عودة طالبان: أسئلة الجيوبوليتك والتداعيات الاستراتيجيّة
يرى الشنيكات أنّ البدائل المحتملة لانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان تتمثل في الانتشار العسكري في دول الجوار الأفغاني مثل باكستان باستخدام تقنيات حربية جديدة (درون) بتكلفة أقل، إضافة إلى امتلاك الولايات المتحدة لأوراق مهمة في الاقتصاد الأفغاني المنهك، أهمها المساعدات الاقتصادية والأموال المجمدة لقيادات طالبان والحكومة السابقة، الأمر الذي يدعو طالبان إلى مراجعة ذاتية بعد عودتها للحكم بغية الحصول على الاعتراف الدولي والمساعدات الاقتصادية والانخراط في المجتمع الدولي.
يرجح شنيكات استمرار التعاون بين طالبان والقاعدة بصيغة التعاون المضبوط بمعنى عدم السماح للقاعدة بشن هجمات خارجية في ضوء اتفاق الدوحة واهتمام طالبان بترتيب البيت الداخلي، أما احتمالية وجود حرب باردة على أفغانستان من قبل القوى الدولية والإقليمية فذلك يعمتد على التركيبة الداخلية فيها وجدلية التعامل مع طالبان التي أصبحت أكثر براغماتية مستفيدة من تجاربها السابقة وتسعى حاليا إلى ضبط الوضع الأمني الداخلي وتقديم ضمانات للقوى الدولية بهدف الحصول على الاعتراف الدولي.
أشار شنيكات إلى الآثار المترتبة على الانسحاب الامريكي من أفغانستان وأكد أنّ روسيا وايران دعمتا حركة طالبان خلال فترة الاحتلال الأمريكي بهدف استنزاف الولايات المتحدة وانهاكها في حرب لا نهاية لها، إلا أنّ الانسحاب الأمريكي أعاد نظر روسيا في احتمالات تفرّغ الولايات المتحدة للوضع في أوكرانيا ودعم حكومتها الحالية والمخاوف المحتملة من سيطرة طالبان على دول النفوذ الروسي، أما بالنسبة لإيران فإنّ الانسحاب خفف الضغط عليها وأعاد المجال لها للعب دور أكبر كقوة إقليمية في المنطقة خاصة بوجود مصالح مشتركة لها مع الهند (تطوير ميناء تشابهار الايراني وربطه عبر الطرق البرية مرورا بأفغانستان)، وكذلك توظيف إيران للأداة الثقافية في أفغانستان بدعم المدراس والمراكز الثقافية التابعة للقبائل والطوائف الشيعية فيها.
اما بالنسبة للصين فإنّ ملف (تركستان الشرقية والأقلية الأيغورية المتمردة في الصين) يعد الأهم بالنسبة لها إثر عودة طالبان للحكم، لضمان عدم استخدام الأيغور الأراضي الأفغانية موطنا للأرهاب، إضافة إلى أنّ الصين ترى أفغانستان ممرا الى باكستان من خلال السكك الحديدية (ربط حزام الطريق) وموردا اقتصاديا مهما بوجود مادة اللثيوم في اراضيها لإنتاج السيارات الكهربائية، ومحاولة إعاقة أي نفوذ هندي لأفغانستان.
اما على الجانب الباكستاني فإنّ سيطرة طالبان على الحكم مجددا يخدمها ويعطيها فرصة لترسيخ نفوذها الإقليمي في المنطقة ذلك أنّ أفغانستان تعد العمق الاستراتيجي لها، كذلك فإنّ هذا الأمر يعزز توثيق تحالفها الاستراتيجي مع الصين، إلا أنّ هناك احتمالا لنمو التنظيمات المتطرفة مجددا داخل أفغانستان مهددا النظام في باكستان رغم خبرتها في التعامل مع هذه التنظيمات، حتى الآن لم يحدث اعتراف رسمي من قبل باكستان بحكومة طالبان الجديدة لكن العلاقات والمشاورات تشير إلى اعتراف واقعي بطالبان من قبل باكستان.
بالنسبة لتركيا فإنه لا توجد مصالح حيوية مباشرة لها مثل الصين وإيران، إلا أنّ وجود قبائل ذي أصول تركية ممكن أن تعيد فكرة إحياء ضمها لرابطة الشعوب التركية، وما يهم تركيا فعليا في الحالة الأفغانية التوسع الاقتصادي التجاري فيها.
ستؤثر عودة طالبان للحكم على الحركات المتطرفة ايجابيا بدعم سرديتها بانتصارها على أقوى دولة بالعالم وانتصار الحق على الباطل والخير على الشر وتحويلها إلى قبلة للمظلومين، وما يشجع هذا الأمر أنّ التنسيق بين طالبان والقاعدة لم يتوقف فعليا ما يعزز المخاوف من إعادة أنتاج أفغانستان كملاذ آمن للحركات المتطرفة رغم الخبرة العالمية في مكافحة الإرهاب، لكن الاحتمال الأكبر أنّ طالبان ستسعى للاستفادة من تجربتها السابقة وتضبط الوضع الأمني الداخلي في أفغانستان بهدف الحصول على الاعتراف الدولي وعمل تسويات سياسية مع كافة الأطراف وتغيير صورتها والحصول على المساعدات الدولية وإضفاء الشرعية لحكمها.
تنوعت آراء ونقاشات الباحثين حول المشهد الأفغاني بعد عودة طالبان للحكم، حيث يرى الباحثون أنّه ما زال هناك فجوة اقتصادية مرتفعة بين الولايات المتحدة والصين، والولايات المتحدة ما زالت حاضرة وفاعلة في المشهد الأفغاني، كذلك التأثير الباكستاني حاضر وفعال استخباريا في طالبان، ووضع طالبان حاليا يبقى مرتهنا لما تريده القوى الدولية الفاعلة منها ولن تسمح لها أن تتسيد المشهد حاليا وهذا يعتمد على سلوك طالبان في المرحلة القادمة، إلا أنّ هناك إمكانية لإعادة انتاج مناخ طالبان بنسخته القديمة ما زالت متوفرة وذلك دعما من الولايات المتحدة التي تريد توظيف هذا الأمر لصالحها، أما التحدي الحقيقي لطالبان فيكمن في التماسك الداخلي في المرحلة القادمة، حيث من المتوقع أن تعمل على مقايضة السياسة الداخلية بالخارجية من أجل ترتيب البيت الداخلي لنظام حكمها والحصول على الاعتراف الدولي ورفع القيود المالية عن قياداتها والحصول على المساعدات الاقتصادية وإضفاء الشرعية على حكمها.
أجاب شنيكات على الأسئلة المتنوعة من الحضور حول المشهد الأفغاني بعد عودة طالبان للحكم، ورأى أنّ المؤشرات تذهب نحو التغيير في نهج طالبان للحكم من أجل الاعتراف الدولي بها، وذلك يتطلب ضمانات منها لأجل الاستقرار الداخلي الأمني في أفغانستان والحفاظ على الجهاز البيرقراطي للحكومة السابقة، أما التحدي الأكبر لطالبان فيكمن في كيفية تحول طالبان من حركة جهادية إلى دولة تحكمها مؤسسات وأجهزة حقيقية وفاعلة، إلا أنّ لا يوجد تصورات وتفاصيل واضحة لدى طالبان حول أسلوب الحكم الناجع في المرحلة المقبلة، أما عن دور الصين في المرحلة المقبلة لطالبان فإنّ صعودها الاقتصادي الثابت والسريع يعزز ذلك الدور بهدف إنشاء المشاريع الاقتصادية الكبرى وضمان عدم خلق ملاذ آمن للأقلية الأيغورية من قبل طالبان، وعن دور باكستان سيبقى الدور الفاعل والقوي عسكريا واستخباريا في المشهد الأفغاني كون أفغانستان الحديقة الخلفية لها في سياسة باكستان الخارجية، بالنسبة للولايات المتحدة فلا يوجد أي تغيير جوهري في الرؤى الإدارات الأمريكية مؤخرا حول ملف حقوق الإنسان ولن تدعم التغيير الديمقراطي الحقيقي في أفغانستان وما يهمها بقاء مصالحها بعيدا عن أي تهديدات من قبل طالبان ما يتطلب تقوية وسائل الاتصال والرقابة الدولية على طالبان، أما بما يتعلق بإعادة انتاج وتفريخ التنظيمات الجهادية المتطرفة في المنطقة العربية فذلك مستبعد، فالمفترض أنّ طالبان استفادت من درسها السابق وأصبحت أكثر براغماتية وتسعى لترتيب بيتها الداخلي والحصول على الاعتراف الدولي وتغيير صورتها كملاذ آمن لتلك الحركات المتطرفة.