هواجس الانتخابات الفلسطينية وما بعدها
على الرغم من الهواجس الكبيرة التي تحيط اليوم بالاستعداد لإجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية (في شهر مايو/ أيار المقبل)، إلا أنّ الأكاديمي والباحث الفلسطيني، أحمد جميل عزم، يرى (في ندوة حوارية عقدها معهد السياسة والمجتمع في عمّان) أنّ المخاوف والآثار الكارثية المترتبة عن عدم عقد الانتخابات أكبر بكثير مما يعتبرها بعضهم مجازفة كبيرة بإقامتها. لماذا تعتبر الانتخابات مجازفة؟ لأنّ الوضع الفلسطيني ما زال مسكوناً بحالة من فجوة عميقة بالثقة أولاً بين السلطة الوطنية (تحكم نسبياً في الضفة الغربية) وسلطة حركة حماس (تسيطر على قطاع غزة)، ما يجعل احتمالية انفجار الخلافات حتى عقد الانتخابات أمراً محتملاً بشدة. والمشكلة الجوهرية أنّ نخباً نافذة في الطرفين، الفتحاوي والحمساوي، تخشى من عقد الانتخابات ومن نتائجها، ما يجعل احتمالية استثمار أي ارتباك أو أزمة فرصة كبيرة لإفشال العملية برمّتها. يضاف إلى ذلك أنّ الأجندة الإسرائيلية وأجندة إقليمية عربية أيضاً لا تريد للانتخابات، ولا المصالحة الوطنية الفلسطينية، النجاح.
يجادل عزم بأنّ المهم هو الأجندة الوطنية الفلسطينية، وهي الأساس، وذلك صحيح من حيث المبدأ، لكن غياب تصور توافقي وطني لمرحلة ما بعد الانتخابات يمثّلان، في ظل فجوة عقد الثقة أولاً، تحدّياً جوهرياً، ليس فقط لمرحلة الانتخابات وتأكيد نزاهتها وحرية التنافس والحق في الاختيار الحرّ وغيرها من شروط أساسية لنجاح العملية الديمقراطية، بل أيضاً لمرحلة ما بعد الانتخابات ولانفجار الخلافات ووصولها إلى مرحلة أسوأ مما كان سابقاً.
لا يُنكر عزم تلك التحدّيات، لكنّه يضع في مقابلها ظروفاً وشروطاً تعطي أملاً بسير الأمور نحو الأفضل، في مقدمتها قانون الانتخاب الجديد، المبني على القوائم النسبية في الأراضي الفلسطينية المحتلة كافة، ما يؤدي إلى تقسيم عادل أفضل للمقاعد النيابية، ويدفع الطرفين إلى حكومة توافق وطنية تقوم بجدولة الخلافات والتحدّيات والتعامل معها، لكن بعد تحقيق مهمة رئيسية، إعادة الفلسطينيين إلى الطاولة معاً.
يضيف عزم إلى ما ذكر أنّ هنالك جيلاً جديداً من الشباب الفلسطيني اليوم وصل، في وعيه، إلى مرحلة تتجاوز الخلافات التقليدية بين الفصائل، ويتطلع إلى بناء تصوّرات أفضل لحياته ولقدرته على تحسين شروط الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، ما يتطلب القيام بانتخابات (بعد 15 عاماً على الانتخابات السابقة) تكشف لنا التحولات المهمة والأوزان الحقيقية للقوى والنخب الفلسطينية في الأراضي المحتلة. فضلاً عن ذلك، هنالك تساؤلات اليوم كبيرة لمرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس والفراغ السياسي الذي قد يترتب عن ذلك، ما يدفع بقوة إلى استئناف العملية الانتخابية والديمقراطية.
التحدّي الأول، إذاً، عبور الانتخابات الفلسطينية بسلام وعدم انفجار الأوضاع، ثم التوافق على حكومة وفاق وطني فلسطيني، ثم الحصول على الشرعية السياسية الداخلية والشرعية الدولية. ونذكر هنا كيف عانت الحكومة التي تشكّلت بعد الانتخابات السابقة عربياً وعالمياً لوجود قياداتٍ في “حماس” فيها، وكذلك الأمر في المجلس التشريعي الفلسطيني. ثم تأتي بعد شهرين الانتخابات الرئاسية، وإذا ما نجحت فإنّ المسير سيكون أوضح نحو إعادة تشكيل منظمة التحرير والمجلس الوطني وضخّ روح جديدة فعالة في المشروع الوطني الفلسطيني.
في مداخلته المهمة (في الندوة)، أشار رئيس مجلس أمناء معهد السياسة والمجتمع، عدنان أبو عودة، إلى جملة من الإشكالات والتحدّيات التي تواجه الانتخابات المقبلة، ومنها حالة الانفصام بين مشروع سياسي يقبل المعادلات الحالية على أرض الواقع (السلطة الفلسطينية)، ومشروع أيديولوجي تتبناه حركة حماس، إلّا أنّ عزم أشار، في ردّه، إلى الوثيقة السياسية المهمة التي تبنّتها الحركة قبل أعوام، والتي تتضمن تحوّلات كبيرة من الأيديولوجي إلى السياسي.
هي فرصة، فعلاً، لكنّها محفوفة بالمخاطر الكبيرة، ومحاطة بتحدّيات كبيرة وتواجه عقداً صعبة، لكنّ أمانة المسؤولية تقتضي من الأطراف الفاعلة أن تدرك أنّ البديل ليس ما وصلت إليه الحال الفلسطينية اليوم، لأنّ ما ينتظرنا أسوأ بكثير مع تدهور الأمور على أرض الواقع وحالة الفراغ الاستراتيجي العربي التي ولّدت لنا اتفاقيات التطبيع المتتالية.