قراءة في المشهد العراقي قبيل ساعات من الاقتراع العام
يخوض العراق انتخاباته الخامسة منذ الغزو الأميركي عام 2003 في ظروف ليست طبيعية؛ فلأول مرة تُجرى انتخابات مبكرة بخلاف الموعد الدستوري المحدد في نيسان (أبريل) عام 2022 بعد احتجاجات اندلعت في تشرين أول (اكتوبر) عام 2019 كانت إحدى مطالبها إجراء انتخابات مبكرة وإقرار قانون انتخابي جديد.
على خلاف التوقعات، لم تؤجل الانتخابات وأعلن مقتدى الصدر عدوله عن قرار المقاطعة بعد أن قدّم عدد من الزعامات السياسية وثيقة إصلاح أقنعت الصدر بالمشاركة، لن نخوض في التفاصيل، لكن يبدو أن القوى السياسية التقليدية الأخرى استطاعت في نهاية الأمر إرغام التيار الصدري صاحب النفوذ السياسي الكبير والقاعدة الجماهيرية الواسعة على إجراء الانتخابات بموعدها وعدم السماح له بتأجيلها، ما دعا التيار عبر “الكتلة الصدرية” إلى تسخير الإمكانات كافة أملاً في الحصول على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية وتلافيًا لحالة الإرباك التي أحدثتها مسألة المقاطعة ثم المشاركة.
على الرغم من بيان المرجعية الدينية في النجف وما لقيه من أصداء واسعة في دعوتها للمشاركة بالانتخابات وقطع الطريق أمام الفساد وما تضمنه من تفاصيل أخرى، إلا أن مسألة نسبة المشاركة في التصويت من قبل الجماهير تبقى موضع شك، وهذا يفرض علينا العودة لنتذكر أن هذه الانتخابات المبكرة جاءت في سبيل احتواء مطالب الشارع، لكن اليوم القوى التشرينية انقسمت بين من تقاطع هذه الانتخابات لأسباب تتعلق -من وجهة نظرها- بغياب الأمن الانتخابي وتفشي المال السياسي في الحملات الانتخابية وعدم وجود إشراف دولي وقبول المفوضية بترشح أحزاب سياسية تمتلك فصائل مسلحة وأسباب أخرى لا يتسع المجال لذكرها، و بين من قَبِلت بالمشاركة في المضمار والمنافسة، متوعدةً برفع لواء المعارضة داخل البرلمان في حال فوزها بمقاعد في البرلمان وعدم الانجرار خلف ما تسميه المحاصصة الطائفية والحزبية، وهذه مسألة غاية في الأهمية وقد تكون الدافع وراء نية المفوضية العليا المستقلة للانتخابات إلى احتساب نسبة المشاركين في الانتخابات على أساس من تسلم بطاقة انتخابية إلكترونية وليس بالقياس على من يحق له الانتخاب، خاصةً مع وجود رقابة دولية وأممية بواقع 800 مراقب، بحسب تصريحات بلاسخارت وترقب دولي لنتائج هذه الانتخابات.
وفي ظل تفاؤل الكثيرين بإحداث تغيير على الساحة العراقية بعد هذه الانتخابات، إلا أن هنالك معضلة مقلقة تتمثل في الخشية من أن تقوم القوى السياسية التقليدية باكتساح المشهد مرة أخرى وإعادة إنتاج نفسها، حتى مع القانون الجديد الذي يتمتع بميزات كثيرة تفسح المجال للوجوه الجديدة وتمنح حق الترشح المستقل إما ضمن القوائم المتعددة أو القوائم الفردية، وهذا القلق يظهر بشكل أوضح في طريقة تقسيم الدوائر الانتخابية والذي أخذ قرابة 11 شهراً لكي يصادق رئيس الجمهورية عليه بعد إقرار قانون الانتخاب الجديد بسبب الخلافات التي شهدها مجلس النواب حول طريقة تقسيم هذه المناطق الانتخابية، وهذا جعل القانون موضع شك في أن القوى التقليدية قامت بتقسيم تلك المناطق وفقاً لقواعدها ومناطق نفوذها.
ومايثير القلق أيضاً، هو شكل التحالفات الإنتخابية الذي لم يبتعد عن حالة التطييف السياسي ورفع شعار الهوية الفرعية في الخطاب الانتخابي على حساب خطاب الهوية الجامعة، وهذه إحدى المعضلات التي يبدو أن القوى السياسية التقليدية لم تستوعبها بعد، وهي أن جيل حراك تشرين الذي تشرّب الطائفية والممارسات الهوياتية منذ نشأته يطرح اليوم خطاباً ومطالبات عابرة للمكونات على عكس ما كان متوقعاً من هذا الجيل، كما أن الإبقاء على حالة التطييف السياسي يعني استمرار أزمة تقسيم الرئاسات الثلاث والمناصب الوزارية والإدارية وفقاً لمبادئ المحاصصة، وهذه إجراءات لطالما طالبت قوى تشرين بإلغائها، وبالتالي يبقى العراق رهناً بيد الحرس القديم الذي هيمن على السلطة منذ عام 2003.
تبقى مسألة الانتخابات مهمة وعدم ترك فراغ سياسي ضرورة لإدارة شؤون البلاد؛ فالحكومة القادمة تنتظرها ملفات مهمة وبعضها حساس كمسألة تقسيم المياه مع دول الجوار التي عادت مؤخراً، والأزمات الاقتصادية التي تلاحق العراقيين وما شهدته من هبوط قيمة الدينار العراقي أمام الدولار، يُضاف إلى ذلك مشاريع الربط الكهربائي التي من المؤمل إنجازها في الفترة المقبلة بعد لهيب صيف حارق عاشه العراقيون.
ولكن بالعودة إلى نتائج الانتخابات المتوقعة والتي ستُعلن بعد 24 ساعة من انتهاء عملية الاقتراع كما تقول المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، يبدو من خلال قراءة التحالفات الانتخابية وجود تنافس وانقسام حاد في الأوساط السياسية وفي داخل المكونات نفسها، وهذا قد يدفع باتجاه تأخر تشكيل الحكومة كما جرت العادة. ففي الساحة الشيعية على سبيل المثال لا الحصر تسعى تحالف قوى الدولة الوطنية إلى استمالة من يدعو إلى حصر السلاح بيد الدولة، بينما على الطرف الآخر تسعى حركة حقوق وتحالف الفتح إلى حضور واسع داخل البرلمان لشرعنة أذرعها المسلحة بعد مضايقات شهدتها في الآونة الأخيرة.
سنيًّا، يبدو أن جراح الجمهور السني لم تلتئم بعد، وهذا ما قد يفسر التوقعات التي تشير إلى اندفاع السنة الشديد نحو المشاركة في الانتخابات والوقوف خلف التحالفات السياسية التي تتبنى مسألة إعادة الإعمار والبناء كتحالف تقدم، ومن تتبنى عودة النازحين إلى منازلهم والقضايا المتعلقة بالمعتقلين والمغيبين كتحالف عزم. مع عدم تجاهل القوى السياسية الأخرى وتأثيرها.
تبقى مسألة الانتخابات مهمة ومفصلية؛ فهي تزيح الستار عن المرحلة المقبلة، وتكشف شكل العراق الجديد الذي لطالما طالبت الجماهير بتحسين واقعه في الداخل وإعادة صياغة علاقاته مع الخارج من خلال بناء شراكات قائمة على أساس التعاون والمصلحة المشتركة، بعيداً عن سياسة التمحور التي انهكت البلاد طوال الأعوام المنصرمة. فإما أن تدفع هذه الانتخابات بعجلة البناء والتطوير والتنمية بأشكالها كافة أو أن تكون بداية لأزمات أعقد يواجهها العراق.
على الرغم من بيان المرجعية الدينية في النجف وما لقيه من أصداء واسعة في دعوتها للمشاركة بالانتخابات وقطع الطريق أمام الفساد وما تضمنه من تفاصيل أخرى، إلا أن مسألة نسبة المشاركة في التصويت من قبل الجماهير تبقى موضع شك، وهذا يفرض علينا العودة لنتذكر أن هذه الانتخابات المبكرة جاءت في سبيل احتواء مطالب الشارع، لكن اليوم القوى التشرينية انقسمت بين من تقاطع هذه الانتخابات لأسباب تتعلق -من وجهة نظرها- بغياب الأمن الانتخابي وتفشي المال السياسي في الحملات الانتخابية وعدم وجود إشراف دولي وقبول المفوضية بترشح أحزاب سياسية تمتلك فصائل مسلحة وأسباب أخرى لا يتسع المجال لذكرها، و بين من قَبِلت بالمشاركة في المضمار والمنافسة، متوعدةً برفع لواء المعارضة داخل البرلمان في حال فوزها بمقاعد في البرلمان وعدم الانجرار خلف ما تسميه المحاصصة الطائفية والحزبية، وهذه مسألة غاية في الأهمية وقد تكون الدافع وراء نية المفوضية العليا المستقلة للانتخابات إلى احتساب نسبة المشاركين في الانتخابات على أساس من تسلم بطاقة انتخابية إلكترونية وليس بالقياس على من يحق له الانتخاب، خاصةً مع وجود رقابة دولية وأممية بواقع 800 مراقب، بحسب تصريحات بلاسخارت وترقب دولي لنتائج هذه الانتخابات.
وفي ظل تفاؤل الكثيرين بإحداث تغيير على الساحة العراقية بعد هذه الانتخابات، إلا أن هنالك معضلة مقلقة تتمثل في الخشية من أن تقوم القوى السياسية التقليدية باكتساح المشهد مرة أخرى وإعادة إنتاج نفسها، حتى مع القانون الجديد الذي يتمتع بميزات كثيرة تفسح المجال للوجوه الجديدة وتمنح حق الترشح المستقل إما ضمن القوائم المتعددة أو القوائم الفردية، وهذا القلق يظهر بشكل أوضح في طريقة تقسيم الدوائر الانتخابية والذي أخذ قرابة 11 شهراً لكي يصادق رئيس الجمهورية عليه بعد إقرار قانون الانتخاب الجديد بسبب الخلافات التي شهدها مجلس النواب حول طريقة تقسيم هذه المناطق الانتخابية، وهذا جعل القانون موضع شك في أن القوى التقليدية قامت بتقسيم تلك المناطق وفقاً لقواعدها ومناطق نفوذها.
ومايثير القلق أيضاً، هو شكل التحالفات الإنتخابية الذي لم يبتعد عن حالة التطييف السياسي ورفع شعار الهوية الفرعية في الخطاب الانتخابي على حساب خطاب الهوية الجامعة، وهذه إحدى المعضلات التي يبدو أن القوى السياسية التقليدية لم تستوعبها بعد، وهي أن جيل حراك تشرين الذي تشرّب الطائفية والممارسات الهوياتية منذ نشأته يطرح اليوم خطاباً ومطالبات عابرة للمكونات على عكس ما كان متوقعاً من هذا الجيل، كما أن الإبقاء على حالة التطييف السياسي يعني استمرار أزمة تقسيم الرئاسات الثلاث والمناصب الوزارية والإدارية وفقاً لمبادئ المحاصصة، وهذه إجراءات لطالما طالبت قوى تشرين بإلغائها، وبالتالي يبقى العراق رهناً بيد الحرس القديم الذي هيمن على السلطة منذ عام 2003.
تبقى مسألة الانتخابات مهمة وعدم ترك فراغ سياسي ضرورة لإدارة شؤون البلاد؛ فالحكومة القادمة تنتظرها ملفات مهمة وبعضها حساس كمسألة تقسيم المياه مع دول الجوار التي عادت مؤخراً، والأزمات الاقتصادية التي تلاحق العراقيين وما شهدته من هبوط قيمة الدينار العراقي أمام الدولار، يُضاف إلى ذلك مشاريع الربط الكهربائي التي من المؤمل إنجازها في الفترة المقبلة بعد لهيب صيف حارق عاشه العراقيون.
ولكن بالعودة إلى نتائج الانتخابات المتوقعة والتي ستُعلن بعد 24 ساعة من انتهاء عملية الاقتراع كما تقول المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، يبدو من خلال قراءة التحالفات الانتخابية وجود تنافس وانقسام حاد في الأوساط السياسية وفي داخل المكونات نفسها، وهذا قد يدفع باتجاه تأخر تشكيل الحكومة كما جرت العادة. ففي الساحة الشيعية على سبيل المثال لا الحصر تسعى تحالف قوى الدولة الوطنية إلى استمالة من يدعو إلى حصر السلاح بيد الدولة، بينما على الطرف الآخر تسعى حركة حقوق وتحالف الفتح إلى حضور واسع داخل البرلمان لشرعنة أذرعها المسلحة بعد مضايقات شهدتها في الآونة الأخيرة.
سنيًّا، يبدو أن جراح الجمهور السني لم تلتئم بعد، وهذا ما قد يفسر التوقعات التي تشير إلى اندفاع السنة الشديد نحو المشاركة في الانتخابات والوقوف خلف التحالفات السياسية التي تتبنى مسألة إعادة الإعمار والبناء كتحالف تقدم، ومن تتبنى عودة النازحين إلى منازلهم والقضايا المتعلقة بالمعتقلين والمغيبين كتحالف عزم. مع عدم تجاهل القوى السياسية الأخرى وتأثيرها.
تبقى مسألة الانتخابات مهمة ومفصلية؛ فهي تزيح الستار عن المرحلة المقبلة، وتكشف شكل العراق الجديد الذي لطالما طالبت الجماهير بتحسين واقعه في الداخل وإعادة صياغة علاقاته مع الخارج من خلال بناء شراكات قائمة على أساس التعاون والمصلحة المشتركة، بعيداً عن سياسة التمحور التي انهكت البلاد طوال الأعوام المنصرمة. فإما أن تدفع هذه الانتخابات بعجلة البناء والتطوير والتنمية بأشكالها كافة أو أن تكون بداية لأزمات أعقد يواجهها العراق.