خلال الفترة القادمة؟