تقارير دولية ترصد الصعود الجديد لداعش

خلال الأشهر القليلة الماضية تكاثرت التقارير التي تحذر من إمكانية عودة “داعش”، وهي نقارير تستند إلى مؤشرات ميدانية عدة، وفي مقدمتها عدم تغيّر الأسباب والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى صعود التنظيم، وهشاشة منطقة الشرق الأوسط والصراعات الإقليمية السياسية والطائفية، وعدم وجود حل عادل للقضية الفلسطينية، وتنامي حالة السلطوية في العالم العربي.

في هذا المقال سنرصد أبرز هذه التقارير والمعلومات والمؤشرات التي استندت إليها في توقع عودة داعش إلى النشاط والعمل والصعود مرة أخرى..

رجحت صحيفة الغارديان “فرص عودة تنظيم داعش مع انخفاض احتمالات الحملة الصارمة التي تقودها الولايات المتحدة، وهذا الأمر هو الذي يجعل المرحلة الحالية خطيرة بشكل خاص، وإذا استمر الحال في الأشهر المقبلة، فمن المحتمل أن تصبح داعش تهديدًا أكبر بكثير، وسيكون من الصعب احتوائه أكثر مما هو عليه الآن”.

كما يشير تقرير قدّم إلى مجلس الأمن الدولي في يوليو/ تموز من العام الجاري، إلى أن داعش استغل الثغرات الأمنية التي تسبب بها الوباء في سوريا والعراق، وبحسب التقرير الذي وضعه فريق المراقبة التابع للأمم المتحدة، فإن داعش “يُظهر ثقة في قدرته وبطريقة وقحة على العمل بشكل متزايد في منطقته الأساسية السابقة”، وأضاف التقرير أن عدد هجمات داعش قد زاد بشكل كبير في أوائل عام 2020 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019. وقال فريق المراقبة التابع للأمم المتحدة: “استغل (داعش) الثغرات الأمنية الناجمة عن الوباء والاضطرابات السياسية في العراق لإعادة إطلاق تمرد في الأرياف، وكذلك عمليات متفرقة في بغداد ومدن كبيرة أخرى”.

داعش والاستثمار في كورونا

في الوقت الذي يركز العالم جهوده للتصدي للمخاطر الصحية والاقتصادية لجائحة فيروس كورونا المستجدّ (كوفيد 19)، فإن جهوده بمواجهة المخاطر “الإرهابية” الأمنية تعاني من التشتت وضعف التنسيق، وقد استثمر تنظيم “الدولة الإسلامية” الجائحة بإعادة ترتيب هياكله العسكرية والأمنية والإعلامية والمالية، فاستفاد التنظيم من انتشار جائحة كوفيد 19 لزيادة عدد هجماته، في العراق وسوريا في أبريل ومايو من العام الحالي.

قبل حلول جائحة “كورونا” عمل تنظيم “داعش على أنه من أكثر التنظيمات الجهادية على  تماسك الهيكلية التنظيمية والبنية الإيديولوجية، فقد شكّل ذروة تطور غير مألوفة في نشاط الجماعات “الجهادية” العالمية، وبدت هيكليته وأيديولوجيته مغايرة لما سبق في العديد من خصائصها واستراتيجياتها.

وبالرغم من طرد تنظيم “داعش” من مناطق سيطرته الحضرية  في العراق وسوريا، وخسارة  آخر جيب مكاني في بلدة الباغوز في محافظة دير الزور (في 23 مارس 2018 على يد قوات سوريا الديموقراطية بدعم من قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن) فإن التنظيم كان لا يزال يتمتع بقدرات قتالية وتمويلية وإعلامية كبيرة،  ففي إحصائية التنظيم لهجماته منذ سقوط الباغوز حتى 19 مارس 2020، أعلن تنظيم “الدولة الإسلامية” مسؤوليته عن أكثر من 2000 هجوم في العراق وسوريا مجتمعة.

وبحسب الأمم المتحدة فإن تنظيم داعش كثّف هجماته في أيار/ مايو الماضي عندما ارتفع إجمالي الهجمات فجأة إلى 244، وهو ما تضاعف تقريبًا عن الشهر السابق، بزيادة قدرها 42.69٪.، ولم تتضاعف الهجمات في جميع أنحاء العراق فحسب، بل تضاعفت أيضًا في العديد من المناطق ذات الأهمية لداعش.

وبحسب تقرير معهد “دراسات الحرب” في واشنطن، بعنوان “عودة داعش الثانية: تقييم تمرد داعش المقبل” الصادر نهاية يونيو/ حزيران 2019،  فإن تنظيم “الدولة” اليوم أقوى مما كان عليه إبان حقبة “دولة العراق الإسلامية” التي ورثت “القاعدة في بلاد الرافدين”، فعندما انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من العراق عام 2011 كان لدى التنظيم في العراق حوالي 700 إلى 1000 مقاتل، بينما بلغ عدد مقاتلي تنظيم “الدولة” في سوريا في آب/أغسطس 2018 – وفقًا لتقديرات وكالة الاستخبارات العسكرية 30،000 مقاتل في العراق- وقد استطاع تنظيم “الدولة” تأسيس جيش كبير من المجموعة الصغيرة التي تركت عام 2011 مكنته من استعادة الفلوجة والموصل ومدن أخرى في العراق والسيطرة على معظم شرق سوريا خلال ثلاث سنوات فقط، وسوف يتعافى تنظيم “الدولة” بشكل أسرع بكثير مما حدث مع العودة الأولى، وسيصل إلى مستوى أكثر خطورة من القوة في ولادته الثانية

لقد  استقطب “داعش” في ذروته قرابة الـ 40 ألف مقاتلٍ أجنبيٍّ من 110 بلدانٍ مختلفةٍ، ويشير تقرير “فريق الرصد” التابع للأمم المتحدة، والذي أنجز في نهاية ديسمبر 2019 إلى تواصل الدول الأعضاء تقييمها بأن ما بين نصف وثلثيْ الأفراد الذين يتخطى عددهم 40 ألف مقاتل ممن انضموا إلى “الخلافة” لا يزالون على قيد الحياة، وقد أكدت الحكومة الأمريكية والأمم المتحدة وأطراف أخرى أنه يوجد ما يصل إلى 25 ألف مقاتل في العراق وسوريا مجتمعين: حوالي 11 ألف في العراق و 14 ألف في سوريا، فضلا عن أكثر 25 ألف آخرين ينشطون في فروع التنظيم الأخرى المنتشرة في منطقة الشرق الأوسط.

وفي تقرير حول “العودة الصامتة لداعش”  انجزته مجلة “لوبوان” الفرنسية حذرت من الصعود الجديد لعناصر داعش، ويشير التقرير إلى أن التهديد لا يشمل فقط العراق وسوريا، بل يطال بشكل رئيسي القوات الأمريكية الموجودة على الأرض هناك والتي يقدر تعدادها بـ500 عسكري، ويطال أيضاً دولاً غربية بسبب المخاوف من تسلل العناصر الداعشية إليها من خلال تركيا، وتنقل المجلة عن شون أودونيل المفتش العام للبنتاغون تأكيده أن التهديد يأتي بشكل رئيسي من السجناء الإرهابيين المحتجزين في السجون في شمال شرق سوريا من قبل “قوات سوريا الديمقراطية”، إضافة إلى أسر المقاتلين في مخيمات النازحين بالمنطقة.

أحد أسباب عودة “داعش”- بحسب صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية- احتياطاته المالية الضخمة، والإيرادات التي ما يزال يحتفظ به، فالمسؤولون أكّدوا على أنّ داعش ما يزال يبتزُّ السكّان المحليين في أماكن وجود أنصاره، ويتلقّى دخلاً من الشركات التي استولى عليها سابقاً، بالإضافة إلى دخله من الإتجار بالبشر، مضيفين، أن داعش يمتلك مجموعةً من الشركات والأصول تصل قيمتها إلى مئات الملايين من الدولارات في جميع أنحاء الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

تقدِّر وزارة الخزانة الأميركية أنّ احتياطيات التنظيم قد تصل إلى ثلاثمئة مليون دولار، بينما أعلنت الأمم المتحدة أنّها تقدَّر بمئة مليون دولار على الأقل، وكانت المجموعة المالية متعددة الجنسيات لمكافحة تنظيم داعش الإرهابي قد قالت في بيانٍ لها، إن التنظيم ما يزال مصمماً على إعادة تجميع صفوفه وممارسة العنف ضد شركاء التحالف الدولي والسكان المحليين أينما كانت خلاياه، وأن شبكاته موجودةٌ في جميع أنحاء العالم، ووفقاً لـ تقرير صادر عن الأمم المتحدة في تموز/يوليو 2019. ومنذ خسارة معقله الأخير في الباغوز، استثمر تنظيم “داعش” مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، مثل العقارات ووكالات السيارات.

يرصد بول روجرز، أستاذ قسم دراسات السلام في جامعة برادفورد، في مقالة العديد من التطورات التي تدل على إمكانية ظهور تنظيم “داعش” من جديد، وقام باستعراض ثلاثة تطورات أساسية في هذا المجال ابتداءً من إنشاء قاعدة في أفغانستان، ومروراً بعودة نفوذ التنظيم في غرب إفريقيا، ووصولاً إلى عودة التنظيم للظهور مؤخراً في العراق وسوريا. وينتقد روجرز في مقالته تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن الانتصار على التنظيم، ناهيك عن انتقاده للطريقة الفاشلة التي يتعامل من خلالها الغرب مع مثل هذا النوع من الأزمات، خاصةً وأن هذه الطريقة تتمحور حول اللجوء لاستخدام القوة العسكرية لحل هذه الأزمة.

الخلاصة

تمثّل التقارير السابقة، وغيرها من سارت في الاتجاه نفسه، ما يشبه الوثائق المعتبرة (لأنها صادرة عن مؤسسات رسمية وشبه رسمية بالإضافة للمؤسسات والباحثين المتخصصين) المعززة بالبيانات الواقعية والأرقام التي ترصد ملاحظة على درجة عالية من الخطورة أساسها أنّ تنظيم داعش لم يمت، ولم ينته كقوة عسكرية أولاً في العراق وسورية أو أيديولوجيا خطيرة على المستوى على العالمي، ما يقرع جرس الخطر من احتمالات معتبرة لصعود آخر للتنظيم مع قدرته المعروفة على التكيّف.

ثمة العديد من الأسئلة التي تطرحها هذه التقارير؛ منها سؤال الأعداد الكبيرة التي ما تزال فاعلة في العراق وسورية من أبناء التنظيم الذين هربوا إلى الصحراء، وأعادوا التموضع، منها التراخي الدولي والإقليمي في الحرب على الإرهاب بعد الانتصارات العسكرية، ومنها تركة داعش من الألاف في المعتقلات والمعسكرات وعبء التعامل معهم، ومنها التركة الأكثر خطورة التي تتمثل بآلاف النساء والأطفال من عشرات الدول في العالم، وغياب عملية إعادة التأهيل والقدرة على التقييم لدى الحكومات، بخاصة في كل من العراق وسورية.

مثل هذه المعطيات كفيلة بأن تدفع إلى مراجعات دولية وإقليمية حقيقية لسياسات الحرب على الإرهاب، فضلاً عن ذلك كلّه فإنّ الأسباب والشروط والمحرّكات التي أدت إلى صعود التنظيم ما تزال قائمة، بخاصة الأزمة السنية في العراق وسورية، يضاف إليها اليوم ظروف اقتصادية واجتماعية قاسية للنازحين السوريين والأطفال الموجودين في المعسكرات التي قد تصبح بيئة خصبة للتجنيد والتنشئة لداعش.

زر الذهاب إلى الأعلى