بودينار : تقوية المجتمع والدولة مطلب استراتيجي للحياة السياسية في المغرب
وتناول الباحثون، خلال الحلقة، نتائج الانتخابات المغربية وما أحدثته من وقع وواقع على الحياة السياسية المغربية وداخل حزب العدالة والتنمية ذاته، الذي يشهد مخاضا عسيرا قد يعيد رئيس الوزراء الأسبق عبدالاله بنكيران إلى المشهد مجددا، سيما أنه يعد صاحب الانتصارات الانتخابية المهمة في تاريخ العدالة والتنمية، سنوات 2011 و2015 و2016.
النظام المغربي.. التحدي والاستجابة
ويتميز النظام السياسي الملكي بالمغرب بالمرونة والتأقلم السريع مع التحولات السياسية الإقليمية والدولية، نظرا لتراكم الخبرات السياسية للنظام الملكي القديم والعريق، ما مكنه من الاستجابة السريعة لأحداث الربيع العربي عام 2011، والقيام بصياغة ملكية دستورية تمثلت بتعديلات دستورية أهمها : تعيين رئيس الحكومة من الحزب المتصدر، ومأسسة ما بعد العملية الانتخابية في صيغة أقرب للملكية الدستورية، نتيجة هذه التعديلات تسيّد حزب العدالة والتنمية المشهد السياسي في البلاد لمدة عشرة سنوات في تجربة تميزت بالطابع البراغماتي الحاد تجاه العديد من القضايا الداخلية فيما عرف (بفرنسة التعليم) وتقنين زراعة القنّب الهندي وقضايا خارجية أهمها التطبيع مع إسرائيل مقابل اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.
حزب العدالة والتنمية.. اليوم التالي
أفاق حزب العدالة والتنمية في اليوم التالي للانتخابات على صدمة كبيرة، انعكست سلبيا عليه، بعد التراجع، بل الهزيمة الكبيرة للحزب، إذ حاز على أقل من 10% مما حازه من مقاعد قبل 5 سنوات، فيما حازت الأحزاب المنافسة الأخرى على أغلبية المقاعد ممثلة بأحزاب التجمع الوطني للأحرار و(الأصالة والمعاصرة) والاستقلال ما أهلها لتكوين ائتلاف أغلبية لتشكيل الحكومة، الأمر الذي أثار تساؤلات الباحثين حول مستقبل الحياة السياسية والحزبية عامة وحزب العدالة والتنمية المغربي، خاصة في ظل المرحلة الجديدة.
ويعيش حزب “العدالة والتنمية” في الوقت الراهن ازمة غير مسبوقة داخليا وخارجيا، حيث يشهد تحولات كبيرة لم يشهدها منذ تأسيسه، بدأت بتقديم الأمانة العامة للحزب، بقيادة سعد الدين العثماني، استقالتها إثر تراجعه إلى المرتبة الثامنة في نتائج انتخابات الثامن من أيلول الماضي، بحصوله على 13 مقعدا فقط مقابل 125 في 2016 من أصل 395 مقعدا في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان). الامر الذي يطرح تساؤلات حول علاقة ابتعاد “حركة الإصلاح والتوحيد” الذراع الدعوية لحزب العدالة والتنمية، عن دعمه في الانتخابات، ما أدى إلى سقوطه المدوي وإمكانية استعادة العلاقة مجددا، سيما أن الخلافات بين الجانبين كانت بارزة للعيان في عدة قضايا مثل الخلاف حول التدريس باللغة الفرنسية وتقنين القنب الهندي والتطبيع مع “إسرائيل”.
تباينت الآراء والتحليلات من الخبراء والباحثين حول المشهد المغربي في مرحلة ما بعد الانتخابات، فرأى بعض الباحثين في الحلقة البحثية أنّ المشكلة الحقيقية لا تكمن في إنجازات حزب العدالة والتنمية التي شملت البنى التحتية والتنموية في البلاد، بل في عدم القدرة على إدارة الحملات الإنتخابية بنجاح من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ أدوات الحكم الفعلية كانت بيد المؤسسة الحاكمة الملكية، فالحزب لم يعمل على (أدلجة) إسلامية سياسية للمجتمع، كذلك لم يأخذ الحزب صبغة إسلامية بحتة في الحكم بل كان براغماتيا الى أبعد حد، على النقيض من الخطاب الهوياتي الذي كان يقدم بها نفسه في الحملات الانتخابية السابقة فانتقل الحزب من مرحلة نعيم المعارضة الى جحيم السلطة، الأمر الذي أدى الى هجوم على الحزب ذي الصبغة الإسلامية ومحاولة إفشاله بدعوى أنّ الاسلام لا يصلح للحكم، وهذا ما حدث نتيجة لما وصف بـ”التصويت العقابي”، الذي أصبح عرفا في الحياة السياسية بالمغرب.
التصويت العقابي
تناول بودينار ، في الحلقة النقاشية، إشكاليات الانتخابات المستقبلية في المغرب، وتتمثل الإشكاليات بقوة الأحزاب كوساطة سياسية بين السلطة والشارع، إلا أنّ الإنجازات الحقيقية على أرض الواقع تنسب للمؤسسة الحاكمة (الملكية) أما الإخفاقات فإنها تنسب للحزب الحاكم، إشكالية أخرى تتعلق بتراجع قوة الإسلام السياسي في الحياة السياسية، ذلك الأمر قد يؤدي الى وجود قوة أكثر تطرفا، كذلك (مضمون التعاقدات) بين الأحزاب المتقدمة للانتخابات والناخبين فإنّها يجب أن تكون في الحدود الممكنة والمعقولة، فخطاب الآيدلوجية والهوية يمكن أن يصل بالحزب الى السلطة والمشاركة بالحكم إلا أنها قد تكون عاملا أساسيا في تراجعه شعبيا في حال عدم فعاليتها، بالإضافة إلى الخزان الانتخابي المتمثل بأعضاء الحزب وقواعده الشعبية، فإنّه مقابل ثبوت الحزب وبقائه قد تتم الإطاحة بشخصية قيادية مسؤولة بارزة وذلك ما حدث مع رئيس الوزراء المغربي سعد الدين العثماني، كذلك الأمر بتقليد وعرف صار يتبع مؤخرا ما يسمى “بالتصويت العقابي” الذي يتبع من قبل الناخبين في حال فشل الأحزاب الحاكمة وعدم وجود دور حقيقي لها في الحياة السياسية، أما بما يتعلق بإيجابيات المرحلة المقبلة؛ فإنها تتمثل بإعطاء حزب العدالة والتنمية الفرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة مراجعة لإدارة الشأن العام، إضافة إلى القدرة على التقويم المستمر لسياساتها، ذلك يعني أنّ التحول في أحزاب الاسلام السياسي في المغرب تحتاج إلى سرديات جديدة في المرحلة المقبلة ترتكز على تقوية المجتمع والدولة معا كمتطلب استراتيجي.
خلاصات وقراءة مستقبلية
يجيب المتحدث الرئيسي (بودينار) على تساؤلات الباحثين العديدة حول إشكالية الحكم في المغرب ومرحلة ما بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة وما أفرزته من نتائج صادمة لحزب العدالة والتنمية المغربي وكيفية استفادة الأطراف المعنية في المرحلة القادمة بعدة نقاط أبرزها:
- معادلة الوسط السياسي في المملكة المغربية صعبة، ذلك أنها مازالت أسيرة لمركزية المؤسسة الملكية الحاكمة، التي تسيطر فعليا على الملفات السيادية الرئيسية مثل الخارجية والدفاع.
- رغم وجود نمو اقتصادي لافت في المغرب وفقا للمؤشرات الاقتصادية إلا أنّ هناك فشلا في تحويل النمو الاقتصادي إلى تنمية شاملة تنعكس على حياة المواطنين، ذلك ما عبر عنه الملك المغربي في خطاب علني عام 2018 معترفا بفشل النموذج التنموي، وداعيا إلى تشكيل نموذج تنموي على أساس خارطة طريق للمرحلة المقبلة.
- الحملات الانتخابية لم تكن فاشلة بالمعنى الدقيق، بالأحرى كان هناك مؤشرات ونذر هزيمة واضحة، فحزب العدالة والتنمية مُنع من القيام بحملاته الانتخابية في بعض المناطق.
- رغم وجود تحسن وتطور لافت على صعيد البني التحتية والتنمية، إلا أنّ إدارة حزب العدالة والتنمية للملفات الاجتماعية المتعلقة بحياة المواطنين مثل التعليم والمرأة لم تكن فعالة ولم تنعكس على حياة المواطنين.
- الحزب لم يقم بأسلمة منظمة للحياة السياسية تعمل على ضبط أدوات الحكم في المغرب، وهذه مشكلة أساسية للخزان الانتخابي والقواعد الشعبية التي تقوم على أساسها.
- ليس من مصلحة أي فاعل (حزب، مؤسسة) أن تقوم بإضعاف الدولة لأنّ النتيجة كارثية في ظل التحديات الخارجية.
- نظام التعاقد الذي يهدف إلى تطوير نمط الإدارة في المغرب وفقا لمردودية الموظف الانتاجية ضمن مؤشرات قياس الأداء المتبعة، مست شرائح وقطاعات كبيرة خاصة الشباب وأثارت حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي.
- استحداث قانون الانتخاب الجديد المبني على فكرة القاسم الانتخابي (قسمة مجموع الناخبين المسجلين على عدد المقاعد بدلا من عدد الأصوات الصحيحة) أثارت جدلا كبيرا في الأوساط السياسية والحزبية، رغم هذا الأمر فقد أنقذ هذا القانون حزب العدالة والتمنية المغربي من هزيمة أكبر.
- الخصوصية الدينية الشرعية مكون رئيسي لمؤسسة الحكم الملكية السياسية في المغرب، لها انعكاساتها على واقع الحياة السياسية والحزبية في المغرب.
- المغرب على أعتاب مرحلة جديدة، فالأدوار تتغير وموازين قوى داخلية جديدة تشكلت، كما أّن الفاعلية وأدوار الفاعلين تبدلت، الأمر الذي يعيد حسابات الفاعلين في الحياة السياسية عامة وحزب العدالة والتنمية بشكل خاص.
المشاركون في الحوار
- سمير بودينار: أكاديمي وأستاذ جامعي في علم الاجتماع السياسي. متخصص في مناهج وقضايا العلوم الاجتماعية، وعلم الاجتماع الديني والسياسي. يتركز اهتمامه كباحث، ومؤلفاته على مجالات الالتقاء بين القيم والنظريات الاجتماعية مع الحقلين الديني والسياسي. يشغل حاليا رئيس مركز الدراسات والبحوث الاجتماعية بمدينة وجدة/ المغرب.
- رحيّل الغرايبة: سياسي ومفكّر أردني، الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني “زمزم“.
- حسين الرواشدة: كاتب سياسي أردني.
- وسام الهزايمة: أكاديمي ومحاضر في الجامعة الأردنية، مساعد العميد للشؤون الطلابية في كلية العلوم السيساسية بالجامعة الأردنية.
- بدر ماضي: استاذ العلوم السياسية بالجامعة الألمانية الاردنية.
- عبيدة فرج الله: إعلامي وناشط أردني.
- غيث المعاني: قانوني وناشط حزبي
- عبدالله الجبور: باحث وناشط سياسي
- محمد البيطار: رجل أعمال.
- محمد العساف: ناشط شبابي
- سائد كراجة: محامي ومستشار قانوني.
- محمد ابورمان: المدير العام لمعهد السياسة والمجتمع.
- وائل منسي: منسق المشاريع في معهد السياسة والمعهد.
- رشا سليم : المدير التنفيذي لمعهد السياسة والمجتمع.
- أحمد القضاة : مدير الإعلام والاتصال في معهد السياسة والمجتمع.
- عبدالله محمد الطائي: باحث في معهد السياسة والمجتمع.