محافظة: الربيع الأردني بدأ مبكّراً منذ العام 1989
وأكّد محافظة على الاهتمام الكبير الذي أعطاه الحسين للتعليم بوصفه أساس النهضة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الأردنية.
وكان محافظة قد تحاور مع نخبة من الشباب الأردني خلال ندوة مع نخبة من الشباب بعنوان “النهضة في فكر الحسين” (ضمن سلسلة حواريات المئوية التي يعقدها معهد السياسية والمجتمع بالتعاون مع صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية) بهدف توثيق الذاكرة السياسيَّة في ذهنية جيل الشباب، يوم الجمعة 12 آذار (عبر تطبيق الزووم) حول الملك الراحل الحسين ومعالم النهضة في عهده.
وتقوم فلسفة الحوارية، على عقد جلسات مشتركة بين الخبراء والباحثيين والسياسيين الأردنيين، ومجموعات من الشباب يمثلون مختلف مناطق وشرائح المجتمع الأردني، من خلال توظيف الفضاء الرقمي في بناء السردية التاريخية الأردنيَّة، بمنهجية نقاشية حواريّة، حيث تكون المئوية الأردنيَّة الأولى مدرسة للمئوية الثانية القادمة.
ويذكر أن د. علي محافظة مؤرخ وأكاديمي وهو أستاذ التاريخ في الجامعة الأردنية، وله مؤلفات عديدة في التاريخ السياسي للعرب الحديث والمعاصر، وتسلّم رئاسة عدد من الجامعات وعمل لفترة كدبلوماسي في السفارات الأردنية في الخارج.
1. نهج يقوم على الانفتاح والاعتدال
ذكر محافظة في بداية حديثه الاختلاف بين الملك حسين والملك عبدالله المؤسس في ثقافته وتربيته ونظرته للأمور بشكل عام وللأردن بوجه خاص، حيث بيّن أنّ الملك المؤسس تربى تربية اسلامية عربية عثمانية وتعلم لغة واحدة غير اللغة الأم وهي التركية، بينما الحسين أتيحت له فرصة الدراسة في مدارس حديثة في الأردن خلال طفولته ثم التحق في كلية فكتوريا في الاسكندرية وهي البريطانية التكوين، ثم انتقل إلى بريطانيا لإكمال دراساته العليا، ثم التحق بكلية ساندهيرست العسكرية، وهذا كله – كما أورد محافظة- كان له الأثر الكبير على ثقافة الحسين بكل مراحله من طفولته وحتى توليه الحكم عام 1953.
ويذكر د.علي محافظة في معرض حديثه عن رؤية الملك الحسين للأردن أنه كان يطمح تحويله إلى بلد عصري تدخله الحداثة من كل مناحي الحياة، فآتى برئيس للوزراء يتوافق معه في هذه النظرة وهو فوزي الملقي(1952) الذي اختار عددا من الشباب والشخصيات المؤثرة في ذلك الحين بحكومته كأنور الخطيب وحكمت المصري وشفيق رشيدات.
ثم بدأ الحسين بالانفتاح على العالم العربي وبعملية انفتاح داخلي مما ساهم في نشأة الأحزاب السياسية داخل الأردن، التي تزامنت مع نشأة الأحزاب في عموم المنطقة العربية، وكان احد المحركات الرئيسية لنشأتها “الكارثة الفلسطينية” عام 1948 مثل “البعث العربي” و “القوميين العرب” و”جماعة الإخوان المسلمين”، وأغلب هذه الأحزاب كانت فروعاً لأحزاب في دول عربية أخرى، ثم تبعها حزب التحرير الاسلامي و”الشبان المسلمين” والحزب الشيوعي الذي تأسس من بقايا الحزب الشيوعي الفلسطيني.
ووضح محافظة انّ نشاط الأحزاب مطلع الخمسينات تمتع بمساحة كبيرة من الحرية التي أتاحتها حكومة الملقي-الحكومة الأولى في عهد الحسين. وبالرغم من عودة التشديد على الحياة الحزبية في حكومة توفيق أبو الهدى التي تلت حكومة الملقي لكن الحزب الوطني الإشتراكي تشكل في هذه الفترة برئاسة هزاع المجالي، وهو الحزب الذي شكل أول حكومة برلمانية في تاريخ الأردن.
أمّا على صعيد العلاقات مع الدول العربية كان الأردن في بداية عهد الحسين يحاول أن يحقق تعاوناً عربياً في سبيل تحقيق نوع من المساعدة في صد الاعتداءات الاسرائيلية آنذاك على القرى الحدودية مع الأراضي المحتلة، والذي لم يحقق المطلوب منه كما يؤكد محافظة.
2. التعليم أساس النهضة الاقتصادية
يؤكد د. محافظة على اهتمام الحسين بالتعليم ورفعة الإنسان الأردني، فعندما وصل للحكم كان وجود المدارس يقتصر على المدن الرئيسية وكان التعليم متاحاً لعدد محدود من الطلبة، فأُصدر قانون التربية والتعليم لعام 1964 الذي كان متقدماً على مستوى المنطقة بشكل عام فنصّ حرفياً ” تفتح مدرسة حيثما يوجد عشرة من الأطفال الأردنيين” ووصل ترتيب الأردن إلى المركز الأول عربياً، من حيث جودة التعليم بعد أن كان يحتل المرتبة قبل الأخيرة، وهذا الأمر أهم نتائج هذا القانون الذي جاء استجابة للرغبة الشعبية للأردنيين آنذاك، الذين أدركوا أن التعليم هو الوسيلة الوحيدة للنهوض بالأردن.
وكانت أبرز نتائج هذه المرحلة، تحسين مستوى الأسر الأردنية اقتصادياً واجتماعياً والارتقاء بالسلم الاجتماعي للفرد. وساهم هذا الارتقاء إلى ارتفاع الإقبال على التعليم العالي فارتفع حجم الابتعاث إلى الجامعات العربية من طالبين في عهد الامارة إلى خمسة طلاب -الأوائل- إلى الجامعات العربية وغير العربية، وساهمت الأحزاب السياسية في هذه الفترة في تنشيط التعليم وإرسال البعثات إلى دول مثل العراق وسوريا ومصر ودول الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية.
ويؤكد محافظة أنه نتيجة لهذه الثورة التعليمية تطورت معالم الأردن السياسية والاجتماعية والثقافية، التي تلاها إنشاء مؤسسات اقتصادية مهمة للدولة، كمصفاة البترول والبوتاس والمعادن الاستخارجية.
لقد شكل التعليم مفتاح للتغيير وللمستقبل بالنسبة للشباب الأردني في عهد الحسين، وفقاً لمحافظة، كما اهتم المجتمع بتعليم المرأة بشكل خاص، وافتتحت الجامعات الأردنية ابتداء من الجامعة الأردنية عام 1962 وحتى الجامعات الخاصة التي تجاوزت العشرين جامعة لاحقاً. لكن يستدرك محافظة أنّ المستوى التعليمي حاليا في الأردن تدنّى بصورة ملحوظة مقارنة بما كان عليه، ودعا لإصلاحه لأنّه الميزة الاستثمارية والاستراتيجية النسبية للأردن بين دول المنطقة.
وعلى الصعيد الثقافي جاء محافظة على ذكر كم المؤسسات الثقافية التي أنشئت في عهد الحسين مثل المؤسسات المعنية بالآداب والفنون، وتخصيص جوائز دولة للمتفوقين في هذه المجالات.
3. الربيع الأردني المبكّر
وفي سياق الحوارية تحدث الدكتور علي محافظة عن أهمية ما أحدثته هبة نيسان 1989 من إنجازات كبيرة على الصعيد السياسي والاقتصادي، إذ عدلت الكثير من القوانين والأنظمة التي كانت تقيد الحريات وحلت محلها قوانين أقرب للديمقراطية عما كانت عليه سابقا، ووضع الميثاق الوطني الأردني ليشمل الدولة والقوى السياسية المختلفة، وعاد العمل الحزبي إلى الحياة. أطلق محافظة على هذه المرحلة مصطلح “الربيع الأردني” على الرغم من غياب الأحزاب عن الحياة السياسة قبل ذلك للفترة لما يقارب الأربعين عاماً.
أمّا على صعيد حل القضية الفلسطينية بين محافظة مساعي الحسين منذ توليه الحكم في استرجاع الأراضي المحتلة، الّا أن الأوضاع الدولية والاقليمية آنذاك حالت دون تحقيق الأماني القومية والوطنية التي سعى لها إلا أنها قضية الأردن الأولى وستظل كذلك ونحن أقرب الناس لها وتتصل بحياتنا كأردنيين.
وختم د. علي محافظة حديثه بأن الأردن شهد إنجازات عظيمة في جميع ميادين الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية في عهد الحسين كتب عنها الكثير من الكتّاب العرب والأجانب والملك نفسه في كتابه ” مهنتي كملك”، الأمر الذي يدعو إلى إعادة النظر في المرحلة “الحسينية” وقراءتها قراءة ودراسة علمية سليمة ناقدة أيضا لمعرفة هذه المرحلة التاريخية المهمة.
4. نقاش مع الشباب؛
طرح الحضور من الشباب جملة من الأسئلة على د. محافظة، منها فيما إذا كانت القومية العربية عادت على الأردن بنتائج ايجابية؟ وماذا لو استلم الأردن القيادة في حرب ال1967 بما أن الأردن استطاع الانتصار في معركة الكرامة وحيداً؟ ومن الذي يستطيع اليوم انجاز المشروع الوطني الأردني؟ وعن السبب في عدم وجود كتب موثقة لمراحل مهمة من تاريخ الأردن في عهد الحسين؟ وغياب الوسائل التعليمية والثقافية التي تذكر الأحداث التاريخية بتسلسلية؟ كذلك عن مفهوم الأمن القومي في عقل الحسين وهل لازال هذا المفهوم ثابت لليوم؟ وما هي أوراق الضغط التي استخدمها الملك حسين بعد معركة الكرامة وما هي الأوراق التي يستخدمها الملك عبد الله اليوم؟ ولماذا لم تستطع النخبة الأكاديمية والمثقفة تقديم سردية تاريخية مقنعة للأجيال، وما هي المقترحات التي يجب أن تقدم للشباب حتى يرتقي سياسيا واقتصاديا؟
اعتبر المحافظة أن “الكيان الأردني”نشأ كياناً قوميا عربيا مبنياً على مبادئ الثورة العربية الكبرى التي قدمت برنامجاً يدعو إلى وحدة العرب والسير على هدي المباديء ديموقراطية، كما أكد المحافظة أننا بالرغم عقد اتفاقية السلام مع إسرائيل فما زالت هي الخطر الذي يهددنا ونحن بحاجة ماسة إلى الأشقاء العرب. وبشأن حرب عام 1967 قال أن العرب لم يكونوا مهيئين للحرب أساسا ولذلك كانت الخسارة أمر متوقع.
وعن المشروع الوطني الأردني أكد محافظة أنه موجود بوجود الشعب الأردني والقيادات السياسية الأردنية. وفي الإجابة عن عدم وجود كتب موثقة للمرحلة الحسينية قال محافظة على الرغم من تأخر الدراسات إلا أن الجامعات الأردنية بأقسام التاريخ الموجودة بها وثقت التطور الثقافي والسياسي والاجتماعي التاريخي للأردن وأصدرت الكثير من الرسائل الجامعية حول ذلك. وفي حديثه عن الأمن القومي في عقلية الحسين السياسية فهو التضامن العربي وكانت القاعدة الأساسية لديه “كلما توحد العرب و تضامنوا كان الأردن هو المستفيد”.
وفي معرض الإجابة عن غياب سردية تاريخية مقنعة قال أنّه يجب على مؤسسات الدولة أن تؤسس قسم للأرشيف يوثق جميع الوثائق والمعلومات حول الدولة، وغيابها اليوم سبب في عدم وجود وبناء هذه السردية حتى أصبحت الدولة الأردنية بلا ذاكرة، وفي كلمة أخيرة قالها المحافظة للشباب :آمنوا بأمّتكم ومستقبلها الذي هو أنتم.