اليوم التالي لمقتل القرشي: لماذا تفشل استراتيجيات مكافحة الإرهاب؟
بالرغم من الاحتفالية الأميركية، التي جرى خلالها الإعلان عن مقتل أبو إبراهيم القرشي، زعيم تنظيم داعش، في قرية في شمال غرب سورية، إلاّ أنّ التوقعات بأن يؤدي هذا الحدث إلى التأثير الفعال على صعود الجماعات الجهادية أصبحت متواضعة وواقعية، بل تكاد تكون أقرب إلى الحسابات الانتخابية الأميركية، لرفع شعبية الرئيس الأميركي جو بايدين تمهيداً للانتخابات النصفية القادمة هناك، كما حدث مع سلفه دونالد ترامب، الذي قام بالإعلان والاحتفال بمقتل الزعيم السابق للتنظيم قبل أقل من عامين، أبو بكر البغدادي، وكما احتفل قبلهم باراك أوباما بقتل أسامة بن لادن.
ولعلّ نظرة خاطفة على سيرة القرشي، عبدالله قرداش، أو أمير محمد تظهر لنا جوهر قصة الإرهاب ومكافحته، فالأمير الذي رصدت الإدارة الأميركية ملايين الدولارات مقابل معلومات عنه، كما فعلت سابقاً – وما تزال- مع قيادات الجماعات الإرهابية في العالم، كان ضابطاً متواضعاً، غير معروف في الجيش العراقي، ينتمي إلى قرية في قضاء تلعفر، ووالده كان يعمل مؤذناً في المسجد، لكن حياته، كما هي حال أغلب قادة تنظيم داعش، انقلبت رأساً على عقب، بعد الغزو الأميركي للعراق، والتزم مع تنظيم القاعدة بعد ذلك، قبل أن يسجن، ليعود بعد خروجه من السجن يتدرج في المهمات مع تنظيم الدولة، حتى صار “الخليفة المختبيء”.
حسناً لو عدنا إلى الوراء قليلاً وتخيلنا سيناريو مختلفاً عن غزو العراق، وما تلاه من انبثاق عنف طائفي هناك أدى إلى مقتل الآلاف وتشريد الملايين، وكان هنالك حل سياسي توافقي في تلك البلاد، هل كان مسار حياته سيتغير إلى هذه الدرجة، ولو فرضنا أنّه اتجه إلى التطرف، ألم يكن حينها مسألة داخلية عراقية في أسوأ الأحوال!
ونموذج القرشي لا يختلف عن غيره من عشرات القيادات التي أًنتجت بفعل الأزمات والأحداث والتطورات وارتبط مسارها بالأزمات العاصفة في الدول العربية والإسلامية، نتيجة الفشل السياسي والأمني أو الهويات الطائفية والعرقية والدينية المتصارعة، أو هشاشة الدولة وفشل التنمية والظروف الاقتصادية والاجتماعية الداخلية، لكنّها – أي هذه الاتجاهات العنيفة- أصبحت تهديداً عنيفاً للعالم لما أصبحت جزءاً من السياسات الدولية وتعالج بالتدخلات العسكرية، وطائرات الدرونز وعمليات اصطياد الرؤوس والقيادات في هذه التنظيمات، في لعبة يبدو أنّها ليست على وشك الانتهاء.
قُتل الأب الروحي لتنظيم داعش في العراق، أبو مصعب الزرقاوي، في العام 2006، بقصف أميركي، فجاءت بعده سلسلة من الزعماء ممن لا يقلون خطورة إن لم يزيدوا عنه، وقُتل ابن لادن في العام 2011 في عملية عسكرية أميركية في مخبأه في أفغانستان، وسبقه ولحقه مقتل واعتقال عشرات القيادات في القاعدة، ثم قتل أبو بكر البغدادي في العام 2019 في عملية شبيهة لقتل الأخير أبي إبراهيم القرشي، في الشكل والمضمون، لكن هل انتهى خطر التطرف والإرهاب؟!
قد يكون خطر داعش تراجع في العراق وسورية، ولم يعد التنظيم الذي استقطب عشرات الآلاف من كل العالم يمتلك تلك الهالة السحرية التي أحدث من خلالها طفرة مرعبة في التجنيد والدعاية والتحول في أنماط العمليات الإرهابية، لكنه لم ينته في العراق وسورية وما يزال يقتات على المشكلات والأزمات الداخلية هناك، بالرغم من إعلان الإدارات الأميركية القضاء عسكرياً عليه، ولا توجد دلالة أكثر وضوحاً على ذلك من العملية المعقدة والخطيرة التي قام بها (قبل أيام من مقتل زعيمه) ضد سجن يضم آلاف الدواعش المحتجزين في مناطق تسيطر عليها القوات الكردية، انتهت إلى مقتل مئات من أفراد داعش وعشرات من القوات الكردية، لكن بعد قرابة أسبوع من معارك الكر والفر، والغموض الإعلامي، وترويع مئات الآلاف من المدنيين في تلك المناطق وهروبهم خوفاً من المواجهات العسكرية هناك.
المفارقة أنّ التنظيم الذي ما يزال يصارع في العراق وسورية ويصرّ على البقاء أصبح ماركة عالمية، ولديه عشرات الفروع التابعة له، ويشهد خلال الأعوام الماضية صعوداً هائلاً وانتشاراً ملحوظاً كانتشار النار في الهشيم في القارة الأفريقية، التي فيها من المشكلات الداخلية، الدينية والعرقية وهشاشة الدول والمساحات الجغرافية الممتدة، ما يعطي التنظيم فرصة كبيرة للاختباء والعمل والانتشار واستنساخ نموذج أسوأ من نموذج الخلافة المدمّرة في العراق وسورية.
وفي العام الماضي تمّ إعلان تشكيل غرفة عمليات دولية لمكافحة الإرهاب خاصة بالقارة الأفريقية، ودعا وزير الخارجية الأميركية، أنطوني بلنكن، في العام الماضي إلى ضرورة مواجهة خطر انتشار الإرهاب هناك، إذ خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة (منذ العام 2019) وقعت عشرات العمليات الإرهابية التي راح ضحيتها الآلاف، فيما يقارب 15 دولة أفريقية، إذ تنشط فروع للتنظيم في وسط أفريقيا وغربها وشرقها، وهي جماعات محلية جهادية أعلنت ولاءها للتنظيم، مثل تنظيم غرب أفريقيا، وتنظيم الصحراء الكبرى وتحالف القوات الديمقراطية المتحالفة في الكونغو الديمقراطية وأوغندا وجماعة أنصار السنة في موزامبيق، فضلاً عن الخلايا والمجموعات الأخرى للتنظيم في شرق وشمال القارة الأفريقية.
إلى الآن ما تزال المشكلة الأفريقية في الإرهاب ذات طابع قارّي، مرتبط بالمشكلات الداخلية في أغلب هذه الدول، لكن مع التدخلات الدولية لمحاربة الإرهاب، من جهة، واستمرار الأزمات الداخلية وتجذّرها في هذه الدول، فإنّ الخشية الحقيقية أن تصبح القارة السمراء المصدر الجديد لتصدير الداعشية بنسخة منقّحة للعالم.
وكما نجح تنظيم داعش في مدّ نفوذه الأيديولوجي وإيصال رسالته إلى أفريقيا، فقد حقق الأمر نفسه في شرق آسيا، بخاصة بعد الانشقاقات التي حدثت في طالبان أفغانسات وباكستان، مما أدى إلى ولادة تنظيم “ولاية خراسان”، الذي قام بعمليات كبيرة عقب خروج القوات الأميركية من أفغانستان، وبدأ يستقطب مئات الهاربين من الجهاديين من مناطق أخرى، بخاصة من العراق وسورية، من الرجال والنساء والاطفال، الذين لا ترغب دولهم باستعادتهم أو الغاضبين من الأوضاع في دولهم في آسيا الوسطى.
إلى الآن مشكلة ولاية خراسان الكبرى تتمثل في المواجهة مع طالبان، التي تحاول أن تسيطر على البلاد وتثبت أهليتها لدى دول العالم الأخرى، وتعمل على تجنب سيناريو الإمارة الأولى، عندما احتضنت القاعدة ودفعت ثمن أحداث تفجيرات 11 سبتمبر 2001.
بيت القصيد في هذه الأحداث والخلاصات هو أنّ مكافحة الإرهاب تكمن في التعامل مع الأسباب والشروط، وإعادة تخصيص مليارات الدولارات التي تدفع للعمليات العسكرية واصطياد الرؤوس لتنفق على مشروعات تقوية المؤسسات السياسية والإدماج السياسي والاقتصادي والتنمية، ودعم الحكومات المحلية عبر تشجيع مشروعات بناء المجتمعات وإدماج المواطنين في الحياة العامة ونشر الديمقراطية والثقافة المدنية.
ولعلّ نظرة خاطفة على سيرة القرشي، عبدالله قرداش، أو أمير محمد تظهر لنا جوهر قصة الإرهاب ومكافحته، فالأمير الذي رصدت الإدارة الأميركية ملايين الدولارات مقابل معلومات عنه، كما فعلت سابقاً – وما تزال- مع قيادات الجماعات الإرهابية في العالم، كان ضابطاً متواضعاً، غير معروف في الجيش العراقي، ينتمي إلى قرية في قضاء تلعفر، ووالده كان يعمل مؤذناً في المسجد، لكن حياته، كما هي حال أغلب قادة تنظيم داعش، انقلبت رأساً على عقب، بعد الغزو الأميركي للعراق، والتزم مع تنظيم القاعدة بعد ذلك، قبل أن يسجن، ليعود بعد خروجه من السجن يتدرج في المهمات مع تنظيم الدولة، حتى صار “الخليفة المختبيء”.
حسناً لو عدنا إلى الوراء قليلاً وتخيلنا سيناريو مختلفاً عن غزو العراق، وما تلاه من انبثاق عنف طائفي هناك أدى إلى مقتل الآلاف وتشريد الملايين، وكان هنالك حل سياسي توافقي في تلك البلاد، هل كان مسار حياته سيتغير إلى هذه الدرجة، ولو فرضنا أنّه اتجه إلى التطرف، ألم يكن حينها مسألة داخلية عراقية في أسوأ الأحوال!
ونموذج القرشي لا يختلف عن غيره من عشرات القيادات التي أًنتجت بفعل الأزمات والأحداث والتطورات وارتبط مسارها بالأزمات العاصفة في الدول العربية والإسلامية، نتيجة الفشل السياسي والأمني أو الهويات الطائفية والعرقية والدينية المتصارعة، أو هشاشة الدولة وفشل التنمية والظروف الاقتصادية والاجتماعية الداخلية، لكنّها – أي هذه الاتجاهات العنيفة- أصبحت تهديداً عنيفاً للعالم لما أصبحت جزءاً من السياسات الدولية وتعالج بالتدخلات العسكرية، وطائرات الدرونز وعمليات اصطياد الرؤوس والقيادات في هذه التنظيمات، في لعبة يبدو أنّها ليست على وشك الانتهاء.
قُتل الأب الروحي لتنظيم داعش في العراق، أبو مصعب الزرقاوي، في العام 2006، بقصف أميركي، فجاءت بعده سلسلة من الزعماء ممن لا يقلون خطورة إن لم يزيدوا عنه، وقُتل ابن لادن في العام 2011 في عملية عسكرية أميركية في مخبأه في أفغانستان، وسبقه ولحقه مقتل واعتقال عشرات القيادات في القاعدة، ثم قتل أبو بكر البغدادي في العام 2019 في عملية شبيهة لقتل الأخير أبي إبراهيم القرشي، في الشكل والمضمون، لكن هل انتهى خطر التطرف والإرهاب؟!
قد يكون خطر داعش تراجع في العراق وسورية، ولم يعد التنظيم الذي استقطب عشرات الآلاف من كل العالم يمتلك تلك الهالة السحرية التي أحدث من خلالها طفرة مرعبة في التجنيد والدعاية والتحول في أنماط العمليات الإرهابية، لكنه لم ينته في العراق وسورية وما يزال يقتات على المشكلات والأزمات الداخلية هناك، بالرغم من إعلان الإدارات الأميركية القضاء عسكرياً عليه، ولا توجد دلالة أكثر وضوحاً على ذلك من العملية المعقدة والخطيرة التي قام بها (قبل أيام من مقتل زعيمه) ضد سجن يضم آلاف الدواعش المحتجزين في مناطق تسيطر عليها القوات الكردية، انتهت إلى مقتل مئات من أفراد داعش وعشرات من القوات الكردية، لكن بعد قرابة أسبوع من معارك الكر والفر، والغموض الإعلامي، وترويع مئات الآلاف من المدنيين في تلك المناطق وهروبهم خوفاً من المواجهات العسكرية هناك.
المفارقة أنّ التنظيم الذي ما يزال يصارع في العراق وسورية ويصرّ على البقاء أصبح ماركة عالمية، ولديه عشرات الفروع التابعة له، ويشهد خلال الأعوام الماضية صعوداً هائلاً وانتشاراً ملحوظاً كانتشار النار في الهشيم في القارة الأفريقية، التي فيها من المشكلات الداخلية، الدينية والعرقية وهشاشة الدول والمساحات الجغرافية الممتدة، ما يعطي التنظيم فرصة كبيرة للاختباء والعمل والانتشار واستنساخ نموذج أسوأ من نموذج الخلافة المدمّرة في العراق وسورية.
وفي العام الماضي تمّ إعلان تشكيل غرفة عمليات دولية لمكافحة الإرهاب خاصة بالقارة الأفريقية، ودعا وزير الخارجية الأميركية، أنطوني بلنكن، في العام الماضي إلى ضرورة مواجهة خطر انتشار الإرهاب هناك، إذ خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة (منذ العام 2019) وقعت عشرات العمليات الإرهابية التي راح ضحيتها الآلاف، فيما يقارب 15 دولة أفريقية، إذ تنشط فروع للتنظيم في وسط أفريقيا وغربها وشرقها، وهي جماعات محلية جهادية أعلنت ولاءها للتنظيم، مثل تنظيم غرب أفريقيا، وتنظيم الصحراء الكبرى وتحالف القوات الديمقراطية المتحالفة في الكونغو الديمقراطية وأوغندا وجماعة أنصار السنة في موزامبيق، فضلاً عن الخلايا والمجموعات الأخرى للتنظيم في شرق وشمال القارة الأفريقية.
إلى الآن ما تزال المشكلة الأفريقية في الإرهاب ذات طابع قارّي، مرتبط بالمشكلات الداخلية في أغلب هذه الدول، لكن مع التدخلات الدولية لمحاربة الإرهاب، من جهة، واستمرار الأزمات الداخلية وتجذّرها في هذه الدول، فإنّ الخشية الحقيقية أن تصبح القارة السمراء المصدر الجديد لتصدير الداعشية بنسخة منقّحة للعالم.
وكما نجح تنظيم داعش في مدّ نفوذه الأيديولوجي وإيصال رسالته إلى أفريقيا، فقد حقق الأمر نفسه في شرق آسيا، بخاصة بعد الانشقاقات التي حدثت في طالبان أفغانسات وباكستان، مما أدى إلى ولادة تنظيم “ولاية خراسان”، الذي قام بعمليات كبيرة عقب خروج القوات الأميركية من أفغانستان، وبدأ يستقطب مئات الهاربين من الجهاديين من مناطق أخرى، بخاصة من العراق وسورية، من الرجال والنساء والاطفال، الذين لا ترغب دولهم باستعادتهم أو الغاضبين من الأوضاع في دولهم في آسيا الوسطى.
إلى الآن مشكلة ولاية خراسان الكبرى تتمثل في المواجهة مع طالبان، التي تحاول أن تسيطر على البلاد وتثبت أهليتها لدى دول العالم الأخرى، وتعمل على تجنب سيناريو الإمارة الأولى، عندما احتضنت القاعدة ودفعت ثمن أحداث تفجيرات 11 سبتمبر 2001.
بيت القصيد في هذه الأحداث والخلاصات هو أنّ مكافحة الإرهاب تكمن في التعامل مع الأسباب والشروط، وإعادة تخصيص مليارات الدولارات التي تدفع للعمليات العسكرية واصطياد الرؤوس لتنفق على مشروعات تقوية المؤسسات السياسية والإدماج السياسي والاقتصادي والتنمية، ودعم الحكومات المحلية عبر تشجيع مشروعات بناء المجتمعات وإدماج المواطنين في الحياة العامة ونشر الديمقراطية والثقافة المدنية.