إعادة تعريف الدور الإقليمي الأردني
الملك في واشنطن
ما هي أهمية الدور الإقليمي الأردني؟ ولماذا يعتبر تراجعه مقلقاً لمطبخ القرار في عمان؟
في العقود السابقة حظي الأردن بأهمية خاصة في المنطقة، وكان الدور الإقليمي الأردني محورياً بالنسبة للسياسات الأميركية، وتمتع الملك عبدالله الثاني، تحديداً، بأهمية خاصة بمنافسة إسرائيل في الدوائر الأميركية في مجال ترسيم السياسة الخارجية في المنطقة، وكان الأردن تاريخياً لاعباً رئيسياً على صعيد العلاقات الأميركية والقضية الفلسطينية وديناميكيات التعامل مع إسرائيل في المنطقة.
صحيح أنّ هذا الدور شهد تحولات وتغيرات واهتزازات في العديد من المراحل التاريخية، لكنّ وزن الأردن السياسي وقيمته الجيو استراتيجية كلاعب إقليمي كانا على درجة من الأهمية والقوة، بالنسبة للسياسات الدولية والإقليمية، سواء في مرحلة الصراع العربي- الإسرائيلي، حتى عقد التسعينيات من القرن الماضي، أو في مرحلة التسوية السلمية والبحث عن حل نهائي للقضية الفلسطينية في المرحلة اللاحقة، أو حتى على صعيد مكافحة الإرهاب في المنطقة، أو في مرحلة الربيع العربي وصعود داعش والأوضاع الأمنية الإقليمية المتدهورة..
في تلك المراحل جميعاً، لم يكن هنالك شكّ أو تشكيك من قبل الأطراف الدولية والإقليمية بالدور الأردني وأهميته، إلاّ أنّ الوضع تغيّر بصورة كبيرة مع إدارة الرئيس دونالد ترامب، وبدا أنّ الأردن عملياً يتعرّض لهجوم غير معلن وعقوبات غير رسمية على موقفه في ملف القدس والتطبيع والسياسات الأميركية والإقليمية في اليمن وسوريا.
أدركت غرفة القرار في عمان أنّ هنالك تهميشاً مقصوداً للدور الأردني، بل محاولة للقفز على المكانة الجيو استراتيجية ليس فقط تكتيكياً، بل استراتيجياً على المدى البعيد، من خلال إلغاء مركزية القضية الفلسطينية، والذهاب نحو ما يسمى بـ”السلام الإقليمي”، والقفزة الهائلة التي حدثت على صعيد علاقات بعض الحكام والمسؤولين العرب مع إدارة ترامب، وفي محاولة الولوج إلى لعبة الإعلام ومراكز التفكير في واشنطن، مما كان يشي برسالة مبطّنة بأنّ المكانة الخاصة للملك في واشنطن لم تعد قائمة، وأنّ هنالك شخصيات أكثر نفوذاً وتأثيراً من العالم العربي في العاصمة الأميركية واشنطن.
في الأثناء، كان هنالك تلميح أردني إلى وجود “أصابع” خارجية في قضية الأمير حمزة، وإذ كان هنالك اتفاق جنتلمان وقع بين عمان وبعض العواصم العربية بتجنب ذكرها في حيثيات القضية، فإنّ بعض التصريحات والتسريبات على لسان مسؤولين أردنيين في لقاءت مغلقة، مع صحافيين وسياسيين كانت تشير أيضاً إلى لعبة من جاريد كوشنير، صهر الرئيس الأميركي السابق، لإضعاف الأردني وتحجيم دوره أكثر في ملف القضية الفلسطينية والإنفراد بالسلطة في رام الله.
إذاً، في ضوء هذه التطورات والتحولات الكبيرة التي حدثت خلال الأعوام الماضية (على صعيد الدور الإقليمي الأردني) تأتي زيارة الملك ليكون الزعيم الأول الذي يلتقيه الرئيس الأميركي، ما يمثل رسالة على أنّ ميزة الأردن – إقليمياً- ما تزال قائمة، وأنّ قيمة الملك كخبير في المنطقة تستأنس واشنطن برأيه لم تتراجع، وأهميته ما تزال في دوائر القرار والتفكير والمؤسسات السياسية الأميركية ما تزال فاعلة ونافذة.
ذلك لا ينفي أنّ هنالك تحدياً حقيقياً للدور الأردني، نظراً للمتغيرات الاستراتيجية في المنطقة نفسها، فالتصورات التي تسربت من أروقة إدارة ترامب بخصوص دور أردني في الضفة الغربية وُجهت بالرفض من قبل الملك، ولا يبدو هنالك من أفق حقيقي في تسوية سلمية ناجعة، ومركزية القضية الفلسطينية تراجعت في منظور الزعماء العرب، ومسارات التطبيع العربية- الإسرائيلية لم تلتغ بعد تغير الإدارة الأميركية، حتى السياسات الأميركية نفسها باتت تنظر إلى المنطقة بوصفها مصدراً للأزمات والمشكلات، وتراجعت أهميتها الاستراتيجية في تعريف المصالح الحيوية لواشنطن في العالم.
هذا وذاك يدفعان إلى إعادة تعريف الدور الإقليمي الأردني، في إطار تغيرات بنيوية في السياسات الدولية والبيئة الإقليمية
على هذا الصعيد يمكن القول بأنّ هنالك مسارات رئيسية يمكن أن تشكّل رافعة جديدة ونوافذ مهمة للدور الأردني..
على صعيد الأمن الإقليمي، من الواضح أنّ هنالك توترات في المنطقة مرتبطة بأكثر من صعيد؛ الأول؛ الدور الإيراني الممتد بين سورية والعراق ولبنان، ومحاولة الاستثمار الإيرانية لتغير الإدارة الأميركية، بخاصة في العراق، ويمكن ملاحظة تصريحات قيس الخزعلي الأخيرة بتهديد تواجد القوات الأميركية هناك بمثابة عملية إحماء لتعزيز الأوراق الإيرانية في الصفقة المنتظرة أو تجديد الاتفاقية النووية مع واشنطن.
الثاني؛ الأزمات الداخلية في العديد من الدول العربية، بخاصة العراق وسورية واليمن ولبنان، ما يعني أنّ الأمن الأردني مهم إقليمياً للسياسات الأميركية.
الثالث؛ توجه الديمقراطيين الأميركيين لإعادة الاعتبار للديمقراطية وحقوق الإنسان على قائمة المصالح الأميركية في المنطقة، صحيح أنّها لن تكون مقدمة على مصالح أخرى، لكن سيكون لها قيمة ولو محدودة في ترسيم علاقة أميركا بالدول الأخرى في المنطقة، في ظل الحروب الداخلية والطائفية وتراجع ملف حقوق الإنسان في أغلب الدول العربية.
بناءً على ما سبق، فإنّ إعادة ترسيم الدور الإقليمي الأردني من المفترض أن تأخذ تغييرات هيكلية في عين الاعتبار:
أولاَ- الإزاحة قليلاً نحو تخفيف الأزمة، وإعادة العلاقات مع إيران، تماشياً مع مسار الصفقة الأميركية- الإيرانية، ومع أهمية تطوير العلاقات الأردنية- العراقية اقتصادياً، وهو مسار سيكون مغلقاً من دون البوابة الإيرانية، ما يتطلب مراجعة العلاقات الديبلوماسية مع طهران، بخاصة أن أي صفقة أميركية- إيرانية ستكون مرتبطة بانسحاب غير معلن للأميركيين من الملفين العراقي والسوري.
ثانياً- المسارعة إلى تطوير العلاقة مع سورية، والوصول إلى تفاهمات حول المصالح الاقتصادية المشتركة، ومن المعروف أنّ الاستثناءات الأردنية فيما يخص قانون قيصر كانت بنداً رئيسياً في حديث الملك في واشنطن، لأهمية ذلك أردنياً، بخاصة فيما يتعلق بملف الربط الكهربائي والصادرات الأردنية وإعادة الإعمار في سوريا.
ثالثاً- تدوير الزوايا الحادة في العلاقة مع السعودية، بعد أن شهدت تأزماً خلال الفترة الماضية، في مرحلة الرئيس ترامب، وعلى الأغلب سيكون ذلك مرحباً في السعودية، بعد التغيرات الملحوظة في علاقة السعودية بالإدارة الأميركية الجديدة وبالإمارات، التي شكّلت حليفاً استراتيجياً للسعودية خلال الأعوام الماضية.
رابعاً- إعادة ترسيم الخطة الأردنية- الفلسطينية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، في ضوء غياب الشريك الإسرائيلي في التسوية السلمية، وفي ضوء عمليات التطبيع وتغيرات البيئة العربية، والتراجع في قوة السلطة وشرعيتها داخلياً وخارجياً، مما يقتضي مراجعة السياسة الأردنية تجاه القوى والشخصيات الفلسطينية المؤثرة، لتعزيز الدور الأردني في الضفة الغربية، والتحسب لمرحلة ما بعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
في الخلاصة؛ تمثل زيارة الملك إلى واشنطن محطة رئيسية مهمة في إعادة ترسيم السياسات الخارجية الأردنية خلال المرحلة المقبلة، وفرصة لقراءة نوايا الإدارة الأميركية ومراكز القرار والتفكير في واشنطن، والعمل على تجسير الدور الأردني للتعامل مع متغيرات رئيسية حدثت في المنطقة وفي السياسات الأميركية خلال الأعوام الأخيرة.