ورقة سياسات: تعزيز المشاركة الحزبية للشباب وطلبة الجامعات في الأردن

• أُعدت هذه الورقة على إثر ورشة عمل عقدها معهد السياسة والمجتمع بالشراكة مع صندوق الملك عبدالله الثاني في عمّان (26 يونيو/حزيران 2024) جمعت عمداء شؤون الطلبة في عدد من الجامعات الأردنية ومجموعة من أمناء عامي الأحزاب وشخصيات حزبية من قيادات وشباب.

المقدمة:


شهدت الآونة الأخيرة انتخابات مجالس اتحاد الطلبة في عدد من الجامعات الأردنية، وهي الأولى بعد إقرار قانوني الأحزاب والانتخاب ونظام العمل الحزبي في الجامعات. حملت تلك الانتخابات ظواهر عديدة قد ترقى إلى مؤشرات حول المرحلة القادمة من الانتخابات النيابية التي حددتها الهيئة المستقلة للانتخابات النيابية في 10 سبتمبر/أيلول القادم. الظواهر التي أفرزتها الانتخابات الجامعية فتحت الباب على مصراعيه لتساؤلات عديدة منها ما هو متعلق بسؤال الشباب والرغبة بالمشاركة السياسية والحزبية، ومدى تطبيق الأنظمة التشريعية داخل الجامعات، إلى جانب جهوزية الأحزاب للانتخابات القادمة وسؤال حقيقة دور الشباب والأجنحة الشبابية والطلابية داخل الأحزاب السياسية في تعزيز العمل السياسي والحزبي والمشاركة في قيادة المشهد.


تنطلق الورقة من قضيتين رئيستين؛ الأولى، أنها تأتي استجابةً لخبرة مشروع “سياسوميتر” الذي ينفذه معهد السياسة والمجتمع بالشراكة مع صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، فقد عقد المشروع مجموعة من التدريبات استهدفت الطلبة في 10 جامعات أردنية وعددًا من اللقاءات المكثفة مع عمداء شؤون الطلبة. وخلصت تلك التدريبات واللقاءات إلى ضرورة أن يكون هنالك حوار مباشر ما بين قيادات الأحزاب السياسية وعمداء شؤون الطلبة للوصول إلى تصور معين حول كيفية تطوير الأنشطة الطلابية الحزبية في الجامعات، بعد أن تبين أن عمداء شؤون الطلبة لديهم تصورات والطلاب الحزبيون والأحزاب لديهم تصورات أخرى، وكل طرف من هذين الطرفين يحمّل الآخر مسؤولية الفجوات الموجودة.

أما القضية الثانية، هو ما برز في الانتخابات الطلابية الأخيرة في عدد من الجامعات وما أفرزته من ضعف بدا واضحًا في قدرة الأحزاب السياسية بشكل عام في التأثير وجذب الطلاب، على الرغم من أن بعض الجامعات بلغت فيها نسبة المشاركة في الانتخابات أكثر من 50%، إلا أنها شهدت بقاء المعادلة التقليدية المتمثلة بالاعتبارات الجغرافية والاجتماعية والعشائرية التي طغت على المشهد الانتخابي، إلى جانب الحضور القوي للقوى التقليدية على رأسها الاتجاهات الإسلامية بشكل عام، رغم أن عددًا محدودًا من الأحزاب السياسية التي لديها القدرة المالية استطاعت أن تضم بعض الطلبة الفائزين في الانتخابات إلى صفوفها، الأمر الذي أثار انقسامًا داخل الأوساط السياسية والحزبية بين من اعتبر أن هذه الإجراءات بمثابة “رشوة حزبية” وشراء ولاءات الطلبة بلا جهد حقيقي، وبين من يرى أن هذا عمل طبيعي وينم عن ذكاء الأحزاب السياسية في قدرتها على استقطاب الطلبة الناجحين في الانتخابات بدلًا من إبقائهم غير محزبين، لتقوم هذه الأحزاب السياسية بتطوير مهاراتهم وقدراتهم وتصنع منهم قيادات.


المشكلة الرئيسية


بناءً على ما سبق تنطلق مشكلة الورقة من تساؤلات متعلقة بحالة المشاركة السياسية والحزبية لطلبة الجامعات، فعلى الرغم من وجود التشريعات الناظمة المتمثلة بقانوني الأحزاب والانتخاب ونظام الأنشطة الحزبية، والبرامج التثقيفية والتوعوية الهائلة التي تنفذها وزارة الشباب ومؤسسات المجتمع المدني والتي تحث على المشاركة السياسية والحزبية، إلا أنه من الملاحظ بقاء حالة العزوف بارزة داخل الأوساط الطلابية والشبابية، مما ولّد سؤالًا رئيسيًّا متعلقًا بالأسباب التي تقف وراء هذا العزوف، وعدم حماسيّة الطلبة باتجاه الأحزاب السياسية، خاصة وأن الانتخابات الجامعية لم تشهد مشاركة مباشرة من الأحزاب السياسية في الانتخابات، وهو ما يولّد سؤالًا آخر متعلق بكيفية تعزيز المشاركة الحزبية.

تحليل السياسات


منذ إقرار نظام العمل الحزبي في الجامعات من قبل وزارة التعليم العالي، عمدت الجامعات إلى تصويب أوضاعها بما يتناسب مع التغير الجديد المتمثل بدخول الأحزاب السياسية إلى الجامعات وفق شروط وضوابط معينة، وشهدت بالفعل العديد من الجامعات أنشطة حزبية إلا أنها توصف بالمحدودة. إلى جانب ذلك لم تشهد انتخابات اتحاد الطلبة مشاركة مباشرة من قبل الأحزاب السياسية، بل اكتفت بالإفصاح عن مشاركتها بعد صدور نتائج تلك الانتخابات.
يرى عمداء شؤون الطلبة أن الجامعات وفرت البيئة المناسبة للمشاركة السياسية والحزبية، والعمل وفق الأنظمة المتاحة لتنظيم العمل الحزبي داخل الجامعات. كما أنها تقوم بتشجيع الشباب على المشاركة السياسية والحزبية من خلال البرامج التي تقوم بالتنوير والتوعية بأهمية العمل السياسي والحزبي، وأصدرت التعليمات التي تتناسب مع مقتضيات المرحلة وتوجهات الدولة. ودائمًا ما تحاول تحجيم الموانع والعوائق التي قد تحد من المشاركة السياسية والحزبية داخل الجامعات.

إلا أن الأسباب التي تقف وراء عدم انخراط الشباب في العمل والمشاركة الحزبية من وجهة نظر عمداء شؤون الطلبة:

1- الأحزاب السياسية لم تولِ اهتمامًا حقيقيًّا لممارسة أنشطتها داخل الجامعات، فقد شهدت الجامعات، بعد مرور عام على تنفيذ نظام العمل الحزبي داخل الجامعات، إقبالًا ضعيفًا ومحدودًا من قبل الأحزاب للقيام بأنشطة داخل أروقة الجامعة.

2- لا تستطيع الجامعة إجبار الطلبة وإلزامهم أو الضغط عليهم لحضور النشاطات الحزبية أو التي تشجع على العمل الحزبي.

3- ما تزال هنالك فجوة ما بين الطلبة والقناعة بالعمل الحزبي، فالأسئلة التقليدية لدى الشباب ما تزال حاضرة، مثل الجدوى من الذهاب للعمل الحزبي، وجدوى المشاركة في التدريبات والفائدة المترتبة منها.

4- ماتزال الكثير من المخاوف تسير على الطلاب من العمل والمشاركة الحزبية، تلك المخاوف تكون بصورة أكبر لدى أهالي الطلبة الذين يحذرون أبناءهم من المشاركة بالعمل الحزبي، وهذا مرتبط بالقناعة والاعتقاد السائد بأن أي نشاط حزبي سيكون حاجز بين أبنائهم وبين العمل في مؤسسات الدولة.

بينما ترى الأحزاب السياسية أن الأسباب التي تقف وراء عدم انخراط الشباب في العمل والمشاركة الحزبية:

1- ليس من المتوقع أن تكون الأحزاب فجأة قادرة على منافسة القوى المؤثرة في الجامعات سواء من القوى الحزبية التقليدية أو القوى الاجتماعية، خاصة وأن هنالك إرث كبيرة من السياسات والقرارات وتوجهات الجامعات التي كانت تحرم العمل الحزبي.

2- الفترة بدت قصيرة جدًّا ما بين تصويب أوضاع الأحزاب السياسية وما بين تأسيس الأحزاب الجديدة وما بين الانتخابات التي أُجريت في بعض الجامعات.

3- ما تزال الثقافة الاجتماعية سائدة المتمثلة بعدم قناعة الناس بجدوى العمل الحزبي أو خطورة الانخراط فيه في بعض الأحيان، الأمر الذي تجد فيه الأحزاب صعوبة كبيرة في إقناع الطلاب على المشاركة الحزبية.

4- السبب الأكبر والأكثر تأثيرًا، عدم قدرة الأحزاب السياسية على تمويل أنشطتها في الجامعات، لأن ذلك يتطلب منها تشكيل لجان أو فتح مكاتب متخصصة بالعمل الجامعي، ويكون لدى الأحزاب قدرة على دعم الأنشطة داخل الجامعات وتمويلها، وما تزال هذه الخطوة صعبة بالنسبة لها.

5- ما تزال بعض عمادات شؤون الطلبة تحارب الأحزاب السياسية، وبعض العمادات لا تتعامل بمهنية مع أحزاب تصنّف نفسها على انها أحزاب معارضة، كما أن التعليمات المتعلقة بتنظيم العمل الحزبي داخل الجامعات تشوبها الكثير من الإشكاليات.

6- خشية العديد من الطلبة من التعبير عن هويتهم الحزبية في الانتخابات بدلًا من الهوية الاجتماعية، لما سيكون ذلك له من تبعات على الطلبة وعلى صورتهم أمام حاضنتهم الاجتماعية.

7- عدم حيادية مؤسسات الدولة تجاه الأحزاب السياسية والقيام بالتحشيد ضد بعضها، إلى جانب هندسة نتائج الانتخابات الطلابية في الجامعات.

الخلاصات


1- بشكل عام، يمكن القول إن العملية الحزبية بأسرها ما تزال في بداياتها وما يزال إرث المرحلة السابقة حاضرًا ولم يتم تجاوزه بعد، كما أن شعور الخوف ما يزال طاغٍ على الطلبة وأهاليهم الامر الذي يدفع باتجاه الحرص الشديد على عدم الانخراط في العمل الحزبي، خاصة في جامعات الأطراف.

2- يُضاف إلى ما سبق، أن الفترة الطويلة الممتدة منذ تسعينيات القرن الماضي شهدت وما تزال تعبئة للعامل الجهوي العشائري والجغرافي و ما يزال هنالك شعور أن الهويات الاجتماعية تطغى على الهويات السياسية في أغلب الجامعات الأردنية بخاصة تلك التي في الأطراف، وبالتالي ليس من المتوقع أن الأحزاب بإمكانياتها البسيطة والقليلة أن تقوم بكسر القواعد التي تحكم المشاركة السياسية، فهي حتى اللحظة لم تكتسب قوة داخل المجتمع وليس لديها قدرة مالية كافية، وخلال الفترة المنصرمة انشغلت بتصويب أوضاعها وفي ظل ظرف إقليمي كانت له تداعيات على الأردن مثل الحرب على غزة، الأمر الذي يجعل من الأحزاب تجاوز هذه المصاعب بسهولة أو في فترة وجيزة موضع شك سواء خلال فترة انتخابات اتحاد الطلبة أو الانتخابات البرلمانية.

3- فضلت بعض الأحزاب السياسية عدم المشاركة في انتخابات اتحاد الطلبة تجنبًا لشعور خيبة الأمل الذي كان من الممكن يصيبها في حال مشاركتها، وبالتالي كان لبعضها وجود لكن فضلت عدم المشاركة إلى حين استكمال بناء قواعدها وقدراتها.

4- على صعيد الشباب ما تزال هناك شريحة اجتماعية كبيرة داخل وخارج الجامعات تتساءل حول الجدوى من العمل الحزبي، خاصة وأنها لم تر حتى الآن نتائج هذا العمل كي تذهب باتجاهه. على الجهة المقابلة، ما تزال بعض الجامعات تتعامل بحذر شديد مع العمل الحزبي، وتعاقب بعض الإدارات الطلبة بالغياب في حالة المشاركة في أنشطة تثقيفية وتوعوية حول العمل الحزبي والجامعات وهو ما يعيق تنفيذ العديد من الأنشطة من قبل تلك الأحزاب او مؤسسات المجتمع المدني.

التوصيات


على صعيد الجامعات والإدارات الجامعية:


1 – بناء وتعزيز قدرات المسؤولين عن العمل الحزبي في عمادات شؤون الطلبة: على الرغم من أن الجامعات قامت بإعادة هيكلة عمادات شؤون الطلبة، وقامت بتعيين أشخاص متخصصين في التعامل مع الأحزاب السياسية، إلا أن استقلالية هؤلاء الأشخاص وقدراتهم ومهاراتهم ما تزال موضع شك وعلامة استفهام، الأمر الذي يستدعي العمل على بناء وتعزيز قدراتهم ومهاراتهم، للقيام بعملية بناء تواصل بين الجامعات والأحزاب السياسية، ويكون لديهم توجه إيجابي مع الطلاب لتشجيعهم على المشاركة الحزبية.
2- تشجيع الطلبة على المشاركة في التدريبات والأنشطة الحزبية: في ظل وجود الأنشطة التوعوية والتثقيفية من قبل مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب، يستدعي هذا الأمر اليوم قيام الجامعات بإجراءات معينة لتشجيع الطلبة، مثل ربط تلك الجلسات والتدريبات بنقاط الخدمة المجتمعية أو منح شهادات من الجامعات.
3- تعزيز التواصل بين عمداء شؤون الطلبة والأحزاب: تبقى المعضلة الحالية قائمة خلال الفترة القادمة ما لم يكن هنالك تواصل مباشر من قبل عمداء شؤون الطلبة مع الأحزاب السياسية وتشجيعهم لعقد أنشطتهم داخل الجامعات، وتعزيز محاولات كسر الحواجز بين الطلبة والمشاركة السياسية والحزبية.

على صعيد الأحزاب السياسية:


ما تزال هنالك قناعة لدى شريحة واسعة من الشباب أن الأحزاب لا تعطيهم الأهمية اللازمة، بل تتعامل معهم كحشوات انتخابية وواجهات وهمية، ولم تفرز الأحزاب حتى الآن قيادات شبابية لديها القدرة على مخاطبة الشباب وتحقيق اختراق في الجامعات وتقديم خطاب مقنع بالنسبة لها، الأمر الذي يتطلب من الأحزاب أن تُعنى بشكل كبير بعدة أمور حتى إجراء الانتخابات النيابية:

1- بناء أجنحة شبابية حقيقية داخل الأحزاب تتضمن العمل الجامعي، تحظى باهتمام كبير وتوليها استقلالية أكبر، وتسعى لتمكين الشباب من المهارات القيادية التي يستطيعون من خلالها أن يكونوا مقنعين لطلاب الجامعات.

2- تطوير خطاب الأحزاب تجاه الشباب لتكون قادرة على ملامسة هموم الشباب وإقناعهم بضرورة وأهمية وجودهم ومشاركتهم داخل الحزب.

3- تعزيز برامج الشباب داخل الأحزاب السياسية لتعزز دورهم وتبني قدراتهم.

على صعيد الدولة والمؤسسات:


1- تطوير وتصدير خطاب من أعلى الجهات الرسمية تحث وتطمئن الشباب من المشاركة السياسية والحزبية من الناحية الأمنية والمستقبل الوظيفي، وعكس ذلك الخطاب على الممارسات.
2- تسليط الإعلام الضوء على الشباب والأحزاب والعمل الحزبي داخل الجامعات ومحاولة استدخال فكرة المناظرات داخل الجامعات بين طلبة الأحزاب السياسية.

زر الذهاب إلى الأعلى