محللون وخبراء سياسيون: عملية “وحدة الساحات” عمّقت حالة التشظي الفلسطيني
معهد السياسة والمجتمع يعقد ندوة عن ا لعدوان على غزة
بعد أن تعهدت القاهرة بالإفراج عن الأسير خليل العواودة والإفراج عن القيادي بسام السعدي، توصلت حركة الجهاد الإسلامي والجيش الاسرائيلي الى اتفاق اطلاق النار بعد 50 ساعة من القصف المتبادل.
حملت هذه العملية تساؤلات عديدة تتعلق بالسياق الذي على إثره شهدت غزة عدوانًا اسرائيليًّا أسفر عن وقوع عشرات الشهداء والجرحى، وعن واقع القضية الفلسطينية في سياقاتها السياسية والاجتماعية و في سياقها الفصائلي بعد أن غابت حركة حماس -الحاكمة لقطاع غزة- عن المشهد. فبدت حركة الجهاد الإسلامي وحيدة تقاتل في الميدان بعملية أطلقت عليها “وحدة الساحات”!
على وقع هذه العملية العسكرية الأخيرة في قطاع غزة التي خاضتها حركة الجهاد الاسلامي ردًّا على اغتيال أحد قيادييها البارزين “تيسير الجعبري”، عقد معهد السياسة والمجتمع جلسته النقاشية التي كانت تحت عنوان “العدوان الأخير على غزة، وتحولات المشهد الفلسطيني”، استضافت خلالها الكاتب والباحث (معين الطاهر)، و (هاني المصري) مدير المركز الفلسطيني لأبحاث السياسيات والدراسات الاستراتيجية- مسارات وبحضور مجموعة من الخبراء والباحثين (في معهد السياسة والمجتمع يوم الخميس من الأسبوع الماضي) لمناقشة تداعيات هذا الاجتياح على مستقبل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، و أبرز النقاط التي سُجلت من قبل الحركة أو الجانب الإسرائيلي، بالإضافة إلى أزمة الجبهة الفلسطينية الداخلية التي تعدت الأزمة السياسية لتصل إلى عدم التنسيق في غرفة العمليات المشتركة.
وحدة الساحات، أم انفصالها؟
تطرق “هاني المصري” إلى السياق الذي نشأ عليه الوضع الحالي في غزة، والذي شهد “إعادة انتشار إسرائيلي” منذ عام 2005 يسيطر على ربع القطاع (غلاف غزة)، مما يضع القطاع في دائرة المحتل سياسيًّا وقانونيًّا ، بالإضافة إلى الاستراتيجية الاسرائيلية من عملية إعادة الانتشار والذي يساعد في فهم السلوك الاسرائيلي تجاه القطاع وسط الازمات الفلسطينية التي تشكلت على إثر الخلاف الدائر بين قطبي الساحة الفلسطيينة حماس – فتح.
يرى المصري بأن المعادلة الآن في غزة تنصب في التهدئة مقابل تخفيف الحصار، وتحسين شروط الحياة. ولا تختلف هذه المعادلة في بعدها الاستراتيجي عن المعادلة في الضفة الغربية والتي تقضي بالتعاون الأمني مقابل البقاء.
و يشير المصري إلى أن عملية “سيف القدس” في 2021، مثّلت خروجًا عن المعادلة بعد أن أطلقت حماس والجهاد الاسلامي صواريخها من أجل القدس، وكان بالإمكان البناء عليها لبلورة استراتيجية جديدة للوضع الفلسطيني، إلا أن ما شهدته الساحة الفلسطينية هذا العام، بحسب المصري، هو بمثابة انتكاسة في الوقت الذي أخذ فيه الاسرائيليون الدروس والعبر، أمام الفصائل الفلسطينية التي رفعت سقف التوقعات عاليًا عبر إرسال تهديدات كبيرة (رغم أن عدم خوض حماس التصعيد قد يكون له أسبابه المنطقية). يأتي ذلك بالتزامن مع الاقتحام الاسرائيلي المتكرر للمسجد الأقصى والذي قطع فيه الإسرائيليون شوطا في مضيهم نحو التقسيم الزماني والمكاني، واتفاق القيادات الاسرائيلية المتعاقبة نحو قضية المسجد الاقصى واستهداف قطاع غزة بشكل مستمر والذي يقابله غياب استراتيجية واضحة على مستوى سياسي أو فصائلي بين القوى الفلسطينية والتي تمخض عنها حالة دفاع استراتيجي.
“معين الطاهر”، يشير إلى أن إطلاق تعبير “وحدة الساحات” على العملية الأخيرة لا يمت للحقيقة ولم يكن في مكانه، في الواقع يتحدث عن تشرذم وعدم وحدة على مستوى الساحات او الفصائل. بينما عملية سيف القدس تميزت انها اخرجت المعارك من إطار غزة الى خارجها؛ فقد دمجت بين العمل العسكري والحراك الشعبي بل وشملت الوطن الفلسطيني كله. لذلك، فإن العدوان الاخير هو بمثابة رد وهجوم مضاد ومعاكس على “سيف القدس”.
يرى “الطاهر” أنّ العمل العسكري بحاجة الى قراءة الظرف إن كان مناسبًا أم لا، فالعمل العسكري “في الفراغ” غير مجدٍ. يقارن “الطاهر” هنا بين الظروف التي وقعت على إثرها العملية الاخيرة وبين الظروف التي أنتجت “سيف القدس” التي وقعت نتيجة حالة احتقان عام شملت معظم أرجاء الوطن الفلسطيني.
موقف حماس، التحول الجديد في مسار القضية
يرى باحثون أن المتغير الرئيسي في العدوان الاسرائيلي الأخير كان حركة حماس، فالمسألة جزء منها -من وجهة نظرهم- يمتد للمعادلة الإقليمية، والرسالة التي حاولت حماس إيصالها عبر موقفها أنها لا تخضع للحسابات الإقليمية، وبعبارة أكثرة صراحة، إن حراكها العسكري من عدمه لا يمتثل للرغبة الإيرانية. رغم أن اللافت في هذه العملية أن حماس على غير العادة لم تتدخل في قضية عسكرية داخل غزة.
لكن يضيف “المصري” أن هذا الموقف لا يعد المرة الأولى التي لا تنسق الفصائل الفلسطينية فيما بينها، فقد خاضت حركة الجهاد الإسلامي عام 2019 معركة امتدت لخمسة أيام على خلفية اغتيال القيادي جهاد ابو العطا. إلا أنه من المحتم أن العملية الأخيرة أحدثت صدعًا في جدار العلاقات بين الحركة وحماس.
ما الحل؟
يتفق الباحثون في أن الوضع الحالي لا بد له من صيغة حل للخروج مما هو عليه، فتداعيات هذا الانقسام على القضية يدفع كل يوم بعواقبه الوخيمة، ولعل أكثر الهواجس التي تسكن الساحة الفلسطينية اليوم هو عملية التهجير القسري والطوعي أيضًا التي تعد في صلب العقيدة الاسرائيلية –كما يقول المصري- سواء باتجاه سيناء او الاردن او الى اي بلد آخر، والذي يتزامن معه وجود حوالي مليون مستوطن يغتصب الديار الفلسطينية.
يرى “هاني المصري” أن حالة الانقسام الشعبي شملت المقاومة أيضا في عملها وجداوها ويعزو المصري ذلك إلى غياب القيادة والجبهة الوطنية الموحدة والمشروع الجامع ما أدى إلى تفريغ المزيد من حالة الانقسام. وهذا كما يرى باحثون هدف استراتيجي إسرائيلي يسعى نحو الفصل بين الساحات.
على الجانب الآخر، يرى “معين الطاهر” أن الحل والبرنامج ستحدده موازين القوى التي من الممكن خلقها على الأرض. فلا بد من إيجاد صيغة من العلاقة بين العمل العسكري الذي ترتكز قاعدته في غزة، وبين العمليات الفردية، وما بين الحراكات الجماهيرية في الأراضي الفلسطينية و داخل أراضي 48، والنضال ضد الفصل العنصري. كل هذه العناصر تتحرك بطريقة لا يطغى أحدها على الآخر، إلا في ظرف موضوعي يخلق عنصره الرئيسي لتكون العناصر الأخرى مساندة له.
في الجانب الإسرائيلي، وبحسب الطاهر، فإن إسرائيل تعيش حالة من التفكك الداخلي المجتمعي. كما أن المضي نحو “الصهيونية” و قضية الابرتايد – الفصل العنصري سيؤدي إلى عزلها عن العالم الذي تكتب منظماته في هذا الاتجاه وتطالب بتفكيك البنية الدستورية، إلى حد مطالبة هذه المنظمات السلطة الفلسطينية بالتوقف عن التعامل مع الجانب الإسرائيلي، لذا لا بد من المضي في استخدام هذه المسألة كورقة ضغط لاستعادة الحق الفلسطيني.